الجو المشحون الذي نعيشه هذه الأيام، ونُذر اقتراب ضربة أمريكية لسوريا، أعادا مثلي إلى ذات الأجواء التي مررنا، إبّان الغزو الأمريكي لعراق صدام، بل حتى وقت دخول صدام حسين الكويت بداية تسعينيات القرن الفارط..
كنت
إذّاك متخرجا للتو من الجامعة، وببداية وظيفتي الحكومية، ولبينا نداءات مليكنا
الراحل فهد بن عبدالعزيز –ذلك الذي جنّب بلادنا ثلاثة حروب بحكمته ودهائه-
بالانتفاضة لاستقبال الشعب الكويتي الهارب من الغزو، والاستعداد لتبعات احتلال
الكويت، وذهبنا كشباب، للتطوع في هيئة الإغاثة الاسلامية، التي تولت –ضمن هيئات
عديدة- توزيع الشعب الكويتي في الفنادق والشقق المفروشة، وشقق المواطنيين الذين
تقاطروا شهامة منهم ونبلا للتبرع بعمائرهم وشققهم، بل بعضهم قسّم شقته قسمين، لإيواء
الأشقاء الكويتيين، في وقفة سجلها التاريخ لبلادي وقادته.
فُتح
وقتها باب التدريب التطوعي على استخدام السلاح، وانفلت المجتمع بكل فئاته للانخراط
في تلكم الدورات، وكانت الصحف تنقل لنا، صور أولئك الشيبة والكهول والفتيان
والشباب، من كافة الأعمار وهم ينخرطون تطوعا، في لوحة وطنية أخاذة، ما زالت تحضر
أمامي كلما دقت نواقيس الحرب حولنا، وأنا مطمئن فعلا، بأن هذا المجتمع بأصالته
وجسارته وتماسكه، سيكون يدا واحدة مع ولاة أمره وقتما تدلهم الخطوب.
ما
أودّ طرحه في صميم هذه المقالة، هو إعادة النظر العاجلة بدراسة "واجب الخدمة
العسكرية"، أو "التجنيد الإلزامي" أو ما تطلقه الصحافة العربية
"التجنيد الإجباري"، لشباب بلادي، تحسبا لأي ظرف قد نمرّ به، وإيمانا
أكيدا بأن شباب هذا الوطن وأبناءه هم الخليقون حقا بالدفاع عن ترابه وأرضه
ومنجزاته، وليس أي آخر.
دار
حديث في مجلس حضرته حول هذا الموضوع، وقال صديق -متخصص بالسياسة- بأننا مطمئنون،
لأن الولايات المتحدة حليفة، وتربطنا مصالح مشتركة وعميقة الجذور معها، والأفضل
بدلا من انشغالنا بهذا التجنيد، أن نوجه شبابنا نحو تحصيل العلوم والمساهمة في
التنمية، فضلا على أن جيشنا فيه الخير والبركة، ونثق بقدرته وقوته لصدّ أي عدوان.
رددت
على الصديق، بأن التأريخ يعلمنا بأن الولايات المتحدة والغرب عموما، لا يبحث إلا
عن مصالحه أيّا كانت، وهم على استعداد للتخلي عن حلفائهم، أو تذكر ما فعلوه بشاه
إيران وخذلانهم له!!، ونحن اختلفنا مع الولايات المتحدة في العراق، وخسرنا ذلك
القطر الشقيق بسبب حماقة وقلة معرفة الأمريكي بواقع الخريطة العراقية، واختلفنا
اليوم معها في قراءة الحدث المصري، والخلاصة، أن الاعتماد على صداقة أولئك القوم
لا يدوم، فالاختلاف معهم قائم، وليس في النهاية مثل أبنائنا في الدفاع عن تراب
بلادهم، فشتان بين النائحة الثكلى والمستأجرة.
أما
جيشنا السعودي، فلا شك في قدراته الدفاعية والهجومية، والأسلحة الحديثة التي
يتوافر عليها، والحرب اليوم تقوم على التكنولوجيا ولا شك، ولكن يبقى عندما يعرف أيّ
عدو قريب أو بعيد، أن الجيش الاحتياطي عندنا يتجاوز الثمانية مليون رجل، فإنه يفكر
ألف مرة في أن يقدم على انتحاره، والعدد نوع من الرهاب الذي نرهب به أعداء الوطن،
فضلا على الجوانب التربوية الأخرى التي يتحصلها شبابنا، من تحمل المسؤولية، والقوة
البدنية، والثقة بالنفس، وترك بعضهم للميوعة والنعومة، والانشغال بسفاسف الأمور.
هناك
مشروع طرحه مجلس الشورى باسم "خدمة العلم" في العام 2012م، والذي قدمه
العضو سالم المري بلجنة الشؤون الأمنية في المجلس، ومقترح "خدمة العلم"
وضع آليات وضوابط للتجنيد الإجباري بصورة مواكبة للعصر، تهيئ شبابا سعوديا قادرا
ليس فقط على الخدمة العسكرية بالجيش الوطني، وإنما أيضا على الخدمة المهنية.
لا
أدري في أي درج من أدراج مجلس الشورى العديدة، دُفن هذا المشروع، ولكن آن الأوان
أن ينتفض أحبتنا الغيورون في المجلس لإعادة طرحه من جديد، وتسليط الضوء عليه،
وتطويره، بحيث يدخل فيه التحصين الفكري جنبا لجنب مع الخدمة المهنية والعسكرية، كي
نقطع الطريق على من يلوح تخويفا بأن بعض الشباب ربما يعتنق الفكر الارهابي، وكلنا
يعرف من أين تسلل لنا ذلك الفكر، وكيف إلتاث أولئك الشباب به في جبال "تورا
بورا" من الجماعات التفكيرية المصرية والجزائرية، وشباب هذا الوطن، نحن أحق
بتربيتهم عندنا، في محاضن تصنع منهم رجالا، بتربية عسكرية منضبطة، وترسيخ مهني عميق،
وفكر وسطي يعرف حق مجتمعه وولاة أمره عليه.
تأملوا
في تجربة الكيان الصهيوني الذي يجبر كل شبابه على الانخراط في "التجنيد
الاجباري"، فالخدمة العسكرية في إسرائيل إلزامية لكل ذكر أو أنثى
فوق 18 سنة، وتُستثنى من الخدمة الإلزامية بعض المجموعات من بينها العرب المسلمين
والمسيحيين وطلاب اليشيفات (المدارس اليهودية الدينية)، وكلنا رأينا كيف تصرفوا في
حربهم مع "حزب الله" في 2006م، وكانوا على درجة عالية من الاستعداد كمجتمع،
وهو ما أؤمل أن نقوم به تحسبا واحتياطا.
والدعوة ليست فقط على مستوى الشباب، بل حتى
فتياتنا الجامعيات، اللواتي عليهن أن يخضعن لدورات مركزة في الاسعافات الأولية،
وأعمال الاغاثة، وبعض الوظائف التي تتناسب مع طبيعتها كإمرأة، وتكون تلكم الشهادات
التي يأخذنها هي الطريق للتوظيف.
أعيدوا
يا رجال الشورى "خدمة العلم"، وألحّوا عليه، وأقنعوا به المجتمع
ومسؤوليه، لصالح هذا الوطن وشبابه.
بقلم: عبد العزيز محمد قاسم
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..