المشرفُ التربوي يعمل في ميدان فسيح ومتشابك، ويرتبط بإدارات وبيئات مختلفة، ولكل واحدةٍ منها
تكاليفُ ومهامُّ قد تصل إلى حدِّ التناقض في بعض الأحيان، وهو مع ذلك مسؤول عن تطويرِ الميدان التربوي، ومكلَّفٌ بعلاج حالات القصور، وهنالك مشاريعُ وَزَارية يُطلب منه تنفيذُها.
يُضاف لهذا أنه يجب أن يبنيَ علاقات إيجابية مباشرة مع الميدان التربوي من جهة، ومع مسؤولي التربية من جهة أخرى، وأن يكونَ حلقة وصلٍ فيما بين الطرفين، مع حاجته المستمرة في ذات الوقت لتنمية ذاته، وتطوير مستوى أدائه؛ ليكون أهلاً للمسؤولية المنوطة به؛ كل ذلك جعَل أمامه عقباتٍ يحتاج إلى التخطيط لتجاوزها، كما أن لديه فُرَصًا للعمل والتأثير يجدر به أن يعرِفَها.
فرأيت في هذه الورقة أن أذكر المعوِّقات؛ حتى يتعرَّف عليها العاملون في الميدان التربوي من معلِّمين ومديرين، ويُهِمُّني من جهة أخرى متخذو القرار، ومسؤولو التربية؛ ليكون لهم دورٌ فاعل في تذليل العَقَبات التي تنشأ عن بعض الأنظمة، أو الازدواجية بين الإدارات المختلفة.
كما أحببت أيضًا أن أذكِّرَ زملائي المشرفين بالفرص المتاحة بين أيديهم لقيادة التأثير في الميدان التربوي، والله الموفق.
أولاً: المعوِّقات:
1- زيادة النِّصاب المقرَّر للمشرف التربوي من المدارس والمعلمين؛ حيث تكون زيادتهم سببًا في تقليل الأثر المطلوب إحداثُه لتطويرهم.
2- كثرة الأعباء والتكليفات الإدارية التي تستهلك أكثرَ وقت المشرف، وتطغى في أحيان كثيرة على مهمته الأساسية.
3- عدم وجود التدريب والتطوير المناسب للمشرف التربوي، وغالب البرامج التدريبية التي تُقدَّم له هو من يبحثُ عنها ويتابع التسجيلَ فيها، ثم إن أكثرَها إما لا يناسب محتواها مهامَّه، أو تأتي متأخرة فاتت قيمتُها وهدفها للتقادم الزمني؛ كمثل دورة الإشراف التي تأتي غالبًا بعد سنوات من عملِه في الميدان؛ مما يُقلل كثيرًا من قيمتها.
4- انعدام المخصصات المالية للأساليب الإشرافية التي يُطالب بها المشرف؛ مما يعيق تنفيذَها في أكثر الأحيان.
5- عدم وجود أي صلاحياتٍ للمشرف التربوي يُضعف من دوره المنوط به وأثره على الميدان.
6- ضعف المستوى العلمي والفني والتربوي لكثيرٍ من المعلمين، نتيجة ضعف تأهليهم الجامعي، وخاصة المعيَّنين حديثًا - يُلقي بظلال كثيفة على مهامِّ المشرف التربوي، لا سيما مع ربطِ ذلك مع النِّقاطِ السابقة.
7- غياب الدور الإشرافي لمدير المدرسة، مع ضعفِ تأهيل بعض المديرين والوكلاء، إضافة لكثرة أعبائهم - يزيدُ في مساحة الضعف الموجود لدى بعض المعلِّمين الذين يحتاجون لمتابعة مستمرة، يَعجِزُ المشرفُ عن القيام بها في ضوء تباعد مواعيد زياراته لهم.
8- النظرة السلبية للإشراف التربوي عند بعض المعلِّمين والمديرين، وأنه مفتش يتصيَّد أخطاءهم - تُسهم في تعويق بناء علاقة إيجابية؛ مما يزيد العبءَ على المشرف التربوي، ويحتاج معها إلى بذلِ المزيد من الجهد لبناء علاقات إيجابية معهم قبل الشروع في تطوير أدائهم، لا سيما مع أن أكثرَهم في الغالب راضون عن مستواهم، ويتوقَّعون أن أداءَهم لا يحتاجُ إلى تطوير.
