أصبح من السهل جداً على المرء أن يتابع ويحلل الكثير من التجاوزات والكثير
من المخالفات الإدراية
والفساد المالي، وضياع الحقوق، وذلك من خلال ما يسمع
ويرى ويقرأ عبر وسائل الإعلام.
فلم يعد خافياً على أحد ما تعاني منه معظم أجهزتنا الإدارية من خلل في إداء أعمالها، قد يصل في بعض الأحيان إلى إصابة الجهاز بكامله بالشلل نتيجة عجزه عن الوفاء بالتزاماته حيال ما يلقى على كاهله من مسؤوليات، فكم طالعتنا الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بمخالفات ترقى إلى حد الجرائم، مثل العنف الموجه ضد الزوجات والأبناء، الذي يصل في بعض الأحيان إلى القتل، أوالخطف، أو حبس الحرية، أو التساهل في نظافة ما يقدم للمواطن من طعام.
وما أكثر ما سمعنا وشاهدنا من المخالفات من قبل المطاعم ما يخجل، وما يوجب عقوبة شطب المطعم، ونفاجأ بعقوبة لا ترق إلى حجم المخالفة، و صمت مطبق من قبل الجهات المعنية، ولا يلبث أن يعود ويزاول المطعم أو البوفيه، نشاطه، وقد يغير اسمه مع بقاء الطاقم، فهل تغيير الاسم هو المطلوب، وهو الضامن لعدم تكرار ما حدث، والشيء نفسه ينطبق على الاستخفاف بصحة وسلامة المواطن من خلال التقاعس عن تقديم الخدمة الصحية المناسبة، أو المماطلة في العلاج من خلال تسجيل موعد بعيد المدى قد يمتد لستة أشهر أو أكثر مما يتسبب في تفاقم المرض أو الوفاة، أو حرمان فئة من المجتمع ممن أصيبوا بأمراض مزمنة أو غير مصنفة من فرصة العلاج في الداخل أو الخارج، والأمثلة على ذلك كثيرة.
والسؤال الكبير يبقي حائراً، وهو من المسؤول عن رصد كل هذه الأخطاء؟ ومنع وقوعها بحول الله، أو التمادي فيها؟ فمن أساسيات التخطيط الوقائي وميزاته أن يجنب الإنسان الوقوع في الأخطاء، أو تكرارها، وهذا يذكرنا بمنظر السيارات الغارقة في الأنفاق التي من المفترض أنها صممت لتسهيل حركة السيارات وليس لإعاقاتها عند كل حبة مطر تسقط، ويظل السؤال من المسؤول؟ وهذا يقودني للبحث عن المسؤول فلا أجد أمامي إلا الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فهاتان الهيئتان طال انتظارهما، فالهيئة الوطنية لحقوق الانسان - أنشأت عام 1426هـ - والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد – أنشأت عام 1432هـ - وجاء انشاءهما بأوامر ملكية، و تتمتعان باستقلالية تامة منذ نشأتهما، بمعنى أنهما لم ترثا إرثا إدارياً يحمل من التراكمات والمشاكل ما الله به عليم، بل جاءت نشأتهما بعد دراسة وتأن، وتم تشكيلهما بكل هدوء وروية لتلبي الاحتياجات الضرورية لبناء مجتمع مستقر وخال من الفساد بإذن الله، استجابة وامتثالاً لشرع الله أولا وقبل كل شيء، وتحقيقاً لأهداف خطط التنمية الخمسية ومتطلبات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى ميزة نوعية تتمثل في الاستقلال المادي، الذي يتيح لمن هم في سدة إدارتيهما التصرف بكل حرية وبعيداً عن الروتين الذي قد يعطل مهامهما.
ومع ذلك نجد أن المنتج منهما وبكل صراحة قد خذل كل طموحات المواطنين الذين ضاقوا ذرعاً بسماع الشكوى والتذمر ممن كان من المتوقع أن تنتهي معاناتهم بمجرد إنشاء مثل هاتين الهيئتين، وللأسف الشديد أن نقول ذلك ولكن هناك حقائق لا يمكن تجاهلها، فكل ما حولنا يشير ويؤكد على أن أهداف أي من الهيئتين لا تزال تراوح مكانها، بمعنى أن مستوى التفعيل لأهدافهما ووسائل تحقيق تلك الأهداف، لم يرتق بعد إلى أهمية وسمو الأهداف المتوخاة.
