السّؤال:
وهذا يسأل: ما فتواكُم في ما يحصُل في الشّام، وهل يُعَدُّ جهادًا شرعيًّا؟ وهل يُعَدُّ القتال مع الجيش الحُرّ تحتَ رايَة؟
الجواب:
قد تكلّمنا في هذا كثيرًا، وبهذه المُناسبَة أهل الأهواء يطعَنُون في أهل السُّنّة حينَمَا تكلّموا في أوّل الأمر وقالوا لا تُقاتِلُوا (انقطاع قليل من المصدر) حتّى لا تُرَاق دماؤُهُم وتُستحلّ محارمهم كما ترَوْنَ وتسمَعُونَ الآن! تُنتَهك الأعراض، وتُسفَك الدِّماء، ويُهجّر النّاس، ويُهلَك الحَرْث والنّسل، هذه الطّائفة أكفر من اليهود والنّصارى؛ هذا مُتقرِّر، فحينما قُلنا لهم: لا تفعلوا لا تُجيبُوا من قال هذا؛ قالوا: هؤلاء يقفون مع بشّار! مع نظام بشّار! فيه عاقل يقف مع النُّصيريّة؟!! يعرف ما معنى النُّصيريّة يقف معها؟!! الوقوف مع الكافر ومظاهرته على أهل الإيمان والإسلام رِدّة عن دين الله تبارك وتعالى، ولكن أهل الباطل لو جئت لهم بألف مُؤذّن يُؤذِّن بمثل هذا الكلام لا يردعُهُم عن افترائهم الكذب على أهل السُّنّة والإيمان.

أما وقد وقع الأمر ففي الحقيقة أنا لا أرى رايةً شرعيّة، وأنا أسألُكُم؛ النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- سُئِل عن الرّجل يُقاتِل حميّة والرّجل يُقاتِل شجاعةً والرّجُل يُقاتِل للمغنم؛ النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أعرض عن هذا كُلِّه وأجاب جواب الحكيم قال:(من قاتل لِتكون كلمةُ الله هي العُلْيَا فَهُو في سبيل الله) فهل الجيش الحُرّ يُقاتِل لتكون كلمةُ الله هي العُلْيَا؟ نحنُ نسأل؟ فإذا كان كذلك فَلْيَرْفَعُوا الرّاية، والذي سمعناهُ نحنُ ورأينَاهُ أنّه على خلاف ذلك، ولهذا جميع التّيّارات تحته العلمانيّون واللّيبيراليّون والدِّيمقراطيّون والقوميّون والشّعوبيّون بل وبعض من يُسمّونهم بالعلويِّين وهُم النُّصيريّة من طائفة هذا الحاكم الحالي انضمّوا معه والنّصارى كذلك ويُطالبون بدولةٍ مدنيّةٍ، تعرفون ما معنى مدنيّة؟! إيش يعني؟! لا دينيّة! لا مكان للدِّين فيها! فهل يُقال هذا –يعني- القتال معهم –يعني- في سبيل الله؟!

لكن أقول لِمَن ابتُلِيَ أبشر فإنّ الله جلّ وعلا يقول:﴿
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، فإذا قُوتِلت فقاتل دُون دمك ودون عِرضك ودُون مالِك وقبل ذلك دُونَ دينِك ومن قُتِل في سبيل هذا فهُوَ شهيد.

أمّا ما يُتكلّم عليهِ من الرّايات التِي يُزعَم أنّها إسلاميّة! فنحنُ –وللهِ الحمد- لسنا بِعُمْيان ولا بِصُمّ، فنحنُ نرى ونسمَع كما يسمَع هؤلاء المُتكلِّمُون، التّنظيمات التي يُقال عنها في بلاد الشّام أنّها تنظيمات إسلاميّة في القتال هِيَ الظّاهرة على قسمَيْن هذا الظّاهر لنَا:

