الاثنين، 16 سبتمبر 2013

المرأة السعودية في المدرجات الرياضية


لم أستطع كتمان ابتسامة واسعة، وأنا أستمع للناقد الرياضي فهد الروقي وهو يقول إن كثيرا من الشباب يخافون من الذهاب للملاعب، فكيف نسمح للنساء بالذهاب لها؟!

لم أحضر لملاعب الكرة قط سوى مرات معدودة إبان يفاعتي في بداية الثمانينيات الميلادية، أتذكر في إحداها ـ إن لم تخني الذاكرة ـ فوز "اتحاد بوكير" على "هلال ريفولينو" بضربات الجزاء في جدة، بمسابقة الكأس وقتذاك، وعلق بذهني سوء الخدمات فعلا، وعدم نظافة المدرجات، وقد أحضرنا فرشاتنا لنجلس عليها، لذلك لم أمِل أبدا لتلك الدعوات التي طالعناها بالسماح لحضور العوائل السعودية للمدرجات الرياضية.

بالتأكيد القياس على 35 عاما لا يصح، لأن الملاعب الجديدة التي تبنى اليوم، خصصت مقصورات خاصة للعائلات، بحسب "العربية نت" والتي قالت في تقرير خاص لها عن الموضوع بأنه: "كُشف النقاب أمس عن التوجه للسماح بدخول العائلات الملاعب السعودية للمرة الأولى داخل مقصورات خاصة بكل عائلة؛ حيث تم تخصيص أكثر من 15% من طاقة استيعاب ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية في مدينة جدة، والمتوقع الانتهاء منه في عام 2014م، لاستقبال العائلات".

المعترضون الذين هبّوا على هذه الفكرة، اعتبروها إهانة للمرأة، ودفعها لأماكن لا تليق بها، بل ذهب الزميل فهد الروقي في مقالته بصحيفة "الرياضية" الثلاثاء الماضي إلى "أن التفكير فقط، مجرد التفكير بالسماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية؛ خطأ جسيم فكيف لو تم السماح؟"، دعك من كثير من الشرعيين الذين رأوا في دخول المرأة لتلك الملاعب فتنة، ولعل فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي لخص هذا الموقف الشرعي خلال حديثه في برنامج "الجواب الكافي" وقتما قال: "إن دخول العائلات والنساء إلى مثل هذه الملاعب يترتب عليه مفاسد كثيرة، وإن الشريعة الإسلامية جاءت لدرء المفاسد وتحقيق المصالح، وإن فتح هذا الباب هو فتح باب شرّ على شباب وفتيات هذه البلاد"، مؤكدا "أن الأمر إذا حدث، فلن يقتصر على مجرد دخول عوائل، ستكون مفصولة كما يحاول البعض أن يسوق لذلك، أو حسب الضوابط الشرعية كما يقال".

كمهتم بشأن المرأة وحقوقها، أرى أن طرح مثل هذه الموضوعات التي ليست في صميم اهتمامنا بقضايا المرأة الأساسية؛ نوعٌ من تشتيت الجهود، وقد تضافر الفضلاء من كافة التيارات في بلادي على المناداة بإنصاف المطلقات والمعضولات والأرامل، وتلك الأسر الفقيرة التي لا تخلو مدينة سعودية منهن، وتعيين بناتنا الخريجات اللواتي مضى عليهن السنوات تلو السنوات، وهن يحلمن بالوظيفة التي تقيهن العوز والحاجة، فضلا على الهم الذي يؤرقنا في بطالة هاته الفتيات، وتدبير عمل لائق لهن يراعي خصوصيتنا السعودية.

حقق الناشطون والناشطات في مجال حقوق المرأة مكاسب عديدة، وربما كان آخرها نظام "الحماية من الايذاء"، ودخولها مجلس الشورى السعودي، والترشح والتصويت في الانتخابات البلدية، والحقيقة أن الاهتمام بقضاياها الأهمّ، هو ما ينبغي على الحقوقيين والمهتمين بملف المرأة التركيز عليه، فهو أدعى كثيرا لقوة الضغط، وجمع الكلمة، فصوت الحقوقيين الشرعيين في مثل هذه الموضوعات مهم، وليس من الحكمة خسارتهم في قضية هامشية.

دعوات حضور المرأة السعودية في الملاعب الرياضية، لا تهم سوى الطبقة المترفة، فالبديل متاح، وبشكل أفضل، بأن تشاهد تلك العوائل هذه المباريات في البيوت وسط جو آمن ومريح، وبعيد عن المضايقات والتحرش، وقد حدثتنا الإعلامية لينا المعينا، في مشاركة فضائية أخيرة لها، بأنها وبعض زميلاتها حضرن مباريات لكأس العالم للشباب في الرياض، وقام الجمهور برميهن بقوارير المياه احتجاجا، وربما سيحصل ما هو أسوأ من ذلك.

نعاني في اليوم الوطني من بعض تصرفات الطائشين من شبابنا وفتياتنا، بما يخدش الوجه الجميل لهذا اليوم، فكيف سيكون الحال فعلا، في حال فوز فريق هاته الفتيات المفضل، هل سنشهد سلوكيات مصادمة لخصوصية مجتمعنا المحافظ، من رقص على الكورنيش وغيره، أو في مسيرات السيارات العائدة للمدينة؟، دعك مما أورده بعض المتابعين الرياضيين، بأنهم كرجال يذهبون للملعب في الساعة الرابعة عصرا ولا يعودون لبيوتهم إلا في الثانية عشرة منتصف الليل، وتأملوا المآلات التي ستنجم وقتها، ولا يردنّ أحد بأنهن بصحبة آبائهن، فبعد حينٍ من الزمن، سينفلت الأمر.

الأمير الشاب نواف بن فيصل، كتب تغريدة وقال فيها:" كل ما أثير عن هذا الموضوع اجتهادات صحفية لا أساس لها من الصحة، وقال: "ليس هناك أي أمر بذلك وإن حصل في أي مناسبة سواء رياضية أو غير رياضية من دخول دبلوماسيين أو إعلاميين أو جالية، فيكون ذلك على مسؤولية سفارة بلدهم، ومن الممكن أن يكون فيهم غير الرجال".

لنعترف أننا نواجه ضغطا من المنظمات الرياضية العالمية، بل وصل الأمر في المونديال الأولمبي الأخير، بالتهديد بحرماننا من المشاركة، إن لم نمثل بـ10% بالنساء الرياضيات، وثمة إشكال حقيقي هنا، فلم تعد ممانعتنا لأولئك القوم تُجدي نفعا، ما يحتم علينا الوصول لصيغة وسط، بين الممانعة المجتمعية، وبين حرماننا من المشاركات الدولية.

العجيب أن الصحف الغربية كانت مهتمة جدا بهذا الموضوع، فكتبت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أن المرأة السعودية ستكون قادرة في نهاية المطاف على كسر الحظر المفروض عليها ودخول الملاعب بحلول عام 2014، بعد القيام بالترتيبات اللازمة في الملاعب وإنشاء مقصورات خاصة بالعائلات في المدرجات.

أما صحيفة "هيرالد" الأمريكية فقالت إن التفكير في السماح للنساء بدخول الملاعب يعد تطوراً مهماً، ونقلة نوعية تأتي في وقت تشهد السعودية تحسناً ملحوظاً فيما يتعلق بمنح المرأة حقوقها.

شخصيا، ضد فكرة دخول النساء للملاعب الرياضية بالسعودية، وأتمنى عدم السماح لهن، بيد أن الأماني شيء، والواقع شيء آخر.

عبد العزيز محمد قاسم  

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..