الأربعاء، 10 يوليو 2013

الأزمات وتساؤلات الهوية

عند مرور المجتمعات بالأزمات أو التحولات الحادة سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو أثناء
التعرض لعدوان أو تهديد خارجي أو عند وقوع كوارث طبيعية تثور في المجتمعات تساؤلات كثيرة ومتعددة من أهمها ما يدور حول هوية المجتمع والوطن والدولة ونحن كمجتمع بشري نتعرض لذلك مثل غيرنا وبخاصة عند وقوع أحداث مزلزلة مثل أيام الثورة اليمنية عام ١٩٦٢م واحتلال الكويت وثورات الربيع العربي ولذلك فإنني سأتحدث عن هذه القضية للحاجة إليها إن الناس عند ألأزمات في أشد الحاجة إلى الاعتصام عمليا والتذكير بعوامل الوحدة وشد روابط اللحمة في مقابل حالة السيلان التي لا يمكن دفعها نظريا فيما تطرحه من تساؤلات وهو ما دفعني بعد طول تأمل بعد تحرير الكويت إلى الكتابة فيما أسميته ((معالم الهوية والمنهج)) وقد استشرت فيه كثيرا من أهل العلم والفكر ثم نشر في بعض صحفنا وقدم عنه حلقات تلفزيونية وكتب عنه بعض المقالات وسأنقل منه هنا في ختام حديثي بعض ما قلته هناك لكن قبل ذلك

 سأبين معالم هذه الهوية منزلة في الواقع في نظام دستوري  وليس في كلام علمي ونظري فقط ثم أورد أقوالا لحكام بلادنا المتعاقبين بحسب ما يسعف به الوقت لأبين أيضا أن هذه الوثيقة الدستورية لم تأتي من فراغ  ولو ذهبت لتأصيل هذه القضايا من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة  لطال الكلام لكنها مما أشبع بحثا من الفقهاء المختصين وسأبدأ بالرجوع للوثيقة الدستورية الأهم في تأريخنا الحديث ((النظام الأساسي للحكم))

أولا مواد من ألنظام الأساسي:--

لقد ورد في النظام الأساسي من المواد التي تشكل ثوابتا وطنية الشيء الكثير مما يجعل التأكيد عليها والعض عليها بالنواجذ ضمانة للحفاظ على هويتنا ووحدتنا وأمننا ومنها على سبيل المثال:--

((المادة الأولى المملكة العربية السعودية دولة إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية...
المادة الخامسة نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز.....وأبناء الأبناء ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم...

المادة السابعة يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة...

المادة الثالثة والعشرون تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله..

المادة الخامسة والعشرون تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة..

المادة السادسة والعشرون تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية..

المادة الخامسة والخمسون يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة.. ))

وهذه المواد الرائعة والنادر وجودها في الدساتير هي أمثلة فقط وإلا فمواد النظام كلها تتنفس هذه الروح الإسلامية الوسطية الأصيلة وبعض الشعوب الإسلامية التي ابتليت پأنظمة ودساتير علمانية مازالت منذ عقود تحاول الوصول الى مثل إحدى هذه المواد وبعضها حقق نجاحا محدودا وبعضها لم يتمكن بعد وما أظن أحدا من أبناء هذا البلد يعترض على أي من هذه المواد إلا ما ندر لكن المشكل هو التقصير في الأخذ بهذه المواد عمليا وبالذات عند وقوع الأزمات...

ثانيا بعض أقوال ملوك هذه البلاد في هذا الشأن:--

والآن سأنقل بعض أقوال حكام هذه البلاد التي تؤكد ما نقلته من النظام الأساسي حتى قبل صدوره وهذه الأقوال أحتفظ منها بالكثير لكنني سأقتصر على أمثلة منها أيضاً:---

((قال الملك عبد العزيز رحمه الله:-إن رأينا واعتقادنا وآمالنا في السير إلى الأمام يجب أن تكون وفق ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح فما كان موافقا للدين في أمور الدنيا سرنا عليه وما كان مخالفا نبذناه.

