يفرح
الكاتب، أيّ كاتب، بأن يحصل مقاله على مقروئية عالية من لدن القراء، مثلما
حصل لمقالي
السابق: كيف تتصدى لتهمة الإخونجية؟! («الحياة»، ٢١ / ٨ / ٢٠١٣). لكن عندما تذهب سكرة الانتعاش والزهو من الكاتب فإنه يبدأ بالتساؤل: لماذا حظي هذا المقال بهذا الاهتمام والاحتفاء؟!
بتفكير بسيط وتأمل غير عميق نستطيع أن نكتشف أن كل أو معظم المقالات التي تحقق معدلات قراءة عالية هي تلك المقالات المخوّلة للمنع من النشر (!)، أي تلك التي تُعرّي لا تغطي، وتحذّر لا تُطمئن، وتخالف لا تُوافق، وتذم لا تمدح، وتُصارح لا تُصانع. أي أنها المقالات التي تبدو في ظاهرها هدّامة بينما هي في باطنها بنّاءة «في الغالب». تحضر في ذهني الآن المقالة الذائعة الصيت عالمياً: (لماذا يكرهوننا؟!) للكاتب الأميركي فريد زكريا، الذي قذف هذا السؤال الموجع في وجوه الأميركان فتحوّل عنوان مقاله ذاك إلى أيقونة استخدمها كثيرون في عناوين مقالات وأسماء كتب لهم، مع اختلاف وجهة الكراهية.
لا أقارن هنا بالطبع مقالتي بمقالة فريد زكريا العالمية، لكني أستحضر مقالة زكريا بوصفها أكبر وأفضل نموذج لدلالات ذيوع المقالة عندما تلامس قلقاً يساور الناس. وهكذا فعلت مقالتي الأسبوع الماضي حين لامست قلق انتشار ظاهرة الأخونة والتخوين لمن هبّ و دبّ .. وممن هب ودب أيضاً!
لا يغيب عن ذهني أنه ليس كل الذين قرأوا المقالة هم ممن اكتووا بالتهمة، بل أيضاً قرأها صنّاع التهم وغواة التصنيف كي يتعرفوا على المعالجات التي ستضعها المقالة لمقاومة سموم التهم فيعمدوا هم بحكم تخصصهم إلى إفشال الأمصال أو صنع تراكيب سميّة جديدة!
وبما أني ختتمت المقالة تلك بالسؤال: ما هي سبل التصدي لهذه الحملة الاستعدائية / التأليبية؟، ثم قلت إن الجواب يحتاج إلى مقال مستقل، فقد توالت ردود عديدة تُعجّل بهذا المقال المستقل الذي سيصف العلاج!
الحقيقة أني، وبعد أسبوع من التفكير، لم أجد علاجاً أفضل من ذلك الذي قلته حينها: «سأذكر سبيلاً واحداً أساسياً للكاتب والمثقف (المتهم)، هو أن لا تتوقف عن قول وكتابة رأيك بكل حرية واتزان، لأن هدف إلصاق التهمة بك هو تخوينك أو تخويفك وبالتالي إيقافك عن التعبير عن آرائك، فإذا أنت لم تتوقف فهذا يعني ببساطة أن التهمة ضدك قد فشلت، وباء الذين يوظفون الدين والوطن لمنافعهم بالخسران».
سأضيف اليوم وسيلتين للعلاج من تهمة الحزبية، إحداهما يقوم بها الكاتب وهي الاستقلالية المطلقة في التفكير والتعبير عن الرأي سواء كانت ضد من يحب أو مع من يكره. والأخرى يقوم بها القارئ وهي الاستقلالية في تحديد موقفه مما يقرأ بمعزل عن الأحكام المسبقة ضد أو مع الكاتب.
سيدرك القارئ المحايد والبريء بأن وصفتي العلاجية تلك ليست لمواجهة تهمة الإخونجية فقط، بل هي لمواجهة أي تهمة تصنيفية / تشويهية تريد إقصاءك من ساحة الرأي العامة وتفتيت قدرة آرائك على التأثير من خلال وضع ملصق (خطر ممنوع الاقتراب) عليها. ولذا سأعاود الكتابة لاحقاً بإذن الله عن مشكلة التصنيف والإقصاء في المجتمع، من كل الأطراف وليس من وجهة دون أخرى، سعياً نحو المطلب المثالي الذي أدرك أنه لن يتحقق بشكل شامل، لكن ليس هناك ما يمنع من تحقيقه بشكل جزئي، وأعني به معالجة ظاهرة التصنيف والتحزيب.
هذا بالطبع حديث يخص الأبرياء من تهم الحزبية، أما الوالغون بحق في الحزبية والفئوية والشللية فهم ليسوا بحاجة لمعرفة سبل التصدي لتهمة التحزّب، بل هم في حاجة إلى معرفة سبل العلاج من التحزّب.
