السبت، 21 سبتمبر 2013

ألدُّ الخِصَام في كلام ابن عصام

رد على إنكار نجيب بن عصام اليماني لأحاديث المهدي المنتظر
اختصرت مقال ابن عصام، وقطَّعته قطعًا، وعلقت على كل قطعة الردَّ عليها، وبالله التوفيق.

قال ابن عصام: 
1-     إنَّ جميع ما نسبوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام – على فرض صحّتها- إنّما هي أخبار آحاد، وخبر الآحاد بإجماع أهل العلم لا يعمل به في العقائد، كما ذكره ابن تيمية في الحديث (104) والآمدي في الأحكام (2/175) والجويني في الكافي (56).
والرد على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن أحاديث المهدي متواترة تواترًا معنويًا. كما نص على ذلك كثير من أهل العلم؛ منهم السفاريني، والشوكاني، وابن باز.
الوجه الثاني: أنه لا فرق بين أحاديث العقائد وغيرها في وجوب العمل بها؛ إذا توفرت فيها شروط صحة الإسناد والرواية.
الوجه الثالث: أن ابن تيمية والآمدي والجويني لم يذكروا أن خبر الآحاد -بإجماع أهل العلم- لا يعمل به في العقائد.
بل ذكر ابن تيمية قول ابن عبد البر: وكلهم يروي خبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وحكماً وديناً في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة.
ثم علق ابن تيمية على هذا، فقال: هذا الإجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في الاعتقادات يؤيد قول من يقول: إنه يوجب العلم، وإلا فما لا يفيد علماً، ولا عملاً؛ كيف يجعل شرعاً وديناً يوالي عليه ويعادي؟
أما الآمدي والجويني فقد ذكرا أن خبر الآحاد لا يعمل به في العقائد، ولكنهما لم يذكرا أن ذلك بإجماع أهل العلم، كما يفهم من كلام ابن عصام.
الوجه الخامس: أنه لا يُعْرَف للجويني كتاب باسم الكافي؛ فلعل المراد رسالته "الكافية في الجدل".
فالذين ردوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا كانت في باب الصفات، وقبلوها إذا كانت في باب الأحكام والزهد والرقائق ونحوها= طوائف من أهل الكلام المبتدع المذموم، وجعلوا قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) [الشورى: 11] مستندًا لهم في رد الأحاديث الصحيحة تلبيسًا منهم، وتدليسًا على من هو أعمى قلبًا منهم، وتحريفًا لمعنى الآية عن موضعه؛ ففهموا به من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله، ولا فهمه أحد من أهل الإسلام: أنها تقتضي إثباتًا على وجه التمثيل بما للمخلوقين.
2-     إنَّ كل أحاديث المهدي إنما هي في حكم الموضوع أو الضعيف لاشتمالها على علل وتناقضات لا حصر لها في المتن والسند.
ذكر ابن القيم في "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" بعض الأحاديث في خروج المهدي، ثم قال: (وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (8 / 183): الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما ملئت جورًا وظلمًا) ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة.
3-     رجال السند هم يعقوب بن سفيان وقطن بن خليفة وعمر بن أبي قيس وعاصم بن نوفل وعلي بن نفيل ومحمد بن الفضيل. وكل هؤلاء من كبار أئمة الشيعة، وقد تكلَّم فيهم بالجرح أئمة الحديث مثل ابن أبي حاتم وأبو جعفر العقيلي وابن معين كما ذكره ابن خلدون في المقدمة (311). والجرح كما يقولون مقدم على التعديل. بمعنى أنه إذا لحق الراوي جرح فإنَّ هذا يفضي فوراً إلى ضعف حديثه وإن جاء له ذكر في التعديل.
والرد على هذا من وجوه:
الوجه الأول: قوله: قطن بن خليفة خطأ، والصواب: فطر بن خليفة، وقوله: عاصم بن نوفل خطأ، والصواب عاصم بن أبي النجود.
الوجه الثاني: أن يعقوب بن سفيان ومحمدًا ابن الفضيل من علماء الحديث ونقَّاد رجاله.
الوجه الثالث: أن المذكورين ليسوا من الشيعة فضلاً عن أن يكونوا من كبار أئمة الشيعة إلا فطر بن خليفة؛ فقد قال عنه العجلي: حسن الحديث، وفيه تشيع قليل. وقال ابن معين مرة: ثقة شيعي.
الوجه الرابع: أن قولهم: الجرح مقدم على التعديل ليس على إطلاقه؛ فيشترط أن يفسر الجارح جرحه بما يقتضي ردَّ أو تضعيف رواية الراوي.
الوجه الخامس: أن أحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، وبعضها موضوع، كما سبق. 
4-     الشيعة على أيّ حال إخوة لنا في العقيدة والإسلام بشهادة ألاَّ إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسولُ الله. واختلافهم في الأحكام الفقهيّة أو العقائديّة – مثل هذا الذي نحن فيه من أخبار المهدي – لا يخرج عن دائرة اختلاف المذاهب الأخرى مثل الحنفيّة والشافعيّة.
من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، شهادة صحيحة، غير منقوضة؛ فهو أخ لنا في العقيدة والإسلام، واختلاف الشيعة الرافضة وأهل السنة والجماعة لا يدخل في دائرة اختلاف المذاهب الفقهية مثل الحنفيّة والشافعيّة؛ وإلا لما كانت فرقة غير أهل السنة والجماعة، ولم يقل: إن خلافهم   لا يخرج عن دائرة اختلاف المذاهب الأخرى مثل الحنفيّة والشافعيّة= أحد ممن يعتد بكلامه؛ فالشيعة الرافضة لا تكاد توافق أهل السنة والجماعة في شيء من الأحكام الفقهية والعقائدية، وفي عقائد بعضهم ما يخرج عن دائرة الإسلام، وليس دائرة السنة فقط؛ مثل: الاعتقاد بنقص القرآن، وارتداد جمهور الصحابة، وأن عائشة قد أتت الفاحشة – والعياذ بالله تعالى من ذلك كله-.   
