المثقف الجديد _خالد الرفاعي::
لم أكنْ أستبعدُ - في أيّ من المراحل التي مرّ بها اشتغالي على "الرواية النسائية السعودية" - أنْ تتوّرط دور نشر (محلية) أو (خليجية) أو (عربية) في استغلال المدّ الروائي النسائي الذي شهدته الألفية الثالثة، واستغلال انتشارها، وما حظيتْ به من تفاعل نشري وتأليفي وتداولي...، ولم أكنْ أستبعدُ أيضاً أن يكونَ هذا الاستغلالُ في بعض تجلياته (بشعاً)، يكشف عن المستوى الأخلاقي المتدني الذي بلغه بعضُ المحسوبين على المشهد الثقافي أو على أي من القنوات التي تغذيه ..
لقد قادني البحث في الرواية النسائية السعودية قبل سنوات إلى إحدى الروايات الصادرة عن دار نشر خليجية بعنوان مثير، يتربع تحتَ اسم مستعار، لا يشفّ إلا عن مرجعية تاريخية، لكنّ الذي استوقفني في هذه الرواية زعم الدار الناشرة بأنها لكاتبة سعودية شابة تدرس في أمريكا، بينما لا يقدّم النصُّ في أيّ من سياقاته مؤشّراً واحداً على حضورٍ نسائي أو نسوي .
لقد وضعتُ ابتداءً علامة استفهام كبيرة على هذه الرواية؛ فاتصلتُ بالدار الناشرة وهي دار فراديس البحرينية، وطلبتُ من صاحبها الأستاذ موسى الموسوي أن يسمّي لي الروائية ليطمئنّ قلبي فرفض؛ وجعل هذا الرفض استجابةً منه لرغبة الروائية نفسها، وتنفيذاً لشرطها الرئيس على الدار...، فانتقلت معه إلى مستوى آخر، وطلبتُ منه تقريراً موجزاً، يثبت لي فيه أنّ هذه الرواية طُبِعَتْ تحت اسمٍ مستعارٍ، يعود إلى فتاة سعودية تدرس في أمريكا، فوافق ابتداءً..، لكنه تراخى بعد ذلك في تنفيذ ماوعد به، وأخذ يتجنّب - لاحقاً - الردَّ على اتصالاتي ورسائلي...
لم أجد بداً – والحال هذه – من استثمار إحدى زياراتي إلى البحرين، فزرته في مقرّ الدار، وفي زاوية من زوايا مكتبه واجهته بالمعطيات التي تجعلني أشكّك في أنْ يكون هذا العملُ لامرأة فضلاً عن أن يكون لامرأة سعودية...،لم يستطعْ تفنيدَ هذه المعطيات بطريقة مقنعة، فانتهى اللقاء كما بدأ، لولا اتساع شكوكي حين رأيتُ علامات الارتباك والاختلال والاختلاط تكسو وجهه، وتكبر بين أصابع كلماته...، خرجتُ من اللقاء وفي نفسي من مصداقية هذا العمل الروائي أشياء وأشياء ...
في اللاحق أفضت إحدى الروائيات السعوديات إليّ بأن الأخ الموسوي معنيٌ بتتبع الروايات النسائية السعودية وكاتباتها، ومعني أكثر وأكثر بالروايات التي تتأسس على رؤية أو سياق تمرّدي، وأنه كان حريصاً معها على تغيير عنوان روايتها الاجتماعية ليكون مثيراً ومستفزاً...، كما بدا حريصاً أيضاً على ربط عنوان الرواية بالمملكة العربية السعودية، إما من خلال إضافة مفردة (السعودية) إلى العنوان، أو من خلال إضافة أحد أقاليمها (الشرقية، الجنوب، الشمال...) أو من خلال إضافة اسم منطقة من مناطقها (الدمام، الأحساء، جدة...)، ولا أستبعد – بعد هذا كلِّه - أن يكون عرض عليها أو على غيرها إجراء تعديل على الرواية (شخصياتها، أحداثها، زمنها)، لتعبّر عن إحدى الرؤى التي يحملها، أو لتواكبها على الأقلّ...
أعرف أن هناك روائيات فرضن على الموسوي رؤيتهنّ، ورفضن أن يُعَرِّضْنَ هُويَتِهنّ وانتماءهنّ للتغيير (أو لنقل للمتاجرة)، لكنْ هناك في المقابل مؤشرات على سقوط أخريات في واحدة من الحفر الكثيرة التي تفرشها دور النشر في طريق المبدعة الجديدة، وتمارس بها ابتزازاً إيديولجيا فوق الابتزاز التجاري الذي يعرفه الجميع .
لا أعرض هنا اتهاماً مشروعاً لدار فراديس، ولا لصاحبها الأخ الموسوي، لكنني – في المقابل – لا أستطيع أن أتجاهل شهادة الروائية السعودية في تجربتها مع الدار، ولا تجربتي الشخصية مع صاحبها، كما لا أستطيع تجميد المعطيات الموضوعية التي لم يحسن الأخ الموسوي تهدئتها، ولا تجاهل الشكوك التي غذّاها بتجاهله !
إشارة : نقد الحراك النشري لا يقلّ أهمية عن نقد الحراك الإبداعي !!
.............
المثقف الجديد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..