وللتدليل على ما ذكرت، استمرار الأصوات والنداءات من أكثر من شريحة في المجتمع، بسبب تعرضها للإهمال صحياً، أو معاناتها من الفقر المدقع، أو التعرض للعنف، أو ضياع حقوقها، وكلها أمور تدخل مباشرة في صلب عمل الهيئتين، وهذه الأصوات لا تسمع من حين لآخر، بل بشكل يومي، ولو حللنا أياً من هذه الانتهاكات لما خرجت عن دائرة تفشي الفساد وضياع حقوق الإنسان.
وهاتان الدائرتان هما الطرفان الأساسيان في المعادلة المحركة لعجلة العمل في الهيئتين، علينا أن نعرف أن كل معاناة لمواطن لا تنشأ إلا من فساد أو انتهاك لحقوق الانسان، فلو اشتكت مواطنة مطلقة من عجزها عن الصرف على نفسها أو أولادها، بسبب ضيق ذات اليد، وعدم كفاية ما يصلها من ضمان اجتماعي، ومماطلة زوجها المطلق في دفع ما عليه من نفقة لأبنائه، مما يضطرها للعمل في البيوت لتدبر أمورها. ترى أليس بديهياً أن وراء ذلك فساد إدراي أتاح للزوج المطلق أن يتهرب من التزاماته تجاه أبنائه، وهو ما أدى إلى انتهاك صارخ لحقوق هذه الأم وأبناءها، وهو ما يقودنا إلى تقرير حقيقة مهمة وهي صعوبة المسؤولية الملقاة على عاتق الهيئتين، وهو ما يتطلب منهما إعادة قراءة أهدافهما واستراتيجيات العمل المكلفتان بتطبيقها عملياً عبر وسائل محددة ومقننة، نصت عليها المراسيم الملكية الكريمة القاضية بإنشائهما، بشكل دقيق والتأكد من أنها واضحة في أذهان المسؤولين عنهما ومن ثم العاملين فيهما، والعمل من منطلق الحس الوطني تجاه ما تحمله وسائل الإعلام ومن خلال ما يرد من شكاوى وبلاغات لكلا الهيئتين.
فكما قدمنا الهيئتان تمثلان محور ارتكاز لكل ما يمر به المجتمع من مشكلات، وسأقدم للهيئتين دليلاً واقعياً وماثلاً أمامنا و لا يرق إلى الشك ويتمثل في البرنامج الإذاعي الاسبوعي " لست وحدك " الذي يبث من إذاعة البرنامج الثاني بجدة، مساء كل يوم سبت، ويعده ويقدمه الإعلامي البارز الأستاذ الفاضل سعود الجهني، وبحضور فضيلة الشيخ أنس بن سعيد بن مسفر، وقد سبق للبرنامج ان استضاف معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هاتفياً، وطلب من معاليه التعاون مع البرنامج فيما يتعلق بمصالح المواطنين، وبذلك يكون قد أوصل لمعاليه رسالة البرنامج، وهذا البرنامج لا يملك من المقومات التي تملكلها أياً من الهيئتين، ولكن وبجهود العاملين فيه الذين يعدون على الأصابع، أستطاع البرنامج أن يقوم بجهد وافر في أيصال صوت المواطن المظلوم، ويحل من المشاكل ويوصل الحاجات، في الوقت التي عجزت هاتان الهيئتان بما تملكان من ميزانيات ضخمة، وإدارات وطواقم وظيفية، أن تلبي معظم حاجات المواطنين أو تقف معهم، اللهم إلا من استشارات لا تسمن ولا تغن من جوع، ألا يعني استمرار البرنامج لنفس المشاكل وبشكل أكبر، ومضاعف.
