الاثنين، 22 يوليو 2013

مفترق الطرق بين حزب النور وناقديه

تعقيباً على مقال الشيخ ياسر برهامي :

من أقرَّ الجماعات الإسلامية على اقتحام العمل الديمقراطي ، ينبغي عليه أن يحاسبها على أخطائها ويُقَيِّم
أداءها  وفق المبادئ والمعايير الديمقراطية .


قياس ناقدي حزب (النور) على المنافقين هو قياس قبيح والفارق فيه عظيم ولا يليق نَصْبُه في حق المؤمنين الذين لا نشك في علمهم وتقصدهم الخيرَ مهما اختلفنا معهم في تصور الواقع والحكم عليه



الخطأ المنهجي فيما أرى والذي وقع فيه الإسلاميون عامة راجعٌ إلى مشكلة أعمق وهي مشكلة الشريعة مع الديمقراطية، فالحدود الديمقراطية هي التي ستبقى حاكمة على الشريعة وليس العكس .



 
كتب الشيخ ياسر برهامي وفقه الله مقالاً يرد فيه على من قاموا بالتشنيع على موقف حزب النور من خارطة الطريق التي أعلنها وزير الدفاع المصري في ٢٤/ ٨/ ١٤٣٤ والتي كانت أولى خطواتها عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي عيسى العياط وتسلم السيد عدلي محمود منصور رئاسة الجمهورية لفترةٍ انتقالية .


وقد نشرت بعضُ كبريات المواقع الإلكترونية وثيقةً يُزعم أنها سرِّية ومسرَّبة يشرحُ فيها حزبُ النور موقفه بشكل أكثر تفصيلاً.


واطَّلعتُ على كلا الورقتين ، وسبق ذلك اطِّلاعي على عدد من ردود الفعل على موقف حزب النور، وأخصُ ما كان من المنتسبين للمنهج السلفي من خارج مصر .


وفي تقديري أن المشكلةَ ليست في الاعتراض على موقف الحزب ، فهو موقف تجاه قضية سياسية تحتمل الاعتراض والتأييد ، وإن كانت حالة الغضب العارم جعلت مواقف التأييد   تكاد تختفي أو يختفي أصحابها مؤثِرِينَ اجتهادَ الصمتِ في هذه الأثناء ، أو منهج السلامة .


نعم :لا تكمن المشكلة في الاعتراض لكنها تكمن  في نظري في المنهج الذي بُنِيت عليه عامة تلك الاعتراضات وعلى أساليبها .


فمن جهة الأساليب : قرأنا لدى عددٍ من  المعترضين قَطْعَاً بصوابِ ما ذهبوا إليه من تجريم حزب النور في موقفه   ، مع أنني لم أجد لدى أحدٍ منهم أيَّ أداة من الأدوات المؤدية إلى العلم القطعي ، وهي الإحاطة التامة بجميع جوانب الموقف حِسَّاً أو ما يقوم مقامَ الحسِ من وسائل المعرفة التي يوُصِلُ توافُرُها إلى القطع  ، كما أن الآياتِ القرآنية والأحاديث الشريفة التي استدلوا بها ليست قاطعة في دلالتها على موقف حزب النور بعينه وإنما تدل عليه دلالة قابلة للاختلاف فيها  ، فلهذا أجد أن العبارات  القاطعة  الواردة في عامة كتابات إلناقدين لموقف الحزب لم تكن في محلها .


وممَّا يبدو لي كونُه خطأ في أساليب عددٍ من ناقدي موقف حزب النور تنزيلُ الآيات الواردة في المنافقين أصحاب الدرك الأسفل من النار على الحزب وموقفه ، كاستشهاد بعضهم بقوله تعالى ( الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ..) الآية ، وأنا أعلم أن أصحاب مثل هذه الاستشهادات لا يقصدون وصف حزب النور بالنفاق ، وإنما يقصدون قياس فعلهم هذا على ما كان يفعله المنافقون الذين نزلت فيهم الآية ، ومع ذلك فهو قياس قبيح والفارق فيه عظيم ولا يليق نَصْبُه في حق المؤمنين الذين لا نشك في علمهم وتقصدهم الخيرَ مهما اختلفنا معهم في تصور الواقع والحكم عليه.


أما المنهج الذي بَنَى عليه معظمُ الناقدين من السلفيين نقدهم ، فهو محاكمة التصرفات الجزئية السياسية لحزب النور والمنطلقة من مبادئ ديمقراطية إلى الأدلة الشرعية التفصيلية .


وهذا منهجٌ خاطئٌ في التقييم كما يظهر لي .



وتوضيح خطئه يبدأُ من استحضار كون الديمقراطيةِ منظومةً كاملة ذات منطلقات وآليات وأخلاقيات وقواعد كلية وجزئية ، وهذه المنظومة بمجموعها مخالفة للشريعة .


   وحين تصدُر لحزب النور أو لغيره من الأحزاب الإسلامية فتوى بجواز اقتحام العمل الديمقراطي للضرورة أو الحاجة المُنَزَّلة منزلة الضرورة أو لتخفيف ما يمكن أن ينتج عن الديمقراطية من شر فيما لو امتنعت الجماعات الإسلامية من المشاركة فيها، أو لغير ذلك من الأسباب ، فينبغي أن يعلم من أصدر هذه الفتوى : أن الديمقراطية كلٌ لا يتجزأ ، وأن عَمَلَ الحزب ببعض أجزائها دون بعض سيُسقطه في السباق الديمقراطي .


