ولا يختلف أي مراقب له في إن الطائفية كانت ولازالت من اكبر المخاطر التي
برزت منذ غزو البلد وتغيير النظام فيه قبل نحو عقد من الزمن
ولقد احترت في شكل إخراج الموضوع وترددت كثيرا لا لأني غير قادر على
التوصيف والتأصيل لهذه الظاهرة الخطيرة وجذورها وأبعادها وتداعياتها
بل لأني قد أكون محكوما بإطار فني محدد متعلق بطبيعة الكتابة الصحفية من
جهة وبإطار واقعي متعلق بالظرف الزماني والمكاني الذي نعيشه في العراق
اليوم
وكلا الإطارين يعيقان عمليه التوصيف والتأصيل لهذه الظاهرة ويجبران أي
كاتب عن النأي بالنفس والاكتفاء بالعرض الشكلي للقضية وهذا مالا أريده ولا
أحسنه
الطائفية في العراق اليوم ليست مجرد مصطلح متداول إعلاميا ولا هو كلام عن
إشكالات طارئة برزت بعد الغزو وسرعان ما تختفي مع مرور الزمن
الطائفية اليوم ظاهرة و ثقافة أيضا
هي ظاهرة لأنها لم تعد مجرد ردود أفعال عفويه وليست كذلك من قبيل ما يتهامس به الناس هنا أو هناك بالسر والعلن في إطار محدود
وهي ظاهرة لأنها أصبحت سلوك مرئي ذو بعد جمعي استقطابي يهدف إلى أعاده رسم
الخارطة الذهنية للإنسان العراقي بشكل يجعله محبوس في إطار كبير اسمه
الطائفة وهو في الحقيقة صغير وصغير جدا إذا نظرنا إليه نظرة عقلانيه منطقيه
والطائفية ثقافة لأنها تستمد قوتها وامتدادها – ظاهريا – من الموروث
الثقافي المرتبط بالبعد التاريخي بكل مراحله وإشكالاته القديمة والحديثة
والديني متجاوزة بعده المقدس ووظيفته
وهي ثقافة لأنها اليوم تدرس في السر والعلن تصريحا أو تلميحا وحتى بلغه الإشارة
وهي ثقافة لأنها في الظاهر أيضا أخذت من مفهوم الثقافة ذات الأبعاد
والتشعبات التي يمكن أن يمثلها فقد دخلت في السياسة وما يرتبط بها والى
مفردات الحياة الاجتماعية وتسربت أيضا إلى التعليم والفن بكل أشكاله
والإعلام بشتى صوره ووسائله حتى ممارساتها العملية تداخل فيها البعد الرسمي
والنخبوي مع العامي والمحلي وغدا من المستحيل التفرقة بينهما
وهذا بالمجمل يؤكد ترسخ الطائفية في العراق باعتبارها ظاهرة وثقافة أيضا
هذا الوصف البرئ والنرجسي يمكن أن يكون مقبولا كمقال صحفي يراعي الجانب الفني والزماني والمكاني أيضا
ولكنه من الناحية الواقعية بعيد كثيرا عن الحقيقة في شكلها الأخر والتي
يجب أن تنشر وتعلن ويفهمها الناس كما هي وبدون استعارات ومصطلحات تحمل أكثر
من معنى وتوجه
ففي العراق تبدوا الصورة أكثر وضوحا خاصة في هذه الأيام
فهذا البلد الذي ابتلاه الله ونكب أهله بأنواع من البلايا التي تهون
أمامها الزلازل والكوارث المدمرة التي نسمع عنها هنا وهناك ولعل الطائفية
من أكبرها وأشدها
ومنذ سنين ونحن كغيرنا نبحث عن تفسير منطقي لما يجري على أرضنا ونبحث عن
إجابات أو تصورات لحلول ،نحاول أن نركز بعقولنا ونتجاوز عواطفنا ونقفز فوق
انتماءاتنا ولكننا نعود من حيث لا ندري إلى نقطه الصفر والى حيث ما نعتبر
الحديث عنه من المحرمات أو يمكن أن يضر بنا وبمصالحنا اويثير قضايا بالغه
الحساسية الناس في غنى عنها اليوم