أن الهيئتين في غياب تام عن نبض المجتمع، وهو ما يؤكده معد ومقدم البرنامج، بدليل عدم تلقي البرنامج الاستجابة المرجوة من الهيئتين، رغم استمرار نداءات الاستغاثة من قبل المواطنين والمواطنات ممن يعانون من فقر أو ظلم أو جوع أو مرض، وكلها قضايا تقع في صميم اختصاص الهيئتين، وليس بخاف على أحد مشكلة مرض التوحد الذي يعاني منه أكثر من مائتي ألف طفل سعودي، ويكلف في المتوسط العلاج والتأهيل للمريض أكثر من سبعة عشر ألف ريال شهرياً، وهو ما يعاني منه أولياء الأمور ويمثل عبئاً وكابوساً لهم، وبالرغم من طرح الموضوع ولأكثر من مرة عبر معظم وسائل الإعلام، إلا أن الهيئتين لم تحركا ساكناً تجاه هذه المشكلة, ولا أجد مبرراً لأي منهما للنأي بنفسيهما عن معظم مشاكل وقضايا المجتمع، مما يعطي انطباعاً بأن الهيئتان تتعامل مع القضايا والمشاكل بشكل انتقائي وهو ما يخالف طبيعة عملهما، و الأهداف التي انشأتا من أجلها، وما زلت أتذكر رد معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أحد الشباب الذي عرض على معاليه معاناته مباشرة على الهواء عبر برنامج صباح الخير، من إذاعة الرياض، المتمثلة في تأخر تعيينه على وظيفة رغم تكرار تقديمه على وزارة الخدمة المدنية لمدة تزيد على العشر سنوات، وعندما تقدم للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعرض موضوعه.
وبعد مدة امتدت لأشهر، جاءه رد الهيئة بأنها لا تتعامل مع قضايا فردية، وقد علق معالي الرئيس على كل ذلك، بأن الهيئة بالفعل لا تتعامل مع المشاكل الفردية، وهذا الرد شكل لي صدمة لا أعتقد أنها أقل من صدمة المتصل المستجير بمعالي الرئيس، في مشكلة تمثل فساد إداري واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فهل يحتاج المتصل أن يجمع كل من يعانون من نفس المشكلة لكي تقتنع الهيئة بمشكلته. ولو يسمح المجال لقدمت من الدلائل التي أملكها على تجاهل الهيئة لكثير من القضايا التي هي تصب في صلب اختصاصها، الشيء الكثير، ولا أدري لماذا؟؟ هل هو تهرب؟ أوتساهل، أوسوء تقدير لحجما المسؤولية المنوطة بالهيئة، أم غير ذلك؟ ولا أجد تفسيراً لما سمعت إلا أن هناك مشكلة علاقات عامة تعاني منها الهئية، أو ضعف شديد في جانب الاستشارات التي من شأنها أن تجنب أي مسؤول في الهيئة، الوقوع في مثل هذه الهفوات، فكما هو معروف أن المهمة الأساس للعلاقات العامة أن تضع المسؤول مباشرة أمام نبض الشارع تجاه سياسات المنشأة التي يديرها، وفي الوقت نفسه تقوم بشرح سياسات المنشأة أو المنظمة أو الهيئة للجمهور المتعامل معها، وبدون هذا الاتصال الصاعد والهابط لا يستقيم الأمر، وهذا العنصر الأساس في نجاح أي عمل له صلة بالجمهور، وحتى لا أثقل على الهيئة، سوف أكون متواضعاً هذه المرة في مطالبتي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتطبيق ما جاء في كتيب رسالتنا إليك، الذي وزعت منه الهيئة بالآلاف، ولها منا جزيل الشكر والامتنان.
أما هيئة حقوق الإنسان، فأطالبها بوضع إعلان إسلامي عالمي لحقوق الإنسان، تستمد مواده من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، لأن العالم يحتاج لمثل هذا الإعلان. والأهم من ذلك السعي الحثيث وبكل جد للاقتراب من مشاكل المجتمع المتعلقة بانتهاك حريات الإنسان والإساءة لكرامته وتحقيق مبدأ العدالة والحرية في المجتمع. ويجب أن نلمس النتائج بشكل ملموس في المجتمع، فلا يمكن أن يكون هناك صوت يصيح أو يستغيث، أو مشروع متعثر، وليس وراءه انتهاك لحقوق الانسان، أو فساد مالي أو إداري. فهل وصلت الرسالة؟
خاص لـ"إخبارية عرعر"
لمشرف العام على العلاقات العامة في هيئة مكافحة الفساد سابقاً
الدكتور الربيع محمد الشريف
د. الربيع الشريف |
فلم يعد خافياً على أحد ما تعاني منه معظم أجهزتنا الإدارية من خلل في إداء أعمالها، قد يصل في بعض الأحيان إلى إصابة الجهاز بكامله بالشلل نتيجة عجزه عن الوفاء بالتزاماته حيال ما يلقى على كاهله من مسؤوليات، فكم طالعتنا الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بمخالفات ترقى إلى حد الجرائم، مثل العنف الموجه ضد الزوجات والأبناء، الذي يصل في بعض الأحيان إلى القتل، أوالخطف، أو حبس الحرية، أو التساهل في نظافة ما يقدم للمواطن من طعام.
