الخميس، 16 مايو 2013

عبدالله الغذامي وكتاب الليبرالية الجديدة

عرض/ أحمد التلاوي
يعد المؤلف عبد الله الغذامي من أهم المفكرين والكُتَّاب السعوديين وأشهرهم، لآرائه المثيرة للجدل،
التي تتجاوز الكثير من "الطابوهات" والمحرمات داخل المجتمع السعودي خاصة والخليجي والعربي عامة.
وفي كتابه الجديد "الليبرالية الجديدة.. أسئلة في الحرية والتفاوضية الثقافية"، يتناول الغذامي مجموعة من المفاهيم المتعلقة بقضية الحرية في الفكر الليبرالي، وموقف المدارس الفلسفية المختلفة من مفهوم الحرية.
وفي هذا الكتاب الذي جاء في مقدمة وخمسة فصول، أكد أن مفهوم الليبرالية الجديدة يعني أن الإنسان لن يكون حرًّا ما لم يَعشْ مع أحرار، أي أن الإنسان سيكون حرًّا بمقدار ما يعطي غيره حريته.
ويقول الدكتور الغذامي عن إصداره الجديد: يغطي الكتاب عددًا من المباحث حول مفاهيم الحرية والعدالة والتعددية الثقافية والمساواة، مع عرض للنظريات مصحوب بقراءة للواقع الراهن، مصحوبة بأمثلة عربية وعالمية.
وفي مقدمته للكتاب التي وضعها بعنوان "العالم على كف شاشة"، يتناول الغذامي قضية التحولات الراهنة في البُنى الفكرية والثقافية للمجتمعات الإنسانية، ودور الإعلام فيها، وما تثيره حول قضية الخصوصية.
وتُعد قضية الخصوصية من أهم مفردات الحديث عن الليبرالية، لارتباطها بصلب الفكرة أو الأيديولوجية الليبرالية، وهي قيمة الحرية.
وكما اعتاد الغذامي في كتاباته طرح مفاهيم ومصطلحات جديدة، فإنه يركز في مقدمته على المصطلحات التي تدور كلها في فلك المقولات الأساسية والنظريات الخاصة بالنظام المعرفي والأخلاقي البشري، في العدالة والحرية والمساواة والتعددية الثقافية.
ويقول: إن الرسالة الأساسية التي يسعى إلى إيصالها للقارئ هي أنه ينبغي على الأطر المعرفية والثقافية المختلفة أن تسعى إلى غرس ثقافة التعددية الثقافية والعيش المشترك، على مختلف المستويات داخل المجتمعات الإنسانية.
عولمة متوحشة.. وعنصرية!الفصل الأول من الكتاب جاء بعنوان "ما بعد العولمة.. تحولات المصطلح"، وينتقد فيه الكاتب طغيان المادية والعلمانية على المجتمعات الإنسانية. كما ينتقد في الوقت ذاته انحراف الدعوة التي ينادي بها البعض من دعاة المذهب الإنساني التأسيسي لنظام ثقافي وفكري جديد في المجتمعات الإنسانية، يقوم على التعايش المشترك، إلى الدعوة لصهر جميع هذه المجتمعات في العولمة، والقول إن من يبقى خارج العولمة "سيظل خارج الزمان والمكان، وسيعيش حياته البدائية المتخلفة".
فيشير إلى أن العولمة في الأساس ذات نزعة عنصرية، إذ إنها تسعى إلى فرض نموذج ثقافي واحد، هو النموذج الغربي على المجتمعات الإنسانية، وأخطر ما في هذا النموذج أنه يسعى إلى تغيير البنية الفكرية للمجتمعات الإنسانية، بما لا يتناسب مع طبيعتها، وما تأسست عليه من قيم.
ويقول: إن "التوحش الثقافي للعولمة" له عدة أوجه، منها ما هو اقتصادي أيضًا، إذ إن "اليورو" هنا قيمة أساسية ورمز مهم لسيطرة الأبيض على الآخرين في ظل العولمة، ولكنه يؤكد أن ذلك أدى إلى نتائج عكسية، حيث ظهرت حركات مضادة للعولمة والتغريب على المستوى الفكري، فيما عرف بالثورات الثقافية.
وفي هذا الإطار، يتناول الكاتب مجموعة من الحوادث التي يجد لها دلالة في التأكيد على كلامه هذا، من بينها انفجار المفاعل النووي الياباني، ومن قبل ذلك سقوط تمثال صدام حسين في بغداد، حيث: إن هذه الصور باتت ذات صبغة عالمية، ولها دلالات رمزية فيما يتعلق بمقولات تم ترويجها من خلال أدوات القوة الناعمة الغربية في العقود الأخيرة، مثل "نهاية التاريخ" لصالح الغرب، التي رددها فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون.
السؤال الملون.. الحرية أم الديمقراطية؟الفصل الثاني جاء بعنوان "السؤال الملون.. الحرية أم الديمقراطية؟"، وفيه يتناول الغذامي النموذج المعرفي والمجتمعي الأوروبي من زاوية كيفية فهم الأوروبيين لفكرة الليبرالية وتطبيقهم لها في اتساق متكامل بين مختلف القيم والأفكار المرتبطة بها.
