هكذا يُحب أن يدعى، مجرداً من عبارات التبجيل والتفخيم والوصف ،ودون مقدمات أو مدح أو إطراء ،ولو قيل فيه ما قيل، لكان أهلاً لذلك .
إمام زاهد باع دنياه بآخرته، كلَّما أوغل في التخفي زاده ظهوراً وبريقا. ترك الدنيا وبهرجتها فزهد فيها زهداً حيّر الكثيرين وأدهشهم . أقبلت عليه فهرب منها ،ثم أدركته فغلبها جاعلاً نصب عينيه قوله تعالى: { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى } [ النساء : 77 ] وقوله تعالى : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [ النحل : 69 ]
زهد في الدنيا فأراح نفسه, والزهد مقام شريف من مقامات السالكين ، قال بعض السلف : " الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة فيها تكثر الهم والحزن "
نال- رحمه الله- ثقة الكبار، وأحبه الجميع، وزهد فيما عند الناس فأحبه الناس , مؤمن تقي خفي، وفي الأثر : ((إن الله يحب العبدَ التقيَّ الغنِيَّ الخفيَّ)) رواه مسلم .
وفي الصحيح )وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ( قال أهل العلم : فيه وجهان : أحدهما : يرفعه في الدنيا ، ويثبّت له بتواضعه في القلوب منزلة ، ويرفعه الله عند الناس ، ويجلّ مكانه . والثاني : أن المراد ثوابه في الآخرة ، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا .
أما التواضع، وصغر النفس فأمر عجيب، وشيءُ فاق الوصف . لم تؤثر فيه المناصب فيحدوه حادي الخُيلاء، ولم يثنِ أعطافه الزهو والكبر، والعُجب بالنفس ، فما زاده المنصب إلا تطامناً للنفس, وليناً في الجانب , وخفضاً للجناح، رحمه الله وغفر له .
تواضعَ وهو النجمُ عِزاً ورِفعةً ... وخفَّ على الأرواحِ وهو شَمام
يذهب لعمله، ويرجع لبيته - في أجياد قريباً من الحرم - على قدميه دون تكلف أو تكليف، يدخل في الناس، ويختفي في أوساط العامة، وكأنه أحدهم يصيبه ما أصابهم، ويمر عليه مايمر عليهم من ضيق ،أوتدافع، أوزحام، أو عكسه . لا يشعر به أحد، ولا يعرفه إلا الخواصّ فلله دره ! ترك البهرجة والحرس، وفتح الطريق وآثر ألاّ يؤذي أحداً، ولا يلفت نظراً،
فلا يضيق على حاج أو معتمر أو زائر .
شرفه الله في آخر عمره برئاسة شؤون الحرمين الشريفين، والقرب والمجاورة فيهما، فقام بما أوكل اليه خير قيام وأكمله ، ابتداءً بمسؤوليات عمله الإداري الكبير ،ونهايةً برفع ما يراه ملقى على الأرض من كؤوس ماء الشرب المستعملة، أو غيرها ؛ليضعها في مكانها المخصص، وقد رأيته - رحمه الله- عام 1427هـ في صحن الكعبة المشرفة بعد الصلاة، وهو في طريقه للخروج من المسجد يرفعها من الأرض، فيبادره أحد الناس - وقد عرفه - ليأخذها منه تقديراً لمقامه، وإجلالاً له، فيخفيها خلف ظهره مبتسماً في وجهه داعيا له في تواضع فطري، وهدوء غير متكلف، فسبحان الملهم لا إله غيره! .
كانت حياته حافلة بالعمل والدعوة، والاحتساب وبذل الخير، ونفع الناس مع بعد عن أضواء الإعلام ،وبهرجته يعمل بصمت ،ويتحرك بسكينة ووقار، لا يُرى إلا مبتسماً يتهلل وجهه لكل الناس ،من يعرف ومن لا يعرف .
والشيخ صالح من بقية السلف الصالح، يُذكِّر من رآه بسير المتقدمين من الزهاد والعباد، والعلماء الصالحين، كابن أدهم ،والفضيل، وابن حنبل ،والجنيد، وغيرهم .
ما رآه أحد إلا أحبه، ولا عمل معه أحد إلا أثنى عليه بما يستحق , وسع الناس بدماثة خلقه وطيب نفسه ،وصدق حديثه، وتواضعه الجم . سره وعلانيته سواء نحسبه - والله حسيبه- ،ولا نزكي على الله أحدا .
لقد غيب الموت شيخاً جليلاً، فقده رزية وموته ثلمة ، وقد جاء في الحديث : " مَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لا تُجْبَرُ ، وَثُلْمَةٌ لا تُسَدُّ ... " و صدق القائل :-
إذا ما ماتَ ذو عِلْمٍ وتقوى * فقَدْ ثُلمتْ مِن الإسلام ثُلمة
ولقد ترك - رحمه الله - بعد وفاته حديثاً حسناً يروى، وذكراً جميلاً يتناقله الناس، يشنف الآذان، ويملأ المسامع، وهم شهود الله في أرضه . ولقد أحسن القائل :
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها * فالذكر للإنسان عُمر ثانِ
رحم الله أبا عبد الله، الشيخ الزاهد ،وغفر له، ورفع درجته في المهديين .