وما أكثر ما سمعنا وشاهدنا من المخالفات من قبل المطاعم ما يخجل، وما يوجب عقوبة شطب المطعم، ونفاجأ بعقوبة لا ترق إلى حجم المخالفة، و صمت مطبق من قبل الجهات المعنية، ولا يلبث أن يعود ويزاول المطعم أو البوفيه، نشاطه، وقد يغير اسمه مع بقاء الطاقم، فهل تغيير الاسم هو المطلوب، وهو الضامن لعدم تكرار ما حدث، والشيء نفسه ينطبق على الاستخفاف بصحة وسلامة المواطن من خلال التقاعس عن تقديم الخدمة الصحية المناسبة، أو المماطلة في العلاج من خلال تسجيل موعد بعيد المدى قد يمتد لستة أشهر أو أكثر مما يتسبب في تفاقم المرض أو الوفاة، أو حرمان فئة من المجتمع ممن أصيبوا بأمراض مزمنة أو غير مصنفة من فرصة العلاج في الداخل أو الخارج، والأمثلة على ذلك كثيرة.
والسؤال الكبير يبقي حائراً، وهو من المسؤول عن رصد كل هذه الأخطاء؟ ومنع وقوعها بحول الله، أو التمادي فيها؟ فمن أساسيات التخطيط الوقائي وميزاته أن يجنب الإنسان الوقوع في الأخطاء، أو تكرارها، وهذا يذكرنا بمنظر السيارات الغارقة في الأنفاق التي من المفترض أنها صممت لتسهيل حركة السيارات وليس لإعاقاتها عند كل حبة مطر تسقط، ويظل السؤال من المسؤول؟ وهذا يقودني للبحث عن المسؤول فلا أجد أمامي إلا الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فهاتان الهيئتان طال انتظارهما، فالهيئة الوطنية لحقوق الانسان - أنشأت عام 1426هـ - والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد – أنشأت عام 1432هـ - وجاء انشاءهما بأوامر ملكية، و تتمتعان باستقلالية تامة منذ نشأتهما، بمعنى أنهما لم ترثا إرثا إدارياً يحمل من التراكمات والمشاكل ما الله به عليم، بل جاءت نشأتهما بعد دراسة وتأن، وتم تشكيلهما بكل هدوء وروية لتلبي الاحتياجات الضرورية لبناء مجتمع مستقر وخال من الفساد بإذن الله، استجابة وامتثالاً لشرع الله أولا وقبل كل شيء، وتحقيقاً لأهداف خطط التنمية الخمسية ومتطلبات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى ميزة نوعية تتمثل في الاستقلال المادي، الذي يتيح لمن هم في سدة إدارتيهما التصرف بكل حرية وبعيداً عن الروتين الذي قد يعطل مهامهما.
ومع ذلك نجد أن المنتج منهما وبكل صراحة قد خذل كل طموحات المواطنين الذين ضاقوا ذرعاً بسماع الشكوى والتذمر ممن كان من المتوقع أن تنتهي معاناتهم بمجرد إنشاء مثل هاتين الهيئتين، وللأسف الشديد أن نقول ذلك ولكن هناك حقائق لا يمكن تجاهلها، فكل ما حولنا يشير ويؤكد على أن أهداف أي من الهيئتين لا تزال تراوح مكانها، بمعنى أن مستوى التفعيل لأهدافهما ووسائل تحقيق تلك الأهداف، لم يرتق بعد إلى أهمية وسمو الأهداف المتوخاة.
