في
أحد الأيام قادني العطش إلى بقالة صغيرة في زاوية منزل قديم على شارع فرعي
متهالك كثير الحفر المغمورة بمياه الأمطار المختلطة بالصرف الصحي في حي
جديد قديم، بعيدة كل البعد عن عين الرقيب، لا يوجد فيها من اشتراطات
السلامة إلا طفاية حريق أكل عليها الدهر وشرب أُسند بها باب البقالة
المتهالك، يملكها من الباطن وافد آسيوي ، امتلأت رفوفها بمعلبات، و قوارير،
ومستحضرات مجهولة المصدر لا أعرف منها إلا معجون السعودية ، وبعضاً من
أنواع الأندومي ، زُين سقفها ( الهنجر ) ببعض ( السفر البلاستيكية الملونة )
المثبتة بشكل ديناميكي، وجمالي يضمن تجميعًا وتصريفًا لمياه الأمطار بشكل
سلس، يضفي على المكان أجواء رطبةً،معطرة برائحة البهارات الآسيوية، وزيت
النارجيل، كما أعطى ضوء الشمس الداخل من خلال ثقوب ( الهنجر ) مخترقًا
قطرات المطر الراكدة في وسط ( السفر) ، وألوانها، وكلمة ( صحتين ) إضاءة
فسيفسائية رائعة، زادها جمالاً ( عطعطت) مروحة السقف، و صرير الثلاجات
التي أبدع الصدأ لوحات من الفن التجريدي على أطرافها، وأنا هائم وسط هذه
اللوحة الجميلة كأني أطير في غابة غناء مطيرة .. فصل (فيش ) استمتاعي صوت
نشاز جهير" صديييق أنت تضحك علينا شايفني ورع قدامك...!! " التفت وإذ ذاك (
الجِحِنْبَارَةُ ) الضخم المتوشح بفروة سوداء منحنيًا على الطاولة،
معتمداً على قبضتيه، وقد مال بصدره بعينين ( تقدح شرار ) على ( المسكين )
الذي انزوى مرعوباً بكرسيه وقد مالت رقبته على كتفه الايسر رافعًا بصره
كأنما ينظر إلى جبل يسقط عليه، أدركته قبل أن ( يتهبده ) هذا الثور الهائج
اقتربت منه قائلًا " تعوذ من إبليس يا ابن الحلال ..علامك على الضعيف !!"
التفت إلي بوجه عابس مكفهر، ثم ( خز ) العامل الذي لم يكد يصلح جلسته حتى
انزوى مرة أخرى ..معلقًا " الحيوان يبي يضحك !!علي حاط لي ريال مقطوع وسط
الباقي " قلت له بنبرة هادئة علها تكبح غضبه " اذكر الله وصلِّ على رسول
الله – عليه الصلاة والسلام –" رفع ظهره مهللًا، ومصليًا ،وهو يشد فروته
على جسمه ،ثم قابلني شامخًا كالأعمدة الرومانية ، موازيًا بصدره مستوى نظري
!!، تذكرت وأنا في رحلة بصري للنظر إلى وجهه الغاضب المصارع الفرنسي (
أندريه العملاق ) استطردت بابتسامة " اتركه يااارجال .. لا تجيب نفسك
مصيبة عشان ريال مقطوع " ( خرش ) البائع بنظرة أخيرة ثم غادر وهو يتمتم
بعبارات سبٍ، وشتمٍ، و.....، التقط البائع أنفاسه، وما تساقط عليه من (
أبكات الدخان ) التي كانت فوق رأسه، وبعض مما كان على الطاولة هو يردد "
مجنون مجنون " رميت بريال على الطاولة ثم أشرت إليه بسبابة يميني ناصحًا،
ومحذراً " صديق ... نفر لازم سيدا ، مافيه كويس على بابا..!!" وأنا أدير
ظهري مغادرًا، جاءني رد سريع بنبرةٍ غاضبةٍ جعلني أقف ثواني على عتبات
البقالة متأملاً فيها وفيما حولها " كل نفر علي بابا..!! " غادرت ولكلمته
صدى يرن في رأسي رناً كلما شاهدت في طريقي معالم أعرفها.
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
فكرت في ذلك الضخم الذي كاد أن يرتكب جناية بسبب ريال مقطوع حاول بائع غشيم
أن
( يضحك عليه ) ترى هل سيرعد، ويزبد، وهو يتعامل مع وكيل سيارته، أو مزود خدمة جواله، وأنترنته ، أو عندما يقترض من بنكه ، أو.. أو.. أو...( ياااعمي.. خلها على ربك ).
( يضحك عليه ) ترى هل سيرعد، ويزبد، وهو يتعامل مع وكيل سيارته، أو مزود خدمة جواله، وأنترنته ، أو عندما يقترض من بنكه ، أو.. أو.. أو...( ياااعمي.. خلها على ربك ).
احمد بن جزاء العوفي
الأحد 12/01/2014
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..