السبت، 9 نوفمبر 2013

فرائد و فوائد

 (٢٥)
السبت ٢٨ ذو الحجة ١٤٣٤
ـ كل ما في القرآن من « الأسف » فمعناه الحزن
إلا    ﴿ فَلَمَّاْ آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[الزخرف: 55] فمعناها أغضبونا.

ـ كل ما في القرآن من « البروج » فهي الكواكب
إلا ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء:78] فمعناها القصور الطوال الحصينة.

ـ كل ما في القرآن من « بعل » فهو الزوج
إلا ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ﴾ [الصافات: 125] فهو الصنم. 

ـ كل ما في القرآن من « البُكم » فهو الخرس عن الكلام بالإيمان
إلا ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ﴾ [الإسراء: 97]،
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ [النحل: 76]
فالمراد عدم القدرة على الكلام مطلقا.

ـ كل ما في القرآن من « حسرة » فهي االندامة
إلا ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [ آل عمران: 156] فمعناه الحزن.

ـ كل ما في القرآن من « جثيا » فمعناه جميعاً
إلا ﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ [الجاثية:28]، فمعناه تجثو على ركبها.

ـ كل ما في القرآن من « حسبان » فهو الحساب
إلَّا ﴿ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [ الكهف:40] فمعناه العذاب المحسوب المقدر.

ـ كل ما في القرآن من « الدحض » فهو الباطل
إلا ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات:141]، فمعناه المقروعين أى المغلوبين.

ـ كل ما في القرآن من « ريب » فهو الشك
إلَّا ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [ الطور: 30] فالمراد حوادث الدهر.

ـ كل ما في القرآن من « الرجم » فهو القتل
إلا ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ِ ﴾ [مريم: 46]، فالمراد لأشتمنك،
و﴿ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِِ ﴾ [الكهف: 22]، فمعناه ظنًا.

ـ كل ما في القرآن من « الزور » فهو الكذب مع الشرك
إلا ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَ زُورًا﴾ [المجادلة: 2]، فإنه كذب غير الشرك.

ـ كل ما في القرآن من « زكاة » فهو المال
إلا ﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّاَ وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ًِ ﴾ [مريم: 13]، أي طهرًا له.
﴿ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف : 81 ] ، أي صلاحا وتقى.

ـ كل ما في القرآن من « زيغ » فالميل
إلا ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ َ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ِ ﴾ [الأحزاب: 10]، فمعناها شخصت .أي فتح عيْنيْه وجعل لا يطرف.

ـ كل ما في القرآن من « سخر » فالاستهزاء
إلا ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّاًِ ﴾ [الزخرف: 32]، فهو من التسخير والاستخدام.

ـ كل ما في القرآن من « أَصْحَابَ النَّار » فأهلها
إلا ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ﴾ [المدثر: 31]، فهم خزنة النار.

ـ كل « شهيد » في القرآن غير القتلى فهو من يشهد في أمور الناس
إلّا ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ً ﴾ [البقرة: 23]، فالمراد شركاءكم.

ـ كل ما في القرآن من « صمم » فعن سماع القرآن خاصةً وسماع الإيمان
إلا ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾ [الإسراء: 97]، فمعناه فقد السمع.

ـ كل « صلاة » في القرآن عبادةٌ ورحمةٌ
إلّا ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌْ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ً ﴾ [الحج: 40]، فهي كنائس اليهود وهم يسمونها صلوات.

ـ كل ما في القرآن من « مصباح » فمعناه كوكب
إلا ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ [النــور: 35]، فمعناه السراج.

ـ كل ما في القرآن من « نكاح » فالتزوج
إلا ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النسـاء: 6]، فمعناه الاحتلام.

ـ كل ما في القرآن من « اليأس » فمعناه القنوط
إلا ﴿ أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31]، فمعناه العلم.

ـ كل ما في القرآن من « الصبر » فهو محمود
إلا ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ [الفـرقان: 42]،
﴿ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ ﴾[ص: 6] فمعناه العكوف على عبادة الأصنام.

ـ كل ما في القرآن من « الصوم » فهو الإمساك عن الطعام والشراب وإتيان النساء إلا ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مـريم: 26]، فهو الإمساك عن الكلام. 

ـ كل ما في القرآن من « الظلمات والنور » فمعناهما الكفر والإيمان إلا ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنـعام: 1]، فمعناهما ظلمة الليل ونور النهار.

ـ كل ما في القرآن من « الخرق » فمعناه الثقب إلا ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنـعام: 100]، فمعناه ادَّعوا وكذبوا.


من كتاب [الإتقان في علوم القرآن] للعلامة : جلال الدين السيوطي - رحمه الله.

__________________________
(٢٤)
الجمعة ٢٨ ذو القعدة ١٤٣٤

قال الله عز وجل ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) وقال ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) 
فما الفرق بين الأيام المعدودات والأيام المعلومات ؟

قال سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - :

الله جل وعلا بيَّن المعدودات وهي أيام التشريق ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ.. ) (203) سورة البقرة،
هذه ثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر، هذه المعدودات،
والمعلومات أيام العشر مع أيام التشريق، وقال جماعة: إنها أيام العشر فقط،
وقال آخرون: إنها أيام العشر مع أيام التشريق، كلها معلومات، يكبر فيها، يكبر المسلمون فيها من أول العشر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ..) (27) سورة الحـج،
فيذكروا الله في الأيام المعلومات من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر عند غروب الشمس، يكبروا الله ويذكروه سبحانه، فهي أيام عظيمة فاضلة، والثلاثة منها معدودات وهي الأخيرة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام منى وأيام رمي الجمار.

فالأيام المعلومات هي أيام العشر: عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.

المصدر :
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ إبن باز

______________________

(٢٣)
الخميس ٢٨ شوال ١٤٣٤

تقديم الذكر على الأنثى إلا في حالتين ؟!

ندرك أن الصناعة العربية يكثر فيها ما يسمى بالتغليب، والتغليب أن يؤتى إلى اثنين، فيعمد إلى تسميتهما بأحدهما، لاشتراك كثير بينهما، ثم إن التغليب له طرائقه، ويختلف من حال إلى حال لأسباب ، فَمِن ذلك مثلا :
القمران : للشمس والقمر ، لأن القمر مذكر والشمس مؤنث،
والعُمَران : لأبي بكر وعمر رضى الله عنهما .ونسب إلى عمر لأن لفظ أبي بكر مركب تركيب إضافي، واسم عمر مفرد.
الحسنان: يقال للسبطين الكريمين الحسن و الحسين ، لأن الحسن أكبر من الحسين ،
المكتان : يقال لمكة والمدينة ، لأن مكة عند جمهور العلماء أفضل من المدينة .
والأَسودان : التمر والماء . قال صلى الله عليه وسلم : " الأسودان   التمر والماء " .
والأبوان : للأب والأم ، وفي الأب والخالة ، ومنه قوله تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ ) .
والأُمَّان : للأم والجدة
والزَّهْدَمَان : فى زَهْدَم وكَرْدَم ابني قيس .
والعَمْران : لعمرو بن حارثة وزيد بن عمرو
والأَحْوَصان : الأحوص بن جعفر وعمرو بن الأحوص .
والمُصْعَبان : مُصْعَب بن الزبير وابنه .
والبُجَيْران : بُجير وفراس ابنا عبد الله بن سلمة .
والحُرَّان : الحر وأخوه رُؤْبة .
والعَجَّاجان : فى العَجَّاج وابنه .

وكما قال المتنبي :
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال

ولو كل النساء كمن فقدنا
لفضلت النساء على الرجال.

من خلال ماسبق يتبين أن للعرب نظم لا يختل وسنن لا تتبدل في طريقة تقديمها الذكر على الأنثى، إلا في حالتين قدموا فيهما الأنثى على الذكر، وهذا من نفائس العلم ،
الحالة الأولى:
إذا ثنوا " الضبع" ، فيقدمون الأنثى على الذكر ، لأن الضبع اسم للأنثى، ولا يقال ضبعة، والذكر ضبعان، والجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين. 
والذكر يقال له ضبعان، فإذا ثنو على اسم الذكر اجتمعت الألف والنون مرتين، فاسمه ضبعان وهو فرد، فكيف إذا ثني ؟!
فتحرجوا من هذا التكرار، ولجئوا إلى تثنيته على اسم الأنثى ، كي لا يقال " ضبعانان "
فاختل هنا نظم كلامهم في أنهم يقدمون الذكر على الأنثى.
وتصغير الضبع ( أضيبع ).
ومن أسماء الضبع جيل وجعار وحفصة، ومن كُناها أم خنور وأم طريق وأم عامر وأم القبور


الحالة الثانية:
في التاريخ، فإنهم يقدمون ويؤرخون بالليلة دون اليوم لأن الليلة تسبق اليوم ، وهي مؤنثة دون الأيام التي هي مذكرة، وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليلته .

______________________

(٢٢)
الجمعة ١٠ رمضان ١٤٣٤


أخبر سبحانه تعالى فى سورة مريم عندما كلم موسى - عليه السلام - فقال : ( وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ) [52].
بينما عدل القرآن عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب عندما خاطب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أحكم الحاكمين في سورة القصص : ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ) [44]  ؛ فماالسر في ذلك ؟

لقد مَنّ الله تعالى على نبينا - صلى الله عليه وسلم - برفعة مقامه وإعلاء درجته على الخليقة كلها، ويشهد لذلك جملة من النصوص سواءً كان ذلك بصريح العبارة أو عن طريق الإشارة، ولذا كان على أتباعه من أمته توخي الأدب معه صلى الله عليه وسلم بانتقاء أحسن الألفاظ في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تبعاً لمنهج القرآن في بيان خطاب الله له بالأسلوب المغاير لذكر الأنبياء قبله.
ومعروف ان الجهات الاربعة هى الشمال والجنوب والشرق والغرب وهى كلها جهات لا يفضل بعضها على بعض ، ولكن إذا قلنا اليمين والشمال فيفضل اليمين عن الشمال
 ، ومما يدل على فضل اليمين أن الله جعله وهو مفرد فى مقابلة جمع الشمال ، قال تعالى : (عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) [النحل:48].
لما ذكر الله جل وعلا الإثبات ذكر صفة اليمين مقترنة به فقال تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)  وهذا الكلام عن موسى - عليه السلام - ، ولما ذكر النفى فى الآية فى سورة القصص : (وما كنت بجانب الغربى) ، فعدل القرآن هنا عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب إظهاراً لكرامة وبيان شرف النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، فحين ذكر الله النفي قال: ( وَمَا كُنتَ ) ، فأزال الله جل وعلا ذكر كلمة اليمين حتى لا ينفى الفضل عنه صلوات الله وسلامه عليه، فعدل القرآن عن ذكر اليمين إلى ذكر الغرب، فقال جل وعلا: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ [القصص:44]؛ لأنه لو قيل في غير القرآن وما كنت بجانب الأيمن لكان فيه نفي اليمن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا محال في حقه من جهة إكرام الله له، فعدل القرآن عن هذه اللفظة إلى لفظة لا يتعلق بها مدح ولا ذم، وهي جهة الغرب.
وهذا الخطاب القرآني لنبينا عليه الصلاة والسلام المبين رفيع مقامه له قرائن عديدة لا تحصى، منها أن الله خاطب أنبياءه بأسمائهم المجردة، كقوله تعالى: ( يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا ) [هود:48]، وقوله ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي )[الأعراف:144]، 
وقوله ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّك ) [هود:76]، وقوله ( يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) [البقرة:35]، وليس في القرآن كله مخاطبة الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم باللفظ المجرد، فليس في القرآن كله (يا محمد) وإنما (يا أيها النبي) و(يا أيها الرسول) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يبين رفيع المقام وجليل المكانة له عليه الصلاة والسلام عند ربه. فيجب علينا أن نتأسى بأسلوب القرآن في حديثنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فنتوخى جميل الألفاظ وأصدق العبارات وأحسن الكلمات التي تنبئ عما في قلوبنا لنبينا صلوات الله وسلامه عليه .

والله اعلم
__________________________

(٢١)
الأثنين ٢٩ شعبان ١٤٣٤

كثيرا ما نشاهد أو نقرأ عبارة :
( احجز نسختك قبل نفاذ الكمية ) ، أو ( يسري العرض حتى نفاذ الكمية ) !!
فهل هي صحيحة ؟
وأيهما أصح "  نفاد " بالدال أو " نفاذ " بالذال ؟

الحقيقة أن هناك فرقٌ شاسعٌ بين العبارتين...
فـ كلمة نفاذ – بالذال – تعني الاختراق والمضي .

ولذلك شواهد من كتاب الله الكريم :
قال الله تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) - [ سورة الرحمن : 33 ] 
فالله يقول هنا: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا )  أي: أن تخترقوا،  ( مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا  )  أي: الأمر متروك لكم إن كانت لديكم قدرة على ذلك . ثم قال جل وعلا:  ( لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ  ) أي: بقوة وقدرة تغلبون بها قهرنا وقدرتنا، ومعلوم أن هذا من تعليق الأمر بالمحال ؛ لأنه لا أحد له قدرة على الله .

وكلمة " نفد " و " تنفد " و " ينفد " و " نفاد " و "نفدت " – بالدال – بمعنى ( الفناء والانتهاء ) :

قال تعالى : ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) - [ الكهف : 109 ]
وقال تعالى : { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } - [ النحل:96] ، أي يفرغ وينقضي.

وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) - [ لقمان : 27 ] 
وقوله تعالى : ( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ) - [ ص : 54 ] ، أي رزق ربنا لا ينتهي ولا ينقطع ولا يندثر ولا ينقضي .

ويقال : الحكمُ مع النَّفاذ - بالذال :
أي حالة تلحق الحكمَ إذا كان واجبَ التَّنفيذ بمجرد صدوره مدنيًّا كان أو جنائيًّا ، بدون انتظار فوات ميعاد الاستئناف الجائز رفعه من المحكوم عليه ، وبدون انتظار الفصل في هذا الاستئناف .
ويقال نفاذ حكم القاضي : أي تنفيذه ووقوعه
ويقال طعنة نافذة أي مخترقة .

ومن ذلك يتبين بأن الصحيح أن يقال :
( احجز نسختك قبل نفاد الكمية ) ، أو ( يسري العرض حتى نفاد الكمية ) - بالدال .
والله اعلم...

__________________________

(٢٠)
الأثنين ٢٢ شعبان ١٤٣٤

ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ؛ المشرق والمغرب :
ذكرهما مفردين
وذكرهما على هيئة التثنية 
وذكرهما على صيغة الجمع
وكل ذكر لهما كان يوازي السياق العام الذي جاء فيه؛ لما ذكر الله جل وعلا عبادته والتوجه إليه في الصلاة وهو حق له مطلق تبارك وتعالى لا يشاركه فيه أحد قال سبحانه: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} فأفرد الله ذكر المشرق وأفرد ذكر المغرب....

ولما ذكر جل وعلا الانقطاع إليه والتبتل إليه وذكر وحدانيته وأنه لا رب غيره ولا إله سواه قال سبحانه لنبيه: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}
فذكرهما الله جل وعلا على هيئة الإفراد لأن السياق والمنح العام للآيات يتطلب هذا ولا ملزم على الله.

فلما خاطب الله الثقلين الجن والأنس وقال جلا ذكره: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار ٍفَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وكان الخطاب للإثنين ثنى جل وعلا المشرق والمغرب ولم يذكرهما مفردين كما فعل في الأولين قال جل ذكره : {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

ولما ذكر سبحانه تفرق الناس على نبينا صلى الله عليه وسلم واختلافهم فيه أي القرشيين هذا يصدقه وهذا يكذبه والمكذبون له هذا يقول أنه مجنون وهذا يقول أنه ساحر وهذا يقول أنه كاهن وهذا متوقف فيه قال جل ثناؤه وتبارك اسمه: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِين * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ * فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} فجمع جل وعلا حتى يناسب اللفظ القرآني يناسب السياق العام والمنح الذي جاء فيه الأيه لما كان كفار قريش متفرقين في فهم القرآن في فهم الرسالة جاء الخطاب القرآني متفرقاً {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُون}.

الشيخ / صالح المغامسي
__________________________

(١٩)

الخميس ٤ شعبان ١٤٣٤

اقترن جهاد المال بجهاد النفس في القرآن في عَشَرة مواضع ، ستاً منها في سورة التوبة ، وتقدَّم فيها جهاد المال على الجهاد بالنفس في تسعة منها ، وتقدَّم جهاد النفس على جهاد المال في موضع واحد ، ولذلك حِكَمٌ وأسرارٌ، وقف عليها المفسرون، رحمهم الله.
الآيات التي تقدَّم فيها المال على النفس: 
1- قال - تعالى -: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41].
2- قال - تعالى -: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١١].
3- قال - تعالى -: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى } [النساء: 95]. 
4- قال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 72]. 
5 - قال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20]. 
6- قال - تعالى -: {لا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ} [التوبة:٤٤].
7- قال - تعالى -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
8- قال - تعالى -: {فَرِحَ الْـمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 81].
9- قال - تعالى -: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْـخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [التوبة: ٨٨].
الآية التي تقدَّمت فيها النفس على المال: 
10- قال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ } [التوبة: ١١١].
من حِكَمِ تقديم المال على النفس في أقوال العلماء: 
قال ابن القيم – رحمه الله – في حكمة تقديم المال على النفس: 
«أولاً: هذا دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس، فإذا دهم العدو وجب على القادر الخروج بنفسه، فإن كان عاجزاً وجب عليه أن يكتري بماله.
ومن تأمَّل أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته في أصحابه - رضي الله عنهم -وأَمْرَهم بإخراج أموالهم في الجهاد، قطع بصحة هذا القول. والمقصود: تقديم المال في الذكر، وأن ذلك مشعِرٌ بإنكارِ وَهْمِ مَنْ يتوهم أن العاجز بنفسه إذا كان قادراً على أن يغزو بماله لا يجب عليه شيء؛ فحيث ذكر الجهاد قدَّم ذكر المال؛ فكيف يقال: لا يجيب به؟ 
ولو قيل: إن وجوبه بالمال أعظم وأقوى من وجوبه بالنفس، لكان هذا القول أصحَّ من قول من قال: لا يجب بالمال، وهذا بَيِّن، وعلى هذا فتظهر الفائدة في تقديمه في الذكر. 
وفائدة ثانية: على تقدير عدم الوجوب؛ وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتَها في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها ومعشوقها، فندب الله - تعالى - محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته؛ فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم، ولا يكون في الوجود شيء أحبَّ إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبهم في حبه نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها؛ وهي بذل نفوسهم له؛ فهذا غاية الحب؛ فإن الإنسان لا شيء أحبَّ إليه من نفسه، فإذا أحب شيئاً بذل له محبوبه من نفسه وماله، فإذا آل الأمر إلى بَذْلِ نفسه ضنَّ بنفسه وآثرها على محبوبه. 
هذا هو الغالب وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية؛ ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فرَّ وتركهم، فلم يرضَ الله من محبيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم. وأيضاً فبذل النفس آخر المراتب؛ فإن العبد يبذل ماله أولاً يقي به نفسه، فإذا لم يبقَ له ماله بذل نفسه؛ فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.
وأما قوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} [التوبة: ١١١]، فكان تقديم الأنفس هو الأَوْلَى ؛ لأنها هي المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنَّته، فكانت هي المقصودة بعقد الشراء. والأموال تَبَع لها فإذا مَلَكها مشتريها ملك مالها؛ فإن العبد وما يملكه لسيده، ليس له فيه شيء؛ فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها».

