سوريا هي الاختبار الأخلاقي والاستراتيجي
الذي لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما يسعى إليه أو يريده، ولذا فقد
بذل قصارى جهده لكي يتجنب ويلات وأهوال الحرب. وكان أوباما قد أدلى
بتصريحات مقتضبة عن الحزن الذي تعيشه سوريا والألم الذي يشعر به أبناء
الشعب السوري. وعندما تحدث أوباما عن سوريا، كان الأمر يبدو في كثير من
الأحيان وكأنه يتحدث عن العراق – نفس المنظار الذي يرى من خلاله العالم
الخارجي والتهديدات القادمة منه.
وخلال فترة ولايته الأولى، كان المستشارون الأربعة الرئيسيون في مجال السياسة الخارجية – وزيرا الخارجية والدفاع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة – يدعمون تسليح المعارضة في سوريا: ولكنه كان يتجاهلهم. وفي وقت سابق من هذا العام، وعد أوباما بتسليح الثوار السوريين، وهو الشيء الذي لم يحدث مطلقا.
وسوف يسجل التاريخ لأوباما أن بشار الأسد هو الذي أجبره على الدخول في هذه المعركة. وكان أوباما قد أعطى أهمية قصوى للتمييز بين حروب الاختيار وحروب الضرورة، ويقال: إنه يفكر كثيرا في نظريات الحروب العادلة وغير العادلة. وفيما يتعلق بالأزمة السورية الراهنة، جاء رد فعل أوباما متأخرا للغاية بعد الأعمال الهمجية التي شهدتها سوريا وبعد التدمير الحقيقي للشعب السوري وبعدما انفصل الجهاديون بالإمارات الخاصة بهم. في حقيقة الأمر، لا يهم كثيرا ما إذا كانت هذه الحرب اختيارا أو ضرورة، ولكن الواقع هو أن أوباما قد شكل هذا الصراع بسلبيته في مواجهة ديكتاتور ضيق الأفق كان ينبغي الإطاحة به منذ فترة طويلة.
ويقوم أوباما الآن بإضفاء طابع قانوني على الحرب، على أساس أسباب محدودة للغاية – استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة شرق دمشق. صحيح أن استخدام الأسلحة الكيماوية يعد انتهاكا صارخا في حد ذاته والأول من نوعه منذ الهجمات التي شنها صدام حسين على كردستان قبل نحو ربع قرن من الزمان، ولكن الأسد كان قبل ذلك قد حول المدن القديمة المبتهجة إلى أنقاض وأشعل حربا دينية بين السنة والشيعة وأرسل فرقا أهلية للقتال على الحدود الفاصلة بين المدن السنية والعلوية بهدف «تطهير» مجتمعات بأكملها. لقد تم تمزيق سلام ونسيج هذا البلد المستقر إلى قطع صغيرة وفر شعبها مذعورا إلى دول الجوار. وأشارت التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين من الأطفال قد وصل إلى مليون طفل، من بينهم 740000 طفل أقل من 11 عاما.
لماذا يتم عقاب الأسد على الهجوم بالأسلحة الكيماوية على الغوطة فقط، في الوقت الذي قد يعتقد فيه المرء أن استخدام القوة الجوية ضد المدنيين يكفي للتدخل العسكري؟ لقد خلد بابلو بيكاسو قرية غورنيكا بسبب القصف الذي تعرضت له أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، ولكن غورنيكا كانت قرية صغيرة تضم 7000 شخص وتم الهجوم عليها من قبل الألمان والطليان، أما حلب فقد تحملت وحشية الطائرات المقاتلة التابعة للنظام السوري، علاوة على أنها مدينة كبيرة تضم أكثر من مليوني نسمة.
وقد أعلنت إدارة أوباما بالفعل عن توجيه ضربة لسوريا تكون محدودة في المدة والحجم، وتم الإعلان عن ذلك في أجواء من الشك والتردد، وهو ما يعد بمثابة رسالة للأسد بأن نظامه بمنأى عن السقوط. ومنذ بداية هذه الحرب البغيضة، كان الأسد يزهو بنفسه، وحذر الثوار من أنه ليس بمقدور أي جهة خارجية المجيء لنجدتهم. وسار الأسد على نهج والده الراحل وأعلن أن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على اختبار قوتها في بلاد الشام.
