بدت
سلسلة الاحتجاجات الأخيرة, التي امتدَّت سريعًا لتشمل معظم المدن التركية،
امتحانًا صعبًا أمام رئيس الوزراء التركي أردوغان إن لم يكن الأصعب منذ
وصوله للحكم, خاصة بعد استغلال العلمانيين زخم التظاهرات وتزايد الغضب
الشعبي لمحاربة أسلمة
تركيا.
سنحت
الفرصة أمام العلمانيين عندما بدأت الاحتجاجات في متنزه جيزي، قرب ميدان
تكسيم، في الأسبوع الماضي بعد قطع أشجار بموجب خطة حكومية لإعادة تنمية
ميدان تقسيم، بوسط اسطنبول وبناء مركز للتسوق التجاري، والتي وصفها أردوغان
" هذه القضية تستغل كمبرر لإذكاء التوتر", حتى اتسعت إلى مظاهرة كبيرة ضد
ما يصفونه بتسلط أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.
قبل
أيام, كان أردوغان قد فرض قيودًا أكثر صرامة على مبيعات الخمر ومزيد من
الحظر على إظهار العاطفة على الملأ مما أدَّى اندلاع مزيد من الاحتجاجات,
لكنها لم تجد زخمًا داخل الشعب التركي, حتى جاءت حجة محاربة الطبيعة وقطع
الأشجار ليصدوا أردوغان وحزبه عن أسلمة البلاد وتجريفها عن علمانيتها.
في
هذا الصدد, قالت صحيفة "توداي زمان" التركية: إنَّ حكومة رئيس الوزراء
"رجب طيب أردوغان" لن تتراجع عن خطتها لبناء مركز للتسوق في مكان الحديقة
"تكسيم جيزي بارك" في اسطنبول، نتيجة لذلك القرار تظاهر الآلف الأتراك
احتجاجًا على هدم الأشجار؛ حيث احتل المتظاهرون الحديقة, لمنع الجرافات من
إزالة الأشجار، حتى تعاملت معهم بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه
لتفريقهم.
كما
أضافت الصحيفة التركية "أنَّ أردوغان قدم للمعارضة خدمة جليلة لم يكن أحد
يتوقعها عندما قرَّر التصدي بالقوة والعنف المفرط للمتظاهرين الغاضبين من
إزالة متنزه ميدان "تكسيم" لإقامة مركز تسوق تجاري، وكأنه كالشخص الذي أطلق
النار على قدميه وأصاب نفسه وفقد القدرة على الحركة".
من
جانبه, دعا أردوغان إلى وقف فوري للمظاهرات الأعنف ضد الحكومة منذ سنوات
حيث أصدر بيانًا عبر الإذاعة قال فيه: "كل أربعة أعوام نجري انتخابات وهذه
الأمة تختار, من لا يقبلون سياسات الحكومة بإمكانهم التعبير عن رأيهم في
إطار القانون والديمقراطية, أطلب من المحتجين أن ينهوا على الفور مثل هذه
التصرفات".
لكن
أردوغان أقرّ بأن الشرطة قد تكون أفرطت في استخدام القوة، موجهًا تعليمات
ضرورية لوزير الداخلية ومحافظ إسطنبول بشأن كيفية التعامل مع المحتجين,
وضرورة قيام وزارة الداخلية بالتحقيق في إساءة استخدام قوات الأمن للغازات
المسيلة للدموع".
أما
الرئيس التركي، عبد الله جول، فقد دعا الأتراك إلى تغليب المنطق، وقال في
بيان نشره مكتبه: "ينبغي علينا جميعًا أن نتحلى بالنضج، حتى يمكن
للاحتجاجات التي وصلت إلى حد مقلق أن تهدأ"، كما حثّ الشرطة إلى "التصرف
بشكل متناسب مع حجم الاحتجاج", حيث وعد وزير الداخلية التركي معمر جولر
بالتحقيق في المزاعم القائلة بأنَّ الشرطة استخدمت القوة بشكل غير ملائم.
صحيح
أنَّ السلطات التركية لم تعلن بعد أية حصيلة رسمية للصدامات، فيما زعمت
منظمة العفو الدولية الجمعة عن "أكثر من مائة" جريح, بينما أعلن محافظ
إسطنبول حسين موتلو أنه تَمَّ نقل 12 شخصًا إلى المستشفيات، فضلًا عن
اعتقال 63 آخرين على الأقل, فيما قال مسعفون إنَّ ما يقرب من ألف شخص أصيب
في الاشتباكات في اسطنبول، أعنف مظاهرات مناهضة للحكومة منذ أعوام, كما قال
اتحاد الأطباء التركي: إنَّ نحو ستة متظاهرين فقدوا البصر، بعد إصابتهم في
العين بعبوات غاز.
من
جانبها قال المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جين بساكي، من
واشنطن: "اليوم نعتقد أن أفضل ما يضمن استقرار وأمن وازدهار تركيا على
المدى الطويل هو احترام الحريات الأساسية بالتعبير", مشيرة إلى أن "واشنطن
ما زالت تجمع المعلومات عما يحصل في إسطنبول، مؤكدة أن الولايات المتحدة
تدعم "الاحتجاجات السلمية".
أما
الخارجية البريطانية فقد حذَّرت رعاياها في تركيا من الاقتراب من المناطق
التي تشهد مظاهرات في عدد من المدن، مطالبة إياهم بضرورة توخي الحذر, حيث
قالت في بيان رسمي "ننصح جميع الرعايا البريطانيين بتفادي التواجد في
الأماكن التي تشهد مظاهرات في أنحاء مختلفة في تركيا".
في
الوقت ذاته قال صحيفة "الجارديان" البريطانية: "إن الاضطراب الذى تشهده
تركيا إنَّما يكشف عن تصدعات فى رؤية حزب "العدالة والتنمية" التركي, حيث
أرجعت الصحيفة البريطانية هذا الاضطراب إلى التدخلات ذات الصبغة الدينية
(إشارة إلى القيود على الخمور), مضيفة أنَّ القلق الشديد الذى انتاب الشعب
التركى ينبع بالأساس من تزايد الروابط المعلنة بين السياسات والدين".
لا
يمكن أن نغفل ما قام به حزب العدالة والتنمية خلال العقد الماضي في تركيا
وما بذله أردوغان للتحول في تركيا من دولة مأزومة اقتصاديًا إلى أسرع
الاقتصاديات نموا في أوروبا, حتى تضاعفت حصة الفرد من الدخل القومي ثلاث
مرات منذ وصول حزبه إلى الحكم, وأنه لا يزال أكثر السياسيين الاتراك شعبية
في هذه الأثناء.
بيد
أن هذه الاحتجاجات الأخيرة كانت نذيرا لأردوغان حتى يتعلم مما حدث في دول
الربيع العربي بالشرق الأوسط، وألا يسئ تقدير الموقف, خاصة في ظل المشاكل
التي تواجهها تركيا من سوريا الجوار والعجز عن الانضمام للاتحاد الأوربي
وعدم وضع حد لمشكلة الأكراد, كما ينبغي عليه ألا ينسى خصومه في الداخل من
العلمانيين الذين سيقفون دون الحيلولة من قيامه بأسلمة دولة أبو الأتراك
"مصطفى كامل أتاتورك" العلمانية.
........الاسلام اليوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..