وقال أيضاً :-إن كتاب الله ديننا ومرجعنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا وفيها كل ما نحتاجه من خير ورشاد ونحن سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته وإتباعه وتحكيمه في كل أمر.

وقال أيضاً :-لا يوجد في الدنيا مدنية تسعد البشر وتكفل حقوق الراعي وحقوق الناس كافة وتؤمن بالمساواة غير ما أنزل الله عز وجل وما جاء عن نبيه عليه الصلاة والسلام .

وقال أيضاً :- متى اتفق العلماء والأمراء على أن يستر كل منهم الآخر فيمنح الأمير الرواتب والعلماء يدلسون ويتملقون ضاعت أمورنا وفقدنا والعياذ بالله الآخرة والأولى.))

((وقال الملك سعود رحمه الله:--إن اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ولم شعثهم هو ما يجب على كل مسلم أن يعمل لتحقيقه وإنني أدعو  المسلمين جميعا أن يجمعوا على الحق صفوفهم وأن يوحدوا كلمتهم وأن يكونوا كالبنيان المرصوص ))

((وقال الملك فيصل رحمه الله:-- إننا في هذا البلد الشريف نعاهد أنفسنا على أن نكون بحول الله وقوته خداما لشريعة الله داعين إلى الله متعاونين مع كل إخواننا المسلمين في أقطار الأرض لما فيه نصرة هذا الدين وتحكيم شرع الله وخدمة شعوبنا بل ونشر العدالة في العالم أجمع ..

.وقال أيضاً :- أما سياستنا الداخلية فهي أولا وقبل كل شيء تحكيم كتاب الله وسنة رسوله واستنباط ما يصلح أمورنا وشؤوننا على أن لا يخرج عما في كتاب الله وسنة رسوله ))


(( وقال الملك فهد رحمه الله:-- نحن هنا في المملكة العربية السعودية نؤمن بان الخروج من الخلاف يكمن في تحكيم كتاب الله الكريم  و سنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم في جميع أمورنا و أحوالنا لأن ذلك هو السياج القوي و السبيل الوحيد لحل أي مشكلة و التغلب على كل أزمة مهما كانت درجتها و لن تتحقق لنا العزة و الكرامة إلا إذا سلطنا الطريق الذي رسمه الله لنا في قوله تعالى : ( فلا و ربك لا يؤمن حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما).

و قال أيضاً : إن دستورها في المملكة هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم الذي لا ينطق عن الهوى ما اختلفنا فيه من شيء رددناه إليهما و هما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة..

 و قال أيضاً : لقد تأسست هذه المملكة بعون الله و توفيقه و نصب عينيها هدف سام ٍ هو العمل  على إعلاء كلمة الله و الالتزام الكامل بشريعته و منهاجه )) . 

(( وقال الملك عبد الله وفقه الله :-- وأعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستورا والإسلام منهجا وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة))

وبلا شك أن التأكيد على هذه الهوية العقدية والتشريعية والسياسية للمجتمع والدولة هو مكسب للأمة كلها في كل مكان وليس لنا فقط في هذه البلاد ولذلك لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون محل جدل أو خلاف أو تساؤل وآن يعاد التذكير بها باستمرار وأن يصار إلى تفعيلها دائما في جوانب الحياة المختلفة..

ثالثا هذه بعض فقرات البحث الذي أعددته ونشرته بعد احتلال الكويت كما أشرت في بداية حديثي :--

{{1.   المرجعية في الدين هي الكتاب والسنة وتفهم في ضوء قواعد الاستنباط واللغة العربية ومقاصد الشريعة ويبنى على ذلك فقه المصالح والمفاسد ومآلات الأمور ومصادر المعرفة هي الوحي والعقل والحس والفطرة .

2.   نشر العلم الشرعي والتفقه في الدين وكثرة العلماء الراسخين المجتهدين الصادقين والعناية بذلك شرط لاستعادة الأمة لخيريتها وتجاوزها لمحنتها, والحفاظ على أصالتها.

3.   منهج النبوة المحمدية الذي يربط الدنيا بالآخرة والغيب بالشهادة والتشريع بالوحي والعمل بالنية هو المنهج الحق الذي لا سعادة للإنسان في غيره .

