الاثنين، 23 سبتمبر 2013

هل الإسلام هو ما قال الله، ورسوله، وإمامنا؟

إن القصة التي أوردتها الأستاذة حصة آل الشيخ تذكرني بحوار جرى قبل سنوات بين اثنين. أحدهما
يحمل "رخصة سواقة" ماجستير في الدعوة إلى الإسلام، وليس إلى... ولنسميه "الداعية". والآخر لا يحمل أي رخصة رسمية في مجال الدراسات الإسلامية.

 وقد انطلق الحوار من موقف الداعية المؤيد لبعض أقاربه المعترضين على تزويج أحد أقاربهم ابنته من مسلم تقي، يحمل الدم الأفريقي!
أراد الداعية أن يقنع الآخر بموقفه فجرى الحوار التالي:
- الداعية: هل ترضى أن تزوج قريبتك من هذا؟
- الآخر: هل زوّج خليل رب العالمين ابنة عمته زينب من زيد الذي كان مملوكا؟
- الداعية: نعم، ولكن لم يأمر النبي زينب بقبوله فلا تُعتبر طاعته في هذه المسألة واجبة.
- الآخر: صحيح لم يأمرها النبي، ولكن هل حققت رغبته تقديرا له، رغم نفورها النفسي من هذا
           الزواج؟
- الداعية: نعم، ولكنها بسلوكها جعلت زيد والنبي يقتنعان بأن الزواج غير ناجح.
- الآخر: وهل كافأ رب العالمين زينب لتحقيق رغبة نبيه، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم؟
- الداعية: ولكن لم ينكر عليها رب العالمين سلوكها الذي لم تتمكن من السيطرة عليه.
- الآخر: هل قريبتكم هي المعترضة على الزواج الذي تتحدث عنه أو أنكم الأقرباء؟ وهل هي
           تخالف شريعة الله باتباعها سنة المصطفى فيجوز لكم الاعتراض عليها؟
ورمى الداعية شبكته الأخيرة، فقال: هل ترضى أن يعاديها أهلها ويحدث قطع الرحم بسبب هذا
          الزواج؟
فقال له الآخر: هل يليق بالمسلم العاقل أن يعادي المتبعة لشريعة رب العالمين وسنة نبيه
         لتصون نفسها ولتفوز بالسعادة في الدارين؟ وهل يستحق من يعادي المتبعة لسنة نبي الله أن نحرص على صلة رحمه؟ وهل يجوز في الإسلام تقديم طاعة الأقرباء على الطاعة لرب
السماوات والأرض؟
تساؤلات ذات علاقة:
دعنا نستخدم عقولنا التي أنعم الله بها علينا ونتأمل في هذه القصة ومثيلاتها، ومنها الحادثة التي استغل أولاد العمومة سلطاتهم أسوأ استغلال فسجنوا الخاطب حتى يتنازل. ومنها ما انحدرت الإنسانية عند أصحاب السلطة الشكلية والفعلية فمزقت أسرة أوجدها والد الزوجة في حياته وكانت تعيش سعيدة آمنة. فبعد وفاة والد الزوجة برز وحش "كفاءة النسب" فقلب سعادة الأسرة من نعيم إلى جحيم. إن هذه القصص المؤلمة تثير سيلا من التساؤلات في الذهن، ومنها ما يلي:
·       ما ذا يقول رب العالمين ورسوله في شرط كفاءة النسب؟
·       هل يأمر الإسلام بتسلط الرجل على المرأة باسم القوامة؟ أم أنه يأمر بالعدل وبحسن معاملتها؟
·       هل يأمر الرحمن الرحيم بحرمان المرأة من حقوقها وتمزيق أسرتها باسم الولاية؟ وهل يجيز نبي الرحمة هذا الفهم لتعاليم الإسلام؟ وهل يتسق هذا الفهم للكفاءة في الزواج مع الفطرة السليمة؟
·       وهل قول الإمام والشيخ مساو لقول الله ورسوله، وربما أعلى، حتى أننا أحيانا نحتج به، وإن كان يتعارض مع الكتاب والسنة أو العدالة الإنسانية والإسلامية؟
·       أليس العقلاء من المسلمين والمسلمات، وإن لم يكونوا علماء، يدركون أن الوحي لم ينزل إلا على محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل من قبله، وليس بعده نبي؟
·       أليست الحقيقة هي أن أحداً من العلماء لم يدعي أنه يتلقى وحيا من السماء ينسخ ما ثبت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الموثقة؟ وأنه مغفور لهم إن أخطأوا أو نسب إليهم بعض تلاميذهم أقوالا فهموها خارج سياقاتها أو...
·       ألا يتفق العلماء على أن الاجتهاد البشري يقتصر على المسائل التي لم يرد فيها شيء في الكتاب أو السنة بصورة قطعية في الثبوت والدلالة، أو قريبا من ذلك، وأنه لا يجوز معارضتها إلا في حالة وجود تعارض بين النصوص المتكافئة نفسها؟
·       أليست المحاكم الشرعية في المملكة التي تصرف عليها الدولة من بيت مال المسلمين هي لخدمة الإسلام والمتبعين له بحق، والمقيمين في الدولة الإسلامية، وليست لخدمة عادات الجاهلية ومعتقداتها؟
·       أليست المسلمة البالغة مؤهلة عند الله لاتخاذ القرارات المستقلة التي يجعلها تستحق المحاسبة على معتقداتها وأقوالها وأفعالها...؟ يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب.}ٍ (سورة غافر40)
    فلماذا نعتقد نحن البشر أنها ليست مؤهلة لاتخاذ القرار فيما يخصها من أمور الدنيا، وخاصة
    إذا كانت حريصة على طاعة الله واتباع سنة نبيه؟

