السبت، 21 سبتمبر 2013

سوق الولاءات الإعلامية في السعودية : "الأمرتة" و"القطرنة":

لم يكن تاريخ ولادة الإعلام في السعودية طارئاً، إذ بدأ منذ وقت مبكر مع إصدار جريدة أم القرى، أما التلفزيون فقد كان له وجود قبل بداية البث الرسمي السعودي عام 1385 هـ بسنوات عديدة حيث كانت هنالك محطة تلفزيونية لشركة أرامكو في الظهران أيضا عام 1377 هـ.

وتعد جريدة أم القرى أول جريدة رسمية صدرت في العهد السعودي عام 1924 م، ومرت الصحافة السعودية بثلاث مراحل أساسية: "المرحلة الأولى: مرحلة صحافة الأفراد (1347 هـ - 1378 هـ) والمرحلة الثانية: مرحلة دمج الصحف (1378 هـ - 1383 هـ) والمرحلة الثالثة: مرحلة نظام المؤسسات الصحفية الأهلية ومستمرة إلى الآن".
بدأت الإذاعة في المملكة العربية السعودية في البث المباشر المستمر والمنتظم في الساعة السابعة من مساء يوم عرفة 9-12-1368 هـ.
أول أشارة لمشروع التلفزيون السعودي في المملكة وردت في البيان الذي أذاعه الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1382 هـ (1962م)، حيث اعتزم الأخذ بهذه الوسيلة الهادفة إلى الترفيه البريء وقد بدء البث التلفزيوني الملون بصورة دائمة في المملكة منذ 1976م.
وزارة الإعلام السعودية تأسست بموجب مرسوم ملكي نص على تحويل المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر إلى وزارة الإعلام وهي مسئولة عن التخطيط والإدارة والتنفيذ والمتابعة لكل من الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية.
الصحف اليومية (الجرائد) على الرغم من أنها تحت الملكية الخاصة، إلا أنها مدعومة ومنظمة من قبل الحكومة أيضاً، ولابد من الحصول على موافقة ملكيّة (مرسوم ملكي) من أجل تأسيس مؤسسة صحفية.
أما القانون الأساسي في السعودية، فيؤكد أن الدور الإعلامي يجب أن يثقف ويدعم الوحدة الوطنية في الصحف السعودية، ومعظم المظالم الشهيرة ممنوعة من الطباعة والنشر، في المقابل وفي الآونة الأخيرة، خففت الحكومة السعودية من منع التطرّق لبعض المواضيع الحساسة وسمحت لفئة مختارة من الكتّاب الصحفيين للكتابة عن تلك الموضوعات (موسوعة ويكبيديا).
وبذلك يكون الإعلام بشقيه الصحفي المقروء والإذاعي المسموع والمرئي المشاهد داخل نطاق الرقابة الحكومية والإرادة السياسية للبلاد، فضلاً عن التراتبية البيروقراطية في إدارات الصحف والقنوات الرسمية والخاصة التي تدار داخل السعودية أو خارجها بتمويل سعودي، مما تسبب في إحداث شبه فساد مالي وضعف في احتواء الكفاءات المتميزة في سوق الإعلاميين السعوديين.
ومع نهضة دبي الاقتصادية والإعلامية في دولة الإمارات العربية إلى جانب التنمية الاقتصادية في دولة قطر وتبنيها لمشروع قناة الجزيرة ذات التأثير الواسع، بدأت رغبة الإعلاميين السعوديين تتحرك للانتقال للعمل إلى تلك المحاضن الجديدة والمنتعشة سواء بالخروج من حدود الوطن السعودي أو الأوبة من العاصمة البريطانية لندن التي احتضنت المشاريع الإعلامية السعودية الوليدة بالنظر إلى الظروف الوظيفية الاجتماعية المعقدة والاستعدادات الفنية المتواضعة داخل الوطن العربي.
كانت مبررات الهجرة يغلب عليها الرغبة في زيادة التحصيل المالي أو إيجاد مساحة أرحب ومميزات أوسع لاحتواء الكفاءات ذات الطموح الواسع والأفق الكبير.
تحولت تلك الإمكانات التي نشأت في دول الخليج إلى إمبراطوريات إعلامية تتبنى خطوط سياسية متباينة، بحيث انتهجت قطر نمطاً سياسياً متطلعاً استخدمت فيه قناة الجزيرة ذراعاً ترويجية لمشروعها الذي امتطى صهوة ما يسمى بالإسلام السياسي.
وفي المقابل، حاولت الإمارات عبر أفرعها الإعلامية المختلفة تطوير حصانتها ضد مشاريع الإسلام السياسي وكبح جماح التغيير الراديكالي في المنطقة والتخفيف من الآثار المترتبة على السلوك السياسي لجهاز الخارجية في الشقيقة قطر.
في ظل هذا التنافس الإعلامي بين دولتين تسعى بشكل ظاهر إلى تمويل اتجاهاتها الإعلامية المتنابزة، يحصل الإعلاميون السعوديون على فرص واسعة لتبني أيّ من الخطين المتباينين في ظل التحفظ السياسي والإعلامي في وسائل الإعلام المحلية.
