ليست هذه
الأسطر أكثر من إعادة لكُليمتي (كعكة السُلطة وكعكة المنع) .. خصوصا بعد أن
لاحظت أن الباحث عنها – عبر الشبكة – سوف يجدها إلى جوار (كعكة الفراولة)
!! إضافة إلى قرب (السُلطة) من (السَلطة).. فإن اجتمع الكعك مع السَلطة فقد
خرجنا من غذاء العقول إلى غذاء البطون!!
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
هذه فكرة غير
موجودة في وُريقات ( حتى لا يذيب الصمت ألسنتنا)،وقد تبدت لي بعد أن قرأت
أكثر من إشارة،لبعض إخواننا الكتاب،أشاروا فيها وهم يتحدثون عن الصراع بين
التيارين الإسلامي واللبرالي،في المملكة العربية السعودية، إلى أن التيارين
يهدران طاقتيهما،فلو أنهما توحدا في معالجة القضايا المشتركة – أو المهمة –
لكان ذلك أكثر نفعا.
لاشك عندي في أن توحيد جهود الجميع من أجل الصالح العام،أمر في غاية الأهمية،ولكن تصوري الشخصي للصراع بين التيارين،أنه يدور أساسا من أجل الحصول على (كعكة) السلطة. من ظن أنني أقصد الحصول على (المناصب)،وما شاكلها،فقد فهم قصدي على غير مرماه.
(الكعكة) المقصودة هي السلطة في صف من؟ أو في صف أي التيارين؟ لأن من تكون السلطة معه يكون (الحق) معه!!
وهنا نستطيع أن نضرب مثلا،أو نذكر بقصة من الماضي غير البعيد.
بما أن المرأة – وحجابها،وعملها،وكل شأنها – أصبحت أساسا في ساحة التجاذب بين التيارين،فإذا افترضنا أن شخصا شاهد سيدة أمام باب السينما – إن وجدت – وهي ترتدي (المني جيب)،والسلطة تمنع العري. في هذه الحالة،يمكن لذلك الشخص أن ينصح تلك السيدة،أو يبلغ شرطة (مكافحة الميني جيبات)،والتي سوف تقوم بدورها بنصح السيدة،أو تغريمها (عشرة ليرات) كما ينص النظام،حالة تكرار ذلك السلوك المخالف. ولكن إذا سمحت السلطة للسيدات بارتداء ماشئن من الملابس – بعد أن ألغت نظام المنع السابق – في تلك الحالة إذا شاهد الشخص نفسه تلك السيدة نفسها تسير مرتدية (ميني جيب)،فليس أمامه إلا أن يغض البصر !!! حين حصل شيء مشابه في إحدى الدول الشقيقة المجاورة - قبل سنوات طويلة - ،كانت ردة فعل بعض الشباب الغيور،هي قيامهم برش الماء الكاوي (الأسيد) على سيقان مرتديات الـ"مني جيب"،أمام السينمات!! ولا يخفى ما في ذلك السلوك – المنفعل – من خطأ،بدء من وضع عقوبة – رأوها مناسبة،رغم أن المرأة لو زنت،والعياذ بالله،فلا تعاقب برشها بالماء الكاوي – وصولا إلى تنفيذها،وما يهمنا هنا هو انتقال،ذلك الشخص،من (مواطن صالح)،أبلغ عن مخالفة إلى (مجرم) تبحث عنه السلطة،وربما رشت عليه الماء الكاوي،من باب (العين بالعين)!!
لعل فكرة الحصول على (كعكة) السلطة،كانت حاضرة في ذهن الدكتورة – طبيبة - ليلى الأحدب،حين كتبت،وكأنها تحرض (السلطة) على قناعات الناس :
( إن للمملكة معالمها المقدسة التي تستحق من الجميع أن يفتديها، ويبدو أن المجتمع بحاجة إلى أنظمة جديدة تحدد علاقات الناس مع بعضهم بعضا، فالعلاقة جدلية بين النظام والناس، وما يرفضه العقل الجمعي اليوم سيقبله غدا عندما يحميه السياسي، لكن إذا لم يقم المثقف المستنير بدوره في توعية الناس كي تتبدد مخاوفهم،من تلك القوانين وتزول ردود أفعالهم عليها فإن جهود السياسي تتفرق هباء منثورا){ جريدة الوطن العدد 1219 في 9/12/1424هـ.}.
