الخميس، 18 يوليو 2013

ملخص تقرير دراسة عن: نظام الجنسية العربية السعودية

عاتبني أحد طلابي قائلا: كنت تطالبنا بالملاحظات والاقتراحات المحددة حتى يمكن للقارئ
الاستفادة منها، ولكنك في مقالك عن الجنسية كان عاما، لم تورد فيه مواد من النظام محددة. وحتى لا أكون ممن يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم اضطررت إلى التخلي عن ما كنت غارقا فيه وقمت بدراسة لنظام الجنسية الذي مضى على صيغته الأصلية ولائحته ستون عاما.
 
فتوصلت إلى نتائج ترددت بين الاقتصار على إرسالها إلى بعض المسئولين وبين نشرها أيضا في منتدى مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم للفائدة العامة وليتوفر لنتائج الدراسة أكثر من قناة لتصل إلى أصحاب القرار. فرجحت الاختيار الثاني وذلك لما علمت من تجارب سابقين أن كثيرا من نتائج الدراسات تنتهي إلى الإرشيف لأسباب عديدة، مثل بعض الإجراءات الروتينية لمعالجة مشكلة كثرة الرسائل المستقبلة، وعدم توفر الوقت الكافي عند المسئولين للتأمل فيها بسبب ضغوط العمل أو بسبب المواقف المسبقة من بعض الأسماء أو بعض القضايا...
 
ومن زاوية أخرى، رجحت نشرها في المجموعة إضافة إلى إرسالها إلى بعض الجهات المسئولة لأن المجموعة تكاد تقتصر على ثلة من المفكرين والمسئولين المخلصين فلعلهم يسهمون بدورهم في هذا الموضوع بإيصال النتائج إلى المسئولين المعنيين أو بتشخيص الواقع بطريقة أفضل أو بتوفير المزيد من المقترحات، حرصا على أمن الوطن وعزته دائما.
 
سعيد صيني
9 رمصان 1434هـ
              sisieny@hotmail.com


ملخص تقرير دراسة
نظام الجنسية العربية السعودية

مقدمة

يعمل المسئولون المخلصون في المملكة على تطوير كافة أنظمة البلاد لتوفير الرخاء للمواطنين، والأمن في الداخل، والأمن من المخاطر القادمة من الخارج. وأثبتت المملكة متمثلة في وزارة الداخلية أنها مؤهلة لإبداع طرق جديدة في التعامل مع "الإرهاب" أو الإرعاب بكفاءة عالية، استمدتها من التعاليم الإسلامية.
 
ونظام التجنس يقوم بوظيفة ذات حساسية عالية في توفير الأمن والاستقرار والنمو في البلاد،
 
وفي دفع الكيد القادم من الخارج. فنظام التجنس وسيلة ذات فعالية كبيرة في التقليل والتخفيف من الشعور بالسخط وعدم الرضا عن الحكومة بين الذين يعيشون في البلاد بطريقة مشروعة. ومن المعلوم أن من الأسلحة التي يستخدمها أعداء الوطن إنشاء مثل هذا الشعور وتأجيجه واستغلاله.
 ومن زاوية أخرى، فإن مصادر قوة البلاد تتمثل في كثرة مواطنيها الرسميين. ولهذا تسعى الدول المسيطرة على العالم في استقطاب مواطنين من الخارج، وتبذل أموالا طائلة لتدريبهم اجتماعيا وثقافيا ليصبحوا أعضاء نافعين. ولهذا أيضا يبذل المسئولون اليقظون الجهود المخلصة لدعم الاتحادات في العالم، ومنها اتحاد دول الخليج.
 
وللظروف الراهنة شديدة التقلب والتي تستحيل فيها العزلة عن العالم الخارجي فإنه يبدو أن هناك ضرورة قصوى لإعادة النظر في نظام الجنسية، ولوائحه. ولا يشك المواطن في إخلاص من وضعوا النظام قبل ستين عاما وعملوا على تطويره. فقد بذلوا ما في وسعهم تحت ضغوط الأعمال الكثيرة، وذلك إضافة إلى أن الجهود البشرية ليست معصومة. كما أن الظروف المحلية والدولية قد تغيرت بشكل ملحوظ. وتأتي هذه الدراسة كمحاولة للإسهام مع الجهود المخلصة، في تحقيق عزة البلد الأكثر إسلامية في العصر الحاضر. وتتناول الدراسة نظام الجنسية ولوائحه من زوايا ثلاث:
 
أولا – الزاوية الشرعية.
ثانيا – زاوية المصلحة الوطنية.
ثالثا – الصياغة القانونية.
 
