من الواضح أن هناك ثلاث قوى رئيسية في مصر، النظام السابق وملحقاته الحزبية
والعسكرية والشعبية، والإخوان كقوة حزبية وشعبية بارزة، والقوى الثورية
المتناثرة التي لعبت دورا كبيرا في التغييرين اللذين شهدتهما مصر، الأول في
الخامس والعشرين من يناير قبل عامين، والثاني قبل أسابيع في 30 يونيو،
وهذه القوى الثلاث في صراع حقيقي منذ عامين على شكل الجمهورية المصرية
الجديدة وطريقة إدارتها، وكل ما تشهده البلاد نتيجة لهذا الصراع ومحاولة كل
طرف تجيير الأحداث لصالحه، مع ملاحظة أن النخب السياسية الممثلة في جبهة
الإنقاذ لا يمكن الاعتداد بقوتها الحزبية، فهي خليط من القوى الثورية
وبقايا النظام السابق، وهي عاجزة وحدها عن خوض أي تنافس انتخابي يكشف ضعفها
ومحدودية تمثيلها، بعيدا عن الطرفين الآخرين -من النظام السابق والثوريين-
غير المتفقيْن تماما مع ما تطرحه.
القول إن النظام السابق قوة لا يستهان بها هو حقيقة لا يمكن تجاوزها، بل قوة لها امتدادها الشعبي وجماهيرها المؤيدة والداعمة، وأكثر ما يجب الانتباه له أن هذه الشعبية تقبع في مراكز القوة والنفوذ، ليس في أجهزة الدولة الرسمية نتيجة سياسة الولاءات السابقة، بل في المشهد الثقافي والفني والرياضي والاقتصادي، وهي تمارس دعمها عن قناعة كاملة وليس فقط نتيجة ما تراكم لديها من مصالح، والبعض يتحدث اليوم أن ما حدث لمرسي نتيجة عدم اقتلاع هذا النفوذ من مراكزه المؤثرة، وأظن في ذلك خطأ كبير، إن اجتثاث هذه الشريحة معناه اجتثاث لمصر برمتها، وتغيير -لا يمكن حدوثه- لكامل تركيبة البلد، وهذا ما لم ينجح به الإخوان في الفترة القصيرة جدا التي حكموا فيها، فقد مارس الإخوان خلطا بين محاولة الاقتلاع والدمج لم تكن ناجحة إطلاقا، وبدون ملامح واضحة ومحددة، أي أنها كانت معالجة أشبه بالحساب اليومي، كل يوم بيومه، دون أن تكون هناك تصورات واضحة ورؤية متكاملة لمعالجة واحدة من أخطر المسائل الجديدة بعد سقوط مبارك، وهو ما أدى في نهاية المطاف لكل ما تعرض له الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
الإخوان المسلمون في مصر قوة رئيسية، وهي جماعة تتعرض لدعاية سوداء منذ ستة عقود، وفي ظرف عامين يجد المصريون هؤلاء الساسة في مواقع القيادة، وفي ظل حملة إعلامية مناهضة لهم لم تتوقف لحظة واحدة، ومع أخطاء كبيرة يُرتكب بعضها نتيجة نقص الخبرة وعدم وضوح الرؤية وبعضها نتيجة الضغط المقابل، ثم تنشأ حالة من عدم الاستيعاب المتبادل بين الطرفين، يليها صراع كبير لا يتردد أطرافه في استخدام كافة الوسائل لحسم المعركة، فتكبر الهوة يوما بعد يوم بين الطرفين، لا أحد يتحدث عن كيفية الخروج من هذا النفق المظلم، ولا عن وسيلة لتقريب الآراء، ولا عن طريقة لضمان التحول الديمقراطي بأمان ودون هزات، اللغة الوحيدة المستخدمة هي لغة الحرب المفتوحة، ومن يحسمها لصالحه.
القوى الثورية لاعب ثالث في الساحة، وبالمناسبة فإن الحديث عن هذه القوى ينقصه التدقيق، الثورية أصبحت مهنة وشعارا مؤخرا, وضاعت الأمور بسبب التوظيف السياسي والفراغ المتفشي في البلد، ومع ذلك فإن الواضح من هذه القوى -المتناثرة والقابلة للاحتواء من الطرفين الرئيسيين- يقدم إسهامه في الصراع القائم، لم تستطع هذه المجاميع أن تبلور رؤية محددة لمطالبها العامة والكبرى، ولا أعرف إن كان هذا من واجبها ودورها وفي نطاق قدرتها أم لا، لكنها لعبت دورا كبيرا فقط في تأجيج الصراع وزيادة حدة الاستقطاب، دون أن تقف على مسافة ثورية كافية من المتخاصمين، وبشكل يضمن تحقيق المطالب لا تمييعها وضياعها.
مشكلة المصريين اليوم تكمن في عدم استيعابهم لبعضهم، وقابليتهم أن يكونوا حطبا للنيران التي يشعلها غيرهم، ولمعارك لا تخصهم إطلاقا، وما لم يقدم أي طرف من الأطراف مبادرة جادة وشجاعة لفهم الآخر واستيعابه لن ينجح شيء، ستستمر القنوات الفضائية في نقل الصور من القاهرة وميادينها، وستستمر مصر بالتراجع أكثر وأكثر، وسيتأخر ربيع القاهرة الديمقراطي في القدوم، وقد يندم الجميع على زمان مضى، ذلك الزمان الذي تسبب في كل أوجاع المصريين وآلامهم.
علي الظفيري
..........
العرب القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..