الخميس، 18 يوليو 2013

سفراء (الإخوان) وصناعة (رابعة عدوية) سعودية في مواقع التواصل

بيانهم حمل العديد من التناقضات وضلل أتباعهم في الخليج
تحليل: محمد جزائري
أصدرت فعاليات سعودية «ثقافية» ذات أدبيات إخوانية، بياناً سياسياً تعلن فيه تأييدها الكامل
للرئيس المخلوع محمد مرسي، في مقابل الشعب المصري الذي قام بما أطلقوا عليه ''الثورة التصحيحية'' ضد الحكومة المصرية ''الإخوانية''، حيث شكلت تلك الحشود ظاهرة عالمية استثنائية في مظاهرات العصر الحديث. قبل نقاش المحتوى السياسي لبيان المثقفين السعوديين ذي الصبغة الإخوانية المضمرة لفظياً التي يشي بها تمثلها للأدبيات الإخوانية الأصيلة. فلا بد من إيراد بعض اللمحات الأولية التي احتواها البيان موضع الحديث، لفهم السياق السردي الذي يأتي في سياقه هذا الاستقراء الصحافي.
أولى هذه اللمحات تجلت في تناقض طلب البيان بل ورفض ''جميع التدخلات الإقليمية والدولية التي تحاول فرض الوصاية'' على مصر، فيما يبيح موقعو البيان هذا الحق لأنفسهم دوناً عن كل القوى الإقليمية الكبرى التي يفرض عليها وزنها الإقليمي وجغرافيتها السياسية التدخل. على أية حال، الملمح الثاني كان غياب الفعاليات الثقافية الشابة التي تتبنى الأدبيات الإخوانية بتنازلات أكبر ''الحمائم'' بالتوقيع على هذا البيان السياسي، وترويجهم له على خجل، فيما شكّل ''صقور'' الأدبيات الإخوانية في السعودية مجمل عدد الموقعين الرئيسين الذين وقعوا على البيان، وموقف شباب الأدبيات ''الإخوانية'' السعوديين من الإحجام عن المشاركة، يمكن فهمه في بعد سردي ''سياسي'' آخر لابد من روايته لتحليل المواقف المتقدمة لـ ''حمائم الإخوان الجدد'' في السعودية والخليج عن قياداتهم من القدماء.

أما الملمح الأخير، فهو المدخل الرئيس لمحاولة تحليل هذا البيان سياسياً، حيث يلحظ المتابع للمشهد المصري أن الخطاب الإخواني انقسم على مستويين. المستوى الأول يخاطب به أتباعه المجتمعين في ميدان ''رابعة العدوية'' في القاهرة، والمستوى الثاني الذي يخاطب به النخب السياسية المثقفة. الفارق بين المستويين، أن كلاً منهما يملك أدوات معرفية وخطابية وترويجية للأفكار مختلفة تماماً، لاختلاف الطبقة الموجه لها الخطاب. الخطاب الجماهيري في المستوى الأول، يتم حقنه بجرعات عالية من الشعور الديني الذي يعلي الإحساس بالاضطهاد لدى أتباعه، ويكرس لديهم صورة الآخر المحارب للدين والعقيدة. حتى أنه بلغ ببعض الإخوانيين المعتلين منصة ميدان ''رابعة العدوية'' حد الادعاء بأن الملك جبريل ـــ عليه السلام ـــ صلى جماعة مع المتجمعين من أنصار الإخوان في ''رابعة العدوية''، فيما أقسم آخر على أنه رأى رؤيا تجمع النبي محمد ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ مع مرسي ينامان على ساقه ليرتاحا. والقصتان مشهورتان، ويمكن مراجعتهما على المواقع الإلكترونية. أما المستوى الثاني الموجه للنخب السياسية المثقفة المحلية منها والغربية، فتتطور مفرداته لترتقي للمظلومية ''الديمقراطية'' التي يختزلها المنظرون السياسيون للإخوان في صناديق الانتخاب والاقتراع.