9- يرتبط بما سبق عدمُ وضوح صورة الإشراف التربوي ورسالته ودوره الحقيقي عند بعض المعلِّمين والمديرين، وأسوأ من ذلك عدمُ وضوحها عند كثير من مسؤولي التربية حين لا يدركون رسالة الإشراف ودوره في الميدان بصورة سليمة؛ مما ينعكسُ على الميدان وعلى متَّخذي القرار.
10- نتيجة لما سبق، فلا تعجَبْ من انتشار مشاعر القلق والتوتر في المدرسة نتيجة زيارة المشرف التربوي لها ووجوده فيها، ولا يكاد يخرج حتى يتنفسوا الصُّعداء وكأنهم أفاقوا من كابوس ثقيل! فهل تتوقَّعُ في مثل هذه الحالة أن يتجاوبوا مع نصائحه بطريقة فاعلة؟
11- مع كل ما سبق من معوِّقات، يجب ألا نُعفي المشرفَ التربوي من المسؤولية؛ حيث نجدُ بعضهم لا يحاول تطوير مستوى أدائه؛ فكل ما ألقاه لهم في زيارته سبَق أن تناوله في العام السابق والذي قبله؛ هنا نفتقد في البعض روحَ التطوير وتنمية الذات معرفيًّا؛ من خلال الاطلاع على خبرات حديثة، واكتساب مهارات جديدة، واستحداث أساليب متنوعة، مع ملاحظة مَن حوله عدمَ وجود أي تطور ذي بالٍ في شخصيته.
12- سلبية بعض المشرفين التربويين - وهم قلة - فلا يقومون بأي عمل ما لم يتمَّ تكليفُهم به رسميًّا، وكأنهم يجهلون رسالة المشرف التربوي ودوره، نعم قد يكون بعضُ هؤلاء تعرَّضوا لصدمات؛ بسبب الإحباط المتكرر لمحاولاتهم السابقة للتطوير، واصطدامهم بعقبات البيروقراطية والأنظمة الإدارية من المسؤولين فوقهم.
لكن، ما ذنب الطلاب والمعلمين والمديرين ممن تحت أيديهم في ذلك؟!
وهنا تحضرني كلمة جميلة لبعض السلف حيث يقول:
"مَن عمِل بالعافية فيمَن دونه، أُعطي العافيةَ ممَّن فوقه".
ثانيًا: الفرص:
إن كنا استطعنا أن نحصر بعض المعوقات فيما سبق؛ فذلك لتشابه النظام المدرسي في بنائه وطريقة تشكيلِه وأنظمته.
لكننا عند الحديث عن الفرص سنجد أنها بحجم السماء؛ لتعدُّدها وكثرتها، واختلافها وتنوعها؛ فهي ألوان وأشكال ينتقي كلٌّ ما يناسب البيئة التي يعمل فيها، ويتفق مع ذائقتِه التربوية ومهامِّه الرسمية.
ولن أستطيع حصر الفرص المتاحة للمشرف التربوي لتنمية ذاته ومساهمته في تطوير الميدان التربوي؛ لأنها تختلف من مشرفٍ إلى آخر بحسب تخصصه، وظروف البيئة التي يتعامل معها، وطبيعة شخصيته وإمكاناته المادية والنظامية، ونوع المهمة المطلوبة منه وظيفيًّا.
ولهذا كله؛ فإني سأذكر ما يشبه الكلياتِ والقواعدَ العامة التي تتعلق ببنيته الفكرية وفلسفته الحياتية، وتساعدُه على اكتشاف ذاته أولاً والتركيز عليها؛ لأنها هي محورُ التغيير والتطوير، وكل جهد يبذلُه في هذا المجال فسينعكس على الميدان التربوي - لا محالة - إنْ عاجلاً أو آجلاً، فحيَّهَلا بك أخي المشرف التربوي الفاضل:
1- قال ربنا - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، أخي الفاضل، عِشْ أجواء هذه الآية بقلبك وفِكرك وحياتك، وتأمَّل فيها، وتفكَّر في دلالاتها كثيرًا، وتساءَلْ عن دورك، ولا تقنَعْ بما عندك، ولا تُحسِنِ الظنَّ بعلمِك وخبرتك كثيرًا؛ فإن اللهَ لم يأمُرْ بطلب الزيادة سوى في العلم: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
2- كن أنت التغيير الذي تريدُ أن تراه في العالم، عبارة ملهمةٌ، أليس كذلك؟
حسنًا دَعْنا نعدِّلْ فيها قليلاً؛ لتتناسبَ مع موضوعنا، ولتكنْ صياغتها على الشكل التالي:
(كن أنت التغييرَ الذي تُريده في التعليمِ).
