ألمحت في مقالي السابق
إلى أن حركة "26 أكتوبر لقيادة المرأة للسيارة"، ومهما كانت مطالبها محقة،
يمكن أن تمثل تهديداً للجهات الأمنية، وقد يكون لها تبعات سلبية غير محسوبة
في حال السماح لهم بذلك، وعدم التعامل معهم بحزم من خلال منع أي تجمعات أو
مظاهرات، وأشرت إلى أن التهاون في ذلك قد يحفز فئات أخرى من المجتمع لها
مطالب ترى أنها شرعية (في وجهة نظرها) كمبرر لتنظيم تجمعات وتظاهرات
مماثلة.
-----------------------------------------------------------------------------
عصا قيادة المرأة للسيارة!! (1 من 2)
أؤمن تماماً بأن قيادة المرأة للسيارة حق من حقوقها، وكان المفترض أن تعطَى ذلك الحق منذ زمن بعيد
درءاً لكثير من المفاسد التي بتنا نعيشها صباح مساء، وهي مفاسد تأقلم معها المجتمع، وتبلدت مشاعره تجاهها، حتى أصبح لا يشعر بها وبخطورتها.
http://sabq.org/pr1aCd
د. عبدالرحمن القحطاني
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
إلا أن بيان وزارة الداخلية الصارم بمنع أي تجمعات أو صُنع ما يهدد السلم
الاجتماعي، والمتابعة الجادة لتنفيذ ما صدر عن البيان، استطاع بحمد الله
إحباط أي استغلال لتلك المطالبات من قبل بعض الفئات التي قد يكون لها
أجندتها الخاصة في إرباك المجتمع، مع قناعتي التامة بوجود المحسن والمسيء
خلف تلك المطالبات!!
لكن هل انتهى الأمر إلى هنا؟ بالطبع لا، وقد تعمدت في مقالي السابق وهنا
وصف دعوة "26 أكتوبر لقيادة المرأة السيارة" بكلمة "حركة" لأنني أؤمن
تماماً أن ذلك سيكون رأس جبل الجليد الذي سيستمر في الظهور خلال السنوات
القادمة شيئاً فشيئاً، وسيشتد عوده سنوياً في السادس والعشرين من أكتوبر،
ولهذا علينا كمجتمع ومسؤولين أن نتنبه جيداً لذلك، فقد يكون وراء الأكمة ما
وراءها، فالتجارب لما يشبه هذه الدعوات واضحة وجلية في تاريخ الدول
العربية.
هنا أعود مرة أخرى لما أشرت إليه سابقاً من قناعتي الشخصية بأهمية السماح
للمرأة بالقيادة، ولكن ليس بأسلوب الدعوة للتجمعات والمظاهرات الذي قد يكون
له تبعات تهدد النسيج الاجتماعي والأمني في البلد.
وكما أمسكت عصا قيادة المرأة من المنتصف في مقالي السابق، ووجهت حديثي
للعلماء، فهنا أمسك العصا من المنتصف مرة أخرى وأوجه حديثي للمخلصين من
مؤيدي قيادة المرأة للسيارة، ومن لا يملكون أي أجندات خارجية سوى المطالبة
بحق مكتسب للمرأة وفق الضوابط الشرعية، وذلك بالعمل على حشد التأييد وكسب
قناعة العلماء وقادة الرأي والمفكرين المعارضين لذلك، بأسلوب منهجي علمي
يستند إلى الحوار من المنظور الشرعي بعيداً عن التجريح والإساءة للمعارض
واتهامه بالفكر المتشدد وتسفيه آرائه، والدعوة إلى التغيير سوية مع
القطاعات المعنية وفق خطة طويلة الأمد تهدف إلى الحد من المفاسد الأخلاقية
والأمنية والاجتماعية والاقتصادية لقيادة المرأة للسيارة.
