الأربعاء، 26 يونيو 2013

قطر… مناورات حمد بن جاسم عجلت بتسليم الحكم للشيخ تميم

الدوحة – فاجأ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مواطنيه والمهتمين بالشأن القطري عندما استعجل تسليم مقاليد السلطة إلى وليّ العهد الشيخ تميم. فقد كان متوقّعا أن يحصل ذلك بعد عطلة عيد الفطر، أي في منصف آب- أغطس المقبل. لكنّ الشيخ حمد ارتأى في نهاية المطاف تقديم الموعد إلى يوم الخامس والعشرين من حزيران- يونيو قاطعا بذلك الطريق على أي تجاذبات أو مناورات يمكن أن يلجأ إليها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية الذي يعتبر أحد أشد المعترضين على تولي الشيخ تميم موقع الأمير، وهو موقع يجعل منه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الدولة.

لاحظ حضور مناسبة البيعة للأمير تميم أن حمد بن جاسم بدت عليه علامات الاضطراب

وكان متابعون للشأن القطري لاحظوا في الأيام القليلة الماضية أنّ حمد بن جاسم، الخاسر الأوّل من انتقال السلطة في قطر إلى الشيخ تميم، صار أقلّ تعاونا. فبعد أن تظاهر بأنّه متفهم للأمر، راح يطرح شروطا ويهدد بفتح ملفات في حال لم يحفظ له دور ما في تسيير شؤون البلد في عهد الأمير الجديد الذي يكنّ له كرها شديدا.
وكانت نتيجة ذلك التعجيل في عملية التسلّم والتسليم عن طريق دعوة أعضاء مجلس العائلة إلى اجتماع لإبلاغهم بقرار الشيح حمد بن خليفة. كذلك، جرى الردّ على حمد بن جاسم بأن هناك أيضا ملفات كثيرة يمكن أن تفتح، بما في ذلك الملفّ المرتبط بابن شقيقه الأكبر الشيخ جبر بن يوسف الذي تولى خلال مرحلة معيّنة (2006-2009) ملف لبنان وارتبط بعلاقات قويّة جدا مع “حزب الله” وتيار النائب ميشال عون يعاونه فريق من اللبنانيين من بينهم رجال أعمال موجودون في قطر وصحافيون من لون معيّن قريبون من الأجهزة الإيرانية والسورية يقيمون بين الدوحة وبيروت.
ويتضمن هذا الملف مخالفات يمكن أن توصف بأنّها ضخمة. وقد كان ممكنا التغاضي عن كلّ ما حصل لو لم تنته المغامرة اللبنانية لجبر بن يوسف بكارثة جرى تحميل مسؤوليتها لحمد بن جاسم نفسه، علما أن التكليف جاء في البداية بمباركة من وليّ العهد وبموافقة حمد بن خليفة.
وأمام هذا الواقع، فضّل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، المنتهية صلاحيته، الصمت والابتعاد بهدوء عن الأضواء والرضوخ للإرادة الأميرية مكتفيا بالمطالبة بضمانات شخصية له ولثروته في مرحلة ما بعد حمد بن خليفة.
هل من تغيير في السياسة؟  
وكان السؤال الأساسي الذي طرح نفسه في الأوساط العربية والدولية في ضوء تولي الشيخ تميم ابن الـ33 عاما السلطة بدعم واضح من والدته الشيخة موزة بنت ناصر المسند وأشقائه وشقيقاته: هل سيترك الرجل بصماته على السياستين الداخلية والخارجية لقطر؟
من الواضح أن عملية قصقصة جناحي حمد بن جاسم بدأت قبل ما يزيد على خمس سنوات. ولم يجد الشيخ تميم مقاومة تذكر له على الصعيد الداخلي وذلك بتشجيع من والدته ودعم من والده وأشقائه وأبناء العائلات الكبيرة. وهذا عائد أصلا إلى أن حمد بن جاسم شخص غير محبوب. فهو من النوع الذي “لا يشبع″ على حد تعبير عدد كبير من الذين عرفوه عن كثب. فضلا عن ذلك، فهو شخص متعجرف لا يحسن إقامة علاقات مع أفراد العائلة الحاكمة في قطر أو مع أفراد العائلات الأخرى النافذة مثل آل العطية.