حاول وستصل، ومهما كان أثرُك ضعيفًا - في نظرك - إلا أنه سيكون مؤثِّرًا في الآخرين بشكلٍ لم يخطُرْ على بالك.
3- ((لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، حديث شريف من أحاديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وهو من أهمِّ قواعد الأخوَّة الإسلامية، لا تستغني عنه في عملك، والحب من أقوى دوافعِ طلبِ الخير للمحبوب؛ فمارِسْ دورَك مع الطلاب والمعلمين والمديرين من منطلق حب الخيرِ لهم، أليسوا إخوانك؟
4- ((وليأتِ إلى الناس الذي يحبُّ أن يأتوه إليه))، هذه من أعظم قواعد السلوك الاجتماعي التي وضَعها لنا نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - ولو عمِلْنا بها جميعًا، لخفَّتْ أكثرُ المشكلات والشرور التي نعاني منها في علاقاتنا الاجتماعية والسلوك العام، قبل أن تتخذَ أي قرار أو إجراء ضَعْ نفسَك مكانهم؛ لقياس الأثرِ النفسي.
5- ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، استحضِرْ هذه القاعدةَ الربانية التي بيَّنها لنا ربُّنا - تبارك وتعالى - وجعَلها مناط التكليف، اعمَلْ بها مع معلِّميك ومدارسك، ودرِّب معلِّميك على معاملة طلابهم وَفْقَها؛ لمراعاة الفروق الفردية فيما بينهم.
6- "قديمُك جديدُ غيرك":
هذه عبارةٌ يستخدمها أصحابُ إعلانات الأثاث المستعمل، وأولى الناسِ بها هم التربويُّون؛ إذ إن كل معلومة لديك مهما كانت قديمةً أو ترى أنها بسيطة، فإنها لدى المعلمين الجدد تعتبر كشفًا جديدًا يضاهي اكتشاف قارة جديدة من قارات التربية والتعليم، وقد تُغيِّرُ مسارَ حياتهم وسلوكهم.
فلا تحقرَنَّ من عِلمك شيئًا أن تقدِّمَه للميدان التربوي، وتذكر أنك المستفيد الأول؛ إذ إنك بهذا تثبِّت معلومات، وتزيد من حافظتك العلمية، وتظهر لك في كل مرة صورٌ جديدة للفكرة قد تطوِّرُها بشكل أفضل، فتقدمها إلى آخرين بشكل مختلف، وتتداعى لك معانٍ جديدةٌ كل مرة.
7- الناقد لا يحبُّه أحد:
هذا جزء من مشكلتك مع الميدان التربوي؛ إذ يظنون أنك لا تُحسِن سوى النقد، والناقد لا يتمتع بمحبة الآخرين؛ وذلك لأن عينَ الناقد بصيرة تقع على مواطن الخطأ الذي يحاولون إخفاءه، لكن المشرف العاقل يحاول أن يحوِّل الخطأ إلى صواب، ولا يعمد إلى التصريح ما دام التلميح ممكنًا، وتذكَّرْ أن النقد عملية سهلة يُحسِنُها كل أحد، لكن العملَ على تصحيح الأخطاء وتجاوزها هو مهمة المربِّي.
8- التشجيع.. التشجيع.. التشجيع:
ألا تؤثر فيك كلماتٌ مثل: "أحسنت..
نشكُر جهدك..
لقد كنتَ رائعًا اليوم..
لقد استفَدْنا منك يا أستاذ.."؟
حسنًا فما دمتَ جرَّبْتَ أثرَها عليك، فلتكنْ كلمات التشجيع هي عصاك السحريةَ التي لا تمَلُّ من استخدامِها بشكل دائم مع الطلاب والمعلِّمين والمديرين؛ لحفزهم على التقدُّم والتميز.
