قد
لا يعرف قدر
الإسلام وعظمته , وقد لا يفهم حقيقة شعور المسلم الجديد الذي ينام لأول
ليلة مطمئنا بعد نطقه بالشهادتين إلا من عاش التصدع الحضاري الذي يعيشه
الغرب منذ عشرات السنين والذي تجسد فكريا وأدبيا تحت عدة عناوين منها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
العبثية
والعدمية والوجودية وغيرها من الفلسفات والعقائد التي تظهر جليا المعاناة
الشديدة التي يعانيها الغربيون بحثا عن الهدوء النفسي المفقود وعن السعادة
المبددة الضائعة حتى باتت حياتهم جحيما لا يطاق وأضحى التخلص منها عملا
مستساغا عند الكثيرين منهم .
والعالم الغربي لا يستطيع -
بمفكريه وعلمائه – الإتيان بأي تفسير علمي وحضاري كما يزعمون – حول التناسب
الطردي بين ما يدعونه بالتقدم الحضاري والرغبة في الانتحار, بل إن نسب
الانتحار الحقيقية في العالم تتزعمها الدول غير الإسلامية وخاصة ذات الدخل
المرتفع في المجتمعات الغربية مثل كوريا الجنوبية بيلاروسيا اليابان
والسويد والولايات المتحدة .
ومما لاشك فيه أن السبب الأساس
في الانتحار هو إحساس المنتحر انه ليس بحياته قيمة وأن كل شيئ حوله عبث في
عبث , فلا هدف واضح ولا غاية يستشعرها في وجوده , ولا رغبة في إكمال مشوار
الحياة , فينتقل من مرحلة التشاؤم للحزن ثم للاكتئاب , ثم يبدأ يفكر جديا
في الانتحار بعد أن تزداد عليه آلامه التي لا يجد لها شفاء , إذ أن روحه
المتعطشة تحتاج إلى أن تعرف ربها فتستقر وتهدا وتتناغم مع الحياة وإن أي
محاولة لمعرفة الإله سبحانه أو محاولة عيادة غير الله تؤدي إلى الشقاء في
الدنيا والآخرة تصديقا لقوله سبحانه " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
ولهذا ففي عدة دراسات حديثة
اثبتت أن الملحدين أو اللادينيين هم أكثر الناس يأسا وإحباطا وتفككا وتعاسة
على الإطلاق , وأن أعلى نسب الانتحار فيهم .
ومن محاولات القضاء على الاكتئاب
أو التعايش معه ولأجل نشر أفكار سامة هادمة لأنفسهم وللمجتمعات غيرهم ظهرت
حركة فكرية أخذت اتجاها أدبيا أكثر منه فكريا سميت بالعبثية والتي ارتبطت
ارتباطا وثيقا بالعدمية وبالوجودية وتشابهت معهما في كثير من الأفكار
الخاصة بعدم نفع أي شئ وأن الحياة عبارة عن عبث لا جدوى من ورائها .
التعريف والأفكار الرئيسية :
تتركز فكرة العبثية حول ضياع
الإنسان في هذا الكون وحول عدم وجود هدف له ولا مضمون حقيقيا لأفكاره
والإنسان مسخر في ترس كبير في آلة ضخمة وهي الميكنة التي سمحت بسيطرة الآلة
على الإنسان واستعباده لصالحها , فانقلبت حياة الإنسان الذي أراد أن يكون
سيدا للآلة فأصبح عبدا لها , فكانت مدرسة أو حركة العبث تلخيصا واتجاها
لمعاناة الإنسان وبلورة لها
وبرزت العبثية في الأدب كمذهب
عملوا على نشره واستخدم في كل الأنواع والأقسام الأدبية مثل الروايات
والمسرحيات والشعر واتفقوا على أن لا يكون هناك شيء معقول باستخدام السخرية
من كل شيء حتى المقدسات والكوميديا الحالكة السواد وتحقير المنطق والجدل
مع إبراز كلمة “لا شيء” والتركيز عليها مع معالجة موضوعات سميت " لا أدرية
أو عدمية " .
وكانت النشأة والبداية في الأدب
الأوروبي وانتقلت بدورهل بمبدأ التقليد والتبعية لكل ما هو أوروبي إلى
الآداب العالمية المعاصرة , وكثرت في الدول التي عانت من ويلات الحربين
العالميتين الأولى والثانية كنتيجة للآلام التي خاضوها وعانوها فأفقدتهم
ثقتهم في عقولهم لعدم استيعابهم للسبب المنطقي الذي قامت بسببه هذه الحروب
ولم يجدوا سببا لهذا التدمير الرهيب للمدن والذي فقدت فيه هذه الملايين
أرواحها , وتساءلوا هل تم كل هذا الخراب إرضاء فقط لشهوة السيطرة والتدمير
عند بعض الساسة ؟
ولكن هذه الأسباب مجتمعة لم تكن
عند المقلدين وخاصة من أبناء العرب والمسلمين الذين يستوردون كل الأفكار من
أوروبا حتى لو لم توجد لدينا البيئة التي أنتجت هذه الأفكار , وحتى لو كان
لدينا – نحن المسلمين - الإجابة الحقيقية لكل التساؤلات التي عجزوا عن
معرفتها وفهمها .
