الأحد، 12 مايو 2013

فضيحة التعديل الوزاري

إذا وصفنا ما حدث في التعديل الوزاري الأخير بالتهريج، فنحن نهين هذا الوصف في الحقيقة، لأن ما
حدث أسوأ من كونه تهريجًا سياسيًا، لا يمكن أن أصدق أن عاقلًا هو الذي نصح محمد مرسي بأن يختار شخصًا يحمل ليسانس آداب أو ألسن وأعظم خبراته عمله مندوب مبيعات في شركة فودافون، لكي يكون وزيرًا للاستثمار ومسؤولًا عن إدارة خريطة بمئات المليارات في بلد يعاني تحديات وتعقيدات هائلة في مجال الاستثمار تحديدًا، ويحتاج إلى عبقريات وخبرات عالية ومتطورة في مجال الاستثمار والمال، ومصر مترعة بتلك الكفاءات، فأن لا تجد إلا مندوب مبيعات في شركة فودافون لكي توسده الأمر، فتلك نكتة حقيقية، ولا يخفف من بشاعتها أنها مجرد مجاملة فجة لعضو بجماعة الإخوان تحمل عبء الدعاية له في الانتخابات، وتخرب البلد مش مشكلة،

 لا أتصور أن هناك عقلاء صدعوا رؤوسنا قبل أسبوعين فقط بالإنجاز العظيم الذي حققه محمد مرسي بوصول مصر إلى حد الاكتفاء الذاتي من القمح، ووصلات غزل عالية في وزير الزراعة ووزير التموين، ولا أعرف ما دخل وزير التموين في هذا الإنجاز، لكن الشاهد في الفضيحة أن الوزير الذي حقق لهم هذه المعجزة التنموية المزعومة وتغزلوا في إنجازاته قاموا بالإطاحة به لأنه غير كفء وهم يريدون أن يضخوا كفاءات إخوانية جديدة لتطوير الأداء، أي أداء أيها الدجالون،

لا أصدق أن عاقلًا يرى أزمة الوقود المعقدة في مصر، ورغم أن سببها يعود لسياسات مرسي نفسه وفشله المتكرر في الوفاء بوعده بحل الأزمة خلال مائة يوم، ونحن اليوم نتجاوز الثلاثمائة يوم والطوابير في ازدياد، ثم يكون إنقاذ مصر على يد شخص كان يتدرب قبل ستة أشهر فقط على معرفة أقسام وزارة البترول، وأقصى خبراته إدارة مشروع صغير في السويس رأسماله أقل من رأسمال بنزينة على الطريق الزراعي، ويبنى الإخوان حساباتهم على اعتبار قرب وصول شحنات بترول "المالكي" والصفقة العراقية الإيرانية الممزوجة بالدم السوري فتنفرج الأزمة وتضاف إلى رصيد العبقرية الإخوانية الجديدة،

لا أعرف أبدًا أي منطق يمكنه أن يستوعب أن رئيسًا للجمهورية يقوم بتغيير وزير المالية ثلاث مرات خلال سبعة أشهر، أحدهم وضع ميزانية الدولة للعام الجديد والثاني سيطبق ميزانية ليس مسؤولًا عنها ولم يضعها، ثلاث وزراء للمالية في تلك المدة القصيرة يعني أننا نهرج بالفعل، فإما أن الرئيس فاشل بامتياز في اختيار الوزراء بصورة فاضحة لدرجة أنه يكتشف فشل اختياراته بعد شهر واحد أو شهرين، وإما أنه لا يعرفهم أساسًا، وأن هناك غيره من فرضهم عليه فوجد نفسه أمام فضيحة، وأعتقد أنه لو قيل ذلك حتى في جمهوريات الموز لاعتبروها نكتة، أن يتم تغيير وزير المالية ثلاث مرات في نصف عام تقريبًا،

لا أعرف الحكمة الإخوانية الرصينة التي جعلت الدكتور عمرو دراج الذي رشحوه لوزارة التعليم العالي يصل إلى وزارة التخطيط،  رغم أنه أستاذ للهندسة المدنية وتخصصه التربة والأساسات، ولا صلة له بعلم التخطيط إلا كصلة كاتب هذه السطور بعلوم التربة والأساسات، لا أفهم أن يتم اختيار وزير للثقافة لو سألوا مائة مثقف مصري عنه لما عرفه تسعة وتسعون منهم، وواحد فقط من بين المائة ربما يشبه عليه، لكن المثقف العظيم هشام قنديل ـ بقدرة قادر ـ عرفه واكتشفه،

وأما العبقري الذي أشار على مرسي باختيار المستشار حاتم بجاتو وزيرًا للدولة للشؤون القانونية، فإنه تعمد أن يضع للرئيس الحائر فخًا يزيد من عذاباته ومعاناته من الاتهامات المتوالية بتزوير الانتخابات الرئاسية، ولم يمض بياض نهار الإعلان عن التعديل حتى قالوها علنًا على شاشات الفضائيات "بجاتوا قبض الثمن" وانتشر الحديث عن "الجاسوس" الإخواني الذي كان في المحكمة الدستورية يسرب أخبارها لمكتب الإرشاد، وقصص طويلة عريضة فتح الباب لها على مصراعيه "الغبي" الذي أشار عليهم باختيار بجاتو وزيرًا، وسوف تتعزز بقوة الشكوك التي طرحت حول نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية، لأنه لا يوجد عاقل ـ والله ولا حتى مجنون ـ يترك اختيارات بين اثني عشر ألف قاضٍ، لكي يختار ـ بالذات ـ القاضي الذي أشرف على الانتخابات التي أتت به رئيسًا وشارك في إعلانه رئيسًا رغم الجدل الشديد حول النتيجة، وكأنه يقول للناس جميعا إني أكافئه على جميله،

أضف إلى ذلك ما قاله الإخوان تحديدًا في بجاتو وفي المحكمة الدستورية كلها، واتهامه بأنه فلول وأنه من قضاة مبارك وأنه صنيعة المجلس العسكري وأنه المتآمر على حل مجلس الشعب وأنه أحد أركان محكمة تهاني وأنه الذي تآمر على أبو إسماعيل وعلى الشاطر لإبعادهم من الانتخابات، وأعتقد أننا لن نكون أمام مفاجأة في التعديل الوزاري المقبل بعد شهرين ـ إن شاء الله ـ عندما يتم فيه تعيين المستشارة تهاني الجبالي وزيرة للعدل، أما أن تسأل عن الحكمة من هذا التعديل،

أما أن تبحث عن أسباب خروج من خرجوا وأسباب دخول من دخلوا، أما أن تسأل عن إمكانية أن يحقق هذا التعديل توافقًا وطنيًا مثلًا ويحل أو يخفف الاحتقان السياسي، أما أن تسأل عن الرؤية التي تعمل فيها هذه الحكومة أو خطتها أو جدولها الزمني لحل المشكلة الفلانية والعلانية، أما أن تسأل عن أي معنى بديهي أو منطقي يرد على عقلك، فذلك مضيعة للوقت والعقل معًا.

جمال سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..