الثلاثاء، 9 يوليو 2013

ماذا لو عاد مرسي !؟

ماذا لو عاد مرسي؟!
إذا أخذنا بالاعتبار أن الإنجاز الأكبر لثورة يناير ولعموم الثورات العربية هو توفير فرصة الخروج من مسار الدولة الأمنية المتجذر إلى مسار الدولة الدستورية، فإن
الدخول العسكري إلى مسار دستوري مضطرب بعد حشد يوم واحد ليس له ما سبقه وقد تتكشف بعض أسراره مستقبلاً، هو على النقيض مما حدث في بداية الثورة.
فهذا الدخول لا يخرج الناس من مسار أمني إلى مسار دستوري كما كان عليه الحال في البداية، بل يؤدي فعلياً إلى هدم المسار الدستوري المضطرب وإطلاق قوة دفع جديدة باتجاه المسار الأمني، حتى لمجرد إنجاح التدخل العسكري وحمايته، وبحاضنة ثقافية وسياسية وإعلامية كانت تدفع باتجاه هدم المسار الدستوري وتغذيه وتستدعيه في كل وقت ومع كل أزمة وإثر كل خسارة انتخابية.
لقد أدى استبداد وفساد النظام القديم وكثرة المتضررين منه إلى توحيد مجموعات فئوية متعارضة ومتناقضة في مواجهته، فبدا وكأنه يمكن الوصول إلى نظام بديل، في حين أن الأمر مجرد فرصة للخروج من المسار الأمني إلى المسار الدستوري عبر مخاض وصراعات عديدة وشديدة وواسعة.
وفي مجتمع تتجذر فيه الازدواجية الثقافية ولا تحتل الشورى أو قواعد ومبادئ الديمقراطية مكانتها الملزمة والحاكمة والطاردة لما عداها، سيتم إنتاج مشروعات فئوية بديلة ومتناقضة ضمن مسار دستوري مضطرب.
وإذا لم تنجح مختلف الأطراف في خدمة المسار الدستوري والحفاظ عليه وتجاوز عقباته، فإن مختلف الظروف قد تدفع باتجاه هـدم المسار الدستوري والعودة إلى المسار الأمني، وقد يتم ذلك تحت شعارات الديمقراطية والثورة وبغطاء ثقافي وسياسي وإعلامي كثيف.
ومهما ادعى أطراف المعسكر المحتشد عند كراسي العسكر بأنه يخدم الديمقراطية والثورة، فإن التراث والأدبيات وطبيعة التكوين الثقافي والسياسي لأطراف هذا المعسكر ومسار المواقف منذ بدء رحلة البحث عن البديل، تؤكد أن قضايا الديمقراطية والثورة لا تجمعه فعلاً، بل تجمعه حالة الخصومة أو الضرر أو الإحباط أو المخاوف أو المصالح الفئوية ضد إفرازات المسار الدستوري.
وبعد أن تراكمت هذه العوامل واتسعت وغذيت من قبل كل الأطراف أنتجت معسكراً للرفض والتمرد يتمتع بغطاء ثقافي وسياسي وإعلامي كثيف، ثم حظي بنقلة جماهيرية نوعية واستثنائية خلال يوم واحد قادت باتجاه التدخل العسكري وتعطيل الدستور وإعداد خارطة طريق جديدة.
هذا المعسكر –في عمومه- ليس معسكر ديمقراطية وثورة، بل معسكر رفض متنوع الروافد والمحركات والدوافع، ولكن مشتركات الرفض والحاضنة الثقافية والإعلامية والمصلحية أسهمت في إخفاء أو تغييب أو تهميش التناقضات.
ولو أن الديمقراطية والثورة هي التي تحرك أطراف هذا المعسكر لأنتج تطويراً أو تعديلاً جذرياً للمسار الدستوري من خلال الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة وما يتبع ذلك من فرص تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولكنه كان محملاً بقوة هدم المسار الدستوري، فأنتج الانقلاب العسكري وأعاد المجتمع إلى المسار الأمني ومهد لتحويل الثورات العربية إلى ما يشبه السراب.
