على الرغم من أن قرار ضرب سوريا يندرج تحت صلاحيات الرئيس الأميركي باراك
أوباما إلا أنه بقذفه
«جمرة القرار» على الكونغرس، جعل بينه وبين تداعيات هذا القرار الخطير حاجزا يشترك فيه مع الكونغرس في الغنم والغرم، غير مكترث بأن هذا التردد و«التنطيط» بين الضرب وعدم الضرب، وفي الأخير القبول بالمبادرة الروسية بجعل الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي، يوجه رسالة خاطئة (وقد تكون صائبة) لنظام بشار بأنه لا نية لإسقاط نظامه ولا مانع من مواصلة حربه لشعبه.
فهل هذا التردد ضعف في الرئيس الأميركي، أم أنه أحد أعراض ضعف أميركا؟
لقد بلغت أميركا ذروة سطوتها واستفرادها بالعالم، أو هكذا ظنت، حين تهاوت منظومة الاتحاد السوفياتي السياسية والأيديولوجية فاستعرضت عضلاتها في أفغانستان وتباهت بقوتها في العراق وتبخترت في الصومال، فعلتها بلا حسيب ولا رقيب، كانت تأمر فتطاع وتنهى فينتهون، حتى أضفى عليها البعض صفات خارقة.. لا مانع لما أعطت ولا معطي لما منعت، خافضة لمن تشاء ورافعة لمن تريد، لكن الواقع يقول بأن حقبة الاستفراد بالعالم وأحادية القطب تمثل بداية نزول بطيء لهذه الدولة العظمى، وهذا ليس تصورا سطحيا مستعجلا، بل هو ما نبه إليه وحذر منه عدد من المفكرين الأميركيين، والوقائع السياسية المعاصرة تسنده.
لاحظ مثلا كيف كانت أميركا، بعد تهلهل منظومة الاتحاد السوفياتي، تصول وتجول في العالم بقرارات عسكرية خطيرة متدثرة أحيانا بغطاء قرارات مجلس الأمن الدولي، وفي أحيان أكثر من دونها، كما جرى في احتلال أفغانستان والعراق، أعقب ذلك التلويح بـ«النظام العالمي الجديد» والذي أرادت به أميركا تغييرا جذريا حتى في أنظمة حليفة لها في منطقة الشرق الأوسط، حينها لم تكن روسيا قد أفاقت من غيبوبة سقوط منظومتها، وكان اقتصادها المتهاوي ألما موجعا في خاصرتها أشغلها عن هموم العالم واستعراضات الابتهاج الأميركي بسقوط أيديولوجيتها وتفلت أقاليمها، وأما الصين فكان إرثها الحضاري الضارب في أعماق التاريخ جعل ساستها يقرأون المستجدات السياسية قراءة واقعية فحنوا رؤوسهم لعاصفة النشوة الأميركية بسقوط خصمهم السوفياتي، وحرصت على المحافظة على مكتسباتها الاقتصادية الجبارة وعدم التفريط فيها بسبب نزوة أميركية عابرة، فكان «عدم التصويت» في مجلس الأمن رمزية لحضور روسيا والصين غير المؤثر.
لكن عسل الاستفراد الأميركي ذاب أمام سخونة الغضب الصيني الروسي في الحالة السورية، فتحدت الصين وروسيا أميركا في مجلس الأمن ثلاث مرات، ومنعتا إجراءات ضد نظام بشار الأسد، وكانتا من الأسباب الرئيسة في حالة التردد المخجل لرئيس أكبر قوة عالمية، وقل الشيء ذاته مع السياسة الأميركية في التعامل مع مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، ارتباك وتردد، والتصريح ونقيضه بين أركان الإدارة الأميركية بمن فيهم أوباما «رئيس التردد» العالمي بلا منازع، وسواء كان تردد الرئيس الأميركي أوباما علامة ضعف للرئيس، أو هو عرض لبدايات ضعف في الدولة، فإن المجمع عليه أن سمعة أميركا تضررت كثيرا من موقفها الأخير تجاه جرائم بشار الكبيرة ضد شعبه.