فيشير إلى أن سؤال الأولويات الذي تطرحه بعض المجتمعات للمفاضلة أو البدء بتطبيق أيٍّ من القيم المرتبطة بالليبرالية، مثل الحرية والديمقراطية وغيرها، قبل الآخر، هذا التساؤل غير موجود في أوروبا، حيث يتم تطبيق النموذج الليبرالي بقيمه المختلفة، بشكل متكامل ومتوازٍ.
الليبرالية في أوروبا والغرب مطبقة فقط بشكل حصري أو عنصري، فالديمقراطية والحرية والمساواة هناك هي ديمقراطية وحرية ومساواة بيضاء وليست ملونة
ولكنه يشير إلى أن الليبرالية في أوروبا والغرب مطبقة فقط بشكل حصري، أو عنصري بمعنىً أوضح، فيقول إن الديمقراطية والحرية والمساواة في الغرب هي ديمقراطية وحرية ومساواة بيضاء وليست ملونة.
وهو يشير بذلك إلى معاناة أبناء الأجناس الأخرى المقيمين في الغرب، الذين لا يتمتعون بالقدرة على الحصول على القيم الليبرالية الأصيلة مثل البيض، وهو ما يدعم فكرة حاول الغذامي ترسيخها عبر محطات كتابه المختلفة، وهي أن الحرية والمفاهيم الليبرالية الأخرى، مهما قيل عن ثباتها، وأنها ذات طابع عالمي، فإنها في النهاية تتحرك في إطار سياقات اجتماعية وثقافية متغيرة.
الأيديولوجية الإسلاميةالفصل الثالث من الكتاب، والذي جاء بعنوان "نظرية العدالة/ الوسطية"، ذو أهمية خاصة للقارئ العربي والمسلم، حيث يناقش عددًا من القضايا ذات الصلة بالمقابل أو المعادل الإسلامي للأيديولوجية الليبرالية، أو ما اصطلح البعض على تسميته بالأيديولوجية الإسلامية.
ويناقش الكاتب مصطلح العدالة والمساواة باعتباره أحد أهم مكونات الفكر الإسلامي المعاصر، وأن البعض ينظر له على أنه الحل في مواجهة طرفَيْ المعادلة الأبديَّيْن في الفكر الإنساني، وهما: التطرف والانحلال، أو الإفراط والتفريط.
ويشير إلى أن الفكر السياسي الإسلامي في القرن العشرين استجاب للعديد من العوامل التي نشأت في تلك الفترة، وتأثر بها، ومن ذلك ظهور التيارات الليبرالية واليسارية في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية.
ويقرر الكاتب أن الوسطية في رؤية أصحاب المدرسة الإسلامية في التفكير هي قيمة جوهرية تعني العدالة، ولا تنفصل كلتا القيمتَيْن عن بعضهما بعضا، وعند دراسته لفكرة الدولة لدى المفكرين السياسيين الإسلاميين، يقول الغذامي: إن هناك تباينًا كبيرًا في مفهوم الدولة بين الإسلاميين والليبراليين.
فالإسلاميون ينطلقون من فكرة أن الإسلام هو الحل، وهو دين شامل جامع، ويبنون تصورهم للدولة على هذا الأساس، بينما العلمانيون يتبنون فكرة المواطنة القائمة على أساس شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وهو مبدأ ضد الدين من وجهة نظر أصحاب الفكر السياسي الإسلامي.
ويرى أن هذه المفاهيم شهدت تحولات بعد الثورات الشعبية التي وقعت في عدد من البلدان العربية، والتي اصطُلِح على تسميتها بثورات الربيع العربي، وقال: إن كلا المشروعَيْن -العلماني والإسلامي- للدولة على حد سواء سقط، وسقطت مقولاته بعد هذه الثورات، وإن كلا التيارَيْن بحاجة إلى البحث عن إعادة إنتاج لأفكاره، بما يتناسب مع الواقع الجديد.
الليبرالية الموشومةالفصل الرابع من الكتاب حمل في عنوانه أحد أشهر المصطلحات التي اصطكها الغذامي، وأثارت الجدل حولها، وهو "الليبرالية الموشومة"، وفيه يقول: إن مصطلح الليبرالية يعتمد في أساسه على جوهرَيْن رئيسيَّيْن، الأول حرية التفكير والثاني حرية التعبير.
أما الموشومة فتعني في علم اللسانيات "أنه قد تمت تعبئة المصطلح الذي يحمل صفة "موشوم" بمعانٍ سلبية"، وفي هذا الإطار فإنه يُقصد بمصطلح "الليبرالية الموشومة" الإشارة إلى أن الليبرالية من بين أكثر المصطلحات التي أثارت جدلاً حولها في الفكر السياسي في العالم العربي والإسلامي، ولأنها وارد غربي، فإنها عُبِّئت بمعانٍ سلبية.

