الأربعاء، 31 يوليو 2013

يَا فَضِيلةَ الشّيخِ القَرْضَاوِي... أيُّ صَدِيقٍ أنْتَ؟

هناك تناقضات تستعصي على الفهم صدقا، إيران التي تقف بجانب نظام الأسد وتفتك بالشعب السوري، ولم ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة هي التي تدافع عن مرسي وحزب الإخوان المسلمين ضد رغبة
الشعب والجماهير المصرية، ومرسي الذي تدافع عنه إيران هو الذي قطع علاقاته بنظام الأسد،
والقرضاوي الذي هاجم بالأمس ما يسمى حزب الله لتدخله في الشأن السوري، واكتساح مليشياته الأراضي السورية وقتل الأبرياء والنساء والأطفال يعلن أن قيادة المملكة العربية السعودية كانت أبعد نظراً وعلماؤها كانوا أصدق في قراءة ذلك الواقع حينما حذروا من ذلك الحزب، ثم يفاجئنا اليوم بتوجيه كلام شديد اللهجة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج وكأنها هي المسؤولة عن أحداث مصر الأخيرة، والدولة التي أيدت رسمياً رغبة الشعب المصري في عزل مرسي هي التي تبث قنواتها ما يخالف هذا الموقف الرسمي... باختصار تناقضات عجيبة، فما القصة إذن؟
ربما كان الجواب في القذاة التي تراها بعيني ولا ترى الجذع في عينك، وربما كان الصيد في جوف الفرا كما قالت العرب التي تنسى كل شيء في تاريخها التليد وتستحضر اليوم جوابها المر من نبرات صوت ذلك الفلاح المصري على شاشات التلفزة حينما قال: إنه حضر زمن عبد الناصر والسادات ومبارك وسنة مرسي، وهي أسوأ سنة مرت عليه في حياته، وقطعا لم يشعر بها فضيلة الشيخ القرضاوي ولا المثقفون الذين وقعوا بيانات النصرة لأنهم كانوا في بحبوحة من العيش الكريم في دول الخليج، كان الفلاح المصري يتكلم ضرورة وكانوا يتكلمون ترفاً، كان الفلاح المصري يفكر بقوت أطفاله الجياع وحاضر مصر المرير ونفق وطنه المظلم، وكانوا يفكرون بمزيد من الصلاحيات وفرض ولاية المرشد وجيشه الجمهوري وتشخيص مصلحة حزب الإخوان المسلمين واختطاف مصر من حضن العروبة والإسلام والحضارة بكل أسف...
حوادث تجعل الحليم حيران، ونوازل تفقدك الثقة بالأصدقاء قبل الأعداء، وفي حمى الذهول لا يزال في ذاكرتي صدى كلمة فضيلة الشيخ القرضاوي في ذلك التصريح (الملك عبد الله... صديقي) وإن كنت بحاجة إلى التثبت من حقيقتها في حديثه السالف، فهل يعقل أن يهاجم الصديق صديقه ويسيء له على رؤوس الأشهاد ويسبر نواياه ويحكم عليها بالسوء، وتساءلت لماذا جعلت العرب الخل الوفي من المستحيلات الثلاثة في منزلة الغول والعنقاء التي لم يرها الناس؟ لأنهم يدركون أن الصداقة صعبة المنال وتوافر الصديق ضرب من المستحيل، واستشعاراً لكل الأسئلة وبكل صدق لقد ثمنت النخب السعودية كاملة للقرضاوي تراجعه للبيت الإسلامي الكبير ولقلب خادم الحرمين الشريفين الأبيض وإن كان بعضهم تلبسه الحذر والريبة من ذلك التصريح اعتقادا منهم أنه بحث عن حاضنة جديدة للأفكار الحزبية، وسينقلب على عقبيه في أي موقف تتعرض فيه مصلحة الحزب للتهديد وسيتنصل من ذلك التصريح بشكل سافر دون حياء ودون خوف من تهمة التناقض، فالذي يسب اليوم ويشتم هو من أعلن بالأمس القريب متابعته للمملكة العربية السعودية وقيادتها في قرراتها التي أثبتت العواقب أنها كانت على حق وأن علماءها الربانيين، أهل كتاب وسنة، وغير حزبيين وكانوا ذوي نظرة ثاقبة في مآلات الحوادث، فلم يكونوا عاطفيين، ولم يسيروا فيما تفرضه عليهم رغبة الجماهير، ولم تجبرهم المصالح على كتم الحقيقة , لأن الجميع يعلم علم اليقين أن القيادة والعلماء يملكون من المعطيات والتقارير والمعلومات ما يؤهلهم لاختيار القرار الصحيح - ولله الحمد - علماً أن فضيلة الشيخ القرضاوي، أشغلته السياسة عن العلم، وخطفته منون الحزبية ودهاليز النظرة الضيقة عن مجتمعات إسلامية كاملة هي بحاجة إلى كلمته الصادقة وقلبه الوفي ويديه الكريمتين في غرس بذور الإصلاح، وجمع كلمة المسلمين وعلاج آثار هذا الزمن المؤلم على أجيال مصر وشباب العالم الإسلامي...
