كان صديقي الشيعي حزينا
وهو يشير إلى بيان صدر مؤخرا من أحد كبار علمائنا. فقد أستغل الشيخ غضبنا على دعم
حزب الله للقوات السورية ضد الجيش السوري الحر لمهاجمة كل الشيعة، متهما إياهم
بإدعاء الإسلام والتحالف ضده مع أعتى أعدائه. ولإثبات ذلك سرد لنا سلسلة من الأحداث التاريخية تنتهي بالصراع في سوريا. إلا أن شيخنا فاته أن نظام البعث السوري هو في الواقع علماني لا ديني، والعشيرة العلوية الحاكمة ليست شيعية ولا حتى مسلمة. وفي حين يحظى النظام بالدعم من إيران وحزب الله، فهم يحظون أيضا بالدعم من الدول الشيوعية والاشتراكية كالصين وكوبا وروسيا وفنزويلا، ومن جنوب أفريقيا المسيحية وإسرائيل اليهودية والجزائر السنية.
المصالح توجه السياسة أكثر بكثير من الأيديولوجية. فحلفاء سوريا لديهم الكثير ليخسروه في حالة فشل النظام الحاكم. فقد استثمروا في الماضي مع حكومة الأسد، واليوم يقاتلون باستماتة لحماية استثماراتهم. والولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وحلفائهم يقفون في نفس المعسكر عندما يتعلق الأمر بالجهاديين. فلا أحد منهم يقبل بقيام حكومة إسلامية سنية متشددة في سوريا. وفي الوقت الذي يتباكى الجميع على المآسي الإنسانية، فلا شيء بالنسبة لهم يستحق التضحية بمصالحهم السياسية والاقتصادية. هذا هو واقع السياسة بكل بساطة!
حزب الله عميل لايران. ولكنه أيضا حزب سياسي لبناني، مع خلفية دينية محافظة، لا يختلف في ذلك الجانب عن حزب العدالة والتنمية في تركيا. عضوية حزب الله مفتوحة لجميع اللبنانيين بغض النظر عن الدين أو العرق، وهدفهم المعلن هو مقاومة إسرائيل، وهذا هو عذرهم لحمل السلاح. أما الدور غير المعلن، كما كشفت عنه الأحداث الأخيرة، فهو خدمة مصالح إيران في المنطقة. وفي كل الأحوال فإن أهدافه المعلنة وغير المعلنة لا تشمل تمثيل الطائفة الشيعية أو أتباعها.
وفي الواقع فإن سياسات الحزب وولاء قياداته المطلق لإيران يشعر عدد متزايد من العرب الشيعة، خصوصا في لبنان، ان مصالحهم قد اختطفها الفرس وعرضوا مستقبل علاقاتهم مع اخوانهم السنة في لبنان وسوريا، وفي العراق ومنطقة الخليج الى اعاصير العداء وعدم الثقة ربما لعقود واجيال قادمة.
الشيخ الذي أعلن أن اخواننا المسلمين الشيعة كفار وأعداء للإسلام والمسلمين ليس الأول من نوعه وليس وحده، ولكن تصريحاته حظيت على غير العادة بالنشر على صدر الصفحة الاولى لأحدى صحفنا الرائدة. على انه في الصفحات الداخلية نشرت تصريحات أخرى لعلماء كبار، يتقدمهم سماحة المفتي، كانوا من الحكمة والعدالة بما يكفي للتمييز بين موقفهم من "حزب الله" ككيان سياسي وعسكري يخدم أهداف إيران في المنطقة، وحكمهم على اتباع المذهب الشيعي ككل، والذين اعلن كثير منهم مرارا وتكرارا، معارضتهم لايران وحزب الله وسياساته.
كم اتمنى ان توضع القوانين واللوائح الملزمة لمنع نشر دعوات الفتنة والتحريض والتكفير وللحجر على المخالفين.
المشكلة ليست جديدة. وقد سعى المتطرفون من كلا الجانبين لقتل الروح التي حرم الله. ومصاصو الدماء لن يختفوا طواعية عن الوجود فهم يعيشون على موت ودمار غيرهم. لكن القادة الحكماء عبر التاريخ ابقوهم تحت السيطرة وداخل المساجد والمدارس الدينية، ليناقشوا خلافاتهم الأيديولوجية في بيئة فكرية مسالمة.