واستخدِمْها بذكاءٍ وبمقدار يتناسب مع الجهد المبذول أمامك، حتى المُخفق والراسب اجعَلْ من رسوبِه مناسبةً لتشجيعه على تعويض ما فاته.
9- تعرَّف على أسباب نجاحِ العظماء:
ما دمنا نبحث عن التميُّز والنجاح، فإني سأهديك أهمَّ أسبابه؛ إذ تتبَّعْتُ سِيرَ العظماء الناجحين، ووجدت أنهم على اختلافهم يشتركون في الصفات التالية:
• وضوح الهدف.
• الإتقان (التدريب المستمر).
• الصبر والمداومة (على تحقيق أهدافهم).
• حرصهم على نفع الآخرين.
فهل تُراك منهم؟
هنيئًا لك التشبُّه بالناجحين..
10- "مع المحبرة إلى المقبرة" كلمة رائعة قالها الإمام أحمد مع كِبَر سنه، وبلوغه في العلم أعلى المراتب، لما سأله أحدهم وقد رآه حاملاً محبرتَه يقصد مجلسًا لطلب العلم، فسأله: إلى متى تطلُبُ العلم وأنت قد بلَغْتَ أعلى مراتبِه مع كِبَر سِنِّك؟! فأجابه: "مع المحبرة إلى المقبرة".
هذه الحالة النفسية التي ينبغي لكلٍّ منا أن يستصحبَها كلما شعَر بكفايته العلمية؛ حتى لا يتوقَّف عند حدٍّ معين، لا سيما والمشرف التربوي يُنتظَر منه أن يزوِّد الميدانَ التربويَّ بخبرات جديدة كل يوم.
11- الثبات.. الثبات:
من أخصِّ صفات المربي أن يكون ثابتًا على مبادئه وقِيَمِه، لا يتنازل عنها ولا يبدِّلها كل يوم، خاصة مَن تجاوز الأربعين من عمره؛ إذ هي مرحلةُ اكتمال فلسفته في الحياة ونظريته التربوية.
إن كثرةَ التذبذب والتردد بين المواقف المختلفة والمتعاكسة يوحي بخواءِ صاحبها، ويُلغي قيمةَ القدوة التربوية.
فكنْ ذا مبادئَ وقِيَم، واحرِص على الالتزام بها؛ ليقتنعَ بك الآخرون، ويتقبَّلوا ما تقومُ به وتقوله لهم.
وتذكَّر أن من أهمِّ المبادئ أن الرجوعَ إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل؛ فإذا استبان لك الحقُّ، فاتَّبِعْه واعتذِرْ عن خطئِك في حقِّ الآخرين، وليكُنْ لديك من الشجاعة الأدبية ما يُعينك على ذلك.
12- تشرَّب رسالتَك وعِشْها:
هل لديك رسالة في الحياة؟
هل تشعر أن عملك مشرفًا تربويًّا يُسهِم في تحقيقها؟
إذًا تشرَّبْ رسالتَك جيدًا، وعِشْها بما تستحقه من جهد، ثم اسقِها للآخرين صفوًا سلسبيلاً.
وتذكَّر أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا تأمُرِ الآخرين بأن يكونوا قدواتٍ وأنت غير ذلك.. ولا تطالِبْهم بالإخلاص وأنت بعيدٌ عنه! فإن فعلتَ فكأنما ترفع صوتك بين جبلينِ، ثم لا يعود إليك إلا صدى صوتك فقط.
أخي القارئ الكريم، تلك كانت بعضَ الفرص التي تراءت لي في عمل المشرف التربوي، وأنا على يقين أن لدى كلِّ مشرف تربوي أفضلَ وأجمل منها؛ لأن الفرص - كما قلتُ من قبل - بحجم السماء، وكل متأمل فيها يخرج بمنظر آخر بحسب مكانه وجودة نظره، وفوق كلِّ ذي علم عليم.
[1] للتوسع راجع:
• كتاب القيادة التربوية للإشراف التربوي؛ للأستاذ/ جمال إبراهيم القرش.
• تطبيقات في الإشراف التربوي؛ د. أحمد عايش.
• المدير المتميز خطوات عملية لمدير المدرسة؛ خالد محمد الشهري.
