الاثنين، 7 أكتوبر 2013

القائد التربوي الذي نُريد

مفاتيح القيادة التربوية الناجحة
حين تتجانس المجموعة التربوية العاملة سواءً أكانت في مدرسة أو معهد أو كلية أو غيرها من
المؤسسات التربوية وتلاحظ أنها تعمل في انسجام وتناغم فتشعر حين تراقبهم بأنك تتابع منظر جميلاً أو تستمع لأنغام جميلة لا يعكرها نشاز لشدة ما بينهم من توافق وتكامل، فثق تمام الثقة بأنهم قد سَعدوا بوجود قيادة تربوية ناجحة.

فمن هو القائد التربوي الذي وصل بهم إلى هذا الانسجام والتناغم؟
هو ذلك الإنسان الذي يحمل صفات ذاتية ومهارات عملية تؤهله لقيادة مجموعة من التربويين الذين يعملون لتطبيق مبادئ التربية وتنشئة جيل جديد وهم في الحقيقة عناصر التنمية المستدامة لأي مجتمع طموح.

ومن خلال اهتمامي بموضوع القيادة التربوية الناجحة وجدت أنها تحمل صفات مشتركة على اختلاف المجتمعات أشبه ما تكون بمفاتيح للقيادة التربوية بحسب ملاحظتي الشخصية وخبرتي العملية.

وقد أحببت أن أسجل هنا هذه المفاتيح وفي نظري أنها هي التي تؤهل القائد التربوي للتميز والنجاح وتلفت انتباه من حوله؛ ويكون ذلك في الغالب دون ضجيج ودون حملات دعائية بل تجد أن القائد التربوي الناجح في الغالب يلفت انتباهك بنتائج أعماله وقوة تماسك مجموعته التي يقودها وتلحظ أن بينهم قدرا من الاهتمام والمودة اللافتة للنظر والتي لا تجدها في مجموعات أخرى مجاورة أو مؤسسات مشابهة؛ فإلى شيء من هذه الصفات التي تشكل مفاتيح القيادة التربوية الناجحة:-
1- سيد القوم خادمهم:
لا يشعر القائد التربوي الناجح أنه شخص مهمته فقط اصدار الأوامر والمراقبة بل ستجده في أي مكان في مؤسسته أو بين أفراد مجموعته وتتفاجأ في كثير من الأحيان أنه يشارك في جميع الأعمال مهما كانت محتقرة في نظر البعض وقد تجده مع عمال النظافة يشاركهم أعمالهم ويساعدهم عند الحاجة.

وقل ما شئت فوق هذا من أعمال اخرى وهو يستمتع حين يقدم أي خدمة لأعضاء مجموعته حتى لو كانت خارج نطاق الوظيفة الرسمية في أي زمان وأي مكان.

2- قائد على بصيرة:
القائد التربوي الناجح يتحرك على بصيرة وبمهنية عالية ويعرف كيف يتحرك بطريقة علمية فهو مثلاً:
لديه رؤية واضحة له وواضحة لدى العاملين معه.

أهدافه محددة ودقيقة يعرفها كل من حوله.

خطته مبنية على أسس علمية ويبتعد عن أسلوب المحاولة والخطأ.

يُحلل المشكلات ويضع الحلول والبدائل المناسبة لها.

يعرف كيف ينشئ فرق العمل ويُشرك الآخرين معه ويحدد مهامهم بشكل واضح.

يكتشف مواهب العاملين معه ويضع خطة لتنميتها وصقلها.

اجتماعاته لها معنى ومتجددة تكسر الروتين والملل ويبحث عن أساليب مشوقة ويملئها بالمفيد والجديد.

يستشير ثم يتخذ القرارات بشكل جماعي وليس العكس.

يُحسن إدارة ذاته ووقته قبل أن يدير الآخرين وهو يعلم جيدًا أن فاقد الشيء لا يعطيه لهذا تجده يُحسن ضبط نفسه ولديه ثقة تنعكس على مستوى أداءه.