.......
الحياة
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
السابق: كيف تتصدى لتهمة الإخونجية؟! («الحياة»، ٢١ / ٨ / ٢٠١٣). لكن عندما تذهب سكرة الانتعاش والزهو من الكاتب فإنه يبدأ بالتساؤل: لماذا حظي هذا المقال بهذا الاهتمام والاحتفاء؟!
بتفكير بسيط وتأمل غير عميق نستطيع أن نكتشف أن كل أو معظم المقالات التي تحقق معدلات قراءة عالية هي تلك المقالات المخوّلة للمنع من النشر (!)، أي تلك التي تُعرّي لا تغطي، وتحذّر لا تُطمئن، وتخالف لا تُوافق، وتذم لا تمدح، وتُصارح لا تُصانع. أي أنها المقالات التي تبدو في ظاهرها هدّامة بينما هي في باطنها بنّاءة «في الغالب». تحضر في ذهني الآن المقالة الذائعة الصيت عالمياً: (لماذا يكرهوننا؟!) للكاتب الأميركي فريد زكريا، الذي قذف هذا السؤال الموجع في وجوه الأميركان فتحوّل عنوان مقاله ذاك إلى أيقونة استخدمها كثيرون في عناوين مقالات وأسماء كتب لهم، مع اختلاف وجهة الكراهية.
لا أقارن هنا بالطبع مقالتي بمقالة فريد زكريا العالمية، لكني أستحضر مقالة زكريا بوصفها أكبر وأفضل نموذج لدلالات ذيوع المقالة عندما تلامس قلقاً يساور الناس. وهكذا فعلت مقالتي الأسبوع الماضي حين لامست قلق انتشار ظاهرة الأخونة والتخوين لمن هبّ و دبّ .. وممن هب ودب أيضاً!
لا يغيب عن ذهني أنه ليس كل الذين قرأوا المقالة هم ممن اكتووا بالتهمة، بل أيضاً قرأها صنّاع التهم وغواة التصنيف كي يتعرفوا على المعالجات التي ستضعها المقالة لمقاومة سموم التهم فيعمدوا هم بحكم تخصصهم إلى إفشال الأمصال أو صنع تراكيب سميّة جديدة!
وبما أني ختتمت المقالة تلك بالسؤال: ما هي سبل التصدي لهذه الحملة الاستعدائية / التأليبية؟، ثم قلت إن الجواب يحتاج إلى مقال مستقل، فقد توالت ردود عديدة تُعجّل بهذا المقال المستقل الذي سيصف العلاج!
الحقيقة أني، وبعد أسبوع من التفكير، لم أجد علاجاً أفضل من ذلك الذي قلته حينها: «سأذكر سبيلاً واحداً أساسياً للكاتب والمثقف (المتهم)، هو أن لا تتوقف عن قول وكتابة رأيك بكل حرية واتزان، لأن هدف إلصاق التهمة بك هو تخوينك أو تخويفك وبالتالي إيقافك عن التعبير عن آرائك، فإذا أنت لم تتوقف فهذا يعني ببساطة أن التهمة ضدك قد فشلت، وباء الذين يوظفون الدين والوطن لمنافعهم بالخسران».
سأضيف اليوم وسيلتين للعلاج من تهمة الحزبية، إحداهما يقوم بها الكاتب وهي الاستقلالية المطلقة في التفكير والتعبير عن الرأي سواء كانت ضد من يحب أو مع من يكره. والأخرى يقوم بها القارئ وهي الاستقلالية في تحديد موقفه مما يقرأ بمعزل عن الأحكام المسبقة ضد أو مع الكاتب.
سيدرك القارئ المحايد والبريء بأن وصفتي العلاجية تلك ليست لمواجهة تهمة الإخونجية فقط، بل هي لمواجهة أي تهمة تصنيفية / تشويهية تريد إقصاءك من ساحة الرأي العامة وتفتيت قدرة آرائك على التأثير من خلال وضع ملصق (خطر ممنوع الاقتراب) عليها. ولذا سأعاود الكتابة لاحقاً بإذن الله عن مشكلة التصنيف والإقصاء في المجتمع، من كل الأطراف وليس من وجهة دون أخرى، سعياً نحو المطلب المثالي الذي أدرك أنه لن يتحقق بشكل شامل، لكن ليس هناك ما يمنع من تحقيقه بشكل جزئي، وأعني به معالجة ظاهرة التصنيف والتحزيب.
هذا بالطبع حديث يخص الأبرياء من تهم الحزبية، أما الوالغون بحق في الحزبية والفئوية والشللية فهم ليسوا بحاجة لمعرفة سبل التصدي لتهمة التحزّب، بل هم في حاجة إلى معرفة سبل العلاج من التحزّب.
.......
زياد الدريس |
الأربعاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٣
الحياة
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..