السبت، 18 مايو 2013

الاستنساخ البشري ليس خلقًا من عدم، وهو محرم شرعًا..

 إن جموح العقل البشري لا حدود له، فالإنسان في تطلع مستمر لمعرفة المجهول، وفي دأب ومثابرة لكسر كل قيد من شأنه أن يعيق أحلامه ويكبح رغباته، ولو كان هذا العائق أمرا شرعيا أو مبدأ أخلاقيا، وهذا ما نراه بشكل ملحوظ في الأبحاث العلمية حول الاستنساخ، والتي يشتد حولها الجدل من حين لآخر.
فمؤخرا كثر الجد بعد أن أعلن علماء أمريكيون أنهم استخدموا الاستنساخ البشري لإنتاج أجنة في مرحلة أولى من النمو، فيما اعتبروه "خطوة كبيرة" في التقدم الطبي. وقد حرص علماء جامعة أوريغون التي تقف وراء ذلك الإنجاز على التأكيد أن الأجنة المخلقة عبر هذه العملية لا يمكن أن تصبح بشرًا.
واستخدمت الأجنة المستنسخة كمصدر لإنتاج الخلايا الجذعية، والتي يمكن استخدامها لتخليق عضلة قلب جديدة وعظام وأنسجة المخ أو أي نوع آخر من الخلايا.
وفي المقابل من ذلك يرى عدد من الباحثين أن هناك مصادر أخرى للخلايا الجذعية قد تكون أيسر وارخص واقل إثارة للجدل.
ويقول معارضو الدراسة إن استخدام الأجنة البشرية للتجريب الطبي أمر غير أخلاقي ودعوا إلى وقفه.
والاستنساخ ليس خلقا من عدم، فهذا ما لا يقدر عليه إلا الله، وإنما غاية ما يفعله الباحثين في هذا المجال هو أنهم يأخذون البيانات الوراثية للكائن الحي المراد استنساخه من خلية حية، ثم يضعون هذه المواصفات داخل بويضة، ليتم تخليقها، فهم لا يوجدون شيئا من العدم، وعليه فالاستنساخ عبارة عن: توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بويضة منزوعة النواة، وإما بتشطير بويضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء.
ونظرا لما قد يترتب علي أبحاث الاستنساخ من أضرار ومفاسد عقدت المجامع العلمية الإسلامية الندوات، ودارت النقاشات، وألفت الكتب والأبحاث، ومن ثم خرجت هذه الجهود بأطر عامة ليسترشد بها من يُقدم– من الباحثين- على العمل في مجال الاستنساخ.
ومن الجهود التي كان لها أثر طيب في وضع ضوابط لهذا الأمر القرارات التي خرج بها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة مؤتمره العاشر بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23-28 صفر 1418هـ الموافق 28 يونيو- 3 يوليو 1997م، حيث خرج المجمع- بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في المؤتمر بخصوص موضوع الاستنساخ البشري- بالقرارات الآتية:
أولاً: تحريم الاستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي إلى التكاثر البشري.
ثانياً: إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولاً) فإن آثار تلك الحالات تعرض لبيان أحكامها الشرعية .
ثالثاً: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحماً أم بييضة أم حيواناً منوياً أم خلية جسدية للاستنساخ .
رابعاً: يجوز شرعاً الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد .
خامساً: مناشدة الدول الإسلامية إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لغلق الأبواب المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الأجنبية والمؤسسات البحثية والخبراء الأجانب للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميداناً لتجارب الاستنساخ البشري والترويج لها .
سادساً: المتابعة المشتركة من قبل كل من مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لموضوع الاستنساخ ومستجداته العلمية، وضبط مصطلحاته، وعقد الندوات واللقاءات اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به .
سابعاً: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم الأحياء (البيولوجيا) لاعتمادها في الدول الإسلامية.
ثامناً: الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء البحوث في مجال علوم الأحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير مجال الاستنساخ البشري، وفق الضوابط الشرعية، حتى لا يظل العالم الإسلامي عالة على غيره، وتبعاً في هذا المجال .
تاسعاً: تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلامية، ودعوة أجهزة الإعلام لاعتماد النظرة الإيمانية في التعامل مع هذه القضايا، وتجنب توظيفها بما يناقض الإسلام، وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي موقف، استجابة لقول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء : 83].
والله أعلم (*)
-------------
(*) قرار رقم: 94 ( 2/10)

مركز التأصيل للدراسات والبحوث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..