وقال الشنقيطي - رحمه الله -: «وحقيقة الجهاد بَذْلُ الجهد والطاقة، والمال هو عصب الحرب، وهو مدد الجيش، وهو أهم من الجهاد بالسلاح؛ فبالمال يُشتَرَى السلاح، وقد تُستَأجَر الرجال؛ كما في الجيوش الحديثة من الفِرَق الأجنبية، وبالمال يجهَّز الجيش؛ ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم، وأعذر معهم الرسـولَ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم يوجد عنده مـا يجهزهم به؛ كما في قوله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْـمَرْضَى} [التوبة: 91]، إلى قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}[التوبة: 92].
وكذلك من جانب آخر: قد يجاهد بالمال من لا يستطيع بالسلاح كالنساء والضعفاء، كما ورد عن زيد بن خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» رواه البخاري .
أما الآية الثانية: فهي في مَعْرِض الاستبــدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة؛ فقدَّم النفس؛ لأنها أعزُّ ما يملك الحي، وجعل في مقابلها الجنة؛ وهي أعزُّ ما يوهَب، وأحسن ما قيل في ذلك.
وقال أبو بكر الجزائري في كتاب أيسر التفاسير : «يخبر - تعالى - مرغباً في الجهاد بالمال لتقدُّمه على الجهاد بالنفس؛ لأن العدة أولاً والرجال ثانياً» .

جهاد المال ينقسم إلى قسمين: 

القسم الأول: 
- المشاركة بالمال في تجهيز المجاهد بالسلاح .
- دعم المجاهدين الذين استجابوا لنداء الجهاد تاركين خلفهم أولادهم ونسائهم وإنفاق المال لكفالة أُسَر المجاهدين .
- الإنفاق على أُسر الشهداء الذين سالت دماؤهم من أجل الإسلام والذود عنه.
- إنفاق المال لتعمير أثار تدمير بيوت المسلمين: فمن خصال اليهود والكفار والطواغيت على مَرِّ العصور التدمير والخراب .

القسم الثاني: هو مقاطعة المعتدي الغاصب اقتصادياً ومالياً؛ وذلك من الجهاد بالمال أيضاً؛ فإذا كان الإنسان بخيلاً أو عاجزاً أو ضعيفاً؛ لا يستطيع المشاركة بماله في دعم تحرير هذه الأوطان المقدسة، فعلى الأقل يشاركُ بَقَطْعِ دعم العدو المحتل الغاصب.
وفي سؤال لفضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - قال فيه السائل: نجد أن الله - عزَّ وجل - في كثير من آيات الجهاد يقدِّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ فما الحكمة من ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يظهر - والله أعلم - لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من حاجته إلى الرجال؛ ولأن الجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس .  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 25/ 312  .

وفي السُّنة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس: 
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:«جَاهِدُوا الـمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رواه أحمد في مسنده .
الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ: 
إذا كان المجاهد مديناً وتعيَّن الجهاد لدفع الضرر، قُدِمَ الجهاد بالمال على سداد الدين. قال ابن تيمية - رحمه الله -: «فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الـمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَر؛ِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى»   الفتاوى الكبرى: 5/ 537 .

فاللهم انصر المجاهدين في كل مكان ...
ووفق المسلمين لنصرتهم...

____________________________


(١٨)
الأثنين ١ شعبان ١٤٣٤

آية وآيتين ... مقارنة بديعة

قال الله جل وعلا: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (الإسراء:12)

والله سبحانه يقول :
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (المؤمنون:50)...

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ}
 كم شخص؟
اثنان {ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} 
وقال عنهما في سورة المؤمنون {آيَةً} .
وفي سورة الإسراء قال : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} لم يقل آية...
لماذا؟
لأن عيسى ومريم - عليهما السلام - يُمكن الجمعُ بينهُما في وقتٍ واحد تراهُما في وقت واحد؛ عيسى مع أُمهِ، لكن الليل والنهار مُحال أن يجتمعا في وقت واحد إمّا أن نكون في ليل وإمّا أن نكون في نهار فهُما ضدان لا يجتمعان فلمّا كانا لا يجتمعان ثنى الله جل وعلا بقوله : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} ولمّا كان يُمكن الجمع في عيسى وأُمهِ أنهُ يُمكن لأي شخص أن يراهُما سويا قال الله: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}.

وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ.. } أخبر سبحانه عن المثنى بالمفرد { آيَةً.. } لأنهما مشتركان فيها: مريم آية لأنها أنجبت من غير زوج، وعيسى آية لأنه وُلِد من غير أب، فالآية إذن لا تكون في أحدهما دون الآخر، وهما فيها سواء.
لذلك يراعي النص القرآني هذه المساواة فيُقَدِّم عيسى في آية: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً.. } [المؤمنون: 50]
ويقدم مريم في آية أخرى:
{  وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } 
[الأنبياء: 91]
هذه العدالة في النص لأنهما سواء في الخيرية لا يتميز أحدهما على الآخر.

والله اعلم
__________________________

(١٧)
الأربعاء ٢٦ رجب ١٤٣٤

من عجائب لغة القرآن...
كلمات في القرآن الكريم من لفظة واحدة احتوت بعضها على حرف عطف، وفعل، وفاعل، ومفعول به أول، ومفعول به ثان ٍ .

قال الله عز وجل :
( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) سورة البقرة (137)

فسيكفيكهم :
الفاء : استئنافية
السين : حرف استقبال
يكفي : فعل مضارع. 
الكاف : مفعول به أول لأن كفى تأخذ مفعولين.
(هم) : مفعول به ثان ٍ .
لفظ الجلالة ( الله )  فاعل .
والمعنى : فسيكفيك الله إياهم .


قال الله عز وجل :
( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) سورة هود (28)
لفظ ( أنلزمكموها )
أ : أداة استفهام لا محل لها من الإعراب يقصد بها التعجب.
نلزم : فعل مضارع 
والفاعل ضمير مستتر تقديره ( نحن)
الكاف : مفعول به اول .
الميم : علامة جمع المذكر .
الواو : لإشباع حركة الضم على الميم.
الهاء : مفعول به ثان ٍ . 


قال الله عز وجل :
( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ) سورة الحجر (22)
لفظ : ( فأسقيناكموه )
الفاء : حرف عطف.
أسقى : فعل ماض .
نا : ضمير الفاعل .
الكاف : مفعول به أول
الميم : علامة جمع الذكور .
الواو : لإشباع ضم الميم.
الهاء : مفعول به ثان .


قال عز الله عز وجل :
 ( فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) سورة الأحزاب (37)
لفظ ( زوجناكها )
زوج : فعل ماض.
نا : فاعل .
الكاف : مفعول به اول.
الهاء : مفعول به ثان ٍ .
بمعنى زوجناك إياها.
_________________________

(١٦)

الأثنين ١٧ رجب ١٤٣٤


" مكث " و " لبث ":

قال الله تعالى :
﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [النمل: 22]،
﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]،
﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ﴾ [القصص: 29] [2].
 ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 3]
 ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106] .
 ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ﴾ [طه: 10].
 ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17] .

وردت كلمة مكث وجذورها في القران الكريم حوالي سبع مرات بصيغ مختلفة :
1- فعل مضارع: يمكث.
2- حال: ماكثين.
3- جار ومجرور: على مكث.
4- فعل أمر: امكثوا.
5- فعل ماضٍ: فمكث.
6- خبر إن: ماكثون.
وجاءت على أربعة أوجه :
 الإقامة ، المهل ، النزول ، النفع.
الأول : المكث: الإقامة، ومنه قوله- تعالى- في سورة الكهف: ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 3]؛ أي: مُقِيمين.
الثاني: المكث؛ أي: على مَهَل، ومنه قوله- تعالى- في سورة الإسراء: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106]؛ أي: على مَهَلٍ .

الثالث: امكثوا؛ أي: انزلوا، ومنه قوله- سبحانه- في سورة طه: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ﴾ [طه: 10]؛ أي: انزلوا.
الرابع: المكث: النفع، ومنه قوله- سبحانه-وتعالى - في سورة الرعد: ﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]؛ أي: ينفع فيها .


أما كلمة ( لبث ) وجذورها فقد وردت 31 مرة في تسع وعشرين آية ، في تسع صيغ هي ( لبث ، لبثتُ ، لبثتم ، لبثنا ، لبثوا ، يلبثوا ، يلبثون ، لابثين ، تلبّثوا ) .
والملاحظ من خلال الآيات الكريمة أنه في جميع المرات التي ورد فيها اللبث فقد اقترن بزمن محدد ، مثل :
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ﴾ البقرة: 259 .
﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ يوسف: 42
﴿فلبثت سنين في أهل مدين﴾ [طه/40]،
﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾ طه: 103
﴿ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ الإسراء: 76.
﴿كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم﴾ [الكهف/19]،
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ الكهف: 25 . 
﴿فلبث فيهم ألف سنة﴾ [العنكبوت/14]،
﴿ما لبثوا في العذاب المهين﴾ [سبأ/14].
﴿لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ [الأحقاف/35]،
﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾النبأ: 23 . 
﴿لم يلبثوا إلا عشية﴾ [النازعات/46]،

ونلاحظ أن مرة واحدة فقط هي التي لم يحدد فيها زمن للّبْث وذلك في قوله تعالى : ﴿ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ هود: 69 .
وذلك أن اللفظة قد سُبقت بما النافية مما يجعل المعنى ينصرف الى " فما لبث إلا قليل وقت حتى جاء بعجل حنيذ " ، لكي يفهم السامع أن إبراهيم - عليه السلام - لم يستغرق وقتاً يذكر في المجيء بالطعام ، وذلك لكرمه ولشدة اهتمامه بضيفه . 
ومما سبق نستطيع أن نفهم الفرق الدقيق بين ( مكث ) و ( لبث ) :
مكث : تفيد الاستقرار في مكان بغير تحديد زمن للإقامة ، أي متعلقة دائما بالمكان.

لبث : فتقتضي تحديد وقت معين أي متعلقة دائما بالزمان.

فعندما تقصد التزام المكان تقول امكث ، وعندما تقصد ملازمة مدة من الزمان تقول البث.

