في عام
2004 زرت أفغانستان بدعوة من حكومتها لحضور حفل تأبين أسد بانشير، أحمد شاه
مسعود، لم
أفهم شيئا مما دار في حفل التأبين، فقد كان الحديث كله باللغة الفارسية، والمتحدثون يقولون شعرا يهز على أثره الحضور رؤوسهم بشكل آلي، وكنت وصاحبي الصحفي نتردد بين ترك القاعة والبقاء لبضع دقائق خوفا من أن يساء فهم خروجنا، ولكننا اتفقنا على أن يخرج أحدنا بهدوء ثم يبتعه الآخر بعدة دقائق حتى لا نلفت الأنظار.
عبد العزيز آل محمود
الشرق القطرية
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
أفهم شيئا مما دار في حفل التأبين، فقد كان الحديث كله باللغة الفارسية، والمتحدثون يقولون شعرا يهز على أثره الحضور رؤوسهم بشكل آلي، وكنت وصاحبي الصحفي نتردد بين ترك القاعة والبقاء لبضع دقائق خوفا من أن يساء فهم خروجنا، ولكننا اتفقنا على أن يخرج أحدنا بهدوء ثم يبتعه الآخر بعدة دقائق حتى لا نلفت الأنظار.
كان من ضمن المدعويين أكاديمي سوداني لم أفهم سبب دعوته هو بالذات، فقد
أعطي فرصة الحديث إلى جمهور الحضور باللغة العربية مع ترجمة ما يقوله إلى
الفارسية عن طريق شخص يقف بقربه يصرخ كما يصرخ ويبتسم كما يبستم ويغضب كما
يغضب.
لم يترك هذا الأكاديمي السوداني زاوية من زوايا التاريخ الإسلامي إلا
وطعنها طعنة نجلاء، فنحن كما يقول نتاج تاريخ مزور متراكم كذبا ودجلا
ونفاقا، ليس لدينا في تاريخنا صحيح أو جميل، وكان الحضور يهزون رؤوسهم طربا
كما يهزونها في كل مرة يتحدث أحدهم أو يقول شعرا، فهم بمجملهم جمهور شبه
جاهل استغله هذا الأكاديمي للترويج لفكرته.
التفت لصاحبي وسألته إن كان هذا الرجل في كامل قواه العقلية!! فهو يتحدث
حديثا مرسلا من دون دليل، وهل تاريخنا كله مزور؟ وهل نحن نتاج كذبة كبيرة
كما يقول؟ بقي صاحبي مركزا نظره على هذا الشخص ثم قال: دعنا نذهب، لقد
أصابني هذا المخلوق بالقرف.
لم يبق لدينا ونحن هناك سوى أن نزور بعض الوجوه التي احتلت حيزا كبيرا
من وسائل الإعلام، فكان أن قررنا زيارة عبد الرسول سياف، الرجل الذي كان له
دور كبير في تجييش الكثير من الشباب للمشاركة في حرب أفغانستان، وقد رسمت
لحيته الكثة وعمامته الكبيرة وجسده الضخم صورة رائعة في وعي بعض الشباب
العربي عن الجهاد الأفغاني، ولم تكن زيارتنا له هذه المرة سوى لمعرفة موقفه
من حكومة كرزاي وعن الأسباب التي دعته لدعمها خلال الانتخابات في موقف
متناقض لما كان يقوله للوفود العربية خلال حملات جمع التبرعات.
حملتنا سيارة ذات دفع رباعي إلى منزله الواقع في ضواحي كابول، كانت
الطرق غير المعبدة غارقة بمياه الأمطار فأضحت موحلة بشكل يمنع السيارة من
السير فيها من دون أن يستخدم السائق كل إمكانات عربته، بالإضافة إلى
مهاراته لاجتياز هذه العوائق، استقبلنا سياف في منزله ذي الأثاث المتواضع
وبدأ في الحديث عن كل شيء عدا عن موقفه من حكومة كرزاي، وعندما سألته عن
ذلك تغير وجهه وكأنه لم يكن يتوقع السؤال، وأنا بدوري لم أعد أتذكر الجواب،
لأنه لم يكن مقنعا لي بأي حال من الأحوال.
خرجنا من منزله ونحن نشعر بضيق منه ومن حديثه، وحين أصبحنا بمفردنا قال
صاحبي إن هذا الرجل يملك قصرا على قمة جبل تحرسه كتيبة من جنوده لا يدعو له
سوى الأجانب وغيرهم من الصحفيين، أما هذا المنزل الذي أحضرنا إليه فهو فقط
للعرض على المتبرعين الخليجيين الذين يدعوهم إليه، مبديا تواضعه المصطنع
الذي أتقنه على مدى السنوات الماضية، لقد استطاع هذا الرجل أن يحصل على
الكثير من الأموال بحسن استخدامه لإمكاناته ولكن جريمته الكبرى كانت في أنه
استطاع أن يقنع الكثير من الشباب بالقتال إلى جانبه وبعد أن وصل إلى
مبتغاه أدار لهم ظهر المجن وأصبح من أمراء الحرب الأفغان.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أرى علي جمعة يهين عمامته الأزهرية بخطابه
المشؤوم الذي سجلته له الشؤون المعنوية في الجيش المصري يطلب فيه من الجنود
قتل المتظاهرين السلميين المعارضين لانقلاب السيسي، ثم عمرو خالد بأسلوبه
الطفولي الناعم الذي بدا خطابه مجتزءا ومقطعا ولكنه يحمل نفس الديكور الذي
استخدم في خطاب علي جمعة مما يعطي انطباعا بأنه مسجل في نفس الأستوديو
ولنفس الغرض.
لقد استخدمت هذه الخطابات لشحن عناصر الجيش والشرطة ضد المتظاهرين،
وكانت النتيجة حوالي ألفي قتيل منهم الكثير من النساء والأطفال والشيوخ،
وحوالي عشرة آلاف جريح أغلبهم لم يجدوا من يعالجهم لأنهم كفرة يريدون أن
يقسموا مصر، فهم خوارج يستحقون القتل والسحل والحرق كما فهم الجنود من
خطابات هؤلاء.
لقد استخدم الدين في الأزمة المصرية كسلاح ضد المطالبين بالشرعية، وكان
هو أقوى الأسلحة الموجهة ضدهم، فهو يحتاج إلى عمامة وبعض الآيات الخارجة عن
سياقها ومتلق شبه أمي وجاهل وهي كلها متوفرة وتم استخدامها في مسرح
الجريمة.
لقد اختفى سياف من مسرح الأحداث بعد أن استخدم الدين لصالحه، وسيموت
بهدوء في أحد منازله الكثيرة الموزعة في أرجاء أفغانستان وباكستان، ولن
يأسف على موته أحد، وسيختفي علي جمعة وعمرو خالد وغيرهما ممن استخدموا
الدين لتبرير جرائمهم، فالساقطون لا يتلقفهم أحد، وخصوصا حين يسقطون من
المنابر.
إن التاريخ لا يتذكر العلماء الذين أكلوا الحلوى في قصور السلاطين، ولكنه يتذكر أولئك الذين كتبوا علمهم بين جدران الزنازين.
.....إن التاريخ لا يتذكر العلماء الذين أكلوا الحلوى في قصور السلاطين، ولكنه يتذكر أولئك الذين كتبوا علمهم بين جدران الزنازين.
عبد العزيز آل محمود
الشرق القطرية
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..