لا يمكن للديمقراطية أن تجمع الناصري بالشيوعي بالاشتراكي بحزب النور السلفي بالرموز الدينية التي كانت ضد ثورة يناير إلا بعد مراجعات فكرية وثقافية عميقة قد تطيح بالمضمون السياسي لهؤلاء أو تعدله جذرياً، ولا يمكن للثورة أن تجمعهم بأتباع النظام القديم وشبكة علاقاته ومصالحه ومراكز قوته، بل ستجمعهم التوافقات الظرفية المصلحية، ليس لتطوير المسار الدستوري أو تعديله –وهي فرصة كانت متاحة بكل قوة- بل لهدمه.
قد يبدو غريباً أن يخلو عام كامل في ظل المسار الدستوري من الاعتقالات السياسية التعسفية ومن غلق القنوات والصحف رغم كل ما مارسته من انحدار مهني وأخلاقي ربما لم يشهد له التاريخ مثيلاً، في حين أنه في يوم واحد بعد هدم المسار الدستوري تم غلق الكثير من القنوات والتعتيم الشديد على مظاهر رفض هدم المسار الدستوري –ولا يزال التعتيم مستمراً بصورة تفضح كل الادعاءات- وتنفيذ سلسلة اعتقالات سياسية واسعة ضد رموز الطرف الذي فاز في كل الاستحقاقات الانتخابية.
وقد يبدو غريباً أيضاً أن تحظى هذه الانتكاسة الكبرى بغطاء سياسي وإعلامي كثيف من معسكر الرفض أو التمرد. ولكن الغرابة ستزول حتماً إذا أدرك المرء أن هذا المعسكر كان محملاً بقوة هدم المسار الدستوري لا بقوة الديمقراطية والثورة.
والانتكاسة على صعيد الحريات الإعلامية والسياسية لا تعود إلى أن الطرف الحاكم كان أكثر ديمقراطية وثورية بقدر ما تعود إلى فضائل المسار الدستوري مهما بلغت صعوباته وعوائقه ورذائل المسار الأمني مهما بلغت سهولته وسرعته.
وإذا أراد المرء أن يرى نصيب موجة هدم المسار الدستوري من الديمقراطية والثورة، فما عليه إلا أن يتأمل الأطراف الإقليمية التي سارعت إلى مباركة وتأييد هدم المسار، وأن يحدد موقع أطراف النظام القديم وشبكة علاقاته ومراكز نفوذه من موجة الهدم، وأن ينظر إلى تداعيات الانقلاب العسكري على الثورات العربية الأخرى، وهل تطلق شحنة إضافية باتجاه الديمقراطية والثورة أم أنها تطلق شحنة كبرى باتجاه وأدهما؟!.
لعل من أبرز الأمثلة الصارخة التي تعكس درجة النفاق السياسي لدى أطراف معسكر الرفض أو التمرد هو موقف حزب النور السلفي الذي انضم إلى المعسكر، رغم أنه يفترض أن يكون من أبعد الأطراف عنه لو أنه معسكر للديمقراطية والثورة.
فهو الجناح السلفي الأكثر تصالحاً مع النظام السابق والأكثر رفضاً للثورة في بدايتها والأكثر إثارة للاستقطابات والمعارك التي وظفت ضد النظام الحاكم خلال مرحلة وضع مسودة الدستور والأكثر استخداماً من قبل الأطراف العلمانية كفزاعة ثقافية.
ولكن المصلحة الفئوية والارتباط بأطراف إقليمية شديدة العداء للديمقراطية والثورة سرعان ما نقلته إلى معسكر الرفض أو التمرد الرافع لشعارات الديمقراطية والثورة.
ومن جانب آخر، فإنه يمكن رصد مؤشرات الديمقراطية والوعي أو الاستبداد و"الديماغوجية" عبر تأمل وتحليل خطاب رموز حركة تمرد وتصوراتهم للشأن العام وللقضايا والعلاقات المجتمعية المعقدة والمتشابكة ولمتطلبات وعوائق وصعوبات التحول الديمقراطي، وسياق ظهورهم بعد مجموعات "البلاك بلوك" وسلسلة أعمال العنف المتكررة وطبيعة الطرف الذي كان يشحن باتجاه هذه الإفرازات الهادمة لأي مسار دستوري ثم يوفر الغطاء الثقافي والسياسي والإعلامي لها.
