مرت
دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عبر تاريخها بتحديات هددت وجودها، لعل
أخطرها حصار
الدرعية وتدميرها على يد الجيوش المصرية، وما أعقب ذلك من سقوط
الدولة السعودية الأولى، وقتل وأسر الكثير من آل سعود وآل الشيخ الذين
نُفوا إلى مصر كمحاولة لاجتثاث أصحاب الدعوة وحماتها، إلا إن إفلات الإمام
تركي بن عبدالله من الوقوع في الأسر أسهم في قيام الدولة السعودية الثانية،
وأعاد للدعوة قوتها وزخمها، وهو ما جعلها تحافظ على تماسكها حتى بعد
اغتيال الإمام تركي، وطيلة حكم ابنه الإمام فيصل، وبعد وفاة هذا الإمام لم
يلبث أبناؤه أن اقتتلوا على الحكم، ما أدى إلى سقوط الدولة السعودية
الثانية فأغرى خصوم الدعوة بالتألب عليها.
والملاحظ
في كل حملات التشويه التي استهدفت هذه الدعوة أن أيًا منها لم يكن من
داخلها، ولا من الدولة التي أخذت على عاتقها حمايتها، وحين قامت الدولة
السعودية الثالثة كان الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده يحملون ذات القناعة
التمجيدية لها، ولذا كان نقدها أو نقد إمامها أشبه بالتابو في أدبيات
الثقافة السعودية، وأشبه بإنكار الهولوكوست في الدول الأوروبية التي
تُجرِّم إنكارها، وهذا ما يفسر خلو الدراسات العليا في جامعاتنا من أي
رسالة ماجستير أو دكتوراة تتناول دعوة الشيخ بالنقد.
لأجل
هذا صدمتُ وأنا أقرأ مقالة:" السلفية على فراش الموت" للكاتب السعودي حمزة
السالم، الذي نعى فيها الدعوة السلفية معلنًا مرضها وتخلفها عن المدنية
والحضارة، وعن مواكبة أدوات العصر وتقنياته، وقرر جازمًا على حد وصفه أنها:
"وصلت إلى مرحلة متأخرة من شدة المرض، أشبه ما تكون في العناية المركزة
دون علاج حتى يأتيها أمر ربها"!
أي
أنها ميتة سريريًا، وفي حكم الميؤوس منها، ولم يكتفِ بهذا بل أضاف
قائلاً:" لم تَعُد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اليوم إلا عبئًا على
الدولة السعودية بعد أن كانت مصدرًا من مصادر قوّتها وعزّها"!
ترى
ما مضمرات هذا الكلام وما بواعثه وأهدافه، وهل نحن بإزاء عهد جديد من حرية
التعبير من شأنها أن تبيح لنا الحديث عن الكثير من المسكوت عنه، حتى مع
تراجعنا إلى ذيل التصنيف العالمي لقائمة الدول الأكثر تراجعًا في الحريات،
أم أن وراء أكمة الليبراليين ما وراءها ؟!
مقالة
د. حمزة السالم ضحلة في طرحها، ركيكة في عرضها وأفكارها وأسلوبها، وما
استشهدت به أخضعته لعمليات تجميل بلاغية صعبة حتى لا أصدم ذائقة قرائي بها،
لكنها مع رداءتها تتحدث عما يدور في كواليس أمثاله ممن يودون التخلص من
هذه الدعوة، ولذا فهو يذكر في مقالته أن الدولة السعودية روح وجسد، الروح
هو الدعوة التي ينعاها لنا، والجسد هو الدولة السعودية التي يتباكى عليها،
ولسلامة الجسد بحسبانه لابد من التخلص من الروح ؟!
لأن
مشاكلنا الإدارية والاقتصادية والسياسية كما يقول:" لا تُحل إلاّ بالتخلّي
عن الروح، وهي الدعوة النجدية، والتخلي عن الدعوة النجدية هي مطالب كثير
من السعوديين السلفيين فضلاً عن غيرهم، ولكن أنى لجسد أن يعيش طويلاً بعد
تخليه عن روحه". وإذا بحثت عن جواب ما استدركه على نفسه بإثبات ثم نفاه
بتأويل فلن تخرج منه بطائل !
والمحصلة
أننا بإزاء طرح عكاشي ساخر ومضحك في نفس الوقت، لكنه ليس مُتخيلاً ولا
مُتوهمًا وإنما هو حصيلة ما يتناجى به القوم في خلواتهم، وقد تحدث به هذا
العكاشي دون أن يلم بأطراف الحديث، ودون أن يحسن التعبير عنه !
الراية القطرية
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..