أمّا القسم الأوّل: فهُمْ طائفة الإخوان، وهؤلاء لا خيرَ فيهم لا في الدِّين ولا في الدُّنيَا، لا للإسلام نصرُوا، ولا لأعدائه كسرُوا، لا أقاموا دينًا، ولا هُمْ أبقَوْا دُنيا، بل سمعتُ بعضَهُم حينمَا تكلّم في الحُكم الذي يُسمّونه بأنّه إسلاميّ في تونس جبهة الإنقاذ، كان قبل أسبوع هناك مؤتمر للعُمّال في بلاد تونس؛ فجاء إلى هذا المؤتمر عددٌ كبير من العُمّال وشخصيّات ومن هؤلاء عدد كبير من النّصارى ومن ضمنهم امرأة نصرانيّة إسبانيّة سمعتها تتحدّث والتّرجمَة فوريّة تقول: إنّها دُهِشَت حينما دخلَت؛ وهذا نقوله للحقيقَة وهُوَ وإن كان مُرًّا إلاّ أنّ السّكوت عليه أمرّ حتّى يعلَم من يسمع وينتهِي إليه هذا الكلام أنّنا نعلَم ما يجري على السّاحَة ونعيشُ معهم كما يعيشون فنرَى ما يرَوْن ونَسْمَع ما يسمَعُونَ، ونذكر –إن شاء الله- الذي لَهُم والذي عليهِم إن وُجِد، وأمّا هُم فلا يذكرون إلاّ الذي لَهُم وهذا حالُ أهل الأهواء منذُ القِدَم، قالت هذه المرأة: أنا دُهشت حينما دخلت إلى تونس ورأيت ما رأيت فيها تعجّبت كيف يكون هذا في بلدٍ يحكُمُه إسلاميّون! فعلّق المعلِّق باسم هذه الطّائفة قال: نعم؛ نحن نحكُم الإسلام الآن يحكُم لكنّنا هُناك فرق بين الحُكم والتّحكّم نحنُ نحكُم ولا نتحكّم! فلذلك رأت الحانات في تونس مفتوحَة -يعني: محلاّت شرب الخمر- هذا هُو الإسلام عند جبهة الإنقاذ! لذلكَ أنهم يحكمون ولكن لا يتحكّمون، فالخمر مفتوحة أبوابه والحانات مفتوحة، فهذه الإسبانيّة رأت ما في تُونِس مثل ما في أوروبا بلاد الكُفر الحانات مفتوحة! فلمّا استغربت هذا كيف شوف أصبحت على كفرها أعلَم بالإسلام من الإسلاميِّين! لأنّها تعلم أنّ الخمر مُحرّم في شريعة الإسلام بل هو في جميعِ الشّرائع، لكن استغربت كيف هذه الجبهَة تحكُم وتزعُم لنفسِهَا أنّها إسلاميّة والحاناتُ مفتوحة! قال: لا؛ نحنُ نحكُم ولا نتحكَّم! ما شاء الله! ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَن المُنكَرِ، أيُّ مُنكرٍ بعد فتحِ الحانات لأُمّ الخبائث! عُقلاَء الجاهليّة ترفّعوا عنهَا

وَاهْجُرِ الخَمْرَة إن كُنتَ فتى *** كيفَ يسْعَى في جُنونٍ من عَقل!

العاقِل كيف يذهَب إلى الجُنون يُزيل عقله بيدهِ؟! فهذا حالُهُم وفي كُلّ مكان هذا حالُهُم.

وفي سوريا صرّح المُتحدِّث الرّسميّ باسمِهِم أنّه لا مانع عندهُم من أن يَحْكُمهُم نصرانيّ أو امرأة! هذا قبل سنَة تقريبًا أو سنة ونصف أوّل قيام الحرب، لا مانع عندهم يحكمهم نصرانيّ أو امرأة! أيُّ إسلامٍ هذا؟!

والقسم الثّاني: تنظيم القاعدة الخوارج، وكانُوا قبل يتستّرون حتّى أمس، فأعلنوا بَيْعتهم لأيمن الظّواهري، أمس أمس أعلنوا بَيْعتهم لأيمن الظّواهري، فماذا يُرجَى من هؤلاء؟!

إخوتي: أهل بلاد الشّام قد ابْتُلُوا، ونسأل الله جلّ وعلا أن يُعِينَهُم وأن يَلْطُفَ بهم وأن يَحْقِنَ دماءَهُم وأن يحفظَ أعراضهُم وأن يرُدّهم إلى بلادهم وأن يُعجِّل بهلاكِ عدوّهم وأن يُهيِّئ لَهُم من أمورهم رشدًا وأن يُولِّيَ عليهِم الخيار وأن يَكفِيَهُمُ الأشرار.

هذا الوضع هُو في سوريا، ولا يَهُولنَّكُم ولا يغُرّنّكُم الجعجعات التي تسمعونها.

نحنُ والله نتمنّى زوال هذا الظّالم اللّيلة قبل غد، ولكن مع هذا نسألُ اللهَ أن يُبدِّلهم خيرًا هذا هُوَ المُهمّ، نسألُ الله جلّ وعلا أن يُبدِّلهم خيرًا وأن يُولِّيَ عليهم من يقوم بأمر دينِ الله تبارك وتعالى، إنّه جوادٌ كريمٌ.


أقول هذا الكلام، لأنّ الكلام في هذا الجانب قد كثُر، والافتراء على مشايخ السّلفيِّين قد كثُر، والموعدُ عندَ الله تبارك وتعالى.

ولعلّنا نكتفِي بهذا، واللهُ أعلَم.اهـ



الشيخ العلامة
محمد بن هادي المدخلي
حفظه الله

المادة الصوتية
 

◄ في المرفقات



 

وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
05 / شعبان / 1434هـ


وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين