الخميس، 1 أغسطس 2013

ماذا يريد علمانيو دول الربيع العربي ؟؟

منذ زمن طويل والمعركة بين العلمانية والإسلام على أشدها في الدول العربية, تلك العلمانية التي لم تشبه من قريب أو بعيد علمانية الدول الأوربية, فرغم كل الاختلافات الفكرية والعقائدية بين الإسلام والعلمانية الغربية, إلا أنها على كل حال –أي العلمانية الغربية- كانت سببا في نشوء بعض الحريات لمواطنيها, كما أنها احتكمت للديمقراطية التي تفرزها صناديق الاقتراع في الانتخابات هناك.
وبينما تنعم الدول الغربية ببعض مكاسب علمانيتها, كانت الدول العربية ترضخ تحت حكم الديكتاتوريات, وهي تدعي كذبا وزورا بأنها دول علمانية, أو بالأصح غير إسلامية, فالمهم أن لا تصطبغ بأي صبغة إسلامية من أي نوع كان, نظرا لما يمثله الإسلام من خطر على الظلم والاستبداد الذي تمارسه وترعاه, ناهيك عن العداوة المتأصلة في نفوس الغرب الصليبي تجاه الإسلام والمسلمين.
وبعد احتقان طويل في نفوس العرب والمسلمين تجاه ظلم وقهر تلك الدول لمواطنيها قامت ثورات الربيع العربي, التي أطاحت بديكتاتوريات متجذرة في الفساد والطغيان, وكان من أنجح تلك الثورات: الثورة المصرية والتونسية, والتي دخلت فيها الأحزاب الإسلامية انتخابات برلمانية ورئاسية مع غريمها التقليدي الأحزاب العلمانية.
وبعد فوز الأحزاب الإسلامية فوزا كاسحا بأغلبية مقاعد البرلمان في كل من تونس ومصر, ثم فوز تلك الأحزاب أيضا بالانتخابات الرئاسية في كل من البلدين كذلك, جن جنون الأحزاب العلمانية, التي رأت في ذلك الفوز خطرا على الفساد الذي جذروه في تلك البلاد, كما أن بزوال ذلك الفساد يكون زوالهم وانكشاف أمرهم, فعملوا على تعطيل مسيرة البناء التي بدأها المسلمون, واستخدموا في سبيل ذلك كل الوسائل والطرق غير المشروعة, حتى كان الانقلاب الذي حصل في مصر, والذي كان من أبرز قواده وزعاماته العلمانيون بطبيعة الحال.
وبما أن الأحزاب العلمانية في الدول العربية على نفس الشاكلة, فقد وجد علمانيو تونس في الانقلاب المصري بغيتهم وأسوتهم, وهم على كل حال في وفاق تام وتبادل للأدوار مع علمانيو مصر, فكما نشأ في مصر حركة تمرد, فقد أصبح في تونس حركة تمرد أيضا, وكما أن في مصر ما يسمى بجبهة الإنقاذ, فإن في تونس جبهة للإنقاذ أيضا, وبما أن علمانيو مصر انقلبوا على الشرعية والرئيس المنتخب, فلماذا لا يفعل مثل ذلك علمانيو تونس؟؟!!
لقد تصاعدت وتيرة الهجوم على الرئيس المرزوقي المنتمي لحزب النهضة الإسلامي في تونس, بعد النقلاب على الشرعية في مصر, كما تزايدت مطالب المعارضة العلمانية هناك باستقالة الحكومة, وخاصة بعد مقتل المعارض محمد البراهمي يوم الخميس الماضي أمام منزله بتونس العاصمة, كما تظاهر الآلاف أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) للمطالبة بحله وإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني, ورددوا شعارات مناهضة ومعادية لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
وقد أعلن رئيس الوزراء التونسي علي العريض أن الانتخابات العامة ستجري يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل, ورفض الدعوات لاستقالة الحكومة التي تنادي بها المعارضة، متهما إياها بمحاولة الانقضاض على الحكم والدفع بالبلد إلى المجهول.
كما لوّح العريض في كملة بثها التلفزيون التونسي باستفتاء الشارع التونسي حول بقاء حكومته أو رحيلها، قائلا: إن الحكومة ستواصل أداء واجبها، فنحن لدينا واجب، وعندما نتحمل المسؤولية نتحملها إلى الآخر.
وكما وضعت العراقيل وافتعلت الأزمات من قبل العلمانية في مصر في وجه الرئيس المعزول مرسي وحكومته, كمشكلة الجنود المختطفين في سيناء وزيادة وتيرة العنف هناك, إضافة إلى المشاكل الداخلية المتمثلة بالأزمة الاقتصادية, وافتعال أزمات الكهرباء والوقود وغيرها, فإن نفس الأسلوب والسيناريو يتبع في تونس.
فقد تصاعدت الدعوات في تونس لحل الحكومة بعد انضمام الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب التكتل المنتمي للترويكا الحاكمة إلى المنادين برحيل الحكومة التي تقودها حركة النهضة، وذلك بعد عودة شبح ما يسمى (الإرهاب) مجددا كما يقولون, إثر مقتل تسعة جنود أمس في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
فقد أوضحت مصادر طبية ورسمية أن سبعة جنود من طلائع الجيش التونسي قتلوا بالرصاص, فيما قتل اثنان آخران ذبحا, إضافة لثلاثة آخرين أصيبوا بجروح في انفجار لغم أثناء عبور سيارتهم المتجهة لدعم زملائهم, وأكدت المصادر أن المهاجمين استولوا على الأسلحة والأزياء العسكرية للضحايا.
وهذه أعلى حصيلة من القتلى يتكبدها الجيش التونسي خلال مواجهات مع مسلحين منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ومع أن أعمال العنف والإرهاب كانت تقع وبكثرة أيام الحكم السابق في الدولتين, دون أن يؤدي حتى لاستقالة وزير أو محافظ أو حتى موظف عادي, إلا أنه وفي ظل الحكومة الإسلامية لا بد من تستقيل الحكومة بأكملها, بل والرئيس المنتخب أيضا.
ومع أن الرئيس التونسي المنصف المروزوقي أكد بأن بلاده مستهدفة في نظامها السياسي وفي ثورتها, وفي نمط عيش شعبها وفي إسلامها ودينها وطريقتها في التعامل مع هذا الإسلام المعتدل الذي تربينا كلنا في أحضانه, داعيا الشعب التونسي بما فيه المعارضة للحوار والوحدة لمواجهة ما سماه الإرهاب, إلا أن عدم الاستجابة من قبل المعارضة العلمانية كان هو الرد.
لقد بدت الخطة واضحة ومكشوفة ومفضوحة, فالأمر لا يتعلق بالانتخابات والديمقراطية والأغلبية, بل بالبلطجية والقوة والديكتاتورية, فالديمقراطية في الدول العربية مسموحة لجميع الأحزاب ما عدا الأحزاب الإسلامية, فإذا ما حدث ونالت تلك الأحزاب بالصندوق والانتخابات النزيهة غالبية الأصوات, فسحقا لتلك الصناديق حينها, ولنستدع العسكر والجن الأزرق والأحمر لطرد تلك الأحزاب من سدة الحكم, بل ولطردها من الحياة السياسية والعادية, ولنرم بها إلى المقابر والمعتقلات, حتى لو كان البديل هو عودة ديكتاتورية أسوأ من تلك التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي.
هذا هو باختصار ما يريده علمانيو الدول العربية!!

  مركز التأصيل للدراسات والبحوث
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..