والله اعلم
_____________________
(١٥)
الخميس ٦ رجب ١٤٣٤

من الذي بنى الكعبة ؟

في البداية اعلموا أنه ليس على كل سؤال جواب ، فبعض الناس يسأل عن شيءٍ غيبي لم يرد نص من الشرع ببيانه ، كما أن بعض الناس يسأل أسئلة تهكمية أو تعجيزية لا يريد من ورائها إلا تضييع أوقات الدعاة وطلبة العلم ، وفي النهاية لا يوجد إجابة على مسائله ، فخير ما يُفعل معه أن تُذكر قواعد الشرع ومهماته ، ويوكَل علم ما لا نعلم إلى الله سبحانه وتعالى .

 إن قصة بناء البيت بدأت من عهد آدم عليه السلام، هذا الذي يظهر من أقوال المفسرين ، فالملائكة بنت البيت وضعته لآدم، وحج إليه آدم، وحج إليه الصالحون من عهد آدم إلى عهد نوح، ولما تبدلت الأرض شركاً بعث نوح، وحج نوح، وحج بعده الأنبياء -كصالح كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- ثم ذهبت معالمه، فأمر الله الخليل أن يرفع القواعد. فإذاً: مزية إبراهيم أنه لم يبن أحد غيره من البشر البيت.
هذا الذي يتحرر، والعلم عند الله، ولذا قال الله جل وعلا: ( وَإِذْ يَرْفَعُ ) [البقرة:127]، ولم يقل: وإذ يضع، وكل أحد درس اللغة يعرف الفرق بين (يضع) و(يرفع)، فإن يرفع يشعر أن هذه القواعد موجودة: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ) [البقرة:127] فرفع إبراهيم القواعد من البيت. وهنا تأتي أمور، فالله يقول في سورة الحج: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) [الحج:26].
إذاً: الذي حدد لإبراهيم مكان البيت رب العزة والجلال، ولكن البيت كان موجوداً وإنما دل عليه. وأما كيف دل عليه فلا يعرف في ذلك أثراً مرفوعاً، لكن قال بعض العلماء: إن سحابة أظلت مكان البيت.
وهذا ليس ببعيد. وقال بعضهم: جاءت ريح كنست المكان الذي حدد له البيت، ونحن على يقين أن الله جل وعلا هو الذي عين مكان البيت لإبراهيم عليه السلام، (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ). ثم في إتيانه بإسماعيل وأمه إلى هذا المكان دليل على أنه كان يعرف أن المكان في مكة، لكن لا يعرف تحديد البيت، أمر بأن يضع إسماعيل في هذا المكان، وكان يعلم أن البيت هنا، بدليل أنه قال: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) [إبراهيم:37] ومعلوم أن البيت لم يكن موجوداً؛ لأن إسماعيل بنى مع أبيه البيت بعد أن كبر، وإبراهيم قال هذه العبارة عندما كان إسماعيل رضيعاً مع أمه قبل أن تخرج زمزم، ولكنه كان يعلم أن البيت في ذلك الوادي. ولكن تحديد مكان البيت بالضبط كان متأخراً.
وقد جعل الله تعالى مكة بلداً حراماً يوم خلق السموات والأرض ، وقِدَم تحريم البلدة لا يعني وجود البناء في ذلك اليوم .
 فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ ( لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ) . رواه البخاري ( 1737 ) ومسلم ( 1353 ) .

 قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
 " ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي - في الجهاد وغيره - من حديث أنس أن ( إبراهيم حرَّم مكة ) ؛ لأن المعنى : أن إبراهيم حرَّم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده ، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرِّم مكة ، أو المعنى : أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس وكانت قبل ذلك عند الله حراماً ، أو أول من أظهره بعد الطوفان" .
 " فتح الباري " ( 4 / 43 ) .
 وقد رويت أحاديث وآثار تبين أن الكعبة كانت صخرة في الماء ، وأن دحي الأرض كان من تحتها ، وأنها مخلوقة قبل الأرض بألفي سنة ، وكل ذلك لا يخلو من ضعف ، وما صح منه فمأخوذ عن بني إسرائيل .
 ويدل على ذلك حديث أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) .
 رواه البخاري ( 3186 ) ومسلم ( 520 ) .
 وقد اختلف العلماء فيمن بنى البيت أولاً على أقوال ، أشهرها : 
 1. أن منهم من قال : إنهم الملائكة – وهو قول أبي جعفر الباقر - . 
 2. ومنهم من قال : إنه آدم عليه السلام – وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب ، وممن قال به : ابن الجوزي وابن حجر ، ويرجحه الشيخ الأمين الشنقيطي - .
 3. وذهبت طائفة إلى أنه إبراهيم عليه السلام – وهو قول ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ويرجحه الشيخ العثيمين - .
 والذي يترجح من الأقوال : هو القول الثاني ، وأن باني البيت هو آدم عليه السلام ، والذي كان من إبراهيم عليه السلام هو تجديد بنائه ورفعه بعد أن تهدم بالطوفان أو بغيره ، ومما يدل على ذلك :
 1. قوله تعالى ( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) البقرة/ 125 ، ولا يُعهد إليهما بتطهير البيت إلا وهو موجود قبلهما .

 2. قوله تعالى ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ ) البقرة/ 127 ، وذِكر رفع إبراهيم عليه السلام للقواعد يدل على أنها موجودة قبله ، وإنما عمله الكشف عنها ورفعها ، والبناء عليها .
 3. قوله تعالى ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) .
 4. قوله تعالى ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) .
 فظاهر الآيتين يدل على وجود البيت قبل إبراهيم عليه السلام ، بل وعلى لسانه .
 قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
 فقوله ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) أي : هيأناه له ، وعرَّفناه إياه ؛ ليبنيه بأمرنا على قواعده الأصلية المندرسة ، حين أمرْنا ببنائه ، كما يُهيأ المكان لمن يريد النزول فيه .
 وغاية ما دل عليه القرآن : أن الله بوأ مكانه لإبراهيم ، فهيأه له ، وعرفه إياه ؛ ليبنيه في محله ، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يُبن قبله ، وظاهر قوله : حين ترك إسماعيل ، وهاجر في مكة ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) يدل على أنه كان مبنيّاً واندرس ، كما يدل عليه قوله هنا ( مَكَانَ الْبَيْتِ ) ؛ لأنه يدل على أن له مكاناً سابقاً كان معروفاً ، والله أعلم . انتهى من " أضواء البيان " ( 4 / 296 ) . 
 5. كون الكعبة قِبلة الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام .
 قال ابن عادل الحنبلي – رحمه الله - :
 فدلت هذه الأقوال المتقدمة على أن الكعبة كانت موجودةً في زمان آدم عليه السلام ، ويؤيده أن الصلوات كانت لازمةً في جميع أديان الأنبياء ؛ لقوله : ( أولئك الذين أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ) مريم/ 58 .
 ولما كانوا يسجدون لله : فالسجود لا بد له من قِبْلَةٍ ، فلو كانت قبلة شيث وإدريس ونوح موضعاً آخر سوى القبلة : لبطل قوله : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ) ، فدلَّ ذلك على أن قبلةَ أولئك الأنبياء هي الكعبةُ .
 " اللباب في علوم الكتاب " ( 5 / 401 ) .
 6. استقبال إبراهيم عليه السلام مكان الكعبة من أجل الدعاء قبل بنائه لها ، وتسميته للبيت ووصفه بأنه محرَّم .
 7. إخبار الملَك لهاجر أم إسماعيل بوجود مكان البيت وأنه يبنيه زوجها وولدها .
 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ... .
 رواه البخاري ( 3184 ) . 

والخلاصة :
 أن الذي يترجح هو أن آدم عليه السلام باني الكعبة المشرفة ، والمسألة ليست من القطعيات ، بل الأقوال فيها محتملة ؛ وأن لا تكون مثارا للقيل والقال ، وكثرة الأخذ والجدال . 
أما الحجر الأسود فقد نزل من الجنة مع آدم عليه السلام، وقد كان أبيض، ثم أسودَّ بسبب ذنوب بني آدم، فقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم". 
وبالنسبة عن بداية تقديسه وتقبيله فلا نستطيع تحديد ذلك، ولكن يقال: جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الحجر الأسود أنزل مع آدم عليه السلام، وقد ثبت أن هذا البيت الحرام حجه الأنبياء من قبل، فهذا قد يؤخذ منه أن الحجر الأسود كان مقدساً من زمن آدم عليه السلام، أو من زمن أول الأنبياء حجاً للبيت.
والحجر الأسود في الطواف سنة يؤجر فاعلها لاقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم. عن زيد بن أسلم عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل الحجر وقال: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ماقبلتك" [رواه البخاري].

والله أعلم.

المصدر : بحث من عدة مصادر موثوقة
____________________
(١٤)
 السبت ١ رجب ١٤٣٤

جاء لفظ (تبارك) في القرآن في تسعة مواضع:
 في سورة الأعراف في [الآية: 54] (تبارك الله رب العالمين)  ،
وفي سورة المؤمنون في [الآية:14](فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)  
وفي سورة الفرقان في ثلاثة مواضع :
 في [الآية:1] (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ..)  وفي [الآية:10] (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً من ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)
 وفي [الآية:61] (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) ، 
وفي سورة غافر في [الآية:64] (فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
وَفي سورة الزخرف في [ الآية : 85 ] ( وتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
وفي سورة الرحمن في [ الآية : 78](تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)  ، 
وفي سورة الملك في [الآية:1] (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .

 قال ابن القيم - رحمه الله - :
 " وأما صفته " تبارك " : فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى . " بدائع الفوائد " ( 2 / 185 ) .

 وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " - :
 " الأظهر في معنى ( تَبَـارَكَ ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن : أنه تفاعل من البركة ، كما جزم به ابن جرير الطبري ، وعليه : فمعنى ( تَبَـارَكَ ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله ، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله ؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة ، واستحقاق إخلاص العبادة له ، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير ، ولا رزق كالأصنام ، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد ، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم ، ... اعلم أن قوله : ( تَبَـارَكَ ) فعل جامد لا يتصرف ، فلا يأتي منه مضارع ، ولا مصدر ، ولا اسم فاعل ، ولا غير ذلك ، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالىٰ ، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب ( تَبَـارَكَ ) مسنداً إلى اللَّه تعالىٰ معروف في كلامهم " انتهى .
 " أضواء البيان " ( 6 / 262 ، 263 ) .
 وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله :
 " ( البركة ) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة ، والفعل منها " تبارك " ، ولهذا لا يقال لغيره كذلك ، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ ؛ فهو سبحانه المبارِك ، وعبده ورسوله المبارَك ؛ كما قال المسيح : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ) ، فمن بارك الله فيه : فهو المبارَك ، وأما صفته : فمختصة به ؛ كما أطلق على نفسه بقولـه تعالى : ( تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) " انتهى .
 " الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " ( ص 283 ) .
 وعليه : فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى ، لأن مختصة به سبحانه وتعالى .

أما قول " تباركت " :
قال الأشموني في شرح ألفية ابن مالك :
 وفي شرح الآجرومية للشهاب البجائي أن تبارك تقبل التاءين تقول: تباركت يا الله، وتباركت أسماء الله " .

 والله اعلم
______________________
(١٣)

الأربعاء ٢١ جمادى الآخرة ١٤٣٤

التسمية بقوس قزح :


عند نزول المطر أو خلال نزوله والشمس مشرقة ، يظهر في الأفق قوس بألوان الطيف ، طرفاه على الأرض وقبته باتجاه السماء والغالب من الناس تسميه (قوس قزح) .
وقد كثر الكلام حول حكم تسمية قوس قزح بهذا الاسم ... وكثر الجدال حول هذه التسمية .. فما هو هذا القوس ، وهل تصح تسميته بذلك ؟
هو عبارة عن ظاهرة جوية تظهر في الأفق المقابل للشمس بشكل قوس في السماء ، وسبب نشأته هو : انكسار ضوء الشمس مع قطرات المطر العالقة بالجو ، وهو ذو ألوان سبعة متتابعة : ( بنفسجي ، نيلي ، أزرق ، أخضر ، أصفر ، برتقالي ، أحمر ) .
وتكون الألوان في القوس اللون الأحمر من الخارج ويتدرج إلى البرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فأزرق غامق ( نيللي) فالبنفسجي من الداخل .
وهو في الواقع يظهر على شكل نصفين : النصف الأول في السماء ، والنصف الثاني مخفي في الأرض .
فقد قيل بالنهي عن ذلك والتحريم ومستندهم إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تقولوا قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا : قوس الله عز وجل ، فهو أمان لأهل الأرض) ولكنه حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز أن ينسب إليه أو يحتج به .
كما ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" والألباني رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وكما ذكره صاحب "الفوائد المجموعة".
واخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس بسند صحيح ( القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء تنشق منه ) .
وعلى ذلك النهي لم يثبت بل ثبت خلافه وكونه اسم للشيطان لم يثبت ، لكن الأولى أن يقال قوس الله أو قوس الأمان من الله .
ولم يثبت في النهي عن هذه التسمية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والقطع بأن (قُزَح) اسم لشيطان يحتاج إلى دليل يثبت ذلك .
وقد اختُلف في معنى (قُزَح) الذي تضاف إليه هذه القوس : فقيل :
من القَزَح وهو الارتفاع ،
قال النووي في شرح مسلم : ويطلق قزح على جبل في مزدلفة قزح بضم القاف وفتح الزاء وبحاء مهملة جبل معروف في المزدلفة وفي حديث ابن عمر ( ثم وقف بالمزدلفة على قزح ) ويسمى مشعر مزدلفة بـ(قُزَح) كما في سنن أبي داود (ح/1935) عن علي – رضي الله عنه- قال : (فلما أصبح ، يعني النبي – صلى الله عليه وسلم - ووقف على قُزَح فقال : هذا قُزَح وهو الموقف، وجَمْعٌ كلُّها موقف..) .

وقيل : هو جمع قُزْحَة وهي الطريقة التي تتركب منها ألوان هذا القوس .
وقيل : اسم الملَك الموكل بالسحاب .
وقيل : اسم الشيطان ،
وقيل : اسم لإله الرعد والخصب والمطر عند بعض أهل الكفر ،
وقيل : اسم ملك من ملوك العجم .

ولكن الصحيح كما ذكر العلامة ابن باز - رحمه الله - في تعليقاته على زاد المعاذ : ( الصحيح لا دليل على الكراهة ) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2/264) :
" الظاهر أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب , وموقف المؤمن تجاهها معروف , وهو عدم التصديق ولا التكذيب , إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا " انتهى
وعلى هذا ، فمن قال " قوس قزح" وقصد بعض تلك المعاني الفاسدة التي قيلت في معناه ، فلا شك أنه يُنهى عن تلك التسمية ، وأما من أطلقها ولم يقصد شيئاً من ذلك ، وإنما قصد مجرد التسمية المعروفة عند الناس فلا حرج عليه ، ولكن الأولى ترك تلك التسمية ، من باب الاحتياط ، لا سيما وكثير من العلماء قد نصوا على كراهتها . انتهى كلامه

والخلاصة : أنه لم يصح في النهي عن إطلاق لفظ (قوس قزح) على القوس التي تظهر في الأفق شيء، لكن الأَولى تركُ ذلك احتياطاً وورعاً.


والله أعلم

___________________________
(١٢)
الثلاثاء ١٣ جمادى الآخرة ١٤٣٤

ماالحكمة في أن السمع يتقدم على البصر في أكثر آيات كتاب الله بينما تتقدم العين على الأذن ؟

اطّرد تقديم السمع في القرآن الكريم سواء أكان على البصر أو الرؤية أو العلم أو القرب... في شأن الخالق أو في شأن المخلوقين . وقد ورد ذكر البصر في كلام الله جل وعلا كثيراً، وفي كثير منها يقدم السمع على البصر ؛ إلا أنه في آية أو آيتين أو ثلاث على الأكثر قدم البصر على السمع، فهل هناك حكمة في ذلك؟
إن تدبر كتاب الله جل وعلا وتأمل آياته بالإضافة إلى قراءة كتب التفسير الموثوق بها تساعدنا كثيرا في فهم ذلك.
يقول ربنا جل شأنه : (( قل أرأيتم أن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون )) ( الأنعام 46)
ويقول تعالى : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )) ( الإسراء 1 )
ويقول الحق تبارك وتعالى : (( قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ( طه 46) .
والله جل وعلا يقول : ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) [مريم:38]، .
ويقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [الإسراء:36].

والبصر جاء في القرآن على صورة الإفراد وجاء على صورة الجمع، أما السمع فلم يرد إلا على صورة الإفراد.
وفي مجال تقديم السمع على العلم وما جرى مجراه قد أتى في اثنين وثلاثين موضعاً، هي كل ما جاء فيه . وقدّم السمع على القرب في قوله تعالى : (( قل إن ضللت فإنّما أضلّ على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلىّ ربي إنه سميع قريب )) ( سبأ 50 ) .
ولا يقف سر هذا التقديم عند تشريف المقدّم على المؤخّر، ولكن المقام يحتمل تفسيراً آخر... فتقديم السمع على البصر لكونه أهم منه، لأن ما يحصل من ضروب المعرفة عن طريق السمع لا يحصل عن البصر، والبصر يتوقف في تحصيله للعلم على وسائط لا يتوقف عليها السمع .
فقد ذكر أهل التفسير بعض الحكم لتقديم السمع على البصر وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب، ولكن التقديم في الذكر مؤذن بأهمية المقدم، قالوا: لأن السمع آلة لتلقي المعلومات والمعارف التي بها كمال العقل وهو الطريق الأولى لتلقي وحي السماء وهدي الأنبياء، وهو وسيلة بلوغ الدعوة إلى أفهام الأمم على وجه أكمل من بلوغها بواسطة البصر لو فقد السمع ، ولأن السمع ترد إليه الأصوات من الجهات الست بدون توجه بخلاف البصر فإنه يحتاج إلى الالتفات والتوجه، والسمع والبصر هما أعظم الحواس وأقوى آلات الإدراك ولذلك ذكرا قبل الفؤاد، وذكر الفؤاد بعدهما لأنه مقر الإدراك كله، فهو الذي تنقل إليه الحواس مدركاتها، ويمكنك أن تطلع على المزيد في تفسير: التحرير والتنوير لابن عاشور ، وتفسير روح المعاني للألوسي .
ولأن السمع أهم في باب التكليف والاختبار من البصر لأن فاقد السمع من الصعب تكليفه بخلاف فاقد البصر الذي يكمن تبليغه وتكليفه بشكل أسهل . ومن الملاحظ أنه تعالى لم يفصل بين السمع والبصر بالواو كأن يقول (سميعاً وبصيرا) أنما جاءت الصفتان متصلتان (سميعاً بصيرا) لئلا يُفهم أنه تعالى خلق الإنسان على نوعين منهم من يسمع ومنهم من يُبصر.
والطب الحديث يشهد أن المولود الجنين الصغير يسمع أولاً ثم بعد ذلك يبصر، فحاسة السمع عندهم مقدمة عملاً على حاسة البصر .