لقد بحثت طويلا عن نصوص من الكتاب والسنة الموثقة تؤيد القائلين بجواز عضل المرأة المسلمة العاقلة باسم "كفاءة النسب" فلم أجد دليلا واحدا، وأكون شاكرا وممتنا جدا لمن يدلني
على شيء منها. فجوهر أدلتهم عقلية تدور حول "احتمال نجاح الزواج أكبر عند تكافؤ النسب". ويستشهدون بقول الإمام فلان والعلامة فلان، أما ما أوردوه من نصوص – حسب اطلاعي - لا تخلو من محاولات لتطويع بعض النصوص لهذا الرأي.
إن الجميع يعلم أن هذه الصفة هي من الصفات الموروثة وإن كانت تصلح للتمييز بين الناس  فهي نعمة من الله، وليست من كسب من ينعم بها. ولا أظن أن مسلما عاقلا يدعي بأن الفضل الموروث ينفعه في تحديد مصيره في الحياة الأبدية. فالصفات التي يكتسبها المسلم أو المسلمة بجهدهم الشخصي هي التي تحدد مصيرهما في الحياة الأبدية: فإما جهنم أو الجنة، أو درجات منهما.
وصحيح أن الحرص على التماثل مطلوب، ولكن ليس التماثل في الصفات الموروثة، فالعبرة بالصفات المكتسبة. يقول تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فالتقوى صفة مكتسبة لا يرثها الإنسان.
وصحيح أن تسخير العقل مطلوب في البحث عن أسباب نجاح الزواج، ولكن لا يشك المسلم العاقل بأن أقوى سبب في نجاح الزواج وفي تحقيق السعادة هو طاعة رب العالمين واتباع سنة نبيه الكريم.
وصحيح أن التعامل مع الواقع مطلوب بنسبة محددة، مثل أن تتعرض أخوات المرأة للطلاق بسبب موافقتها على الزواج ممن لا يرضى أزواجهن (...) به، ولكن قبل أن يتم الزواج. وحتى في هذه الحالة فإنه من حق المرأة وحدها، بعد استشارة الآخرين من أقربائها وقريباتها، اتخاذ القرار المناسب للواقع الذي تعيشه. وعموما يُنصح لها الاستعانة بالاستخارة وبالدعاء أن يخلصها أحكم الحاكمين من شرور الظالمين عاجلا غير آجل، إما بهدايتهم للحق أو...
ويذكرني هذا الموضوع بما كتبه الشيخ فؤاد أبو الغيث تعليقا على من قال "صيني ويريد تعليمنا كيف نفهم الكتاب والسنة" جزاه الله خيرا للدفاع عن ما يعتقد أنه الحق ورزقه التوفيق والسداد. ويذكرني هذا الموضوع أيضا بما أورده الدكتور صالح الشمراني في تغريداته الخمس والثلاثين عن النعم التي ميز الله بها المرأة على الرجل.
النصوص المتعلقة بكفاءة النسب:
لو تأملنا النصوص الواردة في هذه المسألة سنجد فورا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا.(36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا.} (سورة الأحزاب:37؛ وانظر مثلا تفسير ابن كثير؛ والدر المنثور للسيوطي).
عندما نتأمل في هذه الآيات قطعية الثبوت والدلالة والتعليقات التي وردت عليها نجد ما يلي:
أولا: عدد من المفسرين يقولون بأن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} نزلت لأن زينب ابنة عمة الرسول رفضت الزواج من زيد عندما خطبها النبي صلى الله عيه سلم في البداية. وتؤكد الآية أن زينب نفّذت أمر رسول الله في النهاية. بيد أنه من يستعرض قصة بريرة يرجح أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمرها، ولكن خطبها لزيد. فقد ورد  في قصة بريرة أنه اقترح عليها مراجعة زوجها الذي كان مملوكا وكان يحبها وانفصلت عنه بحصولها على الحرية، وذلك بقوله لها " لو راجعتيه. فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: إنما أنا شافع. فقالت: لا حاجة لي فيه."( التمهيد لابن عبد البر ج 3  ص 52؛ الكافي في فقه ابن حنبل  ج 3   ص 31)
ثانيا:  يلاحظ في جميع الأحوال أن زواج زينب بزيد، رغم موقفها الشخصي منه، سواء أكان امتثالا لأمر النبي أم  تقديرا لوساطته، فإن زينب حققت رغبته عليه الصلاة والسلام، وإن لم تتحمل الواقع طويلا فكان الطلاق. فكافأها الله لتعاونها من نبيه في كسر العادة الجاهلية، وذلك  بتزويجها النبي صلى الله عليه وسلم.
والسؤال: أليس هذا دليل واضح لأولي الأبصار أن رب العالمين ورسوله يرفضان كفاءة النسب في الزواج؟
والسؤال الآخر: إذا كان هذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وشرف نسبه لا يدانيه شرف، فهل يتنطع العاقل بشرف النسب ليعضل قريبته مهما كان نسبه شريفا؟ وكيف يجرؤ المسلم على تمزيق الأسرة المسلمة الآمنة وترويعها، مخالفا بذلك أوامر الله وإرادته الشرعية؟ وكيف يجرؤ القاضي الذي يعلم قول النبي "القضاة ثلاثة: قاض في الجنة واثنان في النار". (شرح النووي على صحيح مسلم  ج 12: 14) على تأييد عضل المسلمة الحريصة على صيانة نفسها وعلى السعي  لتحقيق السعادة في الدارين، متبعة شريعة الله وسنة نبيه؟
والدليل الصريح الآخر على رفض الإسلام لهذا المعتقد الجاهلي قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى." (مسند أحمد ج 5: 411) ويقول ابن تيمية "وفى الصحيح أن النبي سُئل: أي الناس أكرم؟ قال: أتقاهم. وورد في السنن أنه قال: لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. الناس من آدم وآدم خلق من تراب."(مجموع الفتاوى  ج 7   ص 686)
والسؤال: إذا كان لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربي، ألا يعني هذا لمن يعرف العربية أنه لا فضل لعربي على عربي وعجمي على عجمي، من باب أولى؟