•المعلم الناجح: دليل عملي للمعلم؛ خالد محمد الشهري.
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
تكاليفُ ومهامُّ قد تصل إلى حدِّ التناقض في بعض الأحيان، وهو مع ذلك مسؤول عن تطويرِ الميدان التربوي، ومكلَّفٌ بعلاج حالات القصور، وهنالك مشاريعُ وَزَارية يُطلب منه تنفيذُها.
يُضاف لهذا أنه يجب أن يبنيَ علاقات إيجابية مباشرة مع الميدان التربوي من جهة، ومع مسؤولي التربية من جهة أخرى، وأن يكونَ حلقة وصلٍ فيما بين الطرفين، مع حاجته المستمرة في ذات الوقت لتنمية ذاته، وتطوير مستوى أدائه؛ ليكون أهلاً للمسؤولية المنوطة به؛ كل ذلك جعَل أمامه عقباتٍ يحتاج إلى التخطيط لتجاوزها، كما أن لديه فُرَصًا للعمل والتأثير يجدر به أن يعرِفَها.
فرأيت في هذه الورقة أن أذكر المعوِّقات؛ حتى يتعرَّف عليها العاملون في الميدان التربوي من معلِّمين ومديرين، ويُهِمُّني من جهة أخرى متخذو القرار، ومسؤولو التربية؛ ليكون لهم دورٌ فاعل في تذليل العَقَبات التي تنشأ عن بعض الأنظمة، أو الازدواجية بين الإدارات المختلفة.
كما أحببت أيضًا أن أذكِّرَ زملائي المشرفين بالفرص المتاحة بين أيديهم لقيادة التأثير في الميدان التربوي، والله الموفق.
أولاً: المعوِّقات:
1- زيادة النِّصاب المقرَّر للمشرف التربوي من المدارس والمعلمين؛ حيث تكون زيادتهم سببًا في تقليل الأثر المطلوب إحداثُه لتطويرهم.
2- كثرة الأعباء والتكليفات الإدارية التي تستهلك أكثرَ وقت المشرف، وتطغى في أحيان كثيرة على مهمته الأساسية.
3- عدم وجود التدريب والتطوير المناسب للمشرف التربوي، وغالب البرامج التدريبية التي تُقدَّم له هو من يبحثُ عنها ويتابع التسجيلَ فيها، ثم إن أكثرَها إما لا يناسب محتواها مهامَّه، أو تأتي متأخرة فاتت قيمتُها وهدفها للتقادم الزمني؛ كمثل دورة الإشراف التي تأتي غالبًا بعد سنوات من عملِه في الميدان؛ مما يُقلل كثيرًا من قيمتها.
4- انعدام المخصصات المالية للأساليب الإشرافية التي يُطالب بها المشرف؛ مما يعيق تنفيذَها في أكثر الأحيان.
5- عدم وجود أي صلاحياتٍ للمشرف التربوي يُضعف من دوره المنوط به وأثره على الميدان.
6- ضعف المستوى العلمي والفني والتربوي لكثيرٍ من المعلمين، نتيجة ضعف تأهليهم الجامعي، وخاصة المعيَّنين حديثًا - يُلقي بظلال كثيفة على مهامِّ المشرف التربوي، لا سيما مع ربطِ ذلك مع النِّقاطِ السابقة.
7- غياب الدور الإشرافي لمدير المدرسة، مع ضعفِ تأهيل بعض المديرين والوكلاء، إضافة لكثرة أعبائهم - يزيدُ في مساحة الضعف الموجود لدى بعض المعلِّمين الذين يحتاجون لمتابعة مستمرة، يَعجِزُ المشرفُ عن القيام بها في ضوء تباعد مواعيد زياراته لهم.
8- النظرة السلبية للإشراف التربوي عند بعض المعلِّمين والمديرين، وأنه مفتش يتصيَّد أخطاءهم - تُسهم في تعويق بناء علاقة إيجابية؛ مما يزيد العبءَ على المشرف التربوي، ويحتاج معها إلى بذلِ المزيد من الجهد لبناء علاقات إيجابية معهم قبل الشروع في تطوير أدائهم، لا سيما مع أن أكثرَهم في الغالب راضون عن مستواهم، ويتوقَّعون أن أداءَهم لا يحتاجُ إلى تطوير.