ويُثبت الباحث خلاصة نتائجها هنا فلعلها تسهم في تشخيص الواقع، وتثير الأذهان للوصول إلى نظام للجنسية يتسق  بطريقة أفضل مع الكتاب والسنة، ويتفاعل بطريقة أفضل مع الظروف الراهنة والمقبلة.
سعيد صيني
7 رمضان 1434هـ






ملخص نتائج الدراسة

بعد دراسة نظام الجنسية في ظل الكتاب والسنة، ومواصفات الأنظمة الجيدة في الدول المتقدمة في العلوم الدنيوية تم التوصل إلى النتائج التي سيتم استعراضها تحت العناوين التالية: النظام من منظور الكتاب والسنة، النظام من منظور المصلحة الوطنية، منظور الصياغة القانونية.

النظام من منظور الكتاب والسنة:

لقد اشتهرت المملكة بحرصها على عدم مخالفتها الكتاب والسنة في تشريعاتها. ولهذا من الطبيعي البدء في مناقشة النظام من هذه الزاوية.
تناول النظام أمورا كثيرة ومنها: حقوق المولودين في المملكة، والزوجة السعودية، والمواطن المتزوج أجنبية وأولاده، والمواطنة المتزوجة أجنبيا وأولادها، فورد ما يلي:
1.    هناك لمسات إسلامية وإنسانية جميلة في المادة (7) التي تقول: " يكون سعودياً من ولد داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها لأب سعودي أو لأم سعودية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو ولد داخل المملكة لأبوين مجهولين ويعتبر اللقيط في المملكة مولوداً فيها ما لم يثبت العكس."
2.    ضمن النظام للزوجة للسعودية حقها في الاحتفاظ بجنسيتها رغم اختيار زوجها جنسية أخرى في المواد: 5، 12، 17، 18، 19.
3.    ضمن النظام لبعض القصر حق الاحتفاظ بالجنسية أو استعادتها كما ورد في المواد:  19، 12.
4.    لم يرد شيء خاص بزوج المواطنة، وبهذا يندرج تحت الأجنبي (تماما) الراغب في التجنس فتنطبق عليه المادة 9 ولوائحها. وهذا في مقابل شقيقها السعودي المتزوج بأجنبية الذي يضمن النظام لزوجته الجنسية عند توفر الشروط.
5.    وبالنسبة لفلذات كبد المواطنة "يجوز" منحهم الجنسية (غير مضمون) إذا توفرت فيهم الشروط، ومنها إقامة 18 سنة، في مقابل 10 سنوات فقط للأجنبي تماما، و5 سنوات لأولاده الراشدين. (المادة 8، 9، 14).
 