أعتقد أن من لايعرف التيار الذي تنتمي إليه الدكتورة ليلى،سوف يعرف ذلك بمجرد قراءة الأسطر السابقة،وخصوصا تقسيمها الأول للمجتمع إلى (النظام) و (الناس)،ثم تقسيمها الثاني للمجتمع إلى (عقل جمعي) و (سياسي ) و (مثقف مستنير)،ثم تعود للتحدث عن (الناس) الذين سوف تتبدد مخاوفهم بسبب توعية (المثقف المستنير) لهم،قافزة فوق دعوتها للسياسي ليجبر (الناس) بأنظمة جديدة،سوف يستسلمون لها غدا !! وإذا لم تسن تلك الأنظمة الجديدة،فإن جهود السياسي تتفرق هباء منثورا!!! فهل يقبل السياسي أن تذهب جهوده هباء منثورا؟!! أليس في هذا الكلام (شبهة) تحريض للسياسي على (الناس)؟! ثم من قال أن (السياسي) في السعودية،ليس (متطابقا) مع (الناس)،أو ما في (عقلهم الجمعي)؟!! .. هذه (الكعكة) الأولى قضينا عليها،ولكن بقي أن نُذكر بذلك الأثر،الذي يراه البعض (حديثا شريفا)،ويرى البعض الآخر أنه من كلام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه :
(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
نبدأ
بسؤال صغير : من لا يعرف غابرييل غارسيا ماركيز؟ صاحب الرواية الأشهر
(مائة عام من العزلة)؟ والحائز على جائزة نوبل في الآداب؟ كنت أطالع عناوين
بعض الكتب في مكتبة (جرير) هنا في المدينة المنورة،حين وقعت عيني على
رواية (فسوق) للأستاذ عبده خال.لست ميالا إلى قراءة الكتب التي تثير
ضجة،وتُمنع بسببها – قلت في مقال سابق،أنني لا أستطيع تصور منع
"الكتاب"،فكيف وقد أصبح المنع
"نعمة" يتمناها كل كاتب – وبما أن تلك الرواية أثارت ضجة،فقد قلت في نفسي
إن كانت بين 18 – 20 ريالا،فسوف أشتريها.وما إن قلبت الكتاب،ونظرت إلى
ثمنه،حتى "خرم" الثمن عيني!! رواية (فسوق) الكاتب : عبده خال/ عدد الصفحات :
255 / الثمن : 43 ريالا. وما جعل المفارقة،أو دليل تأثير "المنع" والضجة
التي تصاحبه،ما جعل ذلك يبدو جليا،أن رواية أخرى لا تفصلها عن الرواية
المذكورة،سوى مجموعة قليلة من الكتب،هي :
رواية ( مائة عام من العزلة) الكاتب : غابرييل غارسيا ماركيز / المترجم : د.محمد الحاج خليل/ عدد الصفحات : 536 / الثمن : 35 ريالا سعوديا.
إن أول ما أؤكده هنا،أن هذه الأسطر لا تقصد الإساءة إلى أحد،كما أنني لم أقرا – كما هو واضح – رواية (فسوق)،حتى أتمكن من الحديث عن النواحي الفنية،من باب ذائقتي الخاصة – فلست ناقدا – ولكنني فقط أتعجب من ذلك التباين بين سعر الروايتين،رغم الشهرة العالمية للرواية الأرخص ثمنا!!! – والفرق كذلك بين عدد الصفحات إن كانت القضية بالوزن!! - ورواية (مائة عام من العزلة)،هي التي قيل عنها :
(قليلة هي الروايات التي تغير حياة الناس،وهذه واحدة من تلك الروايات.) "و.ل.و.ب / الغارديان"
(هذه رواية كاسحة تتسم بالألق والفوضى،وهي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر،بل هي ملحمة موسيقية لا متناهية) "التايمز"
(هذه الرواية عمل أدبي غني،مكثّف كالأدغال،حافل بالوهم المتوضّع { هكذا } زاخرا بالفعل،ثريّا بالمرح الحزين،يتفق بالأحداث والفلسفة والتأمل،حتى ليدفعك إلى العجب.) "صنداي تايمز"
(تصحوا بعد قراءة هذه الرواية الرائعة،كمن يصحوا من حلم : عقلك وخيالك جامحان بل ملتهبان .. ..)"نيويورك تايمز"
(هذه خبرة لا تعدلها،في الغنى،خبرة أخرى) "فاينانشال تايمز"
وخشية أن يظن من لم يقرأ الرواية أنها خالية من (التوابل)،أي الجنس والتجديف - ما قد يميز رواية "فسوق" - وحتى السياسة،فنحن نؤكد أنها مشحونة بذلك وأكثر. وهذا مثال صغير :
(وقد تساءل بذهول :
- هل يمكن للمرء أن يتزوج عمته؟
فأجاب أحد الجنود قائلا :
- بل يستطيع ذلك و أكثر. فنحن إنما نخوض هذه الحرب ضد الكهنة ورجال الدين،حتى يستطيع الإنسان أن يتزوج أمه نفسها.){ص 191}.