أما لماذا قدّم البصر على السمع في الآيتين المذكورتين في سورة الكهف وسورة السجدة؟
كما في قوله تعالى : ( قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليّ ولا يشرك في حكمه أحداً ) - ( الكهف 26 )
وقوله تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ) ( السجدة 12 ) .
فالسبب - والله اعلم - يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية. وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمين الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعونه كان يدخل في مجال الشك والظنّ ولو تيقنوا لآمنوا ، أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع لأن الإنسان يرى قبل أن يسمع إذا بعثر ما في القبور وحشر الناس، قال تعالى : ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً )) ( الإسراء 97 )

وقد قدم رجال التفسير اجتهاداتهم في هذا المجال فقالوا: إن تقدم السمع على البصر لشرف السمع أو لشرف الأذن، فالأذن تسمع من جميع الجهات وهي أداة التلقي للوحي ويمكن استدعاء النائم من خلالها.
ورد في تفسير القرطبي: قال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها. ويقول الآلوسي في تفسيره: والحق أن كل الحواس ضرورية في موضعها ومن فقد حساً فقد علماً وتفضيل البعض على البعض تطويل من غير طائل. إذن فكرة تقديم السمع على البصر لشرف السمع مردودة أو لا تستند على أرضية صلبة، وعلى الرغم من ذلك لم يكن لها بديل. وكانت المفاجأة والتي وجهت الأنظار إلى السر المذهل وراء تقديم السمع على البصر، هي الآيات التي جاء فيها ذكر ( العين ) و( الأذن )، ففي هذه الآيات نلاحظ أن ( العين ) تتقدم (الأذن ) على عكس السمع والبصر. ففي سورة الأعراف: [آية 179]: ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ) .
وفي الآية [195] من الأعراف : ( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) .
وفي المائدة: [ آية: 45]: ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن ).
فإذا كان السمع يتقدم البصر في الآيات السابقة فإن العين تتقدم الأذن في هذه الآيات، فلو كان التقديم للتشريف لتقدمت الأذن على العين كما تقدم السمع على البصر لأن الأذن أداة السمع والعين أداة البصر.
إذن فالقضية ليست قضية شرف عضو على عضو بل هي شيء آخر، بل قل إنها معجزة علمية بكل المقاييس فلقد وجد العلماء أن هناك مراكز للسمع داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المسموعات وعقلها وهناك مراكز للبصر داخل المخ البشري يتم فيها إدراك المبصرات وعقلها وأداة مركز السمع هي الأذن التي تجلب إليها الأصوات وأداة مركز البصر العين والتي تجلب إليها الصور. ومع أن العين تتقدم الأذن في رأس الإنسان فإن مركز السمع يتقدم مركز الإبصار في مخ الإنسان تشريحياً. وهنا ظهرت المعجزة العلمية الباهرة فالترتيب المكاني للسمع والبصر في الآيات يأتي وفقاً للترتيب المكاني لمراكز السمع والبصر في مخ الإنسان. ولكن الإنسان بالإضافة إلى أنه سميعاً وبصيراً له المقدرة على إنتاج البيان البشري الراقي ولقد وجد علماء المخ أن هناك منطقة بين مركز السمع من الأمام ومركز البصر من الخلف تسمى منطقة فرنيكا فعندما يلتقي مركز السمع مع مركز البصر فإن المنطقة البينية تشكل مكان إنتاج البيان البشري وها هي الآية ( صم بكم عمي ) تشير في إعجاز باهر إلى منطقة البيان في مخ الإنسان فكلمة ( بكم ) والتي تقع بين ( صم ) من الأمام و( عمي ) من الخلف تشير إلى منطقة البيان في المخ بين مركز السمع من الأمام ومركز البصر من الخلف. وإذا كان الصمم هو تعطيل السمع، والعمى هو تعطيل البصر، فيكون البكم هو تعطيل البيان. ولأن الموصوفين بـ ( صم بكم عمي ) هم الكفار الذين يتمتعون بسمع جيد وبصر حاد ولسان مبين، فإن ( صم ) هنا تعني تعطيل عقل السماع و( عمى ) تعني تعطيل عقل البصر، فتكون ( بكم ) آفة عقلية خاصة بعقل البيان. وقدمت الآية 76 من سورة النحل دعماً لذلك: ( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ). إذن فكأن ( بكم ) تشير إلى منطقة البيان بين مركز السمع ومركز البصر في المخ.

وهنالك أمر آخر وهو لماذا استخدم صيغة المبالغة (سميعاً) ولم يستخدم (سمّاع) مثلاً ؟
في القرآن الكريم يستعمل صيغة المبالغة (سميع) كما في قوله ) : ( وهو السميع البصير) و (السميع العليم) ويستعمل صيغة المبالغة (سمّاع) كما في قوله في سورة المائدة : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) {42})
وفي سورة التوبة ( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) {47}) .
والفرق في استعمال الصيغتين في القرآن هو أن صيغة سميع استعملت في القرآن كوصف لله تعالى (وهو السميع البصير) ووصف للإنسان (سميعاً بصيرا) وهي في مقام المدح، أما صيغة سمّاع فلم تستعمل في القرآن إلا كوصف للإنسان وفي مقام الذمّ فقط.
إذن صيغة المبالغة سميع تستعمل في مقام المدح والامتنان والتفضّل بالنعمة ففي آية سورة الإنسان وعلى ما جرى عليه في القرآن الثناء هنا بالامتنان على الإنسان (سميعاً بصيرا) لذا اقتضى استخدام الصيغة (سميع) وليس (سمّاع ) .

والله اعلم

_________________________
(١١)

الخميس ١٨ جمادى الآخرة ١٤٣٤


الخطاب في القرآن الكريم على خمسة عشر وجها:

1-خطاب عام ، كما في قوله عز وجل ( الله الذي خلقكم ) [البقرة21]
2-وخطاب خاص ( أكفرتم بعد إيمانكم ) [آل عمران106]
3-وخطاب الجنس ( يا أيها الناس) [البقرة21]
4-وخطاب النوع ( يا بنى ءادم) [الأعراف]
5-وخطاب العين ( يا ءادم) [البقرة33]
6-وخطاب المدح ( يا أيها الذين ءامنوا) [آل عمران118]
7-وخطاب الذم ( يا أيها الذين كفروا) [التحريم7]
8-وخطاب الكرامة ( يا أيها النبى) [الأنفال:64]
9-وخطاب التودد ( ابن أم إن القوم استضعفوني ) [الأعراف:150]
10-وخطاب الجمع بلفظ الواحد ( يا أيها الإنسان ما غرك) [الإنفطار:6]
11-وخطاب الواحد بلفظ الجمع ( وإن عاقبتم ) [النحل:126]
12-وخطاب الواحد بلفظ الإثنين ( ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد) [ق:24]
13-وخطاب الإثنين بلفظ الواحد ( فمن ربكما يا موسى) [طه:49]
14-وخطاب العين والمراد به الغير ( فإن كنت فى شك) [يونس:94]
15-وخطاب التلو وهو ثلاثة أوجه:
أحدها :
أن يخاطب ثم يخبر ( حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم) [يونس:22] ،
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) [الروم:39]،
(وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) [الحجرات:7].

والثانى:
أن يخبر ثم يخاطب كما في قوله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم ) [ءال عمران106]،
( وسقاهم ربهم شرابا طهورا • إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) [الإنسان:22،21]

والثالث:
أن يخاطب عينا ثم يصرف الخطاب إلى الغير ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا • ليؤمنوا بالله ورسوله) [الفتح:9،8].
وهذا على قراءة ابن كثير وأبى عمرو فإنهما قرءا بالياء.

من كتاب ( المدهش ) لابن الجوزى

_____________________
(١٠)
الصب والسكب في القرآن الكريم :

السكب :
هو الصب المتتابع أي نُزُوْلُ السَّائِلَ كَالمَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلُوِّ مُتَّصِلاً مُنْتَظِمَ الوَتِيْرةِ هَنيء ٌ لا يُصَاحِبُهُ تَلَفٌ أو فَسَادٌ للمَسْكُوبِ أو لِمَا انْسَكَبَ عليْه.
وقد ورد هذا اللفظ في موضوع واحد في القرآن الكريم " وظل ممدود * وماء مسكوب ". سورة الواقعة (30 , 31 ) .

أما الصب : فهو نُزُوْلُ السَّائِلَ كَالمَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ عُلُوِّ بِشِدَّةٍ وَقُوَّةِ قَدْ يُصَاحِبُهَا وَ يَتْبَعُهَا ضَرَرٌ أَو تَلَف وأذىً لِمَا يُصَبُّ عَلَيه.
فالصب فيه القوة والعنف , مثل قوله تعالى " فصب عليهم ربك سوط عذاب " - سورة الفجر ( 13 )

وكما في قوله تعالى " ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " سورة الدخان ( 48 ).

وقوله تعالى :( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيم) .سورة الحج (19).

وعليه ، فاستعمال لفظ " الصب " في العذاب يوحي بظلال أخرى غير التي نحسها في لفظ "السكب " , إذ نلاحظ القوة والعنف مع الصب ، والهدوء والسلامة مع السكب .
فالانسكاب نعيما والصب عذابا .

_________________________
(٩)

الجمعة ١٧ جمادى الأولى ١٤٣٤

كيفية ضبط : « نفعا» و«ضرا» في هذه الآيات :
{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا } (76) سورة المائدة

{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ } (188) سورة الأعراف

{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ } (49) سورة يونس

{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا } (16) سورة الرعد

{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} (89) سورة طـه

{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } (3) سورة الفرقان

{فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا } (42) سورة سبأ

{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا } (11) سورة الفتح .

في طبعة المجمع للمصحف تتقدم دائما (نفعا) على (ضرا) في الوجه الأيمن، و(ضرا) على (نفعا) في الوجه الأيسر.
فالنون في (نـفعا) مع النون في أيمـن .
والراء في (ضرا) مع الراء في أيسر .

______________________
(٨)
الخميس ١٦ جمادى الأولى ١٤٣٤

من الفوائد اللغوية :

أن الله قال: ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) [التوبة:108]،
وبعدها: ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) [التوبة:108]، وهاتان (فيه فيه) كلمتان متشابهتان لم يفصل بينهما فاصل، فهذه إحدى الفوائد اللغوية في القرآن.

ومثلها قول الله في الأنعام: ( قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) [الأنعام:124]
وبعدها: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124]، فجاء لفظ الجلالة مكرراً لا يفصل بينهما فاصل إلا المعنى، فتقف عند قول الله جل وعلا: ( قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) [الأنعام:124]
ثم تقول: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124].