وبالتأمل فيما سبق نلاحظ أن النظام يحرم الأم المواطنة حقها، في وطنها، من الحقوق التي يمنحها لشقيقها الذكر السعودي أو الراغب في التجنس. وهنا يبرز السؤال: هل الأم المواطنة وفلذات كبدها أهون في نظام بلدها من الأجنبي في الأصل؟
ولو تأملنا في الكتاب والسنة سنجد أن الإسلام يساوي بين الذكر والأنثى ويعدل بينهما. فالنساء شقائق الرجال كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم،([1]) وجعل رب العالمين الرجال والنساء أوصياء بعضهم على بعض.([2]) ووردت نصوص كثيرة في المساواة بينهما.([3]) وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأنثى شريكة للذكر في المسئولية، حيث يقول: " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ".([4])
لقد خلق الله الناس ذكورا وإناثا ليكون هناك نوع من التخصص في مجالات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لاستمرار الحياة على الأرض وازدهارها، وليكمل بعضهما بعضا. فالذكر والأنثى يشبهان الليل والنهار اللذين يؤلفان اليوم، ولا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا تكون الأسرة السعيدة بدونهما.
ومنح الإسلام العناصر الرئيسة في الأسرة (الوالدين) مكانة عظيمة، وأوصى بهما خيرا وإن كانا كافرين. وقرن رب العالمين الإحسان إليهما بالأمر بتوحيده في العبادة.([5]) ثم منح الأم حقا أكبر من حق الأب. فرب العالمين خص الأم، دون الأب، بالتنويه عن إحدى فضائلها. ([6]) وورد في الحديث الصحيح: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك".([7])
وبهذا يتضح أن الكتاب والسنة يمنحان الأم مكانة أعلى وحقوقا أعظم من حقوق الأب بصورة مطلقة.
وأما في سياق المسئولية والإرث فيوازن رب العالمين بين المسئولية والحقوق المالية، فمنح الأب نصيبا أكبر في الإرث، وذلك لأنه مسئول عن الاحتياجات المادية لأسرته. وكذلك فعل مع كل ذكر مسئول عن الأنثى المحددة، ولكن منح الأنثى نصيبا مماثلا أو أكبر من الذكر إذا لم يكن مسئولا عنها ماليا.([8]) ومنح الأب السلطة العليا في الأسرة، وذلك لرعايتها وحمايتها. وفي المقابل أثبت للأنثى فضلا لم يثبته للذكر، ومنها قول النبي صلى الله عله وسلم. " لَا يَكُونُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ"،([9]) وقوله "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ".([10]) فيجعل الإحسان إلى الزوجة معيارا لدرجة خيرية الرجل.
وبعبارة أخرى، فإن النظام يعارض ما ورد في الكتاب والسنة بالنسبة لحقوق الأنثى، في الإطار العام، سواء بصفتها أنثى أو بصفتها أما، ولا يعدل بين الوالدين. فهو يمنح الرجل والأب حقوقا يجرد منها شقيقته الأنثى الأم. والإسلام لا يجيز التفريق بين حقوق المسلم والمسلمة، ولاسيما في الدولة الواحدة، إلا اعتمادا على نصوص الكتاب والسنة.
وقد يعتمد البعض، في منح الذّكر حقوقا أكثر، على نص ظني الدلالة، وهو قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض،ٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ... الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }([11]).
وعند التأمل في الآيات المذكورة نجد ما يلي:
 
1.    تؤكد هذه الآيات بأن الله فضل البعض على البعض الآخر في أمور. فقد فضل الله المرأة على الرجل في أمور، وفضله عليها في أمور. فهما مثل الليل والنهار بالنسبة لليوم الواحد لا يستغني أحدهما عن الآخر.
 
2.    جاءت هذه الآيات مقيدة فضل الذكر على الأنثى بالقوامة وما يرتبط بها من مسئوليات وواجبات، ولكن النصوص السابقة جاءت بالفضل المطلق للأم على الأب. وبهذا يتضح أن هذه الآية لا تبرر التعارض بين النصوص المقدسة الصريحة ونظام الجنسية.
 
3.    تؤكد الآية سبب مضاعفة نصيب الذكر على نصيب الأنثى في الإرث عندما يكون مسئولا عنها ماليا. فعند انعدام المسئولية قد يكون نصيب الأنثى أكبر بشكل ملحوظ. فقد يكون نصيب الحفيدة أعظم من نصيب الجد.(النساء: 11)
 
4.    بالتأكيد يمكن فهم هذه الآيات بأنها تضمن للرجل (الأب السعودي) حقوقا يستحقها كمواطن، تزوج بغير مواطنة، ولكن بإذن من الحكومة. بيد أنها لا تدل، بأي شكل، على حرمان المواطنة السعودية (الأم) من الحق المماثل، إذا تزوجت بغير مواطن، بإذن الحكومة.
 
5.    عند اعتبار آية "القوامة" حجة فإنه يثبت أن كسب الوطن من زواج المواطنة غير المواطن أكثر ربحا من زواج المواطن من غير المواطنة. فالأب السعودي يأتي بامرأة أجنبية ليصرف عليها من ثروة وطنه، والأم السعودية تأتي برجل أجنبي يسهم –في الغالب- في تنمية وطنها ويصرف عليها... وإذا قلنا بأن حالات الزواج بغير سعودية أو غير سعودي تصل إلى المليون لكل حالة فإن الزواج بغير سعودية تُحمِّل المملكة مسئولية مليون "عاطلة" (لا تسهم بطريقة مباشرة في تنمية الاقتصاد). أما الزواج بغير سعودي فيكسب المملكة مليون عضو فعّال...
 