إن المملكة العربية السعودية على مر تاريخها العربي والإسلامي والإنساني لم تأل جهدا في دعم الأشقاء في كل أزماتهم السياسية والاقتصادية، وتضع دائماً نصب عينيها الشعب الثابت في المعادلات السياسية دون الحكومات والأنظمة المتغيرة في تلك اللعبة التي قد تكون قذرة وقذرة جدا، ولا أدل على ذلك من دعمها للاقتصاد المصري بعد الثورة على مبارك، إذ أودعت مليار دولار (حوالي أربعة مليارات ريال سعودي) في البنك المركزي لمدة ثمانية أعوام، وصرح سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين حينها أن المملكة العربية السعودية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وقعت مذكرة تفاهم قطاعية لمنح مصر نصف مليار دولار (حوالي ملياري ريال سعودي ) لتمويل قطاعات مختلفة من الاقتصاد المصري بعد الثورة، كما أن وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو أعلن أن حكومة خادم الحرمين تعتزم زيادة استثماراتها في مصر، وأعلن أن السعودية قررت تقديم مليارين وربع مليار دولار (حوالي ثمانية مليارات ريال سعودي) وكل ذلك بعد الثورة، مما يدل على أن المملكة تستحضر مسؤولياتها الأخوية تجاه شقيقاتها ومنها مصر التي تجاهلت السعودية كل توجهات مؤسسة الرئاسة المعادية والمؤدلجة...
إن العلاقة التاريخية بين السعودية وشعب مصر استراتيجية أعرق من مرسي وأكبر من السيسي، وتدركها النخب المصرية الشريفة التي تنبع في حكمها من أسس متينة تستعصي على النسيان أو التجاهل، ولم يكن الدعم السعودي للشقيقة مرتبطا بنظام معين أو حقبة محددة، بل كانت مصر العريقة وشعبها العظيم حاضرين في عيون السعوديين في أقسى الظروف والأزمات التي يتعرضون لها، ولا أدل على ذلك من موقف الملك فيصل - رحمه الله -مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب هزيمة 67م، وكل النخب السياسية تدرك حجم الخلاف آنذاك، ومع ذلك في تسامح الفيصل للأخوة وتنازل للعروبة وتفان للإسلام في مؤتمر الخرطوم الشهير، أعلن دعم السعودية لمصر بأضعاف ما كان محددا، وتناسى كل الخلافات من أجل مصر ولعيون شعب مصر الحبيب وليس من أجل سياسة عبد الناصر غفر الله لهم جميعا , ثم استمر الدعم في عهد السادات وتحملت السعودية كل مستحقات حروب الاستنزاف والمواجهات التي كانت ثمرتها انتصارات أكتوبر المجيدة، وبلغت المساعدات في عهد مبارك ذروتها، وشكلت دول الخليج صندوق التنمية لمساعدة القطاع المصرفي في مصر حتى لا ينهار الاقتصاد، وفي عام 1990 أعفت السعودية مصر من كل ديونها..
إن وقوف المملكة ودول الخليج التي هاجمها الشيخ القرضاوي مع مصر بتلك المبالغ كانت ضرورية لقطع الاتصالات على من يضمر الشر بالشعب المصري الشقيق ومن يحاول النيل من سيادة مصر، وبخاصة في ظل خروجه من ثورة شعبية تعطلت معها روافد الاقتصاد بعامة وزادت في ظلها معاناة المواطن المصري الذي لا يستحق المغامرة السياسية القذرة ...
وبناء عليه وعطفا على ذلك التصريح، صدقا لا أدري لماذا هاجم فضيلة الشيخ القرضاوي دول الخليج وجعلها مسؤولة عما يجري في رابعة العدوية وهي الدول التي أنقذت زعامات وقيادات جماعة الإخوان المسلمين قبل عقود من مشانق عبد الناصر وبطش الأسد وتصفيات صدام، ولم تكتف بذلك بل منحتهم الجنسية الوطنية فأصبح القرضاوي قطريا والطنطاوي سعوديا، وكان قلب الخليج العربي كبيراً...
ولا أدري أيضاً لماذا تجاهل فضيلة الشيخ مصلحة الشعب المصري الذي نزل إلى الشوارع بإرادته ولم يكن أداة تأتمر بإمرة نظام ما ولا حجرا في لعبة شطرنج يلعبها المترفون، نزل إلى الشوارع بنخبه ومفكريه وطوائفه وأحزابه ضرورة لعودة مصر إلى المدنية والمؤسسات والحضارة والريادة والتقدم والازدهار، نزل حتى لا تختطف مصر إلى الأبد ممن يديرون السياسة بأدوات عصور الانحطاط، نزل لأن الرئيس الذي انتخبوه خانهم وحنث في قسمه حينما عطل كل شيء وسلم مقاليد السلطة لولاية المرشد الذي يديرها بفكر تنظيم حزبي، يسعى إلى تشكيل جيش جمهوري لحماية نظام المرشد كما فعلت إيران وولاية الفقيه، نزل لأن مصرا صارت تحت حكم الحزب الواحد المسيطر، ويرى بأم عينيه فشل السياسة الاقتصادية المعتمدة بدليل تراكم الدين العام، وزيادته بأكثر من عشرين مليار دولار أمريكي وتفاقم الفقر الاجتماعي مع وجود نحو أربعين في المائة من الشعب تحت خط الفقر، وزادت معدلات الفقر في عهد مرسي، نزل لأنه يرى الانتهاكات الأمنية في سيناء وتعرض سيادة مصر للتهديد، ويراقب العبث بالدستور والتأزيم الممنهج في سلك القضاء والأزهر الشريف والمؤسسة العسكرية بعامة، فالشرعية هي حق للشعب الذي منحها لمرسي وينزعها من مرسي وخيرت الشاطر ومحمد بديع والقرضاوي، وكان الأولى بهم جميعا أن يضعوا أيديهم مع إخوانهم للنهوض بمصر وعلاج كل الآثار التي ورثتها من ذلك القدر المؤلم، فلا وقت للعتاب ولا مصلحة في الانتقام ... والله من وراء القصد.
المصدر

د. عبدالله بن ثاني


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..