إنه لأمر مؤسف في الحياة السياسية العربية أن يخرج المغامرون من الهزائم المريرة ليدعوا البطولة أمام السذج الذين يصدقونهم. انظروا إلى ما حدث عام 1991، حيث أنزلت الولايات المتحدة هزيمة ساحقة بنظام صدام حسين، ولكن «الشارع العربي» الذي احتشد من حوله لم يقتنع مطلقا بأن بطلهم قد تعرض للهزيمة!
وبعد سبع سنوات، وخلال فترة رئاسة بيل كلينتون، تم الهجوم على صدام مرة أخرى عن طريق عملية «ثعلب الصحراء» الأنغلو-أميركية التي كانت تهدف إلى معاقبة الطاغية العراقي نتيجة تحديه لمفتشي الأمم المتحدة. وتوقفت الغارات بعد أربعة أيام واعتبر صدام حسين أن هذا دليل على ضعف القوى الغربية.
وفي عام 2006، أشعل زعيم حزب الله حربا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ونسج أسطورته حول «النصر الإلهي» الذي سيحمي الميليشيا الخاصة به. وقد خيم الموت والدمار الاقتصادي على لبنان، ولكن كان يكفي أن حزب الله ظل موجودا بعد انتهاء الحرب!
ونتيجة لذلك، يجب حرمان النظام السوري من المكاسب التي سيحققها في حالة شن حرب غير حاسمة عليه. ويجب أن يكون النظام نفسه – الأعضاء والشرطة السرية ووحدات النخبة العسكرية والقواعد الجوية – يجب أن تكون أهدافا مشروعة، وينبغي تطبيق الشيء نفسه على القصر الرئاسي للأسد. يجب أن يكون هناك قناعة وشجاعة في هذه المعركة مع الديكتاتور الأسد.
الحقيقة هي أن العالم العربي (السني) به عداء كبير الآن تجاه الحاكم السوري وعصابته ولن يبكي على رحيله. ويجب أن تحلم الغالبية العظمى من العرب بوضع نهاية له مشابهة للمصير المروع لمعمر القذافي. ويتعين على أوباما أن ينحي قلقه من استعداء مشاعر المنطقة جانبا، فهذا هو «الشرق» والأفعال الغربية تحدث على مرأى ومسمع من الذين يحدوهم شك في حل للأزمة وفي ضعف الغرباء. لقد أعلن أوباما بكل فخر أنه لا يخدع الآخرين، ولكن الديكتاتور السوري قد وصفه بأنه مخادع.
* خدمة: «بلو بيرغ. كوم»
..........
الشرق الأوسط
وخلال فترة ولايته الأولى، كان المستشارون الأربعة الرئيسيون في مجال السياسة الخارجية – وزيرا الخارجية والدفاع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة – يدعمون تسليح المعارضة في سوريا: ولكنه كان يتجاهلهم. وفي وقت سابق من هذا العام، وعد أوباما بتسليح الثوار السوريين، وهو الشيء الذي لم يحدث مطلقا.
وسوف يسجل التاريخ لأوباما أن بشار الأسد هو الذي أجبره على الدخول في هذه المعركة. وكان أوباما قد أعطى أهمية قصوى للتمييز بين حروب الاختيار وحروب الضرورة، ويقال: إنه يفكر كثيرا في نظريات الحروب العادلة وغير العادلة. وفيما يتعلق بالأزمة السورية الراهنة، جاء رد فعل أوباما متأخرا للغاية بعد الأعمال الهمجية التي شهدتها سوريا وبعد التدمير الحقيقي للشعب السوري وبعدما انفصل الجهاديون بالإمارات الخاصة بهم. في حقيقة الأمر، لا يهم كثيرا ما إذا كانت هذه الحرب اختيارا أو ضرورة، ولكن الواقع هو أن أوباما قد شكل هذا الصراع بسلبيته في مواجهة ديكتاتور ضيق الأفق كان ينبغي الإطاحة به منذ فترة طويلة.
ويقوم أوباما الآن بإضفاء طابع قانوني على الحرب، على أساس أسباب محدودة للغاية – استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة شرق دمشق. صحيح أن استخدام الأسلحة الكيماوية يعد انتهاكا صارخا في حد ذاته والأول من نوعه منذ الهجمات التي شنها صدام حسين على كردستان قبل نحو ربع قرن من الزمان، ولكن الأسد كان قبل ذلك قد حول المدن القديمة المبتهجة إلى أنقاض وأشعل حربا دينية بين السنة والشيعة وأرسل فرقا أهلية للقتال على الحدود الفاصلة بين المدن السنية والعلوية بهدف «تطهير» مجتمعات بأكملها. لقد تم تمزيق سلام ونسيج هذا البلد المستقر إلى قطع صغيرة وفر شعبها مذعورا إلى دول الجوار. وأشارت التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين من الأطفال قد وصل إلى مليون طفل، من بينهم 740000 طفل أقل من 11 عاما.