الليبرالية ليست -كما يظن الكثيرون- ذات بعد واحد ومفاهيم واضحة، بل هي عبارة عن عدد من المدارس تطورت من خلال المزج بين هذه المدارس وأفكارها المختلفة
ولذلك خصص الكاتب هذا الفصل لتشريح مصطلح الليبرالية على مستويَيْن، المستوى الأول يتناول الجانب الفكري فيه، والثاني تطوره التاريخي منذ نشأته وبلورته على أيدي آبائه الأوائل منذ أفلاطون قديمًا، ثم الجيل الذي أسس لليبرالية الحديثة، مثل مونتسكيو وجون لوك، وغيرهما.
ومن خلال الرصد الزمني والموضوعي الذي قام به الكاتب في هذا الإطار، فإنه يرى أن الليبرالية ليست -كما يظن الكثيرون- ذات بعد واحد ومفاهيم واضحة، مما أدى إلى أن تأخذ الطابع العالمي الذي هي عليه الآن، بل هي عبارة عن عدد من المدارس، وتطورت من خلال المزج بين هذه المدارس وأفكارها المختلفة، بما فيها مدارس فكرية ذات نزعة رومانسية.
حر أم عبد؟!

الفصل الخامس والأخير "الإنسان (شبه) حر"، ناقش فيه الكاتب قضية محورية أخرى تثير الجدل بين الإسلاميين وأصحاب الفكر الليبرالي، وهي قضية حرية الإنسان، ويقول: إنه في الأصل الفكري لا يُفترض أن يُوجد خلاف من الأصل بين المدرستَيْن، فالليبرالية كما عرفها مونتسكيو، على سبيل المثال، هي الحرية المنضبطة، وحدد ضوابطها بحريات وحقوق الآخرين، وهو جوهر فكرة الحرية في الإسلام، فما يضايق أو يؤذي الآخرين ليس من الحريات في الإسلام.

كما أن الحرية تعني مبدأيْن أساسيين، وهما العدالة والمساواة، وهما جوهر الإسلام كفكرة أو أيديولوجية، كما يقول الغذامي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..