فتحت أي مستوى خطابي يندرج هذا البيان السياسي ذو الأدبيات الإخوانية؟ في إجابة سريعة، كان يتوجه للأتباع في الداخل وليس للنُخب، ولكنها حتماً إجابة بحاجة لتفصيل. الأكيد أنه قبلا، هدف البيان إلى تسجيل موقف سياسي يعبر عن الاصطفاف لمصالح إخوان مصر ''الجماعة الأم'' بعد المبادرات الإقليمية المتعاطفة مع الإرادة الشعبية المصرية في ''ثورته التصحيحية'' خصوصاً دولتي السعودية والإمارات ''لم تكن الكويت أعلنت دعمها بعد حين إصدار البيان'' هذه المبادرات الخليجية الهادفة لحماية الاستقرار المصري، أزعجت متبني أدبيات الإخوان في الخليج، واضطرتهم لإعلان دعمهم بالتالي للجماعة الأم في ''رابعة العدوية''، من دون أن ننسى أن قيادات الإخوان ظلوا حتى آخر لحظة ينتظرون التدخل الأمريكي والغربي لمنع استكمال ''الثورة التصحيحية''، خصوصاً مع تواتر التقارير الغربية التي تشرح الدور الحثيث للسفيرة الأمريكية في القاهرة في تقريب وجهات النظر. ولكن البيان أيضاً هدف إلى صناعة ميدان ''رابعة العدوية'' سعودي على شبكات التواصل الاجتماعي لتوحيد الحجج والمواقف بلا أي تراخ سياسي. وهو مستوى التصلب المعرفي الذي يرغبه قيادات ''الأدبيات الإخوانية'' في السعودية والخليج ، ليكفل به حالة التحشيد، فيما تُترك لهم كقيادات ''ثقافية'' إدارة المستوى الثاني من الحوار مع النخب الثقافية مدعومة بهذه الجموع في ظهرها السياسي. لذلك غابت المفردات المعبرة عن الفهم الليبرالي للديمقراطية التي هي موضوع خلاف المعارضة المصرية بغالبية أطيافها السياسية حتى السلفية منها، في مقابل الفهم الإخواني للديمقراطية، وهي المفردة التي يستبدلها البيان بكلمة ''الشرعية''. والمقصود بها هنا صندوق الانتخابات، وهو الشق الإجرائي من العملية الديمقراطية وليس الشق الجوهري الليبرالي القائم على المشاركة والتعدد الذي تتمسك به المعارضة الشعبية التي ملأت ميادين القاهرة ضد حكم الإخوان.

قبل الاسترسال في نقاش هذا البيان، لنتوقف قليلاً مع فهم الديمقراطية لأحد أساطين الأدبيات ''الإخوانية'' في السعودية المتصدر قائمة الموقعين، الدكتور عوض القرني. يرى الدكتور عوض القرني أن الديمقراطية ''لها جانبان: جانب الآليات وجانب الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه. على أن حق التشريع عائد إلى الشعوب أو بعبارة أدقّ للأكثرية ولممثلي الشعوب، فالآلية والوسيلة والطريقة هي من المشترك الإنساني بمعنى أن الشريعة تجيز هذا الأمر عند تحديدنا لوسائل وطرائق بالنظام الديمقراطي. ثم أشير إلى أنه ليس هناك في الحال ديمقراطية واحدة، هناك عدة ديمقراطيات تعود إلى الشعوب في الأصل ثم يترك لكل شعب أن يتحدث عن قيمه وعاداته، الذي يتفق في ذلك بأن الكلمة الفصل هي للشعب أو ممثليه ولكن تفاصيل ذلك تختلف من بلد لبلد، الأساس الفلسفي يختلف من أمة لأمة ومن ثقافة لثقافة''. ما أعلنه القرني في إجابته التي جاءت ضمن سياق حوار مع موقع ''المسلم'' الإلكتروني، هو ما أضمره في هذا البيان السياسي الذي وقّع عليه، وهو أن منبع الهجوم على التجربة المصرية في ''الثورة التصحيحية''، هو الدفاع عن ديمقراطية ''وحيدة الخلية'' سياسياً، والمتمثلة في الانتخابات والصناديق، أي شقها الإجرائي الأول الذي ذكره، أما الجزء الآخر من الديمقراطية ''الفلسفي'' القائم على التعددية والمشاركة والحرية السياسية التي يقوم جوهر الديمقراطية عليها، فيراه القرني مفهوما غير ملزم لكل المجتمعات ''الديمقراطية''. ما دعاه مع الموقعين لاستبدال هذه الديمقراطية غير المكتملة، بمفردة ''الشرعية''، التي تخفي خلفها الفهم المجتزأ للتجربة الديمقراطية التي تسعى إليها مصر، فضلاً بالطبع عن الوقع الموسيقى لمفردة ''الشرعية'' والشجن الديني الذي تثيره في أذن السامع المتدين بتقابلها اللفظي مع مفردة ''شريعة''. والحال، أن هذا الفهم المتفرد للديمقراطية من قبل حركات ''الإسلام السياسي'' مثل الإخوان وغيرها، هو ما دفع القوى السياسية المعارضة للتحرك ضد ''مشروعية'' حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي وحكومة الإخوان.