لماذا يتم عقاب الأسد على الهجوم بالأسلحة الكيماوية على الغوطة فقط، في الوقت الذي قد يعتقد فيه المرء أن استخدام القوة الجوية ضد المدنيين يكفي للتدخل العسكري؟ لقد خلد بابلو بيكاسو قرية غورنيكا بسبب القصف الذي تعرضت له أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، ولكن غورنيكا كانت قرية صغيرة تضم 7000 شخص وتم الهجوم عليها من قبل الألمان والطليان، أما حلب فقد تحملت وحشية الطائرات المقاتلة التابعة للنظام السوري، علاوة على أنها مدينة كبيرة تضم أكثر من مليوني نسمة.
وقد أعلنت إدارة أوباما بالفعل عن توجيه ضربة لسوريا تكون محدودة في المدة والحجم، وتم الإعلان عن ذلك في أجواء من الشك والتردد، وهو ما يعد بمثابة رسالة للأسد بأن نظامه بمنأى عن السقوط. ومنذ بداية هذه الحرب البغيضة، كان الأسد يزهو بنفسه، وحذر الثوار من أنه ليس بمقدور أي جهة خارجية المجيء لنجدتهم. وسار الأسد على نهج والده الراحل وأعلن أن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على اختبار قوتها في بلاد الشام.
إنه لأمر مؤسف في الحياة السياسية العربية أن يخرج المغامرون من الهزائم المريرة ليدعوا البطولة أمام السذج الذين يصدقونهم. انظروا إلى ما حدث عام 1991، حيث أنزلت الولايات المتحدة هزيمة ساحقة بنظام صدام حسين، ولكن «الشارع العربي» الذي احتشد من حوله لم يقتنع مطلقا بأن بطلهم قد تعرض للهزيمة!
وبعد سبع سنوات، وخلال فترة رئاسة بيل كلينتون، تم الهجوم على صدام مرة أخرى عن طريق عملية «ثعلب الصحراء» الأنغلو-أميركية التي كانت تهدف إلى معاقبة الطاغية العراقي نتيجة تحديه لمفتشي الأمم المتحدة. وتوقفت الغارات بعد أربعة أيام واعتبر صدام حسين أن هذا دليل على ضعف القوى الغربية.
وفي عام 2006، أشعل زعيم حزب الله حربا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ونسج أسطورته حول «النصر الإلهي» الذي سيحمي الميليشيا الخاصة به. وقد خيم الموت والدمار الاقتصادي على لبنان، ولكن كان يكفي أن حزب الله ظل موجودا بعد انتهاء الحرب!
ونتيجة لذلك، يجب حرمان النظام السوري من المكاسب التي سيحققها في حالة شن حرب غير حاسمة عليه. ويجب أن يكون النظام نفسه – الأعضاء والشرطة السرية ووحدات النخبة العسكرية والقواعد الجوية – يجب أن تكون أهدافا مشروعة، وينبغي تطبيق الشيء نفسه على القصر الرئاسي للأسد. يجب أن يكون هناك قناعة وشجاعة في هذه المعركة مع الديكتاتور الأسد.
الحقيقة هي أن العالم العربي (السني) به عداء كبير الآن تجاه الحاكم السوري وعصابته ولن يبكي على رحيله. ويجب أن تحلم الغالبية العظمى من العرب بوضع نهاية له مشابهة للمصير المروع لمعمر القذافي. ويتعين على أوباما أن ينحي قلقه من استعداء مشاعر المنطقة جانبا، فهذا هو «الشرق» والأفعال الغربية تحدث على مرأى ومسمع من الذين يحدوهم شك في حل للأزمة وفي ضعف الغرباء. لقد أعلن أوباما بكل فخر أنه لا يخدع الآخرين، ولكن الديكتاتور السوري قد وصفه بأنه مخادع.
* خدمة: «بلو بيرغ. كوم»
..........
الشرق الأوسط
فؤاد عجمي
|
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..