من وجهة نظري الخاصة،أن ما يثير الإعجاب في الرواية،هي تلك القدرة الجبارة،لدى ماركيز،لوضع أحداث الرواية،في قالب (الأسطورة) – من يقرأ الكثير من الروايات الحديثة،سوف يجد سعي كثير من الكتاب لتقليد ماركيز – ليس بالضرورة أن هذه النماذج التي سوف أسوقها هي أجمل ما في الرواية،ولكنها تفي بالغرض:
(لقد نظّم العقيد (الكولونيل) أورليانو بوينديا اثنتين وثلاثين انتفاضة مسلحة،كان بطلها جميعا. وقد خسرها جميعا. وقد أنجب سبعة عشر ولدا ذكرا،من سبعة عشرة امرأة. وقد أعدموا جميعا،الواحد بعد الآخر،في ليلة واحدة،ولم يبلغ أكبرهم الخامسة والثلاثين من عمره. وقد نجا العقيد أورليانو بوينديا من أربعة عشر محاولة اغتيال،ومن ثلاثة وسبعين كمينا،ومن فصيل إعدام واحد. ولم تقتله كمية كبيرة من سم الستريكنين،وضعت في قهوته،وكانت تكفي لقتل حصان.){ص 129}.
ليس باستطاعتي – الآن – تذكر ما إذا كانت (أورسولا) هي أم (خوزيه أركاديو)،ولكنني أظنها كذلك :
(فحالما أغلق خوزيه أركاديو باب الغرفة على نفسه سُمع في البيت صدى طلقة من مسدس. وسال خيط من الدم تحت باب الغرفة،عابرا غرفة الجلوس إلى الطريق العام،سالكا أقصر الطرق بين الأرصفة الكثيرة،هابطا أدراج البيوت،والسطوح غير المستوية،صاعدا فوق الأفاريز،محاذيا شارع الأتراك،متعرجا يمنة ويسرة،مشكلا زاوية قائمة نحو بيت آل بوينديا،مارا من تحت الباب المغلق،وعابرا صالة الجلوس بمحاذاة الجدران،محاذرا أن تتسخ البسط والسجاجيد،متابعا طريقه إلى الغرفة الثانية،ثم راسما خطا منحنيا طويلا،مبتعدا عن طاولة الطعام،نافذا إلى ما تحت الشرفة ذات أزهار البيجونيا،مارا بشكل غير مرئي تقريبا تحت كرسي أمارانتا وهي تشرح درسا في الحساب لأورليانو خوزيه،داخلا مستوع الحبوب،منهلا في المطبخ حيث كانت أورسولا تستعد لفقس ست وثلاثين بيضة لإعداد الخبز.){ص 168}.
ربما كانت العبارات التالية،تؤكد وجهة النظر التي تقول بأن هذه الرواية أقرب إلى الشعر :
(وضاع بهاء الأسهم النارية في هدير البنادق،وخنقت أصوات الهلع أنغام الموسيقى،وكنس الرعب فرح المنتشين.)
مما يثبت أن للمنع سرا،في الرواج،وما يليه من ارتفاع سعر الكتاب الممنوع،والمهاجم من قبل تيار ما،مما يثبت ذلك السر،أننا نجد رواية لشابة لا تملك جزءا من شهرة وخبرة الأستاذ عبده خال،هي رجاء الصانع – وإن كنا نعلم أن بعضا من شهرتها،صُنع صناعة،عبر قناتي "الاخبارية" و "العربية"،فقد ظلت القناتان تلحان على موضوع منع الرواية،وإجراء المقابلات حولها،حتى بعد أن أصبحت متوفرة،ومتاحة،وغير ممنوعة - صاحبة رواية (بنات الرياض)،هذه الرواية والتي تقع في 319 صفحة،ثمنها ( 45) ريالا!!
