سامي الماجد |
الجمعة ١٧ مايو ٢٠١٣
جزء من
دفاعنا عن الإسلام عقيدة وشريعة متوجّه إلى تكذيب ما يُنسب إليه بهتاناً
وزوراً، مما يفتريه عليه أعداؤه ابتداء، أو مما ينسبون إليه من فِعال
المسلمين، إما غلواً في تطبيقه، أو انحرافاً عن هدايته، فيحسبونها على
الإسلام تخابثاً أو جهلاً، ليأتي ردُّنا عليه متوجّهاً إلى ضرورة التفريق
بين الإسلام وممارسات أهله، والتأكيد على أن سلوك المسلمين لا يتمثّل
الإسلام بالضرورة في صورته النقية كما أُنزل.ولا شك في صحة منطق هذا الجواب، غير أنه منطق عام لا يختص بالإسلام وحده، بل ينسحب على عالم الأفكار كلها، فتمثّل الفكرة واقع شيء زائد على الفكرة ذاتها، ومغاير لها، قد يطابقها تماما ًكأحسن ما تكون صورة المطابقة، وقد ينحرف عن سوائها إفراطاً أو تفريطاً، فلا يعدو أن يكون تشويهاً لها.
أظن المسألة إلى هذا الحد محل اتفاق بين العقلاء، إلا أن بعض الغيورين على الإسلام يمارسون ازدواجية في هذا، ويأتون أمراً ينكرونه على غيرهم، فيحسبون على العلمانية - مثلاً - معنى زائداً ليس من أفكارها، وإنما من ممارسات مَن يحمل أفكارها ويتبنى خطابها، متأثرة بدوافعها النفسية والطباع الشخصية والأهواء والمطامع، ثم يصرّون على أن يحاكموا العلمانية بسلوك العلمانيين، وينتهجون تشويه صورتها بممارسات شوهاء للمحسوبين عليها.
أدرك أن ثمة سؤالاً يحضر بعض القراء الآن، وكأني بأحدهم يقول مستنكراً: وهل غِرتَ على العلمانية أن تتشوّه صورتها أكثر، ولو بما ليس من لبوسها أو أفكارها؟ هل تريد أن تدفع عن العلمانية ما تريد دفعه عن الإسلام من الخلط بين مبادئه وفِعال أهله؟
وهو تساؤل مألوف، لكنه يدل على إفلاس مكشوف! فما عهدنا في ديننا هذه الممارسات الميكافيلية أن تسوِّغ لنفسك ما لا تسوِّغه لغيرك، وأن تنكر على غيرك ما تمارسه أنت معه تحديداً! المشكلة أنك تمارس ما نهاك عنه الإسلام نهياً صريحاً «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم». ومن هنا فإن إنكارنا لهذه الازدواجية التي تخلط عمداً بين الفكرة وسلوك المؤمن بها الداعي إليها ليس محسوباً من الغيرة على الفكرة ذاتها، وإنما غيرةً على المنهج الحق في النقد.. غيرةً على العدل والإنصاف... غيرة على الحق الذي آمنا به أن يُفعل معه ما نفعله نحن مع غيره معاملة بالمثل!
يعزّ علينا أن يتهم صاحب الحق بأنه عاجز عن نقد ما يوجّه إلى نقده من أفكار، إلى نقد ممارسات شخصية خاطئة تظل محسوبة على أصحابها وحسب. يعزّ علينا أن يكون صاحب الحق ساذجاً في نقده، يتفحصّ الأفكار بنظرة عجلى، فيتجاوزها إلى أصحابها وسلوكهم بنظرة ملأى!
ليس الحديث مقتصراً على العلمانية، لكنها مثال قريب من قريب، يكشف أزمة نقدية تفتقد العمق والموضوعية والنفَسَ الطويل في استقراء ما قيل عن الفكرة واستيعاب متغيراتها وتحولاتها، تتجاوز كل هذه المحددات المهمة إلى نقد كسول ساذج متوجه لممارسات شخصية لمحسوب على هذه الفكرة أو تلك!
صحيح أن بعض ممارساته الشخصية ترجمة دقيقة للأفكار التي يؤمن بها، فليكن النقد إذاً متمحّضاً في تمييزها عما هو مصطبغ بالطباع الشخصية والتكوين النفسي الخاص، والموروثات الاجتماعية!
.........
الحياة السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..