وعلى العكس من موقف نظام الجنسية في أكثر البلاد إسلامية، تعدل كثير من أنظمة الدول اللادينية المتقدمة في العلوم الدنيوية بين الأب والأم  فتشترط لاستحقاق المولود على أرضها الجنسية  أن يكون "أحد الوالدين" (أي تساوي بين الأب والأم) مواطنا أو لديه إقامة دائمة أو إقامة شرعية لمدة محددة. ومن هذه الدول: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا،  وأستراليا و...

 والسؤال: هل النظم اللادينية للجنسية أكثر تناسقا  مع الشريعة الإسلامية؟

النظام من منظور المصلحة الوطنية:

قبل الشروع في عرض نتيجة البحث من منظور المصلحة الوطنية دعنا نتفق على بعض الأسس. ومن أبرزها:
1.    الأصل في أي تشريع وأي نظام محلي هو خدمة المصلحة الوطنية. وبعبارة أخرى، يجلب النظام مصلحة وطنية مرجحة أو يدفع ضررا مرجحا؟
2.    ليس هناك نظام إيجابي يخلو من السلبيات، ولهذا فإن المعيار في صلاح النظام هو أن تكون إيجابياته أكثر من سلبياته؛ وأن تفيد المصلحة المرجحة أغلبية المواطنين المعنيين، مع وجود احتمال الإضرار بمصلحة الأقلية التي تخالف الأغلبية بصورة تلقائية أو تتعمد مخالفتها.
و تظهر المصلحة الوطنية في صور عديدة، مثل الأمن الفكري والنفسي، والاجتماعي، والأمن من كيد الأعداء في الداخل والخارج والرخاء والنمو الاقتصادي... ولكن دعني أركز على بعض المحاور المهمة، مثل: الأسرة، فهي الخلية الأساسية للمجتمع والدولة، وأهمية التشخيص الجيد للواقع.

علاقة النظام بالخلية الأساسية للدولة:

من مصالح المملكة الواضحة توفر عدد أكبر من القوى العاملة لتسهم في توفير الخدمات اللازمة للعيش برغد ولتحقيق النمو الاقتصادي، ولتوفير الأمن الداخلي والخارجي. وليس هناك دليل على هذه الحقيقة أعظم من حجم العمالة المستقدمة من الخارج، أو حاجتنا إلى الاتحاد مع بعض الجارات، وإلى عقد بعض الاتفاقيات العسكرية مع بعض الدول العظمى.
ومن المؤكد أن الأسرة النووية (الوالدين وأولادهما) تمثل الخلية الأساسية لأي مجتمع، ودولة. لهذا من المفروض أن يسهم النظام في تقوية الأواصر التي تربط بين أفرادها، وأن يحميها مما يتسبب في خلخلتها،  أو – على الأقل- يتجنب ما يضعفها. فالدولة التي تتألف من عدد كبير من الأسر المفككة تكون عرضة للخطر بقدر نسبة تلك الأسر في كيانها. فحال هذه الدولة يشبه حال البنيان الذي نبني جزءا كبيرا منه باللّبِنات أو الطوب المعرض للتفتت بسهولة...
ولو تأملنا في المواد السابقة من النظام المتعلقة بالمواطن وزوجته الأجنبية أو المواطنة وزوجها الأجنبي، وما يتعلق بفلذات كبدها نجد أن النظام يسهم في تفتيت الأسرة، بدلا من تقوية أواصرها. ولعل مما يبرز هذه السلبيات هو التأمل في الحالة النفسية لفلذات كبد  المواطن المتزوج بأجنبية والمواطنة المتزوجة أجنبيا، إذا كانا أشقاء (خال/عمة) من أب واحد وأم واحدة. فمثل هذا النظام سيسهم بصورة واضحة في إثارة السخط على البيئة التي يعيشون فيها. 
وقد تنبه سمو وزير الداخلية –بحكمته- إلى هذه الحقيقة فوجّه إلى القضاء على بعض هذه المثيرات، بمعاملة أولاد المواطنة المتزوجة بأجنبي بإذن الدولة، معاملة المواطن في فرصة الالتحاق بالمدارس الحكومية والجامعات، والعلاج... ولكن هناك أمور رسمية أخرى، مثل الفرص الوظيفية ومقدار الراتب وفرصة الابتعاث والضمان الاجتماعي للمحتاجين، وأمور نفسية واجتماعية سلبية لا يمكن علاجها إلا بمنح هذه الفئة الجنسية...