وللتدليل على ما ذكرت، استمرار الأصوات والنداءات من أكثر من شريحة في المجتمع، بسبب تعرضها للإهمال صحياً، أو معاناتها من الفقر المدقع، أو التعرض للعنف، أو ضياع حقوقها، وكلها أمور تدخل مباشرة في صلب عمل الهيئتين، وهذه الأصوات لا تسمع من حين لآخر، بل بشكل يومي، ولو حللنا أياً من هذه الانتهاكات لما خرجت عن دائرة تفشي الفساد وضياع حقوق الإنسان.
وهاتان الدائرتان هما الطرفان الأساسيان في المعادلة المحركة لعجلة العمل في الهيئتين، علينا أن نعرف أن كل معاناة لمواطن لا تنشأ إلا من فساد أو انتهاك لحقوق الانسان، فلو اشتكت مواطنة مطلقة من عجزها عن الصرف على نفسها أو أولادها، بسبب ضيق ذات اليد، وعدم كفاية ما يصلها من ضمان اجتماعي، ومماطلة زوجها المطلق في دفع ما عليه من نفقة لأبنائه، مما يضطرها للعمل في البيوت لتدبر أمورها. ترى أليس بديهياً أن وراء ذلك فساد إدراي أتاح للزوج المطلق أن يتهرب من التزاماته تجاه أبنائه، وهو ما أدى إلى انتهاك صارخ لحقوق هذه الأم وأبناءها، وهو ما يقودنا إلى تقرير حقيقة مهمة وهي صعوبة المسؤولية الملقاة على عاتق الهيئتين، وهو ما يتطلب منهما إعادة قراءة أهدافهما واستراتيجيات العمل المكلفتان بتطبيقها عملياً عبر وسائل محددة ومقننة، نصت عليها المراسيم الملكية الكريمة القاضية بإنشائهما، بشكل دقيق والتأكد من أنها واضحة في أذهان المسؤولين عنهما ومن ثم العاملين فيهما، والعمل من منطلق الحس الوطني تجاه ما تحمله وسائل الإعلام ومن خلال ما يرد من شكاوى وبلاغات لكلا الهيئتين.
فكما قدمنا الهيئتان تمثلان محور ارتكاز لكل ما يمر به المجتمع من مشكلات، وسأقدم للهيئتين دليلاً واقعياً وماثلاً أمامنا و لا يرق إلى الشك ويتمثل في البرنامج الإذاعي الاسبوعي " لست وحدك " الذي يبث من إذاعة البرنامج الثاني بجدة، مساء كل يوم سبت، ويعده ويقدمه الإعلامي البارز الأستاذ الفاضل سعود الجهني، وبحضور فضيلة الشيخ أنس بن سعيد بن مسفر، وقد سبق للبرنامج ان استضاف معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هاتفياً، وطلب من معاليه التعاون مع البرنامج فيما يتعلق بمصالح المواطنين، وبذلك يكون قد أوصل لمعاليه رسالة البرنامج، وهذا البرنامج لا يملك من المقومات التي تملكلها أياً من الهيئتين، ولكن وبجهود العاملين فيه الذين يعدون على الأصابع، أستطاع البرنامج أن يقوم بجهد وافر في أيصال صوت المواطن المظلوم، ويحل من المشاكل ويوصل الحاجات، في الوقت التي عجزت هاتان الهيئتان بما تملكان من ميزانيات ضخمة، وإدارات وطواقم وظيفية، أن تلبي معظم حاجات المواطنين أو تقف معهم، اللهم إلا من استشارات لا تسمن ولا تغن من جوع، ألا يعني استمرار البرنامج لنفس المشاكل وبشكل أكبر، ومضاعف.