نفتش في الكتب التاريخية القديمة التي كتبت عن تاريخ هذه ألامه لاسيما
تلك المشهود لأصحابها بسلامه المعتقد والنية والذين تطرقوا لتلك الأحداث
التي جرت هذه الأرض والتي ترتبط بقصه الصراع الطائفي وان كانت تلك الكتب
لاتحيلنا إلى هذا المعنى تحديدا بقدر اهتمامها بعرض الأحداث وفق تسلسلها
الزماني والحكم عليها وعلى شخوصها من خلال الإطار المرجعي الإسلامي
المستند إلى ثوابت العقيدة الإسلامية الصحيحة وما يرتبط بها أو يتفرع عنها
وبما يتفق مع إجماع ألامه منذ عهودها الأولى
وهذا لا يعني الاستغناء عن كل تلك الجهود التي بذلها مؤرخون وباحثون كثر
دونوا تاريخ تلك الحقب خاصة تلك التي تلت سقوط بغداد عاصمه الخلافة
العباسية غير إن أي قارئ أو باحث أو مهتم يجد نفسه مضطرا للتعامل بحذر مع
هذا الكم الكبير من الأخبار والمعلومات المدونة لأنه يتعامل مع جهود
بشريه أولا وليس فقط كتابات مجردة وثانيا هي تعبر عن توجهات ومشارب وميول و
قناعات قد تبنى على دليل قاطع أو قرينه ما أو قد تبنى على ظن أو وهم وقلما
ينجو من ذلك احد حتى من المسلمين أنفسهم قدامى أو معاصرين
ولقد وجدنا إن هناك تاريخا طويلا ومؤلما من الصراع ذو البعد الطائفي أو
لنكون أكثر تحديدا وصدقا بين عامه المسلمين من أهل السنة وبين ألشيعه ومن
يمثلها وهذا الصراع امتد زمانيا منذ مراحل مبكرة من تاريخ امتنا وهو
مستمر إلى الآن ومكانيا حيث شغل اغلب أقاليم ألامه ومدنها لاسيما بلاد
العرب التي نالها منه الكثير وخصوصا ارض العراق
،هو صراع لأنه يتجاوز حدود الاختلاف العقدي أو الفكري المبرر أحيانا في
ضل تنوع مواهب الناس واستعداداتهم واختلاف مشاربهم وقناعاتهم وهو صراع
لأنه اتخذ طابعا عنيفا ودمويا في اغلب فتراته وهو صراع لان آثاره وتداعياته
كانت ولازالت تغذي عوامل الشرخ والانقسام في ألامه وضلت سببا في تأخرها
واستهانة الأعداء بها
ولعل اللافت أن هذا الصراع هو تشابه في بعض ملابساتها مع مانمر به اليوم
من أحداث.في العراق وفي غيره ونقطه التشابه الرئيسة أن هذه الصراع كان
يظهر للعلن وتزداد وتيرته كلما ارتبط بدوله أو بقوة تدعم أو تتبنى التشيع
وهذه الدولة أو القوة تحرض العوام والخواص على مخالفيهم – من عامه أهل
السنة -وتدعمهم ماديا ومعنويا وحتى عسكريا وتوفر بيئة مناسبة لهذه الأفكار
والتوجهات وملاذات أمنه لها ولأصحابها وقد يصل الحال بها إلى حد التآمر
عليهم والاتفاق مع أعداء ألامه
وإذا تجاوزنا القرنين الهجريين الأول والثاني كونهما كانا الفترة التي
ظهرت و تبلورت فيهما فكرة التشيع بشكل شبه كامل والتي كانت ارض خراسان
والبصرة والكوفة بيئة مناسبة لها ولدعاتها ، كما إن الظروف والأحداث التي
تلت استشهاد سبط رسول الله الحسين بن علي –رضي الله عنهما – عام 61ه
والصراع مع الدولة الامويه والعباسية في أول عهدها كلها كانت عوامل مهمة في
تبلور هذه الفكرة كما إن هذا الظهور كان مرتبطا في بعض جوانبه بظهور
الكثير من الفرق الضالة والهدامة كالمعتزلة والقدرية والمتصوفة وغيرهم .