التشخيص الجيد للواقع وسيلة للحل الناجع:

من الضروري الاعتماد على التشخيص الجيد للواقع عند اقتراح العلاج النافع. والتشخيص الجيد يحتم أن ندرك أن من يعيشون على أرض المملكة لا يقتصرون على سعودي وغير سعودي، ولكنهم يتألفون، من فئات متعددة. فهناك: 1) المواطنون رسميا، 2) المستحقون للمواطنة استنادا إلى الشريعة التي تحتم العدالة بين الذكر والأنثى. ويندرج تحت هذه الفئة أولاد المواطنة المسلمة التي تزوجت من غير سعودي بإذن الدولة. 3) المواطنون الجاهزون. ويتمثلون في بعض أفراد الجيل الأول من القادمين من الخارج المستمرين في خدمة الوطن عشرات السنين لحاجة البلاد إليهم أو لأنهم يتمتعون بمنحة اللجوء السياسي، ويتمثلون في أولادهم من المولودين على أرض الوطن ويقيمون فيها بطريقة مشروعة، وقد لا يعرفون غيرها. 4) القادمون للكسب المادي بصورة رئيسة، ولمدة مؤقتة.
 
والتشخيص الجيد للواقع يفرض التفريق بين مجموعتين –على الأقل- ممن لا يحملون الجنسية السعودية، هما: المجموعة التي تتألف من الفئة الثانية والثالثة، والمجموعة التي تتألف من الفئة الرابعة، وذلك لأسباب هامة تتعلق بعزة الوطن وأمنها الداخلي والخارجي. فالمجموعتان تختلفان في أمور، منها:
1.    ولاء المجموعة الأولى (الفئة الثانية والثالثة) أكثر احتمالا للمملكة لأن أفرادها مولودون فيها وكبروا على أرضها. وقد لا يعرفون وطنا غيرها، وإن كانوا يحملون جوازات سفر أجنبية. أما ولاء الفئة الرابعة (العامل القادم للكسب المادي) فلمصلحته  الشخصية. وبعبارة صريحة، فإن المجموعة الأولى هي التي ستكون موجودة في الوطن، وتقف معه، عند حدوث الكوارث إذا أحسنت أنظمة الوطن التعامل معه. وكلنا يذكر ما حدث عند غزو الكويت. لقد فضلت نسبة كبيرة من القادمين للكسب المادي التنازل عن فرصة العمل، والنجاة بأنفسهم... وذلك مع حاجة البلاد الشديدة إليهم.
 
2.    المولود على أرض المملكة ونشأ فيها وهي مستودع ذكريات طفولته وشبابه أكثر إخلاصا في الإنتاج في الغالب، وأكثر نفعا للوطن. فهو يصرف ما يكسبه في الوطن ويستثمره فيه. أما المجموعة الثانية فتحرص على تصدير ما تكسبه إلى خارج المملكة. ويكفي أن نعود إلى الإحصائيات التي تؤكد أن مليارات الريالات من أجور العمالة تخرج من المملكة سنويا.
 
3.    مصداقية الشهادات والخبرات المحلية عموما أعلى من مصداقية شهادات وخبرات كثير من القادمين من الخارج. فكلنا يعرف أن بعض الشهادات الورقية مزورة وبعض الخبرات ليست إلا ادعاءات، ويتم اكتسابها على حساب الوطن والمواطنين بالعمل فيها (تدريب براتب وظيفة). ويندرج في ذلك جميع أصناف الخبرات (السواقة والنجارة والكهرباء والسباكة والبناء و... والطب، والتعليم...)
 