فهل نعي الأثر السلبي،للمنع والتشهير،ونترك الكتب تُقرأ أو تُهمل،حسب ما تستحق،ونكتفي بالرد على الأفكار ومناقشتها،أم أننا سوف نظل نقدم الشهرة على طبقي (المنع ) و (التشهير)؟!!
وأخيرا،كتب الأستاذ إيهاب البدوي :
(أعرف واحدا من الشعراء الجدد الذي كتب قصيدة تهجم وسب وكاد "يطرش" من أجل أن يجد شخصا يهاجمه وينعته بالكفر بل أرسل إلى الأزهر رسالة من مجهول يبلغ فيها عن نفسه أن هناك شاعر يتهجم على الأنبياء لعل وعسى يصدر قرار بمصادرة كتابه فيصبح من المشاهير وهو الذي تتعرف عليه أمه وإخوته بصعوبة.){ جريدة المصريون العدد الصادر يوم السبت 20/6/2009}
لاشك عندي في أن توحيد جهود الجميع من أجل الصالح العام،أمر في غاية الأهمية،ولكن تصوري الشخصي للصراع بين التيارين،أنه يدور أساسا من أجل الحصول على (كعكة) السلطة. من ظن أنني أقصد الحصول على (المناصب)،وما شاكلها،فقد فهم قصدي على غير مرماه.
(الكعكة) المقصودة هي السلطة في صف من؟ أو في صف أي التيارين؟ لأن من تكون السلطة معه يكون (الحق) معه!!
وهنا نستطيع أن نضرب مثلا،أو نذكر بقصة من الماضي غير البعيد.
بما أن المرأة – وحجابها،وعملها،وكل شأنها – أصبحت أساسا في ساحة التجاذب بين التيارين،فإذا افترضنا أن شخصا شاهد سيدة أمام باب السينما – إن وجدت – وهي ترتدي (المني جيب)،والسلطة تمنع العري. في هذه الحالة،يمكن لذلك الشخص أن ينصح تلك السيدة،أو يبلغ شرطة (مكافحة الميني جيبات)،والتي سوف تقوم بدورها بنصح السيدة،أو تغريمها (عشرة ليرات) كما ينص النظام،حالة تكرار ذلك السلوك المخالف. ولكن إذا سمحت السلطة للسيدات بارتداء ماشئن من الملابس – بعد أن ألغت نظام المنع السابق – في تلك الحالة إذا شاهد الشخص نفسه تلك السيدة نفسها تسير مرتدية (ميني جيب)،فليس أمامه إلا أن يغض البصر !!! حين حصل شيء مشابه في إحدى الدول الشقيقة المجاورة - قبل سنوات طويلة - ،كانت ردة فعل بعض الشباب الغيور،هي قيامهم برش الماء الكاوي (الأسيد) على سيقان مرتديات الـ"مني جيب"،أمام السينمات!! ولا يخفى ما في ذلك السلوك – المنفعل – من خطأ،بدء من وضع عقوبة – رأوها مناسبة،رغم أن المرأة لو زنت،والعياذ بالله،فلا تعاقب برشها بالماء الكاوي – وصولا إلى تنفيذها،وما يهمنا هنا هو انتقال،ذلك الشخص،من (مواطن صالح)،أبلغ عن مخالفة إلى (مجرم) تبحث عنه السلطة،وربما رشت عليه الماء الكاوي،من باب (العين بالعين)!!
لعل فكرة الحصول على (كعكة) السلطة،كانت حاضرة في ذهن الدكتورة – طبيبة - ليلى الأحدب،حين كتبت،وكأنها تحرض (السلطة) على قناعات الناس :
( إن للمملكة معالمها المقدسة التي تستحق من الجميع أن يفتديها، ويبدو أن المجتمع بحاجة إلى أنظمة جديدة تحدد علاقات الناس مع بعضهم بعضا، فالعلاقة جدلية بين النظام والناس، وما يرفضه العقل الجمعي اليوم سيقبله غدا عندما يحميه السياسي، لكن إذا لم يقم المثقف المستنير بدوره في توعية الناس كي تتبدد مخاوفهم،من تلك القوانين وتزول ردود أفعالهم عليها فإن جهود السياسي تتفرق هباء منثورا){ جريدة الوطن العدد 1219 في 9/12/1424هـ.}.