ما جعل الأنصار في الشارع الإخواني في مصر محصورين في ميدان ''رابعة العدوية'' ، فيما تشعر قيادات الجماعة بـ ''الوحشة السياسية''، بلغت بهم حد تسلية أتباعهم بحكايا يخبرونهم فيها أن جبريل ـــ عليه السلام ـــ يصلي معهم. وبالعودة للبيان، تثير نقطتان متعارضتان كلياً الحيرة حول هشاشة البناء السياسي لهذا الموقف. حيث يطالب الموقعون في فقرة من فقراته الثماني بـ ''رفض جميع التدخلات الإقليمية والدولية التي تحاول فرض الوصاية عليه'' ثم يعودون في الفقرة التالية مباشرة إلى ''الإشادة بالمواقف الدولية العادلة التي رفضت الاعتراف بالانقلاب العسكري في مصر ودعوتها الانقلابيين إلى إعادة الشرعية إلى الشعب المصري.''في الواقع ليس الغريب فقط في الفقرتين التناقض الواضح في المبدأ، حيث ترفض المواقف السياسية من القوى الإقليمية المختلفة مع جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها السياسية خارج مصر في القراءة السياسية للواقع المصري، وتشيد بالمواقف للدول والقوى الإقليمية التي تضغط على إعادة الرئيس المخلوع للرئاسة.

والمثير للانتباه أيضاً أن هذه الفقرة تحديداً، مارست تضليلاً في المعلومة المتوجه بها إلى الأتباع في الشارع السعودي، حيث إنه صحيح أن هناك قوى إقليمية ودولية تحفظت على الاعتراف بـ ''الثورة التصحيحية'' ولكنها أيضاً لم تسميه ''انقلاباً''، وكما يقال في السياسة ''نصف الحقيقة.. كذبة كاملة''. ''وقت إصدار البيان لم يكن البيت الأبيض صرح حينها، بما أقره لاحقاً من أن ما حدث في مصر ليس انقلاباً عسكرياً وأن حكم الإخوان لم يكن ديمقراطيا''. هذا البناء السياسي المتناقض للبيان، لم يلق الصدى الكافي لدى شريحة واسعة من ''الإخوان'' الشباب في الشارعين السعودي والخليجي، ولا من المنظّرين الإعلاميين السعوديين الميالين لـ ''حمائم'' الإخوان الجدد منهم إلى ''الصقور''. ويبدو أن هذا التيار الذي تتشكل نواته بوضوح في السعودية والخليج، ومنظري المستقبل ''الإخواني'' من كبار الكتاب والإعلاميين، يدركون أن الزج بـ ''الحمائم'' الآن في أتون معركة الصقور حرقاً للمستقبل السياسي لهؤلاء الشباب الذي يظهرون أكثر ميلاً لبعض التنازلات في مقابل استعادة ثقة بعض النخب السياسية، وبالتالي العودة للحياة السياسية بأضلع مكسرة تشفى مع الوقت، ولكنها على الأقل ليست مسحوقة. هذا الانقسام و قراءة دلالته وأدواته و أبرز شخوصه هو موضوع الجزء الثاني في الغد من هذا الاستقراء الصحافي، الذي يحاول تقديم إضاءات على انعاكس ظلال التجربة ''الإخوانية'' المصرية على المشهد السعودي. يذكر أن أبرز الموقعين الذين بلغ عددهم 36 على هذا البيان الدكتور محسن العواجي، الدكتور سعود النفيسان، الدكتور محمد الحضيف، الدكتور فائز صالح جمال.. و غيرهم.


المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..