4.    الاعتماد بدرجة كبيرة على خدمات الفئة المؤقتة أعظم خطورة من الاعتماد على المجموعة الأولى في توفير الخدمات الضرورية والحفاظ على رخائها وعزتها ونموها.
 
5.    المجموعة الأولى أكثر حساسية وعرضة للشعور بالسخط والظلم عند حرمانه من الحقوق التي يتمتع بها المواطن. وخطر سخط المجموعة الأولى أكبر على البلاد إذا شعرت بالظلم. وتعظم هذه الخطورة في الظروف الراهنة التي يعيشها العالم العربي وتعمل المؤامرات الدولية على إنشائها وتأجيجها لإخضاع الأنظمة غير اللادينية. فالفئة الثانية خاصة عرضة للسخط والمعاناة بسبب الحرمان من الحقوق المضمونة للأخ أو الأخت المولودة لأب سعودي وأم أجنبية. فمعاناة أسرة المواطنة المتزوجة بأجنبي وأولادها تمتد من تاريخ ولادتهم إلى أن يصبحوا مؤهلين  لطلب الجنسية.
 
6.    من الطبيعي أن احتمال نمو الشعور بالغبن والسخط بين المجموعة الأولى أكبر من المجموعة الثانية، إذ لا يقتصر عليها، ولكن تشمل أقاربهم من المواطنين، وإن كان خفيا. ومن الحقائق المعلومة أن السخط المدفون يشبه مرض السرطان الذي قد يكون مجهولا، ولكن قد يظهر فجأة بسبب عوامل خارجية طاغية، فيصعب التحكم فيه. ومن الحقائق المعلومة أن الشعور بالغبن والظلم، حتى لو كان بسبب غير مقبول عند عامة الناس، يُعتبر وقودا سريع الاشتعال، يشبه الأعشاب الجافة. فكيف إذا كان السبب له مبرارته، في ظل مبادئ الشريعة الإسلامية وفي ظل أنظمة كثير من الدول ومنها الدول الأكثر تقدما في الأمور التنظيمية والإدارية. فأكثر من ثلاثين دولة تأخذ بنظام استحقاق المولود جنسية الأرض التي يولد فيها. و يقيد بعضها هذا المبدأ بشرط أن يكون أحد الوالدين مواطنا أو يحمل إقامة دائمة، أو إقامة مشروعة لمدة محددة.

 
ولهذا فإن الحكمة تقتضي أن يتسم نظام الجنسية بنظرة فيها شمولية وبعد نظر للمصلحة العامة على المدى البعيد، وذلك ليكون قادرا على المساهمة في أمن البلاد وعزته، بدلا من الإضرار به. وقد آن الأوان لتحويل حوالي خمس القوى البشرية في الوطن إلى قوة إيجابية لصالح هذا الوطن وذلك بمنحها الجنسية، بدلا من تيسير فرصة تحولها إلى قوة سلبية... ويمكن الاستعانة بالإحصائيات الموثقة لمعرفة الحجم الذي لا يُستهان به للمستحقين للجنسية في ظل نظام الدول المسيطرة على العالم. 
وكذلك تقتضي الحكمة تجنيس آلاف الكفاءات المهنية التي قامت مؤسسات الوطن بتنميتها وبتكييفها محليا (عادات وتقاليد ودرجة ملحوظة من الالتزام بالإسلام). فهو أفضل من طردها، واستقدام خبرات بعضها مزيف وغريبة في عاداتها، وقد تجلب معها كثيرا من المخاطر الاجتماعية والتوجهات الفكرية والعادات المنحرفة. ويمكن الرجوع إلى كثير من المستفيدين من العمالة الأجنبية المؤقتة ورجال هيئة الأمر بالمعروف ورجال الأمن للتأكد من هذه الحقيقة.