ومهما بلغت كثرة الحشود المستجيبة لنداءات هدم المسار الدستوري، فإنها ليست مؤشر تطور أو تصحيح بل مؤشر هدم وعلامة أفول سياسي جماعي. وحسناً فعلت حركة تمرد إذ اختارت هذا الاسم، فهو يفضح القاطرة السياسية والثقافية والإعلامية التي كانت خلفه.
إذا حافظ المعارضون لهدم المسار الدستوري على سلميتهم وتماسكهم وحرصوا على نبذ العنف ونجحوا في مواجهة مؤامرات ومكائد جرهم إليه، فإن المسار الدستوري يمكن أن يستعيد قوته وزخمه، خصوصاً وأن حلف أدعياء الديمقراطية والثورة المحتشد عند أبواب العسكر سرعان ما ينفرط ويتصدع مع كل سباق نحو الغنائم، وسرعان ما تنفضح الادعاءات الديمقراطية والثورية مع استعادة الدولة الأمنية لقوتها أكثر وأكثر.
ومن يدري فلعل ما حدث كان من تدبير علام الغيوب، فنحن نتابع الآن أوسع وأضخم عملية احتراق سياسي وافتضاح إعلامي لأدعياء الديمقراطية والثورية والحريات والمهنية والشفافية ممن كانوا حجر عثرة في طريق مرسي. فإن عاد فسيعود بقوة دفع هائلة تسمح بتجاوز تلك العقبات.
كيف ستكون صورة المحتفلين بالانقلاب العسكري إن عاد مرسي بزخم شعبي؟
سيحترقون سياسياً وستنقلب صورتهم في الوعي العام إلى النقيض، وستزول من طريق مرسي نخبة فاشلة مارست الإعاقة والإفشال والتصيد ودعمت الهدم والتناحر خلال عام كامل.
كيف ستكون صورة حزب النور السلفي؟
ستزول الغشاوة وتنتهي المزايدات ويرتفع من أمام مرسي عائق كبير وعبء سياسي وثقافي ضخم كان أداة بيد خصوم الديمقراطية والثورة.
كيف ستكون صورة إعلام التضليل والتشويه والتعميم الذي كان يملأ الدنيا ضجيجاً حول الحريات والشفافية والمهنية والحياد؟!
سيحترق وتنقلب صورته لدى الناس وستزول من طريق مرسي كل ماكينة التشويه والشيطنة التي حاصرته على مدى عام كامل.
سيعاد اكتشاف مرسي كرجل ثبات ومواقف وصدق وأمانة وعفة وتواضع، وسيرون كم كان أحلم من معارضيه وأوسع صدراً وأكثر تسامحاً، وسيدركون حجم العوائق الهائلة التي كان يواجهها ومقدار التشويه والتجني الذي تعرض له.
ينبغي أن يدرك مؤيدو مرسي أن كل يوم لهم في الميادين هو يوم احتراق سياسي لحلف الغنائم المحتشد عند كرسي العسكر، واحتراق إعلامي لماكينة إعلام المال والفلول، وصفعة على وجه السيسي ومن معه، واضطراب في بلدان المال القذر التي دعمت الانقلاب من أول يوم، وشهادة لأهل الميادين بأنهم أكثر ديمقراطية وثورية من كل الأدعياء الذين طالما سعوا إلى احتكار الرايات الديمقراطية والثورية ثم سرعان ما انطلقوا يقبلون أيادي العسكر ويحتفلون مع الفلول.
هي لحظات تاريخية تعيشها مصر ويعيشها العالم العربي والعالم بأسره، وبقدر سلمية أهل الميادين وثباتهم ستتزايد الحشود حتماً، وقد تنطلق من مصر موجة ثورية جديدة أكثر رشداً وأقوى مصداقية وأقل تحديات وعوائق.
  إبراهيم الخليفة
.......
العصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..