5-     إن عامة ما نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من أقوال في المهدي تتخللها معاني هي في تعارض واضح وصريح مع حشدٍ من الآيات والأحاديث.
ذكر أربعة معان في أحاديث المهدي تعارض في رأيه الآيات والأحاديث، والمفروض أنه يذكر أقوى ما يراه معارضًا للآيات والأحاديث؛ فتأمل مدى قوة ما ذكر فيما يلي.
6-     بالإضافة إلى عبارات الإطراء للنفس والتفاخر بالنسب مثل القول (نحن ولد عبدالمطلب سادات أهل الجنة..) ونحو ذلك من المعاني التي نَبذها الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه في قوله (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم).
هذا ليس إطراء للنفس وتفاخرًا بالنسب؛ لأن هذا حق، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مقصوده بمثل هذا الحديث الفخر.
وعلى فرض أن هذا اللفظ لا يثبت؛ فلا يلزم من ذلك عدم ثبوت ذكر المهدي.  
7-     وقالوا أيضاً أن [كذا بفتح همزة إن] علي بن أبي طالب قال (المهدي منا أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منّا يختم به الله كما فتح بنا)، وعبارة (يختم به الله) تستوجب الوقوف، يختم ماذا؟ هل يختم الرسالة؟ ...وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام والمهدي في كفتين متعادلتين!!
هذا الحديث لا يصح، وعلى فرض صحته؛ فإن معناه: أن الله يختم بالمهدي من يجدد الدين أو يختم به الخلافة أو الولاية، ولا يلزم من عدم صحة هذا الحديث عدم ثبوت ذكر المهدي.
8-     ولقد قال سبحانه وتعالى لعيسى ابن مريم (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة). وفي هذه الآية بطلان لكل ما جاء في أحاديث المهدي وما تضمنته في متونها من نزول عيسى وقتله للدجال وخروج يأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها إلى آخر هذه الدعاوى, قوله تعالى (فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فيه دلالة واضحة على وجود الكفار وهم أسوأ من الظلم، على وجه الأرض إلى قيام الساعة. وقوله تعالى (وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة). وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم (894/4912) (لا تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهليّة) وكثير غير هذا. فمن أين جاء هؤلاء بأنَّ المهدي يملأ الأرض عدلاً قبل يوم القيامة؟
والرد على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن أحاديث المهدي وما تضمنته في متونها من نزول عيسى، وقتله للدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها؛ ليست دعاوى، بل أخبار ثابتة، أجمع أهل السنة والجماعة على الإيمان بها.
الوجه الثاني: أن القول بأنَّ المهدي يملأ الأرض عدلاً قبل يوم القيامة لا ينافي وجود الكفار وبقاءهم إلى يوم القيامة، والجمع بينه وبين حديث (لا تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق؛ هم شر من أهل الجاهليّة) ممكن؛ بأن هذا يكون بعد زمن المهدي؛ فالمهدي أول علامات الساعة الكبرى.
الوجه الثالث: قوله في صحيح مسلم (894/4912) مما نبهته عليه كثيرًا؛ فلا أدري بم أصف إصراره على كتابة الإحالات بهذه الطريقة العجيبة الغريبة؟!  
9-     ثم من أين جاء هؤلاء (بحكاية!!) العدل والقسط؟ هل جاءت الرسل للناس بهذه الرسالة؟ إنما جاءت الرسل بأكبر من العدل والقسط بين الناس وهو عبادة الله وحده كما قال تعالى (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). والعدل بين الناس إنما يأتي ثمرة لعبادة الله وتطبيق شريعته. وهؤلاء أصحاب المهدي تركوا جوهر الرسالة الإلهية وأرسلوا المهدي ليملأ الأرض عدلاً. والعدلُ اصطلاحاً مقتصر في تعامل الناس فيما بينهم. والناس اليوم في عامة الدول المتحضرة يعيشون بفرض قوانينهم في العدل والقسط فيما بينهم، مع أنهم عامتهم على الشرك وعبادة غير الله، فهل هذا هو ما يريده المهدي المنتظر؟!
العدل في الحديث مطلق، وليس مقيدًا بالعدل بين الناس؛ فيشمل أعظم العدل، وهو توحيد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، كما أن الشرك أعظم الظلم. وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندًا، وهو خلقك...)، وقد قال الله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).
فالعدل في كلام الشارع ليس مقتصرًا على ما يكون في تعامل الناس فيما بينهم، قال تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً، لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم).
والناس اليوم في عامة الدول المتحضرة التي لا تحكم بما أنزل الله لا يعيشون بفرض قوانينهم في العدل والقسط فيما بينهم؛ لأن خلاف الشرع ليس بعدل، فالشرع هو العدل، والعدل هو الشرع.
قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا).
وقال: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين).
وقال: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه؛ فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا) فبيَّن أن الحكم بالعدل والقسط هو الحكم بما أنزل الله.
فؤاد أبو الغيث

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..