الخميس، 27 يونيو 2013

كيف نقرأ خطاب الرئيس؟

توجد ملاحظات تتعلق بالشكل، وأخرى بالمضمون..
  • أولا: الشكل/
    - الملمح الأبرز في الخطاب، هو أنه لم يكن خطابا تلفزيونيا منفردا، أو أمام جمع من المؤيدين، بل كان "خطاب دولة"..
    فلم يكن الرئيس الذي يتحدث، بل الدولة كلها تقدم كشف حساب، وهذا الاجتماع للدولة بكامل هيئتها، يعطي دلالة واضحة على امتلاك الشرعية، وعلى السيطرة، وهي معاني يحتاج إليها الرأي العام على عتبة احتجاجات تسعى لمنازعة شرعية الرئيٍس..
    - نجح الرئيس للمرة الأولى في تقديم مزاوجة ناجحة بين القراءة والارتجال، مع تجنب الحركات والعبارات التي يسهل تسقطها إعلاميا..
    - على العكس من خطابات سابقة، ظهر الرئيس في حالة نشطة، لا يبدو عليه الإرهاق، وظلت لياقته جيدة حتى نهاية الخطاب..
    - أسلوب توجيه الكلام بصورة مباشرة إلى المسئولين الجالسين، يعطي انطباعا إيجابيا عن السيطرة..
    - الخطاب تاريخي بمعنى الكلمة، وأعتقد أن الرئيس لو كان قد ألقى خطابا مثل هذا كل أربعة أشهر في العام الماضي، لتغيرت وقائع كثيرة على الأرض..
    - استخدام القفشات واللفتات المضحكة والأمثلة العملية، أضفى سمة محببة للخطاب، وجعله مقبولا رغم طوله غير المسبوق..
    - التأخير النسبي للخطاب، مع طوله، وضع ماكينات التشويه الإعلامية في ورطة، فالمشاهد أُرِهق من طول الخطاب، والوقت تجاوز منتصف الليل، وهذا يعني ترحيل القدر الأكبر من عملية التشويه إلى اليوم التالي..
    - لا تزال بدايات خطب الرئيس تعاني من بعض الاستطراد الذي يعطل التركيز ويبطئ التأثير- قليلا..
    - استخدام الآيات بوفرة في بداية الخطاب ونهايته، تعطي رسالة واضحة للمشمئزين من كلمات رب العالمين..

    ثانيا: المضمون/
    - تعمد الرئيس أن يذكر أسماء بعينها كأمثلة انتقائية عند حديثه عن الفئات المعادية للثورة وللنظام، وهذه الطريقة تقرب المقصود من الرأي العام، وتجعل الحديث عن "مؤامرة" أقرب للاستيعاب والتصديق، كما كان موفقا للغاية في اختياره لشخصية شفيق، وكلامه عنه..
    - أسلوب الاعتذار عن الخطأ، جديد ومؤثر، فالناس تضعف كثيرا أمام المخطئ المعتذر، بينما تقسو دائما على المخطئ المتعنت..
    - تحدث الرئيس عن الاضطرابات والاحتجاجات القادمة بطريقة وضعتها في قالب ضيق، فقد تحدث عنها بوصفها أزمة عابرة تواجه الدولة، وليس كارثة تهدد النظام، وهي رسالة للرأي العام، وللمتمردين، نصها: لسنا خائفين، أنتم سحابة صيف..
    فهو لم يجعل خطابه، خطاب زعيق ونفير ونحن في معركة والبلد تنهار...إلخ ..
    - كان الرئيس موفقا، عندما فصل بين البلطجة والمعارضة بصورة واضحة، ثم فصل بين المجموعات الثورية وبين الأحزاب، ثم فصل بين المعارضة الحزبية المعتدلة، وتلك المتطرفة، ثم مع ذلك كله لم يذكر رموز المعارضة ولا أحزابهم بالاسم، وهذا الإهمال يتضمن نوعا من "تحجيم التأثير"، وذلك على الرغم من أنه ذكر أشخاصا كثيرين بالاسم في مواطن مختلفة..
    - قرار لجنتي المصالحة والتعديلات، يوحي بوجود تناغم مع تصريحات السيسي، باتباع سياسة الباب المفتوح التي تضيق الخيارات أمام المعارضة..
    - العرض الرقمي للإنجازات كان قويا، ومركزا، وكذلك عرض التحديات، وقد نجح بالفعل في إعطاء لمحة عن الواقع..
    - المواطن ذو الثقافة العادية، يستطيع بوضوح من خلال متابعة الخطاب أن يفهم وضع البلد، نقاط القوة والضعف، والفرص والتحديات الخارجية، وهذا يعني أن صياغة الخطاب كانت احترافية متمثلة في "رفع الواقع الإستراتيجي" لكن بلغة مفهومة للمواطن العادي..
    - ربما توقع البعض أن تكون القرارات أكثر ثورية وجذرية، لكن يجب ملاحظة أن القرارات التي أصدرها الرئيس الليلة، قوتها في تطبيقها وليس في منطوقها..
    والفرق بينهما، أن القرارات التي تكمن قوتها في تطبيقها، تفتح مجالات زمنية للمتابعة والترقب والتوجس، فمواجهتها للوهلة الأولى غير مجدية، إذ لابد من انتظار طريقة تطبيقها، وهذا بخلاف القرارات الجذرية الواضحة التي قد تستجلب معارضة أقوى ونقدا أشد بمجرد صدورها..
    - الحديث عن الداخلية كان معتدلا نسبيا، فنحن في حالة أزمة، وهناك دعوات كثيرة داخل الوزارة نفسها للعصيان والتفلت، والمواجهة الجذرية في تلك الحالة، قد تقلص الدور الذي يمكن أن يقوموا به في مواجهة الاضطرابات، ومع ذلك فقد أشار الرئيس إلى حاجة الوزارة إلى تغيير ثقافتها ومفاهيمها، وكان انتقاؤه لشخصية "حسن عبد الرحمن" مقصودا، كونه يحمل رسالة واضحة لمن هم على شاكلته داخل الوزارة..
    - أرسل الرئيس تحذيرا مبطنا للمحكمة الدستورية فيما يتعلق بقضية شفيق والطعن في الانتخابات، مع تأكيده على احترام المحكمة بصفة عامة..
    - تناوله لموقف القوات المسلحة كان متوازنا، يجمع بين التأكيد على دورها الأصلي، وبين أهمية ابتعادها عن السياسة، وبين استثنائية الدور الأمني الذي تقوم به، وأن كل ذلك يتم في إطار الرئاسة، ومجلس الأمن القومي..

    الملاحظات كثيرة، ولكن ما سبق أهمها، والخطاب بصفة عامة، تاريخي ومؤثر، وأعتقد أنه يرسم مرحلة جديدة في الأداء الرئاسي، ويعوض قدرا لا بأس به مما تآكل من شرعيته بفعل المنازعة المستمرة..
    وللمرة الأولى يشعر كثير من المواطنين بأنهم أمام خارطة طريق وتحديات واضحة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..