4.   معتقد و منهج أهل السنة والجماعة من سلف الأمة هو المعتقد الحق ويسار إلى الترجيح بين أقوال السلف عند الخلاف، ولا يُتهم أحدٌ ممن دخل في عقد الإسلام بالكفر أو البدعة بأعيانهم ما لم يصرحوا بذلك أو يصدر منهم مكفر أو بدعة من غير جهل ولا تأويل ولا خطأ ولا إكراه وفق القواعد الشرعية.

5.   الأصل في العبادات الإتباع والوقوف عند النص الشرعي والأصل في المعاملات والعادات الإباحة والجواز والحل ولا تحريم فيها إلا بدليل شرعي.

6.   الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى واجبة على كل مسلم والسير في ذلك يقوم على الإصلاح والبناء بالحكمة مراعيًا السنن الربانية وحدود الاستطاعة وأحوال المجتمع وخصوصية الزمان والمكان وفق القواعد الشرعية مع اليقين أن طرائق العمل للإسلام ووسائل الدعوة إليه متعددة ، ولا حرج على من أخذ ببعضها، بناء على اجتهاد سائغ ، والتعاون مع كل من يعمل للإسلام واجب شرعي، لا يمنع منه الاختلاف في  بعض القضايا .

7.  إصلاح الحكم وتطويره بالوسائل السلمية ، والتعاون مع الحكام وغيرهم في كل ما فيه مصلحة للمجتمع وفق منهج الشرع مطلب ضروري لأي إصلاح ولا يجوز الخروج على الحكام ما لم ير منهم كفرٌ بواح  ، وكان في الخروج حينئذ مصلحة راجحة للأمة, يتفق عليها أهل الحل والعقد وكانت الأمة قادرة على ذلك.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق والمناصحة بشروطها الشرعية  ليست خروجاً على  الحاكم بل هي من باب التعاون على البر والتقوى وتعددية الآراء السياسية الملتزمة بالأحكام الشرعية والأنظمة المرعية من باب الخلاف الفقهي السائغ.

8. الحفاظ على وحدة أي وطن إسلامي واستقلاله وأمنه ومنجزاته واجب شرعي لا يجوز التهاون فيه مع التأكيد أن لهذا الوطن (السعودية)خصوصية ليست لغيره فهو مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ومأرز الإيمان، ومحضن الحرمين وقبلة المسلمين ومن يعلن نظامه الأساسي سيادة الشريعة على جميع شئون الحياة ولا تناقض بين الانتماء الفطري للقوم والوطن والانتماء الاختياري للدين والمبدأ..

 9. العرب والمسلمون أمة واحدة والسعي لوحدتهم واجتماع كلمتهم والدفاع عن قضاياهم واجب شرعي والتواصل مع شعوبهم وبخاصة العلماء والدعاة منهم أمر في غاية الأهمية مع مراعاة خصوصيات أهل كل بلد ومؤثرات التأريخ والواقع.}}

إنني أرى أن الحفاظ على  ثوابت الهوية هذه من التجاذب عند اختلاف ألآراء والاجتهادات وبالذات عند عواصف الأزمات أنه ضرورة لنا في هذا الوطن الكريم الذي الحفاظ عليه واجب شرعي على جميع المسلمين وتتلخص في مرجعية الكتاب والسنة وحاكميتهما وتطبيقها عقيدة وشريعة وسلوكا وأخلاقا و وجوب الحفاظ على وحدة هذا الوطن وأمنه ومقدراته في ظل دولته ونظامه والسعي الدؤوب للدفاع عن قضايا الأمة وتوثيق أواصر الأخوة بين شعوبها ومكوناتها وحينئذ فلا ضير من الاختلاف في الهوامش في ظل الحب وأخوة الإيمان والبحث عن الصواب وتوخي المصلحة وبأدب الخلاف الشرعي  والله أعلم وأحكم وأستغفره مما قد يكون وقع من خلل وخطأ.

د. عوض بن محمد القرني
1 رمضان 1434هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..