ويتعلم ليُعلم وهو يعرف جيدا أن العلم لا يقف عند حدّ وأن تنمية المهارات لا تقف عند سقف محدد.

3- هو سرّ التميز:
يعلم القائد التربوي الناجح أنه يجب أن يكون هو سرّ التميز في مؤسسته وذلك من خلال إعطاء "قدوة" من نفسه لمن حوله فحين يكلمهم عن الانضباط يرون في سلوكه أكبر مثال عن الانضباط.

وحين يحفزهم للطموح يرون فيه طموحاً لا تحده حدود. فهو مثالهم النموذجي الذي يقتدون به في حياتهم العملية.

4- يهتّمُ بهم فيهتمون به:
القائد التربوي الناجح يهتم بكل فرد في مجموعته ويعطيهم كل ما يحتاجونه من اهتمام حتى في مسائلهم الشخصية ومشكلاتهم الخارجية ويشعرون معه بروح الأخوة التي تساعدهم على تجاوز مشكلاتهم ولهذا السلوك الإيجابي منعكس إيجابي من اهتمامهم به والاستجابة لتحقيق الرؤية والرسالة التي يضع بذرتها بينهم.

5- التشجيع ثم التشجيع:
تعجب حين تصاحب القائد التربوي الناجح من عدم ملله من تشجيع من حوله رغم تكرر إخفاقات بعضهم فهو يعلم علم اليقين أن كل فرد عنده يمكن أن يتجاوز اخفاقاته ولذلك فهو يقربهم الى النجاح من خلال تشجيعهم لكنه مع هذا لا يغفل عن جانب كشف أخطائهم لهم لكن هناك فرقاً واضحاً بينه وبين المراقب الذي لا يتقن سوى الرقابة والمحاسبة.

6- لكل مشكلة حل:
القائد التربوي الناجح يعلم يقينا أن لكل مشكلة حل، ولهذا فهو لا ينشر سحب اليأس فوق رؤوس مجموعته والعاملين معه. بل تجده يُذّكرهم دوما بأنه إذا أُغلق باب فتحت أبواب فلا تبق متعلقا بالباب المغلق.

قاعدته: ابحث.. وابحث.. وجرّب.. وستصل بإذن الله.

7- الفألُ ديدنه:
في غالب الأوقات ومهما كانت الظروف ستجده القائد التربوي الناجح متفائلا وهذه الروح تنتشر بين أفراد مجموعته وكأنه يشحن بطارية تفاؤلهم. إذ لولا الأمل لم يسع ساعٍ في هذه الدنيا.

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

8- يمارس بإتقان دور "المستمع جيد":
القائد الناجح يُحسن مهارة الاستماع والإنصات ويعلم أن كثيرا من المشكلات والأزمات التي تعترض أتباعه تحتاج إلى مستمع جيد يفهم ما يقولون ويساعدهم على تجاوز مشكلاتهم.

ولابد من شكوى إلى ذي مروءة  يواسيك أو يسليك أو يتوجع

9- علومه غانمة:
القائد التربوي الناجح كل علومه غانمة فلا تسمع منه إلا الأخبار الطيّبة وهذه سياسته الدائمة فهو ينشر كل خبر طيّب مهما كان صغيرا، ويحاول حصر الأخبار السيئة في دائرتها الضيقة التي ينبغي ألا تتجاوزها حتى لا يؤثر سلبا فيمن حوله؛ ويبدد بقوله وسلوكه غيوم اليأس والإحباط.

10- إنسان طيّب:
القائد التربوي الناجح إنسان طيّب وهو كما عرّفه بعض طلابه (الإنسان الطيّب الذي يتحدث معك) يستمع ويدعم، وهنا يشعر منسوبيه أنهم يملكون كنزًا تربويًا يساعدهم في مسيرة حياتهم على بحثهم عن الأفضل.

11- حريصٌ على التواصل:
القائد التربوي الناجح حريصٌ بشكل واضح على التواصل مع كل من له علاقة به وبمؤسسته من قريب أو بعيد بما يخدمها؛ ويعرف كل من حوله كيف يصل إليه ويتواصل معه مهما كانت منزلته ولا يحتجب عنهم إلا في حالات الضرورة القصوى بشكل نادر ولوقت محدود.