أبرز الشخصيات المؤسسة :
- صامويل بيكيت الروائي والكاتب
المسرحي والشاعر الأيرلندي الذي يعتبر الرائد الأول لهذا المذهب وحصل على
جائزة نوبل عام 1969م , والظاهرة المسيطرة على معظم أعماله وكتاباته وخاصة
المسرحية هي مشهد اجترار الذكريات بين كبار السن في مراحلهم البائسة في
لحظات ما قبل الوفاة ومعاناتهم لعدة صراعات داخلية مع مفاهيم وجودهم
وغاياتهم لتنتهي إلى الإجابة التقليدية " لا شئ " فلا توجد لديهم إجابة عن
أي تساؤل , وبالتالي تقترب تلك الشخصيات من الجنون ثم تتصاعد حتى تتخذ
قرارات تتضمن في معظمها إنهاء للحياة ويعتبرون أن هذه هي الوسيلة الوحيدة
التي يردون بها على عدم فهمهم لما يجري حولهم .
- أوجين يونسكو ويمثل دعامة
أساسية لهذا المذهب وهو كاتب فرنسي ويعتبر من رواد مسرح اللا معقول وكثرت
في كتاباته الدعوة للخروج عن المألوف في كل شئ واتسمت شخصياته بالفراغ
والخواء الروحي والعقلي وعدم القدرة على التفكير والتصرف الصحيح حتى غدت
كشخصيات كرتونية أو آلية ليس فيها أدنى مسحة من روح أو عقل وتنتهي دوما
بالوحدة والعزلة والجنون والرغبة في الانتحار .
لكن الذي بلور أفكارها كحركة
فكرية منبثقة عن الوجودية الفيلسوف والكاتب ألبير كامو الذي نشر كتابه
الشهير أسطورة سيزيف وهي الأسطورة التي يتجلى فيها عبث ما تسمى عندهم
بالآلهة في الأساطير الإغريقية الذي غضب عليه كبير آلهتهم" زيوس " وأمره
بعمل لا طائل من ورائه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه فإذا وصل
القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعاود الصعود بها إلى القمة مرات ومرات دون هدف ,
فرمز بها إلى عيث من يتعبدون إليهم – آلهتهم - حتى في العبادات الذي رأى
انه لا طائل من ورائها , فيقول كامو : " بكيفية تجربتنا للعبثية، وكيفية
تعايشنا معها. وأنه ينبغي لحياتنا أن يكون لها معنى حتى نقدر لها قيمة.
وإذا تقبلنا بأن الحياة لا معنى لها، وبالتالي لا قيمة لها، فهل ينبغي لنا
أن نقتل أنفسنا ؟ " .
وفي هذه المدرسة لا توجد قيم لأي
شيء ولا إحساس بأي شيء فعندما يفقد المرء الرغبة في الحياة ويبتعد عن
الإيمان الحق بالله سبحانه لا يجد لذة في خير كما لا يشعر ان حياته عبارة
عن ألم لا ينتهي لا يجد وسيلة لإنهائه إلا الانتحار – كما يظن ويزعم –
فمثاله الذي لا يعرفه الملاحدة والماديون والعبثيون أن السعادة والألم
قيمتان لا علاقة لهما بالحسابات المادية وليسا إلا أمورا داخلية في النفس
تنبعان من إيمانه أو من إطلاقه العنان لشهواته دون ضابط ولا قيد .
وبرزت كذبك في
القرن العشرين عدة دعوات للعبثية ساهمت بدور كبير وفعال في هدم ما تبقى
للنصرانية في عقول وقلوب الأوروبيين حتى خوت الكنائس من مرتاديها الذين لم
يجدوا عندها أي إجابات لمعاناتهم ولأسئلتهم .
وأخيرا من الجدير بالذكر أن
العبثية والعدمية والوجودية التي جاءت رفضا للحياة المادية المقيتة التي
يحياها الإنسان إلا أنها مثلت الجانب السلبي لرفض الحياة المادية , فالدين
أيضا يرفض الحياة المادية التي لا يوجد فيها أدنى مسحة من الحياة الروحية
ومعرفة الله عز وجل وعبادته , ولذا فهما مشتركان في رفض سيطرة الحياة
المادية على البشر إلا أن التدين يمثل الوجه الايجابي لهذا الرفض بإحياء
الحياة الروحية وتقديمها على الحياة المادية لتسيطر عليها لا العكس , ولكن
هؤلاء العبثيين انسحبوا من الحياة واكتئبوا ونشروا اكتئابهم وجهلهم بالدين
على العالم حتى قلدهم الجاهلون ظانين أن التقدم والحضارة قرينان لكل ما هو
أوروبي , فضلوا وأضلوا غيرهم .
فالهدى كل الهدى في الدارين في
اتباع منهج الله سبحانه والشقاء كل الشقاء في الابتعاد عنه , وقد جمع الله
هذا المعنى في آيتين متتاليتين فقال سبحانه " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا "
يحيي البوليني
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..