9- يرتبط بما سبق عدمُ وضوح صورة الإشراف التربوي ورسالته ودوره الحقيقي عند بعض المعلِّمين والمديرين، وأسوأ من ذلك عدمُ وضوحها عند كثير من مسؤولي التربية حين لا يدركون رسالة الإشراف ودوره في الميدان بصورة سليمة؛ مما ينعكسُ على الميدان وعلى متَّخذي القرار.
10- نتيجة لما سبق، فلا تعجَبْ من انتشار مشاعر القلق والتوتر في المدرسة نتيجة زيارة المشرف التربوي لها ووجوده فيها، ولا يكاد يخرج حتى يتنفسوا الصُّعداء وكأنهم أفاقوا من كابوس ثقيل! فهل تتوقَّعُ في مثل هذه الحالة أن يتجاوبوا مع نصائحه بطريقة فاعلة؟
11- مع كل ما سبق من معوِّقات، يجب ألا نُعفي المشرفَ التربوي من المسؤولية؛ حيث نجدُ بعضهم لا يحاول تطوير مستوى أدائه؛ فكل ما ألقاه لهم في زيارته سبَق أن تناوله في العام السابق والذي قبله؛ هنا نفتقد في البعض روحَ التطوير وتنمية الذات معرفيًّا؛ من خلال الاطلاع على خبرات حديثة، واكتساب مهارات جديدة، واستحداث أساليب متنوعة، مع ملاحظة مَن حوله عدمَ وجود أي تطور ذي بالٍ في شخصيته.
12- سلبية بعض المشرفين التربويين - وهم قلة - فلا يقومون بأي عمل ما لم يتمَّ تكليفُهم به رسميًّا، وكأنهم يجهلون رسالة المشرف التربوي ودوره، نعم قد يكون بعضُ هؤلاء تعرَّضوا لصدمات؛ بسبب الإحباط المتكرر لمحاولاتهم السابقة للتطوير، واصطدامهم بعقبات البيروقراطية والأنظمة الإدارية من المسؤولين فوقهم.
لكن، ما ذنب الطلاب والمعلمين والمديرين ممن تحت أيديهم في ذلك؟!
وهنا تحضرني كلمة جميلة لبعض السلف حيث يقول:
"مَن عمِل بالعافية فيمَن دونه، أُعطي العافيةَ ممَّن فوقه".
ثانيًا: الفرص:
إن كنا استطعنا أن نحصر بعض المعوقات فيما سبق؛ فذلك لتشابه النظام المدرسي في بنائه وطريقة تشكيلِه وأنظمته.
لكننا عند الحديث عن الفرص سنجد أنها بحجم السماء؛ لتعدُّدها وكثرتها، واختلافها وتنوعها؛ فهي ألوان وأشكال ينتقي كلٌّ ما يناسب البيئة التي يعمل فيها، ويتفق مع ذائقتِه التربوية ومهامِّه الرسمية.
ولن أستطيع حصر الفرص المتاحة للمشرف التربوي لتنمية ذاته ومساهمته في تطوير الميدان التربوي؛ لأنها تختلف من مشرفٍ إلى آخر بحسب تخصصه، وظروف البيئة التي يتعامل معها، وطبيعة شخصيته وإمكاناته المادية والنظامية، ونوع المهمة المطلوبة منه وظيفيًّا.
ولهذا كله؛ فإني سأذكر ما يشبه الكلياتِ والقواعدَ العامة التي تتعلق ببنيته الفكرية وفلسفته الحياتية، وتساعدُه على اكتشاف ذاته أولاً والتركيز عليها؛ لأنها هي محورُ التغيير والتطوير، وكل جهد يبذلُه في هذا المجال فسينعكس على الميدان التربوي - لا محالة - إنْ عاجلاً أو آجلاً، فحيَّهَلا بك أخي المشرف التربوي الفاضل:
1- قال ربنا - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، أخي الفاضل، عِشْ أجواء هذه الآية بقلبك وفِكرك وحياتك، وتأمَّل فيها، وتفكَّر في دلالاتها كثيرًا، وتساءَلْ عن دورك، ولا تقنَعْ بما عندك، ولا تُحسِنِ الظنَّ بعلمِك وخبرتك كثيرًا؛ فإن اللهَ لم يأمُرْ بطلب الزيادة سوى في العلم: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
2- كن أنت التغيير الذي تريدُ أن تراه في العالم، عبارة ملهمةٌ، أليس كذلك؟
حسنًا دَعْنا نعدِّلْ فيها قليلاً؛ لتتناسبَ مع موضوعنا، ولتكنْ صياغتها على الشكل التالي:
(كن أنت التغييرَ الذي تُريده في التعليمِ).