ومع دخول القرن الثالث وابتداء مرحله الضعف في الدولة العباسية وسيطرة
البويهين على بغداد عاصمه الخلافة العباسية في عهد المستكفي العباسي عام
333ه دخل الصراع السني الشيعي مرحله جديدة كان في اغلب فتراته دمويا
وقد سجل المؤرخون ظهور الكثير من مظاهر التشيع المغالية بشكل علني وسافر
آنذاك كسب الصحابة وإحياء ذكرى عاشوراء ومقتل الحسين رضي الله عنه
وبرعاية من رجال بني بويه الذين كانت لهم الكلمة الفصل في ذلك الوقت ويمكن
للقارئ أن يطلع على مادونه ابن كثير. في البداية والنهاية والذهبي في
تاريخ الإسلام والسيوطي في تاريخ الخلفاء عن أحداث سنه 340ه وما بعدها
والتي حملت بين طياتها الكثير من ملامح ذلك الصراع الذي اشر بداية الظهور
العلني للتشيع في بلاد الإسلام خاصة بعد اضطراب أمر الخلافة العباسية
والامتداد الواسع لدولتها وكثرة الطامعين فيها والخارجين عليها وظهور
الكثير من الأفكار والبدع التي تسربت إلى جسد ألامه من خلال الاحتكاك
بالأمم التي بقيت خارج الإسلام أو التي دخلت فيه بعد الفتوح الاسلاميه .
وبقي الحال على هذا المنوال الخطير إلى أن تمكن السلاجقة الأتراك الذي
ناصروا الدولة العباسية ومذهبها السني وتمكنوا من القضاء على دوله بني بويه
في عام 477ه وأزالوا فتنهم وقتلوا شيخهم في بغداد أبي عبدالله الجلاب
غير إن بذور التشيع قد أنبتت فروعا في أقاليم أخرى من دوله الإسلام
كالموصل والشام ومصر والمغرب والحجاز على يد الحمدانيين والقرامطة والعبيد
يين أو الفاطميين الذين حكموا تلك البلدان فترات طويلة من الزمن وكانوا
سببا في انتشار التشيع وبروز مظاهره وفيما بعد كان هذا الانتشار واحدا من
أسباب سقوط بغداد وزوال الخلافة عام 656ه \1258م بمساعدة أشخاص ذوي مناصب
عاليه في الدولة العباسية ومعروفين بانتمائهم لمذهب التشيع من أمثال وزير
المستعصم –آخر الخلفاء العباسيين -المعروف بمؤيد الدين بن العلقمي
ليدخل العراق دوامه من الغزوات المدمرة والتي جعلته محكوما من أربع دويلات
بدأت بالمغول منذ سقوط بغداد حتى عام 1337م حيث وقع تحت الاحتلال الجلائري
إلى عام 1383م إذ وقع مجددا تحت الاحتلال التيمورلنكي الذي دمر بغداد ومدن
عده وحكى عنه بعض المؤرخين انه فعل بالعراقيين أفاعيل يصعب تصورها حتى
انه صنع من جماجمهم أبراجا لجنده وقد انتهى عهدهم عام 1411م بوقوع العراق
تحت حكم دوله القرة قوينلوا والتي تصارعت مع الصفويين وانتهى الأمر بانتصار
الصفويين واحتلال العراق ودخول الشاه إسماعيل بغداد عام 1508م ليعود معه
التشيع ألصفوي ليجد له من جديد موطأ قدم على ارض العرب
ولتبدأ معه مرحله جديدة تمثلت في صراع ألدوله العثمانية التي كانت تمثل
الإسلام السني والصفويين الذين حكموا إيران بين عام 907ه\1501م إلى
1135ه\1722م والذي مثل قمة الصراع الدامي بين الطرفين واستمر زهاء القرنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..