وفي نفس الوقت، عمل العلماء الكبار على مبادرات للحوار بين المذاهب لتفنيد وتوسيع مجالات الاتفاق، والتي تشمل معظم القواعد والاركان، وتفنيد وتضييق مجالات الاختلاف، والتي هي الاقل عددا، وان كانت لا تقل اهمية.
انطلقت آخر المبادرات العظيمة من القمة الإسلامية بمكة المكرمة، في رمضان الماضي. فقد أدان قادة الدول الإسلامية، أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، خطاب الكراهية والعصبية الدينية والعرقية، الأمر الذي يؤدي إلى الاقتتال الداخلي والانقسام بين المسلمين وتهديد الأقليات غير المسلمه، واعتمدوا مبادرة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية، مقره الرياض.
وهذا يؤيد ماسبق التوصل اليه في اعلان مكة المكرمة بالقمة الاسلامية التي جمعت لاول مرة قادة وعلماء العالم الاسلامي في العاصمة المقدسة عام (2005) من إقرار أن المذاهب الاسلامية هي ثمانية، وليس أربعة فقط، بما في ذلك المذهب الشيعي، والتأكيد على أهمية الحوار والتسامح والتعايش بين اتباع المذاهب.
وطالما أظهرت قيادة الملك عبد الله الوعي العميق بخطورة خطاب الكراهية والطائفية وأنها "فتنة" تهدد وحدة وأمن الوطن. وقد أعطى مركز الملك عبدالعزيز للحوار هذه المسألة أولوية عالية فكان أن أصدر أول لقاء للحوار الوطني في الرياض، عام 2003، مبادئ توجيهية قوية لضمان وتشجيع التسامح الطائفي.
هذه المبادرات والتي بدأ العمل بها فعليا، ووضعت لها خريطة طريق لا ينبغي أن نسمح للسياسة والصراعات وصناع الفتن إبطاء تقدمها. فأمننا ووحدة امتنا، وتعايشنا السلمي ومستقبل ابنائنا يعتمد على نجاحها.
بقلم : د. خالد محمد باطرفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
بإدعاء الإسلام والتحالف ضده مع أعتى أعدائه. ولإثبات ذلك سرد لنا سلسلة من الأحداث التاريخية تنتهي بالصراع في سوريا. إلا أن شيخنا فاته أن نظام البعث السوري هو في الواقع علماني لا ديني، والعشيرة العلوية الحاكمة ليست شيعية ولا حتى مسلمة. وفي حين يحظى النظام بالدعم من إيران وحزب الله، فهم يحظون أيضا بالدعم من الدول الشيوعية والاشتراكية كالصين وكوبا وروسيا وفنزويلا، ومن جنوب أفريقيا المسيحية وإسرائيل اليهودية والجزائر السنية.
المصالح توجه السياسة أكثر بكثير من الأيديولوجية. فحلفاء سوريا لديهم الكثير ليخسروه في حالة فشل النظام الحاكم. فقد استثمروا في الماضي مع حكومة الأسد، واليوم يقاتلون باستماتة لحماية استثماراتهم. والولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وحلفائهم يقفون في نفس المعسكر عندما يتعلق الأمر بالجهاديين. فلا أحد منهم يقبل بقيام حكومة إسلامية سنية متشددة في سوريا. وفي الوقت الذي يتباكى الجميع على المآسي الإنسانية، فلا شيء بالنسبة لهم يستحق التضحية بمصالحهم السياسية والاقتصادية. هذا هو واقع السياسة بكل بساطة!
حزب الله عميل لايران. ولكنه أيضا حزب سياسي لبناني، مع خلفية دينية محافظة، لا يختلف في ذلك الجانب عن حزب العدالة والتنمية في تركيا. عضوية حزب الله مفتوحة لجميع اللبنانيين بغض النظر عن الدين أو العرق، وهدفهم المعلن هو مقاومة إسرائيل، وهذا هو عذرهم لحمل السلاح. أما الدور غير المعلن، كما كشفت عنه الأحداث الأخيرة، فهو خدمة مصالح إيران في المنطقة. وفي كل الأحوال فإن أهدافه المعلنة وغير المعلنة لا تشمل تمثيل الطائفة الشيعية أو أتباعها.