حاول وستصل، ومهما كان أثرُك ضعيفًا - في نظرك - إلا أنه سيكون مؤثِّرًا في الآخرين بشكلٍ لم يخطُرْ على بالك.
3- ((لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، حديث شريف من أحاديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وهو من أهمِّ قواعد الأخوَّة الإسلامية، لا تستغني عنه في عملك، والحب من أقوى دوافعِ طلبِ الخير للمحبوب؛ فمارِسْ دورَك مع الطلاب والمعلمين والمديرين من منطلق حب الخيرِ لهم، أليسوا إخوانك؟
4- ((وليأتِ إلى الناس الذي يحبُّ أن يأتوه إليه))، هذه من أعظم قواعد السلوك الاجتماعي التي وضَعها لنا نبيُّنا - عليه الصلاة والسلام - ولو عمِلْنا بها جميعًا، لخفَّتْ أكثرُ المشكلات والشرور التي نعاني منها في علاقاتنا الاجتماعية والسلوك العام، قبل أن تتخذَ أي قرار أو إجراء ضَعْ نفسَك مكانهم؛ لقياس الأثرِ النفسي.
5- ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، استحضِرْ هذه القاعدةَ الربانية التي بيَّنها لنا ربُّنا - تبارك وتعالى - وجعَلها مناط التكليف، اعمَلْ بها مع معلِّميك ومدارسك، ودرِّب معلِّميك على معاملة طلابهم وَفْقَها؛ لمراعاة الفروق الفردية فيما بينهم.
6- "قديمُك جديدُ غيرك":
هذه عبارةٌ يستخدمها أصحابُ إعلانات الأثاث المستعمل، وأولى الناسِ بها هم التربويُّون؛ إذ إن كل معلومة لديك مهما كانت قديمةً أو ترى أنها بسيطة، فإنها لدى المعلمين الجدد تعتبر كشفًا جديدًا يضاهي اكتشاف قارة جديدة من قارات التربية والتعليم، وقد تُغيِّرُ مسارَ حياتهم وسلوكهم.
فلا تحقرَنَّ من عِلمك شيئًا أن تقدِّمَه للميدان التربوي، وتذكر أنك المستفيد الأول؛ إذ إنك بهذا تثبِّت معلومات، وتزيد من حافظتك العلمية، وتظهر لك في كل مرة صورٌ جديدة للفكرة قد تطوِّرُها بشكل أفضل، فتقدمها إلى آخرين بشكل مختلف، وتتداعى لك معانٍ جديدةٌ كل مرة.
7- الناقد لا يحبُّه أحد:
هذا جزء من مشكلتك مع الميدان التربوي؛ إذ يظنون أنك لا تُحسِن سوى النقد، والناقد لا يتمتع بمحبة الآخرين؛ وذلك لأن عينَ الناقد بصيرة تقع على مواطن الخطأ الذي يحاولون إخفاءه، لكن المشرف العاقل يحاول أن يحوِّل الخطأ إلى صواب، ولا يعمد إلى التصريح ما دام التلميح ممكنًا، وتذكَّرْ أن النقد عملية سهلة يُحسِنُها كل أحد، لكن العملَ على تصحيح الأخطاء وتجاوزها هو مهمة المربِّي.
8- التشجيع.. التشجيع.. التشجيع:
ألا تؤثر فيك كلماتٌ مثل: "أحسنت..
نشكُر جهدك..
لقد كنتَ رائعًا اليوم..
لقد استفَدْنا منك يا أستاذ.."؟
حسنًا فما دمتَ جرَّبْتَ أثرَها عليك، فلتكنْ كلمات التشجيع هي عصاك السحريةَ التي لا تمَلُّ من استخدامِها بشكل دائم مع الطلاب والمعلِّمين والمديرين؛ لحفزهم على التقدُّم والتميز.