الفائدة الثالثة: جاءت ثلاث هاءات في القرآن متوالية لا يفصل بينهما فاصل، وهي في قول الله جل وعلا: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) [الجاثية:23] فإلهه مختومة بهاءين، والكلمة التي بعدها مبدوءة بها، فأصبحت ثلاث هاءات جاءت وراء بعضها البعض.
فهذه الفوائد تعينك وتحفز همتك على تدبر كلام الله، وتدبر كلام الله أياً كان فهو نافع؛ لأن الإنسان لا بد أن يشغل نفسه بحق أو بباطل حتى ولو فكر ذهنياً، فلأن تنقضي الأعمار في التفكر في كتاب الواحد القهار خير من أن تنقضي في شيء آخر أياً كان.
وهذا سر أن علم القرآن أشرف العلوم.
( الشيخ / صالح المغامسي)

وأضيف هذه الفائدة إيضا:
قال الله تعالى في سورة الإسراء : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } الآية (7) من سورة الإسراء.
أحسنتم أحسنتم كلمتان متشابهتان لم يفصل بينهما فاصل،
قال أهل الإشارات : هذه الآية تدل على أن رحمة الله تعالى غالبة على غضبه بدليل أنه لما حكى عنهم الإحسان أعاده مرتين فقال : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرة واحدة فقال : ( وإن أسأتم فلها ) ولولا أن جانب الرحمة غالب وإلا لما كان كذلك .

ومن الفوائد واللطائف اللغوية :
أكثر آية ذكرت فيها ميمات متتالية أو متقاربة هي قول الله تعالى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }[هود:48].
تكررت الميم ثماني مرات متواليات متتابعات في جزء من الجملة في قوله تعالى : { أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } فيها ثمان ميمات متواليات . الأصل : " أُمَمٍ مِنْ مَنْ مَعَكْ " قلب تنوين { أُمَمٍ } ميماً فهذه ثلاثة ميمات ثم قلبت نون " مِنْ " ميماً فهذه خمسة ميمات ثم قلبت نون " مَنْ " ميماً فهذه سبع ميمات والميم الثامنة ميم " معك " .
قلب النون ميماً واجتماع هذه الميمات متفق عليه من جميع القراء , قراء المتواتر والشواذ , لم يقرأ أحد بغير ذلك .
فتقرأ هكذا : أُمَمِمِّمَّمَّعَكْ
وباعتبار الميم المشددة ميمين الأولى ساكنة والثانية متحركة فالعدد ثمان ميمات
أُمَمِمْمِمْمَمْمَعك
لكن في الأصل الآية بها خمس ميمات بدون إدغام .
أُمَمٍ مِنْ مَنْ مَعَكْ

والله أعلم.
_____________________

(٧)

الجمعة ٢٦ ربيع الآخر ١٤٣٤

هل الربا في الآية هو الربا المحرم؟

قال الله تعالى في سورة الروم: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم:39)

الربا المقصود بالآية هنا - على الصحيح - لـيس الربا المعروف المحرم؛ لأن السورة مكية، وما كان الربا قد نزل التحريم به بعد، وإنما المعنى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} نقرب المعنى لك نضرب مثالاً:

شخص ما سمع أن أميراً من الأمراء زار البلدة، فقال: أريد أن أكرمه، فذهب وهو على حال وسط، فدعـاه وألح وأطعمه، هو لم يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وإنما فعل ذلك لينـتـفع من عطاء الأمير، فهذا من حيث الجواز جائز، لكـن لا ثواب عليه، من حق الإنسان أحياناً - كلٌّ بحسبه، الناس يختلفون - أن يستفيد بمثل هذه الطريقة، إلا أن هذه الطريقة - وإن كانت مباحة في عمومها - محـرمة في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا تليق به،

أين الدليل؟
قول الله جل وعلا في المدثر: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} (المدثر:6)، لا تصنعها حتى تستكثر من مالك، {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} لأن هذه من طرائق جمع الأموال، وهي موجودة حتى في عصرنا ويعرفها كل أحد، أن الإنسان يحـسن إلى من غَلب على الظن أنه ليس في حاجة إليه رجاء أن يكافئه، فالله يقـول: {وَمَا آتَيْتُم} (ما) شرطية، {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} هذا شيء بينك وبينهم....

هناك فريق آخر من الناس يتعامـلون مع الله، {وَمَا آتَيْتُم} وهذه بلاغة القرآن، هنا ما سماها ربا، مع إن الربا لغوياً معـناه الزيادة، قال: {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ} سماها باعتبار مآلها، في أن الصدقة إذا أريد بها وجه الله تَـزكَى نفس المؤمن، {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}...

وهذا هو رفيع الدرجات وجليل المقامات التي يتسابق فيها المسلمون، وكان أبو بكر رضي الله عنه من الصحابة في الذروة من هذا العمل، وهذا من معاني قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماًعَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} (الإنسان: 9-11).
الشيخ صالح المغامسي
________________________
(٦)
وما ادراك ومايدريك:
فائدة قرأتها قديماً وأحببت أن نستفيد منها جميعاً ، وهي الفرق بين قوله تعالى : ( وما أدراك ) وبين ( وما يدريك ) عندما تأتي في سياق الآيات الكريمة في كتاب الله عزو جل ..

من الآيات التي جاء فيها لفظ وما أدراك :

{وما أدراك ما الحاقة}
{وما أدراك ما سقر}
{وما أدراك ما يوم الفصل}
{وما أدراك ما يوم الدين}
{وما أدراك ما سجين}
{وما أدراك ما عليون}
{وما أدراك ما الطارق}
{وما أدراك ما العقبة}
{وما أدراك ما ليلة القدر}
{وما أدراك ما القارعة}
{وما أدراك ما هيه}
{وما أدراك ما الحطمة}



أما الآيات التي جاء فيها لفظ وما يدريك :

{يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا}
{الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب}
{وما يدريك لعله يزكى}


فما الفرق بين الكلمتين ؟

ما أدراك:
كل شيء في القرآن وما أدراك فقد أخبر به وذلك أن ما في الموضعين للاستفهام الإنكاري .

ما يدريك :
إنكار ونفي للإدراك في الحال والمستقبل فإذا نفى الله ذلك في المستقبل لم يخبره ولم يفسره

وفي ما أدراك إنكار ونفي لتحقق الإدراك في الماضي ولا ينافي تحققه في الحال أو المستقبل فأدرى الله بإخباره وتفسيره" اهـ .


قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن {وما أدراك} فقد أدراه إياه وعلمه.
وكل شيء قال { وما يدريك} فهو مما لم يعلمه.
وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه { وما أدراك} فأنه أخبر به، وكل شيء قال فيه { وما يدريك} فإنه لم يخبر به.

مثال ( وما أدراك ) :
{وما أدراك ما ليلة القدر} الجواب (ليلة القدر خير من ألف شهر )


مثال (وما يدريك ) :
في قوله تعالى : (وما يدريك لعل الساعة قريب} الجواب علمه عند الله ولم يخبر به .

والله أعلم

______________________________
 (٥)

إشكال علمي في قصة شعيب - عليه السلام - :
ذكر الله شعيب - عليه السلام - في سورة الأعراف وفي هود وفي الشعراء وفي العنكبوت ، وقال عز وجل في ثلاثة منها :
( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) الأعراف الآية 85

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا )
هود الآية 84

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا )
العنكبوت الآية 37

أما في سورة الشعراء فلم يذكر أنه أخوهم كما في قوله عز وجل : ( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ {177} )
فما السبب ؟

الجواب:
من فرائد العلم :
أن الله لما نسبهم إلى القبيلة والأرض وهي (( مَدْيَنَ )) أرضهم وقبيلتهم قال : (( أَخَاهُمْ )) لأنه فعلاً أخٌ لهم فهو ابن الأرض التي نشؤوا بها وابن للقبيلة التي ينتمون إليها .
ولما نسبهم إلى معبودهم نسبهم إلى ما يعبدون من دون الله نسبهم إلى الطاغوت (( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ )) برأ الله جل وعلا نبيه من أن يكون أخاً لهم قال سبحانه : (( إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ {177} )) .

__________________________
(٤)
دارهم - ديارهم
ما الفرق البياني بين كلمتي " دارهم " و " ديارهم " في القرآن ؟

قال الله عز وجل في قصة إهلاك قوم النبي صالح عليه السلام {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78].
وفي سورة هود {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67].
وقوله في قصة النبي شعيب {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:91].
وفي سورة هود {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:94].
وفي سورة العنكبوت {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت:37].
ففي الأعراف والعنكبوت {الرَّجْفَةُ}، وفيهما {فِي دَارِهِمْ}
وفي هود في القصتين {الصَّيْحَةُ} و { فِي ديَارِهِمْ}.

فأخبر سبحانه عن إهلاكهم مرة بالرجفة ، ومرة أخرى بالصيحة ، ووحَّد الدار مع الرجفة ، وجمعها مع الصيحة . فما معنى كل من ( الرجفة ) ، و( الصيحة ) ؟ ولم وحَّد ( الدار ) مع الأولى ، وأتى بها جمعًا مع الثانية ؟

الصيحة هي أشمل وأهمّ من الرجفة لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة كما في الآية 67 والآية 94 في سورة هود

ذكر أهل العلم بأن قوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ . أي : في بلدهم ، كقولك : دار الحرب ، ودار الإسلام . وقد جمع في آية أخرى فقال :﴿ فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ؛ لأنه أراد بالديار ما لكل واحد من منزله ومسكنه الخاص أو البيوت المبنية من الحجر وغيره ، وهي أخص من لفظ ( الدار) ؛ إلا أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة .
ويبين لك ذلك :

1- أن لفظ ( الدار ) يطلق على البناء الذي تسكنه العائِلة ، كما في قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾(القصص:81) ،
ويطلق على المكان الذي تحله الجماعة من حي أو قبيلة ، أو أمة ، كما في قوله تعالى :﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ﴾(الرعد:31) . أي : تحل قريبًا من أرضهم ، وهو المجاور لحدودهم .
ويطلق لفظ ( الدار ) أيضًا ، ويراد منه : الدار الدنيا ، والدار الآخرة ، ودار السلام ( الجنة ) ودار الفاسقين ( النار ) ، وقد يراد منه : مآل المرء ومصيره ؛ لأنه بمنزلة الدار يأوي إليه في شأنه ، والشواهد على ذلك من القرآن كثيرة .

