كثيرون في عالمنا العربي لا ينتمون حزبيا إلى أحد، ولكنهم أصحاب موقف سياسي
واضح ومحدد،
ويؤثرون بشكل أو بآخر في ترجيح كفة على كفة، بالتصويت وصناديق
الاقتراع في البلدان التي تشهد انتخابات، أو بالتأييد والدعم والمشاركة في
الفعاليات المختلفة في البلدان التي لا تشهد عمليات انتخابية، وكل ما
يتمناه هؤلاء نظام عادل يعيشون في ظل قواعده التي تحكم المجتمع، أو ما يمكن
القول إنه النظام الديمقراطي المتعارف عليه في حياتنا اليوم، وقد تتباين
هذه الجموع في مرجعياتها ونظرتها للأمور، لكنها في نهاية المطاف لا تريد
إلا العدل والإنصاف والحرية والأمن، وهذا لا يتحقق في عالم اليوم إلا
بسيادة النظام القائم على فكرة الديمقراطية.هؤلاء هم الديمقراطيون، وهم قوة الدفع الحقيقية للمطلب الكبير المتمثل بقيام نظام ديمقراطي حقيقي، وهم الذين توجه لهم الشعارات من قبل السياسيين لكسبهم والحصول على دعمهم، سواء في اتجاه بناء النظام الديمقراطي، أو حتى باتجاه التخويف والتحذير منه، وعلى هذه الجموع تتنافس الأحزاب التي تمثل أقلية في مجتمعاتنا، أحزاب المعارضة والسلطة تستنفر كل طاقاتها لإقناع هؤلاء بحججهم ورؤيتهم للدولة، تحرضهم المعارضة على الديمقراطية باعتبارها الأمل المنتظر، وتفعل الحكومات –الأحزاب الحاكمة- عكس ذلك تماما، بتخويفهم وإرهابهم من التغيير وما قد يترتب عليه.
هذه الكتلة الكبيرة يعول عليها من جهة، ولا يعول عليها كثيرا من جهة أخرى، فسعيها نحو الأفضل وعدم تحزبها يشكل نقطة ارتكاز في تحفيز التوجه نحو الديمقراطية، وإقامة نظام العدل المنشود في بلادنا، لكنها من جهة أخرى تعرف بشكل عام ما تريده، ولكنها لا تعرف التفاصيل، ولا يمكنها في غالب الأحيان تقييم ما إذا كانت الأمور تسير على نحو صحيح أم لا، مثل الذي يجري في مصر هذه الأيام، يمكن لشخص أو أشخاص ينشدون الديمقراطية أن يتوقعوا صحة ما قام به العسكر من انقلاب على الرئيس المنتخب، والتوهم بأنه إجراء من أجل الديمقراطية ولصالحها، دون إدراك الضرر المترتب على هذا الإجراء لاحقا، والضرر الأكبر من كون المؤسسة العسكرية قيِّما على النظام في المجتمع والدولة، خاصة في بلد كل استبداده عسكري النشأة، ومن هنا يكون الخوف الكبير على النظام الديمقراطي المنشود رغم لهفة الكثيرين له وتأييدهم لقيامه.
لا ديمقراطية إلا بالديمقراطيين، والحديث هنا ليس عن كل فرد يتمنى قيام نظام عادل في مجتمعه، بل عن نخبة ثقافية وسياسية ودينية تؤمن بالديمقراطية وتدعو لها بقوة ووعي. لا يمكن أن ينشأ نظام ديمقراطي دون أحزاب سياسية ذات قاعدة جماهيرية تؤمن بهذا النظام وتبشر به بين الناس، ولا يقف اهتمامها الديمقراطي عند مسألة الصناديق والعملية الانتخابية فقط، كما يحدث غالبا مع الأحزاب الإسلامية، والتي تروج أحيانا صورة مغلوطة عن العملية الديمقراطية بتصويرها مسألة احتكام للصناديق ومخرجاتها، مع تجاهل أو جهل بالقواعد المنظمة للعملية الديمقراطية، وأن هذا النظام ليس تداولا للسلطة بين من يحرز الأرقام الأكبر فحسب، بل التداول وفق ثوابت لا يمكن الحديث عن ديمقراطية دونها، وهي الثوابت المتعلقة بالحريات العامة والخاصة وتقنين استغلال الدين وتوظيفه سياسيا في إدارة الدولة، وصولا إلى حقوق المواطن الكاملة بعيدا عن أي تمييز لدينه أو عرقه أو مذهبه، وأن من يتقدم للسلطة يتقدم لها وفق مبادئ ثابتة لا يمكن تغييرها على قاعدة الأكثرية العددية.
إن موقف الأحزاب الإسلامية هو الأكثر اقترابا من فكرة النظام الديمقراطي، في ظل مواقف لتيارات علمانية ليبرالية مترددة وخائفة ومتحالفة أحيانا مع الاستبداد، لكن الإسلاميين يعانون من إشكالات كثيرة في قبول النظام الديمقراطي كحزمة واحدة متكاملة، وليس فقط كنظام يُمكِّن الأكبر والأكثر من تولي الحكم، وهذا لا يمكن معالجته إلا بمشاركة واسعة وحماس من التيارات الليبرالية واليسارية الأكثر تعمقا وتوافقا مع فكرة الديمقراطية من كافة جوانبها، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
العرب القطرية
علي الظفيري
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..