وهو يُفعّل جميع قنوات التواصل الممكنة ولهذا فإن الأشخاص الخجولين يمكن أن يوصلوا إليه صوتهم بالطريقة التي تناسب حاجاتهم وإمكاناتهم وقدرتهم على التواصل.

12- روح أب في ثياب مسئول:
القائد التربوي الناجح تتلبس ثياب المسئول روح الأب الشفيق؛ فهو يراقب سلوك منسوبي مؤسسته من أجل تسديد سلوكهم وتعديله؛ يفرح بصوابهم أكثر مما يبحث عن عقابهم.

ولذلك فهو لا يتخلى أبدًا عن مسئوليته التربوية مع طلابه ومعلميه وجميع المستفيدين من خدمات مدرسته أو مؤسسته.

ويهتم بتحفيز أتباعه ويثني على تقدمهم بشكل مستمر وبطريقة دافعة لتحسن سلوكهم؛ وهو يمارس دور الأبوة الرحيمة الحكيمة التي تبني ولا تهدم وتُسدد ولا تندد.

وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرحماء

13- أُخروي النظرة:
القائد التربوي الناجح نظرته بعيدة المدى تتجاوز حدود الدنيا لترتبط بالآخرة وما فيها من أجر ونعيم مقيم؛ ولهذا فهو لا يستعجل النتائج ولا يتعجل الثواب والمكافأة.

وذلك أن المربي المسلم من بين جميع أنواع العاملين ينتظر جزاءه الكامل من الله عز وجل في الدار الآخرة وهذا يُهوّن عليه كثيرًا من انتقاص الآخرين لمهمته وهضم المجتمع لحقه.

ويعلم أن الله عز وجل خيرًا جزاءًا وأعظم شكرًا؛ ومهما اعترته مشاعر الضعف الإنساني رفعته نيته الصالحة وعادت به لينهض لمهمته أكثر نشاطًا وأعظم تفاؤلاً.

قائد أم مدير:
كانت تلك أهم مفاتيح القيادة التربوية التي نأمل أن تتوافر كحدٍ أدنى بين مديري مدارسنا ومؤسساتنا التربوية وتنقلهم من دور المدير إلى دور القائد التربوي إذ كل قائد يمكن أن يكون مديرًا وليس العكس؛ فكيف يمكن أن نفرق بينهما؟.

من خلال الجدول التالي يمكن أن نعرف بعض الفروق بين القائد والمدير:
القائد
المدير
مهام العاملين واضحة والفرق تعمل وفق خطط
لا توجد مهام واضحة والجميع ينتظرون تكليفا يوميا بالعمل
كل فرد يعرف دوره ويقوم به بشكل تلقائي حتى في حال عدم وجود القائد
يحتاج كل فرد أن يتعرف على مهمته قبل الشروع في العمل
في حال عدم وجوده وغيابه يسير العمل في المؤسسة بشكل متقن ومتناسق
في حال غيابه تتوقف أكثر الأعمال وأهمها
في حال غيابه يشعر العاملين معه بتضاعف مسئولياتهم فيقل استئذانهم وخروجهم
تزيد نسبة الغياب والتهرب من العمل في حال غيابه.
هنالك نائب واثق من أداءه ومخول باتخاذ القرارات في حال عدم تفرغ القائد أو غيابه حيث التفويض واضح ومستقر
كل المعاملات والقرارات تتوقف حتى يباشرها المدير بنفسه.
التفويض غير واضح ولا مستقر

وهذه رسالة إلى كل مدير- ومديرة- بأن ينتقل من دور المدير إلى دور القائد ويكتسب مهارات القائد التربوي الناجح ليكون أوفر حظًا في دنياه وأعظم أجرًا في دنياه.

 
د. خالد بن محمد الشهري
 

تاريخ الإضافة: 1/10/2013 ميلادي
- 27/11/1434 هجري

 

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..