ولعلي هنا أشيد برأي سابق استمعت إليه مؤخراً للشيخ العلامة محمد الددو حول
جواز قيادة المرأة للسيارة، وتفنيده للعديد من التخوفات بطريقة منطقية
واقعية، وهو وإن كان ليس من مواطني هذا البلد فإنه يمتاز بقربه بالعديد من
علمائنا، وعلى اطلاع بالوضع الاجتماعي القائم في السعودية، والأهم قدرته
على مقارنة ذلك بالوضع الذي تعيشه مجتمعات دول المغرب العربي الذي ينتمي
إليه ويعرفه جيداً، وتقود نساؤه منذ عقود.
24 ذو الحجة 1434-2013-10-2912:25 PM
-----------------------------------------------------------------------------
عصا قيادة المرأة للسيارة!! (1 من 2)
أؤمن تماماً بأن قيادة المرأة للسيارة حق من حقوقها، وكان المفترض أن تعطَى ذلك الحق منذ زمن بعيد
درءاً لكثير من المفاسد التي بتنا نعيشها صباح مساء، وهي مفاسد تأقلم معها المجتمع، وتبلدت مشاعره تجاهها، حتى أصبح لا يشعر بها وبخطورتها.
وليس أقل تلك المخاطر دخول السائق الأجنبي المنازل، الذي يُعدّ أكثر خطورة
على الأسرة مقارنة بقيادة المرأة، ثم استعطاف المرأة سيارات الأجرة، وغيرها
الكثير. وهنالك الكثير من الجدل حول ذلك، ولست في هذا المقال بصدد الرد
عليها الآن.
ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية للنقل العام، تستطيع المرأة استخدامها بأمان،
وهي واحدة من أهم جوانب الخلل التي تعيق حركة المرأة في مجتمعنا، فلا
باصات ولا قطارات في بلد البترول!! ولا أبالغ إذا قلت إن توفير النقل العام
الآمن أحد حقوق الإنسان المُفَرّط به في السعودية، وهو أجدر بمطالبة
المجتمع به.
كما أنني لست هنا بصدد تبيان معاناة نسائنا من ذوات الدخل المحدود، وهن
شريحة واسعة في المجتمع مهمشة، وليس لها صوت مسموع في هذا الشأن؛ وتعاني
الأمرين في الحصول على خدمة مواصلات، تفي بكرامتها وخصوصيتها، فإما سائقاً
أجنبياً أو سائق أجرة، وفي كلا الأمرين يستهلك ذلك جزءاً كبيراً من راتبها
المتهالك أصلاً، الذي يمكن أن تستثمره في شراء سيارة يكفيها سنوات عدة، عدا
ما قد يترتب على ذلك من محظورات شرعية!! هذا إذا لم تجد أخاً لها أو أباً
أو زوجاً لخدمتها.. وهذا لا يحصل لجميعهن، وإن حصل فقد يعتريه التوسل في
بعض الأحيان.
سيقول قائل: ولكن من يطالب بقيادة المرأة له مآرب أخرى ذات أبعاد تغريبية
للمرأة، وليس من أجل مصلحتها وحقوقها.. فأقول: نعم، هناك فئة واضحة للعيان،
لها مآرب أخرى، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مغرر به!! ولكن أيضاً هناك فئات
صادقة واسعة في المجتمع، تطالب بذلك لمصلحة المرأة وكرامتها.
وفي الشق الآخر، لم أسمع أحداً من العلماء الربانيين يرى حرمة قيادة المرأة
للسيارة في ذاتها، وإنما لما قد يترتب عليها من مفاسد. وهنا تحديداً دعوني
أمسك عصا قيادة المرأة من المنتصف!! فلماذا لا يقوم علماؤنا، ممثلين في
هيئة كبار العلماء، جنباً إلى جنب مع الجهات المعنية الأمنية والخدمية
والرقابية بتحديد تلك المفاسد، وهي واضحة وجلية للجميع، ومن ثم العمل على
وضع أنظمة ولوائح لمعالجة تلك المفاسد ودرئها وفق خطط منهجية؟!! لماذا
دائماً يكون دور هيئة كبار العلماء تقديم الفتيا دون حراك مؤسسي ومجتمعي
لمواجهة قضايا أصبحت تمس شريحة واسعة من المجتمع؟
وعلى سبيل المثال، نحن بحاجة لنظام لمكافحة التحرش الجنسي بكل صوره؛ ما
يساعد في الحد من المفاسد التي قد تطرأ عند قيادة المرأة للسيارة.