صحيفة شقراء بقلم يوسف بن عبدالعزيز المهنا
إمام زاهد باع دنياه بآخرته، كلَّما أوغل في التخفي زاده ظهوراً وبريقا. ترك الدنيا وبهرجتها فزهد فيها زهداً حيّر الكثيرين وأدهشهم . أقبلت عليه فهرب منها ،ثم أدركته فغلبها جاعلاً نصب عينيه قوله تعالى: { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى } [ النساء : 77 ] وقوله تعالى : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [ النحل : 69 ]
زهد في الدنيا فأراح نفسه, والزهد مقام شريف من مقامات السالكين ، قال بعض السلف : " الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة فيها تكثر الهم والحزن "
نال- رحمه الله- ثقة الكبار، وأحبه الجميع، وزهد فيما عند الناس فأحبه الناس , مؤمن تقي خفي، وفي الأثر : ((إن الله يحب العبدَ التقيَّ الغنِيَّ الخفيَّ)) رواه مسلم .
وفي الصحيح )وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ( قال أهل العلم : فيه وجهان : أحدهما : يرفعه في الدنيا ، ويثبّت له بتواضعه في القلوب منزلة ، ويرفعه الله عند الناس ، ويجلّ مكانه . والثاني : أن المراد ثوابه في الآخرة ، ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا .
أما التواضع، وصغر النفس فأمر عجيب، وشيءُ فاق الوصف . لم تؤثر فيه المناصب فيحدوه حادي الخُيلاء، ولم يثنِ أعطافه الزهو والكبر، والعُجب بالنفس ، فما زاده المنصب إلا تطامناً للنفس, وليناً في الجانب , وخفضاً للجناح، رحمه الله وغفر له .
تواضعَ وهو النجمُ عِزاً ورِفعةً ... وخفَّ على الأرواحِ وهو شَمام
يذهب لعمله، ويرجع لبيته - في أجياد قريباً من الحرم - على قدميه دون تكلف أو تكليف، يدخل في الناس، ويختفي في أوساط العامة، وكأنه أحدهم يصيبه ما أصابهم، ويمر عليه مايمر عليهم من ضيق ،أوتدافع، أوزحام، أو عكسه . لا يشعر به أحد، ولا يعرفه إلا الخواصّ فلله دره ! ترك البهرجة والحرس، وفتح الطريق وآثر ألاّ يؤذي أحداً، ولا يلفت نظراً،
فلا يضيق على حاج أو معتمر أو زائر .
شرفه الله في آخر عمره برئاسة شؤون الحرمين الشريفين، والقرب والمجاورة فيهما، فقام بما أوكل اليه خير قيام وأكمله ، ابتداءً بمسؤوليات عمله الإداري الكبير ،ونهايةً برفع ما يراه ملقى على الأرض من كؤوس ماء الشرب المستعملة، أو غيرها ؛ليضعها في مكانها المخصص، وقد رأيته - رحمه الله- عام 1427هـ في صحن الكعبة المشرفة بعد الصلاة، وهو في طريقه للخروج من المسجد يرفعها من الأرض، فيبادره أحد الناس - وقد عرفه - ليأخذها منه تقديراً لمقامه، وإجلالاً له، فيخفيها خلف ظهره مبتسماً في وجهه داعيا له في تواضع فطري، وهدوء غير متكلف، فسبحان الملهم لا إله غيره! .
كانت حياته حافلة بالعمل والدعوة، والاحتساب وبذل الخير، ونفع الناس مع بعد عن أضواء الإعلام ،وبهرجته يعمل بصمت ،ويتحرك بسكينة ووقار، لا يُرى إلا مبتسماً يتهلل وجهه لكل الناس ،من يعرف ومن لا يعرف .
والشيخ صالح من بقية السلف الصالح، يُذكِّر من رآه بسير المتقدمين من الزهاد والعباد، والعلماء الصالحين، كابن أدهم ،والفضيل، وابن حنبل ،والجنيد، وغيرهم .
ما رآه أحد إلا أحبه، ولا عمل معه أحد إلا أثنى عليه بما يستحق , وسع الناس بدماثة خلقه وطيب نفسه ،وصدق حديثه، وتواضعه الجم . سره وعلانيته سواء نحسبه - والله حسيبه- ،ولا نزكي على الله أحدا .
لقد غيب الموت شيخاً جليلاً، فقده رزية وموته ثلمة ، وقد جاء في الحديث : " مَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لا تُجْبَرُ ، وَثُلْمَةٌ لا تُسَدُّ ... " و صدق القائل :-
إذا ما ماتَ ذو عِلْمٍ وتقوى * فقَدْ ثُلمتْ مِن الإسلام ثُلمة
ولقد ترك - رحمه الله - بعد وفاته حديثاً حسناً يروى، وذكراً جميلاً يتناقله الناس، يشنف الآذان، ويملأ المسامع، وهم شهود الله في أرضه . ولقد أحسن القائل :
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها * فالذكر للإنسان عُمر ثانِ
رحم الله أبا عبد الله، الشيخ الزاهد ،وغفر له، ورفع درجته في المهديين .
إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل
إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل
صحيفة شقراء بقلم يوسف بن عبدالعزيز المهنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..