الأربعاء، 21 أغسطس 2013

صراع على السلطة.. وليس على الإسلام

أريد أن أقول إنه لا بد من التفريق بين موقفين متوازيين، فالبحث عن التعاطف معك كمظلوم في بعض

المواقف لا يعني تبرئتك من الخطأ الذي أدى إلى ظلمك، وإدانة من يتورط في الدم لا يعني أنك بريء من دفعه إلى الصدام والدم،

فنحن نستنكر مسار الدم الحالي وندين المتورطين فيه أيًا كانوا، ونطالب بلجان قضائية على مستوى عالٍ للتحقيق في ذلك كله، وعلى من يستهتر بالدم إدراك أن الزمان تغير وأن أحدًا لن يفلت من الحساب، فالقانونان: المحلي والدولي، لا يسقطان مثل تلك الجرائم بالتقادم،

ولكننا بالمقابل لا يمكن أن نبرئ الإخوان من المسؤولية عن دفع مسارات الأحداث لهذا الصدام الدموي، ولا يمكن أن نبرئ القيادة الفاشلة والجاهلة والعقيمة للجماعة من التورط في العنف وتوريط البلد كله فيه بفعل سوء إدارتها للأزمة، بل وشراكتها الكاملة في صناعة الأزمة، ثم إدارة الصراع السياسي وفق منطق الصراع الصفري، أن يحصل على كل شيء أو لا شيء، أن يعود للحكم بكل مكاسبه أو يحرق البلد من بعده، لأن منطق الصراع الصفري في السياسة يعني إبادة طرف للطرف الآخر، بدلاً من أن يحقق كل طرف بعض مصالحه ويترك للطرف الآخر بعضًا من المكاسب،
وقد حذرنا من هذا المنطق مرارًا وتكرارًا على مدار الأشهر الماضية، وكل من يتابع هذه الزاوية يذكر ذلك جيدًا، وكان واضحًا منذ يوم 3 يوليو الماضي أن مصر دخلت في صراع سلطة صريح، وكل طرف لن يقبل بكسر إرادته، وفي صراعات السلطة التي تغيب فيها ثقافة ديمقراطية ومؤسسية راسخة تكون كل المسارات مطروحة بما فيها مسار الدم، ولن يتعفف أي طرف عن استخدامه إذا اضطر إليه، وعادة لا يوجد صراع سلطة بدون مسار الدم، حتى لو كان الصراع بين أهل الدين نفسه، والتاريخ شاهد، ولن يعدم أي طرف من الطرفين صناعة المبرر الوطني أو الأخلاقي أو الديني لموقفه في ذلك الصراع الدموي،
ولقد حاول الإخوان مبكرًا استخدام الدين بصورة غير لائقة في هذا الصراع، عندما صوروا للداخل والخارج أن ما حدث عدوان على الإسلام والمسلمين، وأن الإطاحة بهم من السلطة هي حرب على الإسلام، وتلك متاجرة رخيصة بالإسلام، ويكفيك بسهولة أن ترى على الطرف الآخر مؤسسات وأحزابًا ورموزًا إسلامية تؤيد ما حدث وتعتبره إنقاذًا للبلد وترفض موقف الإخوان، والجماعة فعلت ذلك لتعزيز موقفها السياسي أمام خصومها، والدين له هيبة وقوة دفع هائلة في أوساط شعوبنا،
لكن الحقيقة أن ما حدث هو صراع سلطة بين تنظيم الإخوان الذي فقد كرسي الحكم في مصر وبين السلطة الجديدة التي يتصدرها الجيش، وسبق ونبهت أن الإخوان تسحب التيار الإسلامي بكامله في مصر إلى محرقة مروعة، هم يستخدمونهم الآن كوقود حرب للضغط على الطرف الآخر في الصراع من أجل أن ينتزع منه أكبر قدر من المكاسب السياسية للتنظيم والجماعة، وكان كل حديث لهم عن أن "جهادهم" هو من أجل الشرعية والمبادئ وليس من أجل مرسي والإخوان، محض وهم وتغطية على طبيعة الصراع وأهدافه، ولو كانت هذه الانتفاضة الشعبية التي وقعت في 30 يونيه والتي انحاز لها الجيش حدثت ضد محمد البرادعي مثلاً وهو رئيس منتخب أو الفريق شفيق وأطاحت به، لما حرك الإخوان متظاهرًا واحدًا من أجل قضيته أو من أجل المبادئ، بل ربما كانت حشود الإخوان تجتمع في ميدان التحرير لتبارك خطوة الجيش بإنقاذ مصر من العلمانية والفلول.
الخطير الآن أن الإخوان يعيدون تعبئة الوطن بمشاعر العنف والغضب والانفجار، ويشحنون صدور الشباب بنداءات الثأر والدم ويصنعون مظلومية جديدة، ستحدد مسار قطاع واسع من الجيل الجديد من الإسلاميين لسنوات مقبلة، كما فعلوا من قبل عندما صنعوا ميراثًا أدبيًا وفكريًا من الكراهية والعنف والدم والعذابات عن صدامهم مع عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات أنتجت بعد ذلك سلسلة لم تنته من التنظيمات والجماعات التي تحمل السلاح وترى العنف سبيلاً وحيدًا لخدمة الدين، وترى الدولة عدوًا للدين وللمشروع الإسلامي، وأن مكان الحركة الإسلامية خارج بنية الدولة وخارج أي إطار قانوني أو دستوري لها، وها هم يعيدون إنتاج نفس الميراث بعد أن أوشكت بنية الحركة الإسلامية أن تتعافى منه،
ولذلك أحذر من خطورة توجهات الجماعة الحالية وتلاعبها بمشاعر وعواطف الإسلاميين، وخطورة بقاء هذه القيادات الفاشلة والجاهلة التي تأبى الاعتراف بأخطائها بل خطيئتها في حق الإسلام والمشروع الإسلامي والوطن كله، لأنها ستجني على أجيال بكاملها مقبلة من أبناء التيار الإسلامي، وبدلاً من أن يكونوا شركاء في بناء وطن جديد، مع الصبر على أي أخطاء أو مظالم أو انتكاسات سياسية أو خسائر محدودة، سيكونون ضحية صدام عبثي مروع مع الجيش والشرطة يتمناه كثير من خصومهم "الحقيقيين" لكي ينتهوا من وجود هذا التيار الشعبي القوي والحاسم في أي انتخابات أو أي تجربة ديمقراطية مقبلة.. وللحديث بقية.


جمال سلطان

_

الثلاثاء 13 شوال 1434هـ - 20 أغسطس 2013م
______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..