ومن المخجل أننا في بلد الحرمين الشريفين ونحن ما زلنا ندندن حوله!! في حين
أن دولاً مجاورة تقدمت علينا كثيراً في هذا الجانب. وفي هذا السياق دعوني
أخبركم بأن بعض أنواع التحرش الجنسي في الولايات المتحدة قد يفضي لسجن
يتجاوز عشر سنوات!! هل سنتخوف عندئذ على نسائنا لو وجدنا مثل هذه الأنظمة
مع صرامة في التطبيق؟ ولهذا، فإن تخوف الفئة المعارضة لقيادة المرأة واضح
وجلي ومبرَّر، ويمكن معالجته بصنع أنظمة ولوائح للحد من مفاسده، مع ضمان
التطبيق الصارم فيه كما يحدث في ساهر!!
بالطبع يجب ألا نهمل جوانب أخرى، ستترتب على قيادة المرأة للسيارة، منها
جاهزية الطرق للكثافة المرورية الناتجة من ذلك، وجاهزية رجال المرور
للتعامل معهن، واستخراج رخص السير، وتهيئة المجتمع نفسياً واجتماعياً..
وكلها تحديات بحاجة إلى دراسة ووضع خطط عملية طويلة الأمد لمواجهتها - مرة
أخرى - جنباً إلى جنب مع علمائنا الأفاضل.
باختصار، نحن بحاجة إلى تحديد تلك المفاسد ووضع الحلول الجذرية لها، ومن ثم
السماح للمرأة بالقيادة بآلية متدرجة، تمتد لسنوات عدة؛ لضمان عدم إرباك
المجتمع.
دعوني أصارحكم بأنه لا يمكن لمجتمعنا الاستمرار في منع قيادة المرأة
للسيارة للأبد؛ فالمرأة في الوقت الحالي أصبحت أكثر حاجة لهذا الحق من أي
زمن سابق، فإما أن يتحرك المخلصون في هذا البلد، ويبدؤوا في صنع الخطوات
العملية لذلك الحق المكتسب، وإلا سنجد من يستغل هذا الجانب لمآرب أخرى،
وإرباك المجتمع، وربما زعزعة الأمن، وتوسيع الهوة بين أطياف المجتمع، سواء
عن قصد أو جهل، وليس حركة (26 أكتوبر) لقيادة المرأة عنا ببعيد!!
فهذه الحركة ستحمل الكثير من التحديات للمجتمع، مع قناعتي بوجود المحسن
والمسيء خلفها!! وقبل ذلك ستضع الأجهزة الأمنية في موقف مربك للغاية، وقد
يكون لها تبعات أمنية غير محسوبة في حال السماح لهم بذلك.
وفي المقابل، وأسوة بما يحدث في حركة 26 أكتوبر، قد تظهر فئات أخرى من
المجتمع لها مطالب ترى أنها شرعية (في وجهة نظرها)؛ ومن ثم تأخذ ما تم
كمبرر لتنظيم تجمعات وتظاهرات أخرى.
أرأيتم كيف أن تأخير علاج بعض القضايا (المباحة في الأصل)، التي تمس شريحة
واسعة من المجتمع، والأخذ بمنعها من باب سد الذرائع منذ عقود، دون إعادة
النظر في مجريات الأمور ومستجداتها وتغير أساليب الحياة، قد يجلب الكثير من
المفاسد الأخرى!!
أخيراً، أؤمن تماماً بأن الحق أحق أن يتبع، حتى لو طالب به من في قلبه مرض، ولكن وفق ضوابط ومنهجية شرعية.
وسأحدثكم في الجزء الثاني من المقال عن أبعاد أخرى لقيادة المرأة في مجتمعنا بعون الله.
http://sabq.org/pr1aCd
د. عبدالرحمن القحطاني
18 ذو الحجة 1434-2013-10-2312:53 AM
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..