فـ( الدار ) لفظ عامٌّ جامعٌ يطلق على البلد ، والأرض ، والمحلة ، وأما ( الديار ) فهو لفظ خاصٌّ يطلق على المساكن المبنية فقط ، ومثله : الدور ، وكلاهما جمع : دار .
ويدلك على ذلك قول صالح- عليه السلام- لقومه ، لما عقروا الناقة :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾(هود:65) ، ثم قال تعالى :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، فجمع بين اللفظين معًا ( الدار ، والديار ) . أما قوله :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ﴾ فالمراد منه : في بلدكم وأرضكم ، فشمل مساكنهم جميعها ، ثم خصَّ الذين ظلموا منهم بقوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ، فعبر عن ذلك بلفظ ( الديار ) ؛ لأنه أخصُّ من لفظ ( الدار ) .

والله تعالى أعلم بمراده، وأسرار بيانه، والحمد لله رب العالمين.

____________________________

(٣)
أربع جنان :

قال الله جل وعلا في سورة الرحمن : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) [الرحمن:46-47]
ذكر الله هنا أربع جنان وجعلهما قسمين، فقال في الأولى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ثم قال بعدها: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62]، وهنا من دونهما يعني: أقل منهما، وليس في الجنة أقل، فيقال: أقل منهما ثم يقال تأدباً: وليس في الجنة أقل.
ثم قال عن الأولى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48]،
وقال عن الثانية: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64] أي: أنهما خضراوان تميلان إلى السواد، وأما ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] فمعناها: أنهما متنوعتا الأفانين، والأفضل هي المتنوعة.
ثم قال جل وعلا في الأولى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، وقال في الثانية: فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:66]، وجري الماء أعظم من كونه ينضخ ويفور شيئاً يسيراً.
وقال في الأولى: ( فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان)ِ [الرحمن:52]،
وقال في الثانية جل وعلا: ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان)ٌ [الرحمن:68]،
ففي الأولى أطلق وفي الثانية قيد .
وقال جل وعلا في الثانية ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ) الرحمن : 76 )
وقال في الأولى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54]، والجنى هو الثمار، وجان بمعنى: قريب، بحيث إن الإنسان لا يتكلف أي كلفة حتى يصل إليها، بل ورد أنه إذا قطفها جاءت أختها بدلاً منها، فلا يدري أهو قطفها أو لا، قال الله جل وعلا: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25].

الشيخ : صالح المغامسي

أسأل الله أن يجمعنا ووالدينا وذرياتنا وأهلنا في جنات النعيم.
______________________________
(٢)

تشابه كبير في بعض آيات سورتي البقرة واﻷعراف


قال الله تعالى في سورة البقرة :
( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) الآيات 58-59

وقال الله عز وجل في سورة الأعراف :
( وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) الآيات 161-162

يلاحظ التشابه الكبير في الآيات مع وجود بعض الاختلافات في التعبير ، مثل :
في سورة البقرة : ( قُلْنَا )
وفي سورة الأعراف (وإذ قيل لهم) بالبناء للمجهول .

في سورة البقرة : ( ادخلوا )
وفي الأعراف ( اسكنوا )

في سورة البقرة : ( فَكُلُواْ )
وفي الأعراف (وَكُلُواْ )
الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.

في سورة البقرة زيادة لفظ : ( رغداً ) ،
وفي الأعراف لم يذكرها لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.

التقديم والتأخير في قوله تعالى في سورة البقرة : (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ ) .
وفي الأعراف : ( وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ) .
في سورة البقرة : تقديم السجود لأنه مقام التكريم وهو من أشرف العبادات وأقرب ما يكون العبد لربه .
أما في الأعراف فهم في السياق مبعدين عن ربهم لمعاصيهم.
في سورة البقرة : ( خطاياكم )
وفي الأعراف ( خطيئاتكم ) ،
الخطايا هي جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في سورة البقرة .
وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في سورة الأعراف.

في سورة البقرة : ( وَسَنَزِيدُ )
وفي الأعراف ( سنزيد ) ، إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم.

في سورة البقرة : ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً )
وفي الأعراف (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً ) ، زيادة (منهم)

في سورة البقرة : (َ فأَنزَلْنَا على الذين ظلموا )
وفي الأعراف (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ) ، وقول أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا .

في سورة البقرة : (بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ )
وفي الأعراف ( بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ) ، والظلم أشدّ .

آيات جديرة بالتأمل والتدبر والرجوع إلى كتب التفسير الموثوقة.
_____________________
(١)

" واو الثمانية " هل لها حقيقة ؟
يذكر بعض النحويين وبعض المفسرين في تفاسريهم ما يسمونه " واو الثمانية " وقالوا هي : واو عطف تدخل على المعدود الثامن لتَعْطِفَهُ على ما سبق ويكون مغايرا لبعض المذكورين قبله في بعض الصفات ، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا ستة سبعة وثمانية إيذانا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلوا على ذلك بآيات :
قول الله تعالى في سورة التوبة : " التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"
فقد ورد سبع صفات قبل دخول الواو على الصفة الثامنة ، والملاحظ أن الصفة الثامنة مغايرة للصفة السابعة فالنهي عن المنكر غير الأمر بالمعروف .

الآية الثانية : قول الله تعالى في سورة الكهف :
" سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا ولا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا" ،

الآية الثالثة : ما ورد في الآية الخامسة من سورة التحريم :" عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا" .

واستدل بعضهم في قوله تعالى : (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) .

وقد رد عليهم عدد من أهل العلم كالإمام ابن هشام في كتابه النافع مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ( بتحقيق مازن المبارك ومحمد علي رحمة الله) حيث قال ص 474-477 (واو الثمانية ذكرها جماعة من الأدباء كالحريري ومن النحويين ((الضعفاء )) كابن خالويه ومن المفسرين كالثعلبي .

قال الشيخ صالح المغامسي :
والرد على هذا أن يقال : أما الواو في ثيبات وأبكارا , هي واو عاطفة يراد بها التقسيم , لماذا يراد بها التقسيم ؟
لأنه لا يمكن أن تكون المرأة ثيب وبكر في وقت واحد ! فلا يستقيم أن يقال ( ثيبات أبكارا )

الأمر الثاني في قول : { الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ } أن هذا أمر يسمى , فيه التصاق يعني كل ما جاء في القرآن عن أمر بالمعروف ونهي عن منكر يؤتى بالواو , حتى بالأفعال : { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر} .

ومن الأدلة , احتجوا كذلك بأية الزمر أن الله قال [ أبواب الجنة ثمانية معروف ] قال : { حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } ولا ريب أن الواو هذه واو حال , والمعنى : أنه سيحدث شيء قبل فتح الأبواب وهذا دلت عليه السنة .
ـ هذا الشيء ذكره الشيخ بن عثيمين رحمه الله بقوله : "الحكمة من الواو هنا : أنهم ليسوا إذا جاءوها فتحت، بل إذا جاءوها حبسوا وأوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينزع ما في قلوبهم من غل، وتطهر القلوب حتى يدخلوا هذه الدار على أكمل حال " ـ

من الأدلة الدامغة في أنه لا يوجد واو ثمانية , أن لو توجد للتزمها القرآن , قال الله جل وعلا { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ } الثامنة { الْمُتَكَبِّرُ } ما قال الله والمتكبر , وإنما ذكرها من دون واو , فلو كانت هناك واو تلتصق بالثمانية , كما ذهبوا إليه لقال الله العزيز الجبار والمتكبر , لكن الله لم يقلها هنا لأنه لا يلتزم لها أصلاً , وإنما قيلت في تلك المواطن لا لعدد الثمانية , وإنما لأن الحال تناسب وتفرض أن تكون هناك واو.
نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أنا من القليل الذي يعلمونهم , كانوا سبعة وثامنهم كلبهم .
وهذا محتمل لكن ليس من الآية { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا } وهنا قال العلماء أن الإنسان إذا قرأ هذه الآية ينبغي عليه أن ينبه طلابه على أنه لا يتعلق بعددهم كبير علم .
فيه أمور تسمى من مليح القول , فيه أشياء تسمى من متين العلم , فلو قدر أننا عرفنا عددهم فهذا من مليح القول ليس من متين العلم , أين الدليل على أنه ليس من متين العلم ؟
لو كان من متين العلم لأخبر الله جل وعلا به .
انتهى كلام المغامسي

وقال ابن القيم- رحمه الله- في بدائع الفوائد (3/559)
( قولهم إن الواو تأتي للثمانية ليس عليه دليل مستقيم) .

وقال العلامة إبن باز -رحمه الله - وليس للقول بأنها واو الثمانية وجه، لا من جهة الشرع ولا من جهة اللغة .

وقال العلامة إبن عثيمين - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى في سورة الزمر ( حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) الآية
" قد عُلم أن أبوابها ثمانية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء (فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) والعجب أن بعض النحويين قال أن الواو هنا واو الثمانية فأحدث للواو معنى جديدا ، واستدل لقوله بأمر عجيب ، قال إن الله يقول في القرآن ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) فالواو للثمانية ، فيقال : سبحان الله من أين جاء بهذا ؟
الفائدة في قوله (سبعة وثامنهم كلبهم ) تقرير ما ذُكر لأن الله قال (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) فقال فيما قبله (رجما بالغيب) وهذا لم يقل رجما بالغيب لأن الواو عاطفة تدل على أن ما قبلها ثابت متقرر " .
انتهى كلام العلامة إبن عثيمين.

والله تعالى اعلم.


من  الأستاذ :سامي  عبد المحسن الطريقي
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..