ذكر الإمام أحمد رحمه الله أثرًا أن الله
سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا
وكذا، فقال : يا رب، كيف وفيهم
فلان العابد!؟ فقال: به فابدأ؛ فإنه لم يتمعّر وجهه فيّ يومًا قط.
وقال الإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ
وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} قال : "هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب
حلول عذاب الاستئصال بهم أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد ".
كلنا كأجيال ترعرعنا وتابعنا ما تقوم
به هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، من جهود عظيمة في حفظ الأمن المجتمعي،
والرئاسة مؤسسة رسمية، مثلها مثل باقي مؤسسات الوطن، غير أن الدولة أنشأتها تحقيقا
لشعيرة؛ عدها بعض العلماء الركن السادس من الإسلام, وهي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر, والتي قالوا أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين, وبها
نأمن الوقوع في أحد أسباب هلاك الامم..
هذا البعد الكوني، للأسف غائب عن
الكثيرين، من الذين يتضجرون منها، ويتربصون الفرص لإسقاطها، فيما لو عمل استفتاء
في المجتمع، لوجدناها فئة ضئيلة جدا، أمام جموع تؤمن بدورها الأخلاقي في المجتمع.
قبل أيام حصلت حادثة أثارت ضجة إعلامية
في صحفنا وفي مواقع التواصل الاجتماعي. الحادثة كانت مطاردة قيل أنها بين رجال الحسبة
في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشابين، هذه المطاردة –إن صحت- أدت إلى انحراف
سيارة الشابين وسقوطها من أعلى جسر، ووفاة أحدهما في الموقع، ونقل الآخر في حالة خطرة
إلى العناية المركزة, رحم الله الأول وغفر له, ونسأل الله للثاني الشفاء الذي لايغادر
سقما.
ولأن نتائج التحقيقات لم تظهر حتى الآن، توقفت كثيرا
عند ردود الفعل على الحادثة, حيث تواطأت فئة من كتاب صحفنا على هجوم ظالم على (كل)
رجال الهيئة, بل والمطالبة بإلغاء (الهيئة) وتفكيكها, وترددت كثيرا عبارة "مسلسل
المطاردات" تلبيسا على جهاز الهيئة وافتراء مكشوفا وممجوجا!
ولاخلاف في وجوب القصاص ممن تسبب في القتل, ولا خلاف
أن هناك قصورا تربويا في بعض منتسبيها، لكن كانت كتابات المطالبين بإلغاء الهيئة وتحميلها
خطأ أفراد منها تثير التساؤل والشكوك, فقد
كان هجوما عنيفا، بلا موضوعية، وتصب أغلبها في مصب واحد، وهو التشفي وتصفية الحسابات!
فحين يطالب كاتب ما بإلغاء الهيئة بسبب
خطأ واحد لا يقارن بأخطاء غيرها من المؤسسات أو الوزارات , بل ليس هناك نسبة مقارنة
بينها؛ فهذا يدل على اختلال الموازين، وازدواج
المعايير، وتوظيف الزلات بما يخدم فكره.
لماذا لم نسمع لهذا الكاتب النحرير،
وهو يزأر حيال الهيئة، فيما يموء كالقطة الخائفة أمام وزارات أخرى كالشرطة مثلا،
أو حتى وزارات خدمية أخرى، خذوا مثالا: وزارة الصحة، ففي تقرير نشرته إحدى الصحف، ذكر
أن أكثر من 2500 حالة وفاة سنوياً يُشك بحصولها نتيجة خطأ طبي، وأن الأخطاء الطبية
التي تشهدها المستشفيات السعودية أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية التي تصدرها وزارة
الصحة، لماذا لم نسمع عن مطالبات بإلغاء أو اسقاط الوزير من هذا الكاتب تحديدا؟!
بل قبل أيام من حادثة الهيئة، مات شابان
في الصحراء بسبب قصور من الدفاع المدني في البحث عنهما، حيث كانا في منطقة قريبة من
المباني والذي أنقذ أحد المرافقين لهما رجل من عامة الناس لم يستغرق بحثه عدة ساعات،عدت
لهؤلاء الكتبة، ولم أجد منهم هذا الهجوم الشرس، بما فعلوا مع الهيئة !!