.......
الشرق الأوسط
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
«جمرة القرار» على الكونغرس، جعل بينه وبين تداعيات هذا القرار الخطير حاجزا يشترك فيه مع الكونغرس في الغنم والغرم، غير مكترث بأن هذا التردد و«التنطيط» بين الضرب وعدم الضرب، وفي الأخير القبول بالمبادرة الروسية بجعل الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي، يوجه رسالة خاطئة (وقد تكون صائبة) لنظام بشار بأنه لا نية لإسقاط نظامه ولا مانع من مواصلة حربه لشعبه.
فهل هذا التردد ضعف في الرئيس الأميركي، أم أنه أحد أعراض ضعف أميركا؟
لقد بلغت أميركا ذروة سطوتها واستفرادها بالعالم، أو هكذا ظنت، حين تهاوت منظومة الاتحاد السوفياتي السياسية والأيديولوجية فاستعرضت عضلاتها في أفغانستان وتباهت بقوتها في العراق وتبخترت في الصومال، فعلتها بلا حسيب ولا رقيب، كانت تأمر فتطاع وتنهى فينتهون، حتى أضفى عليها البعض صفات خارقة.. لا مانع لما أعطت ولا معطي لما منعت، خافضة لمن تشاء ورافعة لمن تريد، لكن الواقع يقول بأن حقبة الاستفراد بالعالم وأحادية القطب تمثل بداية نزول بطيء لهذه الدولة العظمى، وهذا ليس تصورا سطحيا مستعجلا، بل هو ما نبه إليه وحذر منه عدد من المفكرين الأميركيين، والوقائع السياسية المعاصرة تسنده.
لاحظ مثلا كيف كانت أميركا، بعد تهلهل منظومة الاتحاد السوفياتي، تصول وتجول في العالم بقرارات عسكرية خطيرة متدثرة أحيانا بغطاء قرارات مجلس الأمن الدولي، وفي أحيان أكثر من دونها، كما جرى في احتلال أفغانستان والعراق، أعقب ذلك التلويح بـ«النظام العالمي الجديد» والذي أرادت به أميركا تغييرا جذريا حتى في أنظمة حليفة لها في منطقة الشرق الأوسط، حينها لم تكن روسيا قد أفاقت من غيبوبة سقوط منظومتها، وكان اقتصادها المتهاوي ألما موجعا في خاصرتها أشغلها عن هموم العالم واستعراضات الابتهاج الأميركي بسقوط أيديولوجيتها وتفلت أقاليمها، وأما الصين فكان إرثها الحضاري الضارب في أعماق التاريخ جعل ساستها يقرأون المستجدات السياسية قراءة واقعية فحنوا رؤوسهم لعاصفة النشوة الأميركية بسقوط خصمهم السوفياتي، وحرصت على المحافظة على مكتسباتها الاقتصادية الجبارة وعدم التفريط فيها بسبب نزوة أميركية عابرة، فكان «عدم التصويت» في مجلس الأمن رمزية لحضور روسيا والصين غير المؤثر.
لكن عسل الاستفراد الأميركي ذاب أمام سخونة الغضب الصيني الروسي في الحالة السورية، فتحدت الصين وروسيا أميركا في مجلس الأمن ثلاث مرات، ومنعتا إجراءات ضد نظام بشار الأسد، وكانتا من الأسباب الرئيسة في حالة التردد المخجل لرئيس أكبر قوة عالمية، وقل الشيء ذاته مع السياسة الأميركية في التعامل مع مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي، ارتباك وتردد، والتصريح ونقيضه بين أركان الإدارة الأميركية بمن فيهم أوباما «رئيس التردد» العالمي بلا منازع، وسواء كان تردد الرئيس الأميركي أوباما علامة ضعف للرئيس، أو هو عرض لبدايات ضعف في الدولة، فإن المجمع عليه أن سمعة أميركا تضررت كثيرا من موقفها الأخير تجاه جرائم بشار الكبيرة ضد شعبه.
.......
الشرق الأوسط
حمد الماجد |
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..