الخميس، 5 سبتمبر 2013

من يستطيع أن يحكم مصر؟

أولى الحقائق التي يجب استحضارها قبل الإجابة على هذا السؤال هي أن: الوضع الاقتصادي المتدهور في
مصر لا سبيل لإصلاحه لا اليوم ولا غدا، ولا حتى بعد خمس سنوات، بغض النظر عن كفاءة من يتولى الحكم..
لماذا؟
لأن مبارك خلال 30 عاما دمر ما كان يُعرف بـــ"اقتصاد الدولة" وما نتعامل معه حاليا لا يمكن تسميته بــ"اقتصاد دولة" إلا مجازا فقط، ونحتاج إلى سنوات لوقف عجلة التدهور، قبل أن نفكر في كيفية الانطلاق..
لماذا؟
لأن مبارك أقام نظامه الاقتصادي الفاسد على دعامة جماهيرية جعلت قطاعات من الشعب مرتبطة مع هذا الفساد -اختياريا أو جبريا- بمعنى أن مداخيل آلاف العائلات باتت مرتبطة بصورة أو أخرى بمنظومة الفساد المتجذرة في الواقع المصري، سواء عن طريق الواسطة أو المحسوبية أو الرشوة ..إلخ..
إذن حتى ننعش الاقتصاد لابد من وقف الفساد، وحتى نوقف الفساد سوف تتضرر مئات الألوف من الأسر، فضلا عن أن جزءا من النخبة السياسية متورط بدرجات متفاوتة في التعاطي مع منظومة الفساد..
الصورة باختصار أن مئات الألوف من الأسر المصرية مُطالَبة بأن تتنازل عن جزء كبير من مواردها المالية لصالح ملايين أخرى من الأسر المصرية..
فمن يمكنه أن يتخذ قرارات مؤلمة في هذا السياق؟..
الحقيقة الثانية، أن الشعب قد يتفاعل -كله أو بعضه- مع حملات إعلامية تهاجم طرفا سياسيا أو جماعة أو حزبا، لكن عندما تنتهي "الحفلة" سوف ينظر الناس إلى بعضهم ويتساءلون في قلق: وماذا بعد؟..
هم ينتظرون أن ينعكس ذلك على حياتهم.. معيشتهم.. مشكلاتهم المزمنة..
من ثم تحدث الصدمة عندما يكتشفون حقيقة الاقتصاد العسير على الإصلاح..
وهكذا يبدءون في التلفت يمنة ويسرة بحثا عن طرف يتحمل مسئولية ما يحدث، ومن الطبيعي أن تتجه أنظارهم إلى من يجلس على كرسي السلطة.. فـــندور في حلقة مفرغة..
الحقيقة الثالثة، أن أغلب المؤشرات الاقتصادية المهمة عندما نقارن بين مستوياتها في عهد مبارك -والتي عززت من دوافع الثورة- ومستوياتها طيلة عامين ونصف بعد الثورة، سنجد أننا لم نستطع حتى الآن أن نصل إلى المستوى الاقتصادي أيام مبارك، ومن هذه المؤشرات: احتياطي العملة الأجنبية -معدل النمو الاقتصادي- السياحة- البورصة- قوة العملة المصرية ...إلخ
بناءا على ما سبق فإن بناء نظام سياسي جديد يُقصي بعض القوى السياسية ويحتوي آخرين، سوف يؤدي إلى نتيجتين/
الأولى: أن هذا التكتل "غير المتوازن" لن يمكنه اتخاذ قرارات جذرية تمس واقع المجتمع المصري، لأنه يفتقد للإجماع السياسي اللازم لاتخاذ مثل هذه القرارات الضرورية لإنعاش الاقتصاد..
الثانية: أن بقاء قوى سياسية مؤثرة خارج النظام رسميا، سوف يحولها تدريجيا إلى معارضة سياسية -غير حزبية- قوية متنامية تجذب بخطابها المعارض انتباه الناس كلما زاد سخطهم من أحزاب السلطة، وهذا يقودنا من جديد إلى اضطرابات سياسية واحتجاجات وثورات.. إلخ..
إذن نعود إلى السؤال الأول: من يستطيع أن يحكم مصر؟..
مصر لن تُحكم -والله أعلم- إلا من خلال قوة سياسية تستطيع أن تحصد في الانتخابات نسبة تقترب من الـــ100%، وبالتالي تنطلق من إجماع شعبي، وهذا افتراض شبه مستحيل..
الحالة الثانية، أن يحدث توافق بين كافة القوى السياسية على قواعد لعبة سياسية جديدة لا تقصي أحدا، وتعتمد بالدرجة الأولى في تعيين رأس السلطة على صندوق الانتخابات، لكن حزب الأغلبية لا ينفرد بتشكيل الحكومة..
هذا الوضع المقترح ليس جديدا في عالم السياسة، فقد سبق في عام 1998م أن وَقَعت الأحزاب السياسية في فنزويلا على اتفاقية تضمن لكل حزب كبير حصةً من المناصب الحكومية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات..
كما اتفقوا على وضع شروط معينة تضمن عدم الانفراد باتخاذ سياسات عامة جذرية خارج السياق العام.
وهذه الصيغة تُقدِم رؤية وسطا للجمع بين خيار: "اعتماد الأغلبية مطلقا" وبين خيار: "اعتماد التوافق مطلقا"..
فالأغلبية مطلقا، تجعل بعض القوى دائما خارج اللعبة، وبالتالي تسعى لإجهاضها..
والتوافق مطلقا، يُضيع أي معنى للانتخابات..
في ظل هذه "الصيغة الوسطى" يمكن اتخاذ قرارات جذرية يتفق عليها الجميع ويتحملون مسئوليتها..
كما يمكن محاصرة الفساد من خلال الرقابة التضامنية التشاركية التي تمنع من انجراف بعض القوى السياسية إلى التعاطي مع إفرازات نظام ما قبل الثورة..
في اعتقادي أن هذه الصيغة ربما تكون هي الأقرب للتطبيق في ظل حالة محتدمة من الصراع لا يعلم أحد: متى ولا كيف ستكون نهايتها؟
......
أحمد فهمي
تأصيل
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..