الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

أكذوبة الأخلاق الرياضية!

يبدو أن عبارة: "الأخلاق الرياضية" التي تقال في سياق المدح للدلالة على السمو الأخلاقي ليست إلا شعاراً لا وجود له على أرض الواقع، هذا ما تأكد لي من خلال مشاركة عابرة في أحد الوسوم الرياضية في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إلى جانب عنف الملاعب الذي يفند هذه العبارة بطبيعة الحال، كانت مشاركتي في وسم (#) حمل اسم: "الشباب قِطَع غيار للهلال" والمقصود فريق الشباب السعودي، الذي يعتبر رغم عراقته أقل أندية العاصمة السعودية بأعداد المشجعين، حيث لا يحظى إلا بالنزر اليسير من المشجعين مقارنة بجمهوري النصر والهلال، وما حدث أنني في تغريدتي تلك خاطبتُ جمهور الشباب الذين أسمع عنهم ولا أراهم، بل لم أرَ أحداً منهم قط، فقلتُ على سبيل المداعبة: "مازلت أبحث عن مشجع شبابي فلم أجد.. أيها الجمهور الشبابي قل لي من رآك:)" وختمت تغريدتي بعلامة ابتسامة ليُفهم منها أنها مداعبة وليست إساءة لكن هذا ما لم يحدث؟!
ما حصل شيء يفوق التوقعات، ولا يمكن تصديقه، سباب فاحش وشتائم مقذعة من كل لون، وبأشنع وأبشع الأوصاف والكلمات النابية من جمهور النادي الذي يرى أن شرف ناديه استبيح على يديّ، وحتى لو افترضنا أنني أسأت لنادي الشباب حقيقة فليس هناك ما يبرر كل ذلك الغضب، ولا كل تلك الشتائم التي كيلت بلا حساب، وبألفاظ لا يمكن حتى مجرد الاستشهاد بها، ولمعرفة مقدار البشاعة والقبح الصادر عمن أسموا أنفسهم جمهور الشباب فقد عُدتُ بذاكرتي إلى أرشيف المقاطع التي رأيتها وسمعتها لضحايا الطاغية بشار الأسد؛ وهو الذي قَتَّل السوريين، ويَتَّم أطفالهم، ورمَلَّ نساءهم، ومع ذلك لم أرَ ولم أسمع منهم من شتمه بمثل ما شُتمتُ به، كما استعرضت كل ما سمعته وشاهدته للفلسطينيين الذين أخرجتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي من بيوتهم وهدمتها وهم ينظرون إليها، فلم يزيدوا على أن ندبوا حظوظهم وتحسبوا على من ظلمهم وبغى عليهم، لكنهم لم يفقدوا أخلاقهم في السباب والشتم رغم شناعة الظلم الواقع عليهم.
التشاتم والسباب الذي يُفقِدُ الرجل أدبه وخلقه بات ظاهرة للتعصب الرياضي الذي يعم معظم الدول العربية، وحسبك أن تستعلم في اليوتيوب عن: "مشجع يبكي" وسترى العجب العجاب لمن ينتحبون لأجل خسارة أنديتهم وبحرقة ولوعة ربما لا يبذلونها لفقد أكثر الأشياء أهمية ومصيرية في مجتمعاتهم وأوطانهم، وقبل سنوات أبرزت إحدى القنوات الفضائية أحد المشجعين الإماراتيين وهو ينفجر باكياً لهزيمة فريقه من فريق آخر، وأكاد أجزم أن هذا الذي انتحب على ناديه لم تذرف عينه كمداً على جزر بلاده المحتلة من النظام الإيراني، والأسوأ ما حدث بين مصر والجزائر في تصفيات الكأس قبل سنوات، حين كادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أن تقطع؛ لمجرد هزيمة وخلاف رياضي كان يفترض ألا يخرج عن مساره الطبيعي لفعالية مهما بلغت أهميتها لن تخرج عن كونها لعبة كرة قدم!
لا أدري أين الأخلاق الرياضية إذا لم تمنع اللاعب والمشجع والإداري والفني عن الغي والجهل والسفه، كيف للرياضيين أن يتحدثوا عما يسمونه أخلاقاً رياضية أو روحاً رياضية وهم يمارسون العنف اللفظي ضد بعضهم البعض أكثر مما يتعاطون عبارات اللطف والمسالمة والتقدير، أعتقد أن ثقافتنا العربية تتعرض للكثير من التشويه والزيف والخداع ونحن ننسب كل ذلك القبح والفحش للأخلاق، ليس هناك ما هو أسوأ من أن تخسر أخلاقك إلى جانب خسارتك أمام الفريق المنافس، والأوربيون والبرازيليون والأرجنتينيون وكل رياضيي العالم الذين سبقونا لم يتقدموا علينا إلا لتفوقهم الفني وليس للتعصب الرياضي المقيت الذي يسيء إلينا ويجعلنا في ذيل القائمة دائماً.

بقلم : عبدالله الملحم
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..