ولعل من المناسب في هذا السياق، توضيح المدلول الذي تخبط فيه كثير من الناس، ومنهم المستشرقون في قوله تعالى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}.
لقد افترض البعض أن النبي علم بتزويج الله زينب له، قبل أن يطلقها زيد، وهذا ما أخفاه. ونص الآية لا يؤيد هذا الافتراض. واتهمه بعض المستشرقين بأنه رأى زينب بعد زواجها فرغب فيها. وهي تهمة مرفوضة لأن ابنة عمته ليست غريبة عليه، منذ صغرها. ولو كانت لديه رغبة فيها لتزوجها من قبل، والآية صريحة أن الزواج كان أمرا ربانيا ليبطل معتقدا فاسدا كان منتشرا في الجاهلية.
والحقيقة تقول بأن زيدا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي ما يلقاه في حياته الزوجية من عناء ويعبر عن رغبته في الطلاق. فأخفى النبي في نفسه موافقته زيد الرأي، خشية سوء تفسير  الناس هذه الموافقة، وممنيا نفسه بنجاح الزواج إن صبر زيد فقال له {أمسك عليك زوجك}. (دلائل النبوة ج7: 285؛ الطب النبوي ج1: 206-27؛ السيرة الحلبية ج2: 483 – 484) ومن كلام الناس المتوقع قولهم أنه لم يبادر بزواجهما عن قناعة، ولكن مجاملة وأنه ندم فطلب من زيد طلاق  زينب... ويقول حكمت ياسين: "ما كان يخفيه في نفسه ودّ أنه طلقها" لما يرى من شقاء الطرفين بسبب هذا الزواج.(التفسير المختصر الصحيح؛ وانظر كتاب التسهيل للكلبي).
هذا، والله أعلم.
سعيد صيني

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..