ولهذا فإن المُفتي بين خيارين: إما أن يرفض دخول الأحزاب في العمل الديمقراطي برُمَّتِه ، وإما أن يقبل دخولهم فيه برُمَّتِه .


أما أن يأذن المُفتي للحزب ببعض جوانب العمل الديمقراطي ويمنعه من بعضها ، فمعنى ذلك أنه حكم عليه عاجلاً أو آجلاً بالسقوط في هذا السباق ، وتحمل التبعات الخطيرة لهذا السقوط .


وعليه فإن من أقرَّ الجماعات الإسلامية على اقتحام العمل الديمقراطي ، ينبغي عليه أن يحاسبها على أخطائها ويُقَيِّم أداءها  وفق المبادئ والمعايير الديمقراطية .


وحين يفتي أحدهم لهذه الأحزاب  بجواز العمل الديمقراطي ثم يحاسبها في جزئيات أدائها وفق الأدلة الشرعية فقد أدخل نفسه في تناقض لن يُقِيم معه الشريعة ولن يقيم معه الديمقراطية .


ولهذا أجد أن من أقرُّوا حزب النور على اقتحام العمل الديمقراطي ثم أخذوا بمحاسبته في جزئيات عمله وفق الأدلة الشرعية قد ظلموه وأساؤا إليه .


فأقول لهم : إما أن تفتوه بجواز العمل الديمقراطي وتحاسبوه وفق مبادئها وأحكامها ، وإما أن تفتوه بتحريم العمل الديمقراطي وتعُدُّوا أخطاءه نتاجاً للخطأ الأكبر الذي أقتحمه وليست أخطاء قائمة بذاتها .



وحين قرأت ما كتبه الدكتور ياسر برهامي وفقه الله ، وجدته في رده على منتقدي حزبه من السلفيين قد وقع في الخطأ المنهجي نفسه والذي وقع فيه خصومه .

فهو يبرر تصرفات الحزب التي انتقدها مخالفوه بأدلة شرعية .


وكما قلتُ سابقاً في الأدلة الشرعية لمُنْتَقِدي حزب النور ، أقول في أدلة الحزب في تبرير مواقفه ، فهي أدلة أقل ما يُمكن أن نقول فيها : إنه لا يمكن الجزم بانطباقها على تلك الوقائع .


وكان الأجدر بالدكتور ياسر أن يبرر مواقفه بالمنطلقات الديمقراطية التي رضيها لحزبه وجاءته عدة فتاوى من جهات شرعية بها .



والحقُ أن هذا الخطأ المنهجي في تقديري ليس مقتصراً على السلفيين وموقفهم من حزب النور ، بل إن الإخوان ومؤيديهم من المشايخ والدعاة غارقون في هذا الخطأ حتى شحمة آذانهم .


بل إن الإخوان كما يظهر لي من مواقفهم يتعاملون من المعطيات الشرعية تجاه التفاصيل الديمقراطية بانتقائية واضحة .


ففيما نجد المفتين منهم يجيزون تولي النصارى حكم الدولة المسلمة ومصر تحديداً ، ويُسمون النصارى إخوة في الوطن ويوجبون لهم الشراكة في اتخاذ القرار، نراهم يركزون في نقدهم لموقف حزب النور من خارطة الطريق بأنه تحالف مع النصارى .


وحين نجدهم يقرون حق التظاهر لكل أحد وفي أي ميدان نجدهم أيضا يحتجون على تظاهرات ٣٠ يونيو وما نجم عنها بأنها خروج على ولي الأمر ، مع أن الديمقراطية ليس فيها مصطلح ولي الأمر ولا تعطي رئيس الدولة أحكامه .

وفي حين كانوا هم المبادرين إلى استئناف العلاقة مع الصهاينة بإرسال سفيرهم  إلى تل أبيب حاملاً خطاب الأخوة والمركب الواحدة إلى رئيس الكيان الصهيوني ويبررون ذلك باحتياجات المرحلة نراهم ينتقدون الانقلابيين في علاقاتهم العملية القديمة مع الكيان نفسه .





وهذا الخطأ المنهجي فيما أرى والذي وقع فيه الإسلاميون عامة راجعٌ إلى مشكلة أعمق وهي مشكلة الشريعة مع الديمقراطية ، فإننا حين نريد إعمال الشريعة داخل النظام الديمقراطي يجب علينا أن نعي أن الشريعة لا يُمكنها أن تتمدد إلا وفق ما تسمح لها الحدود الديمقراطية ، فالحدود الديمقراطية هي التي ستبقى حاكمة على الشريعة وليس العكس .


 وهذه المعضلة هي التي لم يلحظها دعاةُ أسلمة الديمقراطية والتي ينبغي عليهم أن يكتشفوها من خلال  هذه التجارب اليسيرة والتي لو تمت قراءتُها بعمق وعدم انحياز لكفلت لنا مساراً فكرياً أوضح والله المستعان .




محمد بن إبراهيم السعيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..