إذ ما زالت السعودية تدور في فلك التحفظ السياسي والطرح الإعلامي المنضبط عبر قنواتها وصحفها الرسمية والخاصة، باستثناء منبر قناة العربية ذات رأس المال السعودي، والتي تتخذ من مدينة دبي للإعلام مستقراً لها وتقف في الطرف المقابل لشبكة الجزيرة، ولكنها لا تصيب دائماً في إحداث التطابق مع الهوية الاجتماعية أو السياسية السعودية.
بدأت هجرة الإعلاميين السعوديين إلى مؤسسات الإعلام الخليجية الشقيقة تأخذ انعطافة حادة باتجاه الخروج من المبررات المالية والعملية التقليدية، إلى هجرة تستبطن الولاءات الإعلامية والأنساق السياسية التي تتحكم فيها، فنشأ مصطلح "القطرنة" لوصف تلك الأقلام والوجوه التلفزيونية التي تملك حماساً لمشروع قطر السياسي وتعمل في مفاصل إمبراطوريتها الإعلامية.
وفي المقابل، نشأ مصطلح "الأمرتة" في المعسكر المقابل الذي يلتزم بمشروع تصفير طموحات ما يمسى "الإسلام السياسي" وإشاعة سياسات محور الاعتدال المتماهي مع طبيعة المجتمع الدولي والتحالفات التقليدية في المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم.
ومع انطلاق شرارة الربيع العربي اتسعت نقطة المفاصلة بما يصل إلى مستوى الاحتراب الإعلامي الجليّ، وتحركت الماكينة الإعلامية القطرية لتسويق مشاريع الثورة وتعبئة الشعوب ضد حكامها.
وفي المقابل عملت الأجهزة الإعلامية ذات التمويل الإماراتي إلى التخفيف من وتيرة التغيير الثوري والحفاظ على استقرار المنطقة على نمط محور الاعتدال الذي انطبعت به المنطقة منذ وقت مبكر.
يظهر وكأن الإمارات تتولى المهمة بدلاً عن السعودية التي تعيش ما يشبه حرباً باردة مع طموح قطر السياسي، ولكن السعودية تتحفظ عن الخوض في مواجهة إعلامية سافرة وتحاول أن تبقي على مسافة كافية للتواصل والتعاون مع دول الخليج المختلفة بما يحقق استقرار المنطقة وفق التحالفات والطبيعة السياسية التقليدية.
وهذا ما جعل السعودية تعاجل رئيس تحرير صحيفة سعودية ناشئة بالإقالة بعد أن أمعن في مخاطبة دولة خليجية شقيقة بطريقة غير مسبوقة في الصحافة السعودية في محاولة منه لإحداث ما لم يسبق إليه في الصحافة السعودية من فتح جبهة خلاف سياسي صريحة مع دول التنافس الملاصقة.
عندما تحدث الملياردير السعودي وابن العائلة الحاكمة الوليد بن طلال في لقائه المطول عبر عشرات القنوات الفضائية، أشار أن الجزيرة القطرية قناة الشعوب وقناة العربية السعودية للحكام ؛ في معرض دراسة أجريت لسبر آراء الشارع العربي بغرض إطلاق قناة العرب الإخبارية الجديدة من دولة البحرين وبتمويل من خزينته الطائلة.
ويبدو من هذه الإشارة العابرة لمالك القناة القادمة في السوق الإعلامية أنها ستفتح المجال واسعاً لمزيد من الانفتاح الإعلامي، وتبنّي سياق إعلامي أكثر صراحة وجرأة في الطرح والمناولة بما يكسر التحفظ الإعلامي السعودي المحلي ويعيد إلى أذهان الكفاءات الإعلامية السعودية التفكير في الكف عن الانتقال إلى مؤسسات الدول المجاورة.
وهذا يذكّر بحجم الجهد المضموني الذي انتهجته "روتانا خليجية" التابعة لإمبراطورية الوليد الإعلامية بعد إعادة صياغتها على نحو يوافق المحلية السعودية، مما أفرز برامج حوارية شديدة الحساسية وتبنت وجهات نظر غير مرحب بها أحياناً في الداخل السعودي، مما تسبب في عملية إغلاق وإبعاد مفاجئة خلال شهر رمضان الماضي.
ولكن إقالة الكويتي طارق السويدان من منصب إدارة قناة الرسالة الإسلامية والتابعة لمجموعة روتانا بسبب "إخوانيته" ومناصرته للمتظاهرين المصريين المؤيدين للرئيس المعزول مرسي، وإبعاد المذيع السعودي عبد الله المديفر من برنامجه الحواري الرمضاني "في الصميم"، يخنق هذه الآمال ويؤكد مداورة الإعلام السعودي في حيّز التحفظ شديد القتامة.

 
بقلم: عمر علي البدوي / كاتب سعودي

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..