منظور الصياغة القانونية:

قبل التحدث عن الصياغة القانونية ينبغي الوقوف عند تعريف كلمة "النظام" أو الشريعة. فالنظام هو ما يقبل التطبيق بطريقة تلقائية على الوقائع المستجدة التي تحدث في إطار النظام المحدد. والنظام شيء مستقل، ينطبق على صانعه من البشر كما ينطبق على غيره. وقد يكون قطعي الدلالة وقد يكون قابلا للتفسير المتعدد. ويفضل للنظام المحدد بأمور محددة (مثل الجنسية فقط) أن يكون محدد المدلول. وفي ظل هذه الحقائق يلاحظ في صياغة النظام الحالي ما يلي:
 
أولا: يستخدم النظام أحيانا عبارات تضمن حصول الشيء، مثل عبارة: "يكتسب"، "يترتب" أو "لا يترتب"... وأحيانا يستخدم عبارة "يجوز" التي تعبر عن احتمال غير مضمون. والسؤال بالنسبة للعبارات التي لا تضمن حدوث الشيء مع توفر شروطه: هل المقصود أن حق الجنسية محتمل في حالة توفر الشروط، ولكن ليس حقا؟ فهذا مقبول قانونيا، وذلك لأن القرار النهائي في منح الجنسية للأجنبي هو حق للجهات المختصة في الدولة المحددة’. ويفضل ربط هذا الحق بهيئة حكومية (مجلس الوزراء، وزارة الداخلية...) ولا يحسن ربطه بأشخاص أو بمناصب محددة. فالصيغة الأخيرة تعطي انطباعا بأن صاحب المنصب المحدد "يهب لمن يشاء ..." وهذا ليس نظاما، ولكنه قرار شخصي يكتنفه الغموض. وأستبعد أن يقصد واضع النظام ذلك أو أن يجيزه.
 
ولهذا فإن كلمة "يجوز" ولاسيما إذا كانت مقرونة بمنصب محدد تحتاج إلى إعادة صياغة حتى يزول اللبس.
 
وإذا كان هدف الكلمة هو ضمان صلاحية من تمنح له البلاد جنسيتها فيمكن صياغتها بطريقة يزيل عنها صبغة القرار الشخصي، والغموض. ومثاله أن نضيف إلى شرط حسن السيرة والسلوك، خلوه من الأفكار والمعتقدات التي تجعل ولاءه لغير البلاد التي تمنحه الجنسية، أو أن أفكاره ومعتقداته لا تتعارض مع الولاء لله، ولا تتعارض مع مصلحة الوطن والغالبية من المواطنين. ومثال العبارة الصريحة في هذا الموضوع ما جاء في المادة السادسة من لائحة زواج السعودي أو السعودية من الأجنبي. تقول اللائحة:
 
"السعودي الذي يرغب الزواج من غير سعودية أو السعودية التي ترغب الزواج من غير السعودي يشترط أن لا يكون غير السعودي أو غير السعودية من غير المرغوب فيهم لأسباب تتعلق بشخصيته أو جنسيته أو ديانته، ويشمل ذلك الأشخاص المنتمين إلى المعتقدات التي لا تقرها الشريعة الإسلامية."
ثانيا: هناك تعارض بين بعض المواد، مثل "لا يترتب على تجنس السعودي بجنسية أجنبية - إذا أُذن له في ذلك - أن تفقد زوجته الجنسية السعودية... إلاّ إذا قررت وأعلنت التحاقها بجنسية زوجها الجديدة, وصدر لها إذن بالموافقة على ذلك من وزير الداخلية" (المادة: 12). والسؤال: إذا لم يُؤذن للزوج هل تفقد زوجته الجنسية؟ وإذا قررت الزوجة التخلي عن الجنسية السعودية فهل يمكن للحكومة السعودية منعها؟ وهل هناك مصلحة في منعها؟
 
وهناك تناقض بين بعض المواد. تقول المادة 23 " يترتب على سحب الجنسية العربية السعودية من المتجنس بها زوال هذه الجنسية عن صاحبها وسحبها أيضاً ممن كان قد كسبها من المتجنس بطريق التبعية".
 
وفي الوقت نفسه تقول المادة 19 في فقرتها (أ) "زوجة من تسقط عنه الجنسية العربية السعودية بمقتضى المادة ( 13 ) يكون لها حق اختيار جنسية زوجها الجديد أو البقاء على جنسيتها السعودية "، وضيف الفقرة (ب) "لا يترتب على سقوط الجنسية العربية السعودية عن شخص ما تطبيقاً لأحكام المادة (١١) سقوطها عن زوجته وأولاده أو من كان يتمتع بها من ذويه بطريق التبعية ".  وتقول المادة 12 " لا يترتب على تجنس السعودي بجنسية أجنبية إذا أذن له في ذلك أن تفقد زوجته الجنسية السعودية..."
 