واستخدِمْها بذكاءٍ وبمقدار يتناسب مع الجهد المبذول أمامك، حتى المُخفق والراسب اجعَلْ من رسوبِه مناسبةً لتشجيعه على تعويض ما فاته.
9- تعرَّف على أسباب نجاحِ العظماء:
ما دمنا نبحث عن التميُّز والنجاح، فإني سأهديك أهمَّ أسبابه؛ إذ تتبَّعْتُ سِيرَ العظماء الناجحين، ووجدت أنهم على اختلافهم يشتركون في الصفات التالية:
• وضوح الهدف.
• الإتقان (التدريب المستمر).
• الصبر والمداومة (على تحقيق أهدافهم).
• حرصهم على نفع الآخرين.
فهل تُراك منهم؟
هنيئًا لك التشبُّه بالناجحين..
10- "مع المحبرة إلى المقبرة" كلمة رائعة قالها الإمام أحمد مع كِبَر سنه، وبلوغه في العلم أعلى المراتب، لما سأله أحدهم وقد رآه حاملاً محبرتَه يقصد مجلسًا لطلب العلم، فسأله: إلى متى تطلُبُ العلم وأنت قد بلَغْتَ أعلى مراتبِه مع كِبَر سِنِّك؟! فأجابه: "مع المحبرة إلى المقبرة".
هذه الحالة النفسية التي ينبغي لكلٍّ منا أن يستصحبَها كلما شعَر بكفايته العلمية؛ حتى لا يتوقَّف عند حدٍّ معين، لا سيما والمشرف التربوي يُنتظَر منه أن يزوِّد الميدانَ التربويَّ بخبرات جديدة كل يوم.
11- الثبات.. الثبات:
من أخصِّ صفات المربي أن يكون ثابتًا على مبادئه وقِيَمِه، لا يتنازل عنها ولا يبدِّلها كل يوم، خاصة مَن تجاوز الأربعين من عمره؛ إذ هي مرحلةُ اكتمال فلسفته في الحياة ونظريته التربوية.
إن كثرةَ التذبذب والتردد بين المواقف المختلفة والمتعاكسة يوحي بخواءِ صاحبها، ويُلغي قيمةَ القدوة التربوية.
فكنْ ذا مبادئَ وقِيَم، واحرِص على الالتزام بها؛ ليقتنعَ بك الآخرون، ويتقبَّلوا ما تقومُ به وتقوله لهم.
وتذكَّر أن من أهمِّ المبادئ أن الرجوعَ إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل؛ فإذا استبان لك الحقُّ، فاتَّبِعْه واعتذِرْ عن خطئِك في حقِّ الآخرين، وليكُنْ لديك من الشجاعة الأدبية ما يُعينك على ذلك.
12- تشرَّب رسالتَك وعِشْها:
هل لديك رسالة في الحياة؟
هل تشعر أن عملك مشرفًا تربويًّا يُسهِم في تحقيقها؟
إذًا تشرَّبْ رسالتَك جيدًا، وعِشْها بما تستحقه من جهد، ثم اسقِها للآخرين صفوًا سلسبيلاً.
وتذكَّر أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا تأمُرِ الآخرين بأن يكونوا قدواتٍ وأنت غير ذلك.. ولا تطالِبْهم بالإخلاص وأنت بعيدٌ عنه! فإن فعلتَ فكأنما ترفع صوتك بين جبلينِ، ثم لا يعود إليك إلا صدى صوتك فقط.
أخي القارئ الكريم، تلك كانت بعضَ الفرص التي تراءت لي في عمل المشرف التربوي، وأنا على يقين أن لدى كلِّ مشرف تربوي أفضلَ وأجمل منها؛ لأن الفرص - كما قلتُ من قبل - بحجم السماء، وكل متأمل فيها يخرج بمنظر آخر بحسب مكانه وجودة نظره، وفوق كلِّ ذي علم عليم.
[1] للتوسع راجع:
• كتاب القيادة التربوية للإشراف التربوي؛ للأستاذ/ جمال إبراهيم القرش.
• تطبيقات في الإشراف التربوي؛ د. أحمد عايش.
• المدير المتميز خطوات عملية لمدير المدرسة؛ خالد محمد الشهري.
•المعلم الناجح: دليل عملي للمعلم؛ خالد محمد الشهري.
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..