أن الهيئتين في غياب تام عن نبض المجتمع، وهو ما يؤكده معد ومقدم البرنامج، بدليل عدم تلقي البرنامج الاستجابة المرجوة من الهيئتين، رغم استمرار نداءات الاستغاثة من قبل المواطنين والمواطنات ممن يعانون من فقر أو ظلم أو جوع أو مرض، وكلها قضايا تقع في صميم اختصاص الهيئتين، وليس بخاف على أحد مشكلة مرض التوحد الذي يعاني منه أكثر من مائتي ألف طفل سعودي، ويكلف في المتوسط العلاج والتأهيل للمريض أكثر من سبعة عشر ألف ريال شهرياً، وهو ما يعاني منه أولياء الأمور ويمثل عبئاً وكابوساً لهم، وبالرغم من طرح الموضوع ولأكثر من مرة عبر معظم وسائل الإعلام، إلا أن الهيئتين لم تحركا ساكناً تجاه هذه المشكلة, ولا أجد مبرراً لأي منهما للنأي بنفسيهما عن معظم مشاكل وقضايا المجتمع، مما يعطي انطباعاً بأن الهيئتان تتعامل مع القضايا والمشاكل بشكل انتقائي وهو ما يخالف طبيعة عملهما، و الأهداف التي انشأتا من أجلها، وما زلت أتذكر رد معالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على أحد الشباب الذي عرض على معاليه معاناته مباشرة على الهواء عبر برنامج صباح الخير، من إذاعة الرياض، المتمثلة في تأخر تعيينه على وظيفة رغم تكرار تقديمه على وزارة الخدمة المدنية لمدة تزيد على العشر سنوات، وعندما تقدم للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعرض موضوعه.
وبعد مدة امتدت لأشهر، جاءه رد الهيئة بأنها لا تتعامل مع قضايا فردية، وقد علق معالي الرئيس على كل ذلك، بأن الهيئة بالفعل لا تتعامل مع المشاكل الفردية، وهذا الرد شكل لي صدمة لا أعتقد أنها أقل من صدمة المتصل المستجير بمعالي الرئيس، في مشكلة تمثل فساد إداري واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فهل يحتاج المتصل أن يجمع كل من يعانون من نفس المشكلة لكي تقتنع الهيئة بمشكلته. ولو يسمح المجال لقدمت من الدلائل التي أملكها على تجاهل الهيئة لكثير من القضايا التي هي تصب في صلب اختصاصها، الشيء الكثير، ولا أدري لماذا؟؟ هل هو تهرب؟ أوتساهل، أوسوء تقدير لحجما المسؤولية المنوطة بالهيئة، أم غير ذلك؟ ولا أجد تفسيراً لما سمعت إلا أن هناك مشكلة علاقات عامة تعاني منها الهئية، أو ضعف شديد في جانب الاستشارات التي من شأنها أن تجنب أي مسؤول في الهيئة، الوقوع في مثل هذه الهفوات، فكما هو معروف أن المهمة الأساس للعلاقات العامة أن تضع المسؤول مباشرة أمام نبض الشارع تجاه سياسات المنشأة التي يديرها، وفي الوقت نفسه تقوم بشرح سياسات المنشأة أو المنظمة أو الهيئة للجمهور المتعامل معها، وبدون هذا الاتصال الصاعد والهابط لا يستقيم الأمر، وهذا العنصر الأساس في نجاح أي عمل له صلة بالجمهور، وحتى لا أثقل على الهيئة، سوف أكون متواضعاً هذه المرة في مطالبتي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتطبيق ما جاء في كتيب رسالتنا إليك، الذي وزعت منه الهيئة بالآلاف، ولها منا جزيل الشكر والامتنان.
أما هيئة حقوق الإنسان، فأطالبها بوضع إعلان إسلامي عالمي لحقوق الإنسان، تستمد مواده من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، لأن العالم يحتاج لمثل هذا الإعلان. والأهم من ذلك السعي الحثيث وبكل جد للاقتراب من مشاكل المجتمع المتعلقة بانتهاك حريات الإنسان والإساءة لكرامته وتحقيق مبدأ العدالة والحرية في المجتمع. ويجب أن نلمس النتائج بشكل ملموس في المجتمع، فلا يمكن أن يكون هناك صوت يصيح أو يستغيث، أو مشروع متعثر، وليس وراءه انتهاك لحقوق الانسان، أو فساد مالي أو إداري. فهل وصلت الرسالة؟
خاص لـ"إخبارية عرعر"
لمشرف العام على العلاقات العامة في هيئة مكافحة الفساد سابقاً
الدكتور الربيع محمد الشريف
07-08-1434 10:37 PM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..