فالسؤال: أليس المتجنس سعوديا ويندرج تحت كلمة "أي سعودي" المذكورة في المادة 13؟ ألا يحمل المتجنس "الجنسية العربية السعودية" المذكورة في المادة 19؟

 
ثالثا: انعدام التناسق بين مضمونات بعض فقرات المواد. ومثاله يشترط النظام على شريكة حياة المواطن الأجنبية، وفلذات كبد المواطنة ما لا يشترطه على الأجنبي الراغب في الجنسية العربية السعودية، وليس له أقارب من المواطنين. (انظر الفقرات 3، 4، 5 من اللائحة 7 المتعلقة بالمادة 8 من النظام؛ والفقرة الأولى من اللائحة 21 المتعلقة بالمادة 16 من النظام).
 
رابعا: الأصل في وظيفة اللائحة التنفيذية تفسير النظام، وتيسير تطبيقه. بيد أن الملاحظ على المادة 16 من النظام أن تعديل 1428هـ حوّله من "تكتسب" (مضمون) إلى "يجوز" (غير مضمون). وجاءت اللائحة التنفيذية فحولته إلى "لا يجوز" منح الجنسية لشريكة حياة المواطن إذا لم تنجب ولدا ولم تحصل على 17 نقطة. وهذا يعني يجوز حرمان شريكة حياة المواطن الأجنبية، من الجنسية، وإن كانت أما لفلذات كبده.(اللائحة التنفيذية الصادرة عام 1433هـ).

مقترحات تخضع للنقاش:

هناك حاجة واضحة للقوى البشرية لتوفير الخدمات الضرورية وتحقيق النمو الاقتصادي. وهناك حاجة للعدالة الإسلامية بين المواطنين والمواطنات. وهناك حاجة لتوفير أسباب قوة الوطن وتماسك أفراد الأسرة النووية – كحد أدنى- فهي الخلية الأساسية لأي كيان سياسي مستقل. ولتحقيق ذلك يقترح الباحث ما يلي:
 
1.    تكتسب فلذات كبد المواطنة المتزوجة أجنبيا الجنسية السعودية بالولادة ويفقدونها برغبتهم عند بلوغ سن الرشد، مساواة لهم بأولاد السعودي المتزوج أجنبية.
 
2.     تمنح الزوجة الأجنبية فرصة الحصول على الجنسية بالإنجاب أو باستمرار الحياة الزوجية مدة محددة أو بوفاة زوجها. أما الزوج الأجنبي فيُمنح فرصة التجنس بشروطه، ويفقد الجنسية إذا طلق زوجته أو قضت المحكمة بطلاقها، وذلك حماية للمواطنة والوطن. ولا يفقد الجنسية إذا ماتت وهي تعيش مع زوجها حياة كريمة. فالطلاق بيد الرجل والأنثى ضعيفة في الغالب وتستحق وقوف النظام معها.
 
3.    إضافة شرط ثبوت توافق التوجهات الفكرية والعقدية للمتقدم للجنسية مع الكتاب والسنة، وثبوت عدم تعارضها مع معتقدات الأغلبية المسلمة في المملكة العربية السعودية، والسلامة من المعتقدات المتطرفة أو التي تجعل ولاء المتجنس لدولة أخرى فوق ولائه للمملكة التي تمنحه الجنسية، وذلك إضافة إلى حسن السيرة والسلوك.
7/9/1434هـ


قائمة المحتويات


([1] ) الترمذي: الطهارة.
([2] ) سورة التوبة: 71.
([3] ( سورة النحل: 97
([4] ) صحيح البخاري: الجمعة.
([5] ) البقرة: 83؛ النساء: 36؛ الأنعام: 151؛ الإسراء:23- 24
([6] ) العنكبوت: 8؛ لقمان: 14- 15
([7] ) البخاري: الأدب، من أحق
([8] ) النساء: 11،  176.
([9] ) الترمذي: البر والصلة.
([10] ) الترمذي: المناقب.
([11] ) النساء: 32- 34.


 بقلم: د.سعيد صيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..