هؤلاء الكتاب أنفسهم تجاهلوا حادثة لأحد
رجال الهيئة قبل عام في عسير , حيث قتل وهو على رأس العمل، حين كان يرافق رجل أمن في
سيارته، تصوروا قتل بطلق ناري! ، أي أنها جريمة مكتملة الشروط والاركان، ليس قتلا بالخطأ,
ومع ذلك لم نسمع تعاطفا أو انتصارا لرجل الهيئة من كتبة الصحف هؤلاء.
دعكم من كتبة الصحف، فقد دخل على الخط
شخصيات عامة، فما معنى أن تركز الصحف على مأساة
أهل الشابين فقط, ويقوم أحد كبار الشخصيات بزيارة أهلهما وتقديم كافة أنواع العزاء
المادية والمعنوية لهم ويواكبها بهرجة إعلامية كبيرة!؟ بينما رجل الهيئة الذي قتل وهو يمارس عمله، ويخدم
وطنه، وقد قتل بسلاح مع سبق الإصرار والترصد، وخلّف أطفالا يتما وأرملة مكروبة، لا
بواكي له ولا كافل لأيتامه!!
وليست هذه أول حادثة يسارع فيها كتاب يمثلون
تيارا واحدا إلى اتهام رجال الهيئة قبل صدور نتائج التحقيقات، ثم يصمتون صمت القبور
حين تظهر براءتهم، وآخرها قبل فترة قريبة حين برأت المحكمة ثلاثة متهمين من رجال الحسبة
وأمرت بتعويضهم بمبالغ مالية عن سجنهم، لماذا تجاهل ذلك كتاب صحفنا ، أو هذه
الشخصية العامة التي أرادت أن تركب الموجة؟!
وفي الوقت الذي نسلط فيه الضوء على هؤلاء
الكتاب، الذين أغلبهم لايُستغرب منهم هذا الهجوم على الهيئة، لأنها تحارب أهواءهم ونزواتهم
من خمور وحفلات مختلطة وغيرها, في الوقت نفسه نطالب الهيئة بأن لاتهييء لهم أسباب إسقاطها،
وكسب جماهير تؤيدهم من شباب مضللين ومراهقين مخدوعين, وذلك بأن تسعى الهيئة لتطوير
مستوى رجالها, كما نطالبها بالتركيز على المنكرات التي يتعدى ضررها للمجتمع, كمروجي
المخدرات والخمور ومروجي الأفلام الإباحية أو المفسدة للعقائد, وقضايا الابتزاز, والسحر,
بمعنى أن تتوقف عن تشتيت جهدها في منكر لايتعدى غيره كعلاقة بين شاب وفتاة لم يجاهرا
بها وقد يرزقهما الله التوبة قبل الفضيحة! فملاحقة الشباب فيه هدر للجهد والمال ولن
يتم به المقصود, كما أن مثل هذه المنكرات مسؤولية الأسرة والوالدين , ودور الهيئة في
ذلك الأمر بالمعروف،وتقوية الوازع الديني والتحذير والنهي عن الفواحش والمنكرات.
كذلك نطالب الهيئة بأن تقترب من الشباب،
وتستغل أماكن تجمعاتهم أو تستأجر دقائق في الفضائيات أثناء المباريات المهمة، بحيث
تتحدث عن أهمية عملها وإنجازاتها بطريقة جذابة, أو تستغلها بموعظة مؤثرة, كذلك تستغل
المناسبات والأعياد فلا تظهر فيها فقط بعبعا مخيفا للشباب، وذلك بمشاركتها لهم بهدايا
رمزية شبابية وكلمات دعوية جميلة.
وبذلك توازن في مهمتها بحيث لا تكون نهيا
عن المنكر فقط , بل أمرا بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة,علما أن الهيئة قامت مشكورة
ببعض ماذكرت ولكن أحببت التأكيد عليه وألا يكون أمرا ثانويا.
ختاما سنظل نفتخر أن بلادنا اليوم هي الدولة
الوحيدة التي أقامت هذا الصرح الكبير الذي
به تتم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والذي نتمنى أن يتعدى إلى كل منكر في
البلاد كالفساد وقضايا الرشوة وغيرها, فبإنكار المنكر نصل إلى الخيرية بين الأمم , وبه نتقي أسباب هلاك
الأمم.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به،
فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان
ذلك سببًا لهلاكهم " اهـ.
من م ق / بقلم :سماوية
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..