أعتقد أن من لايعرف التيار الذي تنتمي إليه الدكتورة ليلى،سوف يعرف ذلك بمجرد قراءة الأسطر السابقة،وخصوصا تقسيمها الأول للمجتمع إلى (النظام) و (الناس)،ثم تقسيمها الثاني للمجتمع إلى (عقل جمعي) و (سياسي ) و (مثقف مستنير)،ثم تعود للتحدث عن (الناس) الذين سوف تتبدد مخاوفهم بسبب توعية (المثقف المستنير) لهم،قافزة فوق دعوتها للسياسي ليجبر (الناس) بأنظمة جديدة،سوف يستسلمون لها غدا !! وإذا لم تسن تلك الأنظمة الجديدة،فإن جهود السياسي تتفرق هباء منثورا!!! فهل يقبل السياسي أن تذهب جهوده هباء منثورا؟!! أليس في هذا الكلام (شبهة) تحريض للسياسي على (الناس)؟! ثم من قال أن (السياسي) في السعودية،ليس (متطابقا) مع (الناس)،أو ما في (عقلهم الجمعي)؟!! .. هذه (الكعكة) الأولى قضينا عليها،ولكن بقي أن نُذكر بذلك الأثر،الذي يراه البعض (حديثا شريفا)،ويرى البعض الآخر أنه من كلام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه :
(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
كعكة المنع
رواية ( مائة عام من العزلة) الكاتب : غابرييل غارسيا ماركيز / المترجم : د.محمد الحاج خليل/ عدد الصفحات : 536 / الثمن : 35 ريالا سعوديا.
إن أول ما أؤكده هنا،أن هذه الأسطر لا تقصد الإساءة إلى أحد،كما أنني لم أقرا – كما هو واضح – رواية (فسوق)،حتى أتمكن من الحديث عن النواحي الفنية،من باب ذائقتي الخاصة – فلست ناقدا – ولكنني فقط أتعجب من ذلك التباين بين سعر الروايتين،رغم الشهرة العالمية للرواية الأرخص ثمنا!!! – والفرق كذلك بين عدد الصفحات إن كانت القضية بالوزن!! - ورواية (مائة عام من العزلة)،هي التي قيل عنها :
(قليلة هي الروايات التي تغير حياة الناس،وهذه واحدة من تلك الروايات.) "و.ل.و.ب / الغارديان"
(هذه رواية كاسحة تتسم بالألق والفوضى،وهي أقرب إلى الشعر منها إلى النثر،بل هي ملحمة موسيقية لا متناهية) "التايمز"
(هذه الرواية عمل أدبي غني،مكثّف كالأدغال،حافل بالوهم المتوضّع { هكذا } زاخرا بالفعل،ثريّا بالمرح الحزين،يتفق بالأحداث والفلسفة والتأمل،حتى ليدفعك إلى العجب.) "صنداي تايمز"
(تصحوا بعد قراءة هذه الرواية الرائعة،كمن يصحوا من حلم : عقلك وخيالك جامحان بل ملتهبان .. ..)"نيويورك تايمز"
(هذه خبرة لا تعدلها،في الغنى،خبرة أخرى) "فاينانشال تايمز"
وخشية أن يظن من لم يقرأ الرواية أنها خالية من (التوابل)،أي الجنس والتجديف - ما قد يميز رواية "فسوق" - وحتى السياسة،فنحن نؤكد أنها مشحونة بذلك وأكثر. وهذا مثال صغير :
(وقد تساءل بذهول :
- هل يمكن للمرء أن يتزوج عمته؟
فأجاب أحد الجنود قائلا :
- بل يستطيع ذلك و أكثر. فنحن إنما نخوض هذه الحرب ضد الكهنة ورجال الدين،حتى يستطيع الإنسان أن يتزوج أمه نفسها.){ص 191}.
من وجهة نظري الخاصة،أن ما يثير الإعجاب في الرواية،هي تلك القدرة الجبارة،لدى ماركيز،لوضع أحداث الرواية،في قالب (الأسطورة) – من يقرأ الكثير من الروايات الحديثة،سوف يجد سعي كثير من الكتاب لتقليد ماركيز – ليس بالضرورة أن هذه النماذج التي سوف أسوقها هي أجمل ما في الرواية،ولكنها تفي بالغرض:
(لقد نظّم العقيد (الكولونيل) أورليانو بوينديا اثنتين وثلاثين انتفاضة مسلحة،كان بطلها جميعا. وقد خسرها جميعا. وقد أنجب سبعة عشر ولدا ذكرا،من سبعة عشرة امرأة. وقد أعدموا جميعا،الواحد بعد الآخر،في ليلة واحدة،ولم يبلغ أكبرهم الخامسة والثلاثين من عمره. وقد نجا العقيد أورليانو بوينديا من أربعة عشر محاولة اغتيال،ومن ثلاثة وسبعين كمينا،ومن فصيل إعدام واحد. ولم تقتله كمية كبيرة من سم الستريكنين،وضعت في قهوته،وكانت تكفي لقتل حصان.){ص 129}.
ليس باستطاعتي – الآن – تذكر ما إذا كانت (أورسولا) هي أم (خوزيه أركاديو)،ولكنني أظنها كذلك :
(فحالما أغلق خوزيه أركاديو باب الغرفة على نفسه سُمع في البيت صدى طلقة من مسدس. وسال خيط من الدم تحت باب الغرفة،عابرا غرفة الجلوس إلى الطريق العام،سالكا أقصر الطرق بين الأرصفة الكثيرة،هابطا أدراج البيوت،والسطوح غير المستوية،صاعدا فوق الأفاريز،محاذيا شارع الأتراك،متعرجا يمنة ويسرة،مشكلا زاوية قائمة نحو بيت آل بوينديا،مارا من تحت الباب المغلق،وعابرا صالة الجلوس بمحاذاة الجدران،محاذرا أن تتسخ البسط والسجاجيد،متابعا طريقه إلى الغرفة الثانية،ثم راسما خطا منحنيا طويلا،مبتعدا عن طاولة الطعام،نافذا إلى ما تحت الشرفة ذات أزهار البيجونيا،مارا بشكل غير مرئي تقريبا تحت كرسي أمارانتا وهي تشرح درسا في الحساب لأورليانو خوزيه،داخلا مستوع الحبوب،منهلا في المطبخ حيث كانت أورسولا تستعد لفقس ست وثلاثين بيضة لإعداد الخبز.){ص 168}.
ربما كانت العبارات التالية،تؤكد وجهة النظر التي تقول بأن هذه الرواية أقرب إلى الشعر :
(وضاع بهاء الأسهم النارية في هدير البنادق،وخنقت أصوات الهلع أنغام الموسيقى،وكنس الرعب فرح المنتشين.)
مما يثبت أن للمنع سرا،في الرواج،وما يليه من ارتفاع سعر الكتاب الممنوع،والمهاجم من قبل تيار ما،مما يثبت ذلك السر،أننا نجد رواية لشابة لا تملك جزءا من شهرة وخبرة الأستاذ عبده خال،هي رجاء الصانع – وإن كنا نعلم أن بعضا من شهرتها،صُنع صناعة،عبر قناتي "الاخبارية" و "العربية"،فقد ظلت القناتان تلحان على موضوع منع الرواية،وإجراء المقابلات حولها،حتى بعد أن أصبحت متوفرة،ومتاحة،وغير ممنوعة - صاحبة رواية (بنات الرياض)،هذه الرواية والتي تقع في 319 صفحة،ثمنها ( 45) ريالا!!
فهل نعي الأثر السلبي،للمنع والتشهير،ونترك الكتب تُقرأ أو تُهمل،حسب ما تستحق،ونكتفي بالرد على الأفكار ومناقشتها،أم أننا سوف نظل نقدم الشهرة على طبقي (المنع ) و (التشهير)؟!!
وأخيرا،كتب الأستاذ إيهاب البدوي :
(أعرف واحدا من الشعراء الجدد الذي كتب قصيدة تهجم وسب وكاد "يطرش" من أجل أن يجد شخصا يهاجمه وينعته بالكفر بل أرسل إلى الأزهر رسالة من مجهول يبلغ فيها عن نفسه أن هناك شاعر يتهجم على الأنبياء لعل وعسى يصدر قرار بمصادرة كتابه فيصبح من المشاهير وهو الذي تتعرف عليه أمه وإخوته بصعوبة.){ جريدة المصريون العدد الصادر يوم السبت 20/6/2009}
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..