وفي الواقع فإن سياسات الحزب وولاء قياداته المطلق لإيران يشعر عدد متزايد من العرب الشيعة، خصوصا في لبنان، ان مصالحهم قد اختطفها الفرس وعرضوا مستقبل علاقاتهم مع اخوانهم السنة في لبنان وسوريا، وفي العراق ومنطقة الخليج الى اعاصير العداء وعدم الثقة ربما لعقود واجيال قادمة.
الشيخ الذي أعلن أن اخواننا المسلمين الشيعة كفار وأعداء للإسلام والمسلمين ليس الأول من نوعه وليس وحده، ولكن تصريحاته حظيت على غير العادة بالنشر على صدر الصفحة الاولى لأحدى صحفنا الرائدة. على انه في الصفحات الداخلية نشرت تصريحات أخرى لعلماء كبار، يتقدمهم سماحة المفتي، كانوا من الحكمة والعدالة بما يكفي للتمييز بين موقفهم من "حزب الله" ككيان سياسي وعسكري يخدم أهداف إيران في المنطقة، وحكمهم على اتباع المذهب الشيعي ككل، والذين اعلن كثير منهم مرارا وتكرارا، معارضتهم لايران وحزب الله وسياساته.
كم اتمنى ان توضع القوانين واللوائح الملزمة لمنع نشر دعوات الفتنة والتحريض والتكفير وللحجر على المخالفين.
المشكلة ليست جديدة. وقد سعى المتطرفون من كلا الجانبين لقتل الروح التي حرم الله. ومصاصو الدماء لن يختفوا طواعية عن الوجود فهم يعيشون على موت ودمار غيرهم. لكن القادة الحكماء عبر التاريخ ابقوهم تحت السيطرة وداخل المساجد والمدارس الدينية، ليناقشوا خلافاتهم الأيديولوجية في بيئة فكرية مسالمة.
وفي نفس الوقت، عمل العلماء الكبار على مبادرات للحوار بين المذاهب لتفنيد وتوسيع مجالات الاتفاق، والتي تشمل معظم القواعد والاركان، وتفنيد وتضييق مجالات الاختلاف، والتي هي الاقل عددا، وان كانت لا تقل اهمية.
انطلقت آخر المبادرات العظيمة من القمة الإسلامية بمكة المكرمة، في رمضان الماضي. فقد أدان قادة الدول الإسلامية، أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، خطاب الكراهية والعصبية الدينية والعرقية، الأمر الذي يؤدي إلى الاقتتال الداخلي والانقسام بين المسلمين وتهديد الأقليات غير المسلمه، واعتمدوا مبادرة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية، مقره الرياض.
وهذا يؤيد ماسبق التوصل اليه في اعلان مكة المكرمة بالقمة الاسلامية التي جمعت لاول مرة قادة وعلماء العالم الاسلامي في العاصمة المقدسة عام (2005) من إقرار أن المذاهب الاسلامية هي ثمانية، وليس أربعة فقط، بما في ذلك المذهب الشيعي، والتأكيد على أهمية الحوار والتسامح والتعايش بين اتباع المذاهب.
وطالما أظهرت قيادة الملك عبد الله الوعي العميق بخطورة خطاب الكراهية والطائفية وأنها "فتنة" تهدد وحدة وأمن الوطن. وقد أعطى مركز الملك عبدالعزيز للحوار هذه المسألة أولوية عالية فكان أن أصدر أول لقاء للحوار الوطني في الرياض، عام 2003، مبادئ توجيهية قوية لضمان وتشجيع التسامح الطائفي.
هذه المبادرات والتي بدأ العمل بها فعليا، ووضعت لها خريطة طريق لا ينبغي أن نسمح للسياسة والصراعات وصناع الفتن إبطاء تقدمها. فأمننا ووحدة امتنا، وتعايشنا السلمي ومستقبل ابنائنا يعتمد على نجاحها.
بقلم : د. خالد محمد باطرفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..