وكان من بين النوادر التي سرت في أوساط القطريين في السنوات الخمس الأخيرة أن هناك حاجة إلى انتظار ستة أشهر للحصول على موعد مقابلة مع “أبو جبر”.
ولعب سوء إدارة حمد بن جاسم لوزارة الخارجية دورا في مجال إبعاده عن الملفات المهمة بشكل تدريجي. فبحجة أن عليه الانصراف، كرئيس للوزراء أيضا، إلى قضايا أكبر تهمّ الشأن العام وكلّ ملفات الدولة بما في ذلك الاستثمارات الخارجية، جرى تعيين خالد العطيّة في منصب وزير دولة للشؤون الخارجية. والأخير محسوب على الشيخ تميم الذي صار موجودا في عرين الأسد وشريكا أساسيا في تسيير العمل اليومي للخارجية عن طريق العطية.
وترافق تقليص حجم نفوذ حمد بن جاسم في الخارجية وحتى في الإعلام، الذي كان مسيطرا على جزء منه عبر جبر بن يوسف. فقد قرر الشيخ تميم إنشاء مؤسسات خاصة به. وبعض هذه المؤسسات مرتبط بالاستثمارات الخارجية وبعضها الآخر بالإعلام والثقافة والرياضة، وقد نافست في بعض الأحيان المؤسسات التي كانت تشرف عليها والدته.
وكان ملفتا في هذا المجال إصرار وليّ العهد على التخلص من السيطرة الكاملة للإخوان المسلمين على قناة “الجزيرة”. ولعب دورا أساسيا في إبعاد القيادي الإخواني وضّاح خنفر، وهو فلسطيني، عن الموقع الأهمّ في “الجزيرة” التي تحوّلت إلى ما يشبه محطة يتقاسم النفوذ فيها إخوان مسلمون وآخرون منتمون إلى ما يسمّى التيار العروبي من بقايا بعثيين وقوميين عرب…
إضافة إلى ذلك كلّه، أسس الشيخ تميم، مستعينا بـعزمي بشارة النائب السابق في الكنيست الإسرائيلية الذي أصبح يصف نفسه بـ”المفكّر”، مواقع إخبارية يمكن وصفها بأنّها ليبيرالية. وأحد هذه المواقع يعمل من بيروت. وهناك من يتحدث حاليا عن صحيفة ليبيرالية تنوي قطر- الشيخ تميم إطلاقها من القاهرة وهي موجهة إلى الجمهور المصري والليبي والتونسي ولا تتماشى مع التوجه الإخواني الذي شجعته قطر في عهد الأمير الأب.
وكان في أساس احتضان حمد بن خليفة للإخوان المسلمين الرغبة في الاستفادة، مخابراتيا، من شبكتهم المنتشرة في كلّ أنحاء العالم من جهة والتنافس مع المملكة العربية السعودية إسلاميا من جهة أخرى.
لكنّ هذه السياسة لم تأت بالنتائج المرجوة، خصوصا مع التجارب الفاشلة للإخوان في كلّ من مصر وتونس وليبيا واكتشاف الدوحة أن لديهم أجندة خاصة بهم لا تتفق بالضرورة مع الأجندة القطرية.
وهذا يجعل الشيخ تميم يفكر بطريقة مختلفة تقوم على المراهنة على أكثر من تيّار في الوقت ذاته.
ولا شكّ أنه سيستفيد في هذا المجال من تجربة والده الذي وظّف دائما من يعتبرون أنفسهم “عروبيين” معادين لإسرائيل في سياسة براغماتية مارسها على كلّ المستويات من أجل إقامة قنوات اتصال علنية وغير علنية معها. ومن بين أطرف الأمثلة على ذلك، إرسال شخصية من آل الكواري شغلت موقع سفير في واشنطن ثم وزير في الحكومة القطرية لتمثيله في جنازة إسحق رابين، علما أن هذه الشخصية تقدّم نفسها بأنها “عروبية” وترفض أي تطبيع مع إسرائيل!
ستكون البراغماتية العنوان العريض لعهد تميم بن حمد في قطر. والبراغماتية تحتم في المرحلة الراهنة، خصوصا في ظلّ العداء الإيراني للسياسة التي تمارسها الدوحة على الصعيد السوري، تقاربا مع دول الخليج على رأسها المملكة العربية السعودية.
........
العرب اللندنية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..