كنت
من أوا ئل من بادر لتصحيح ما قاله زميلنا الكبير داوود الشريان في برنامجه
"الثامنة"، في تلك
الحلقة الشهيرة عن ذهاب شبابنا إلى سورية للجهاد، واستدركت عليه؛ أن أسماء الدعاة التي طرحها، كنماذج للمؤلبين والمحرضين، ربما جانبه الصواب فيها.
بالتأكيد، هناك طلبة علم ودعاة، تعرفهم الدولة جيدا، ويعرفهم المتخصصون والمنتمون للتيارات الإسلامية؛ هم من يفتي شبابنا اليوم بالذهاب إلى سورية، بل يحضونهم على تفخيخ أنفسهم بالمتفجرات، لتزهق أرواحهم ـ للأسف ـ عبثا، في ظل عدم وجود راية واضحة، ونحن نتابع بكل أسى احتراب الفصائل المعارضة هناك فيما بينهم.
لو كانت "سبابة" الشريان اتجهت إلى أولئك المفتين الحقيقيين، لحققت الحلقة هدفها الوطني الكبير، وفتحت لنا ملفا حسّاسا ما زلنا نلوب حوله، دون أن نجرؤ على طرحه في شفافية تحتاجها، ومن حاول القيام بذلك تعرّض للتخوين والعمالة والطعن في ديانته.
للأسف بات شبابنا وقودا لتلك الفتنة التي تحدث في أرض الشام، وهم الذين ذهبوا – بكل نقاء المؤمن- لأداء فريضة هي في صميم ديننا، ولكن نقصت هؤلاء الشباب، الدراية والخبرة والوعي السياسي، واستغلت عواطفهم بشكل بشع، من قبل طلبة علم سذّج، لم ينتبهوا إلى أن شبابنا سيكونون بيادق فقط تحركهم بعض القوى المنتفعة، وحتى الاستخبارات العالمية والإقليمية.
إسقاط رأي الدعاة الذين ذكرهم الزميل الشريان – وغيرهم كذلك - على ما كانوا يفتون به في أفغانستان أو العراق، على الوضع في سورية الآن، هو منهج غير علمي أبدا، فلكل مرحلة - زمانية كانت أو مكانية - ظروفها، بل الفتوى تتغير عبرهما،
وليس من الموضوعية بمكان حشد أحاديث أو تصريحات أو حتى توقيعات في مؤتمرات عامة، للتدليل على رأي خطير وحسّاس، طالما ثمة رأي صريح خاص ومفصل للداعية أو طالب العلم حيال الموضوع الذي تراد إدانته به.
كانت ردة الفعل هائلة على ذلك الاستفزاز من لدن شرائح عديدة في المجتمع، لجماهيرية أولئكم الدعاة من جهة، وللموضوع الذي تمّ الانتقاد على أساسه، وكم آلمتني تلك الردود التي نالت بطريقة مستفزة من الشريان، وكنت أناقش جمعا من الأكاديميين في "الواتس آب" بأن ردة الفعل التي شخصنت الموضوع في الزميل الشريان، وتناولت تاريخه بكثير من السخرية والتهكم، وتبودلت صور قديمة له؛ إن توقعناها من مراهقي "تويتر" وحديثي الأسنان، فلا يليق أن يلغ فيها أكاديميون ودعاة وكبار، حتى وإن كان ما أورده الشريان مستفزا، فما الفرق إذن في خطأ يرد عليه بخطأ.
الدعاة الذين وردت أسماؤهم قاموا بالدفاع عن أنفسهم في قناة "دليل"، وأبانوا عن منهجهم بشكل واضح، والحقيقة أنني حمدت للدكتور محسن العواجي عدم انجراره إلى رد الصاع بصاعين، وهو الذي لا تنقصه الشجاعة في ذلك، وكان من الحكمة أن أبان عن مكانة الجهاد ومشروعيته.
وكنت وجلا من الدخول في مناطق تماس حساسة، سيهتبلها المناوؤن لنا، والكارهون لوطننا، بما فعلوا مع حديث الشريان، مما يجعلني أكرر النداء كإعلامي لكافة التيارات أن أوقفوا هذه الترادحات التي لا تخدم أحدا، سوى أعداء الوطن.
هناك متربصون بنا، لا يصدقون أية ثغرات في نسيجنا الوطني، فيقتحمونها بغية زيادة شق الرقعة، وأتذكر في حادثة توقيف برنامج "البيان التالي" كيف أن قنوات فضائية دولية وإقليمية اتصلت بي في اليوم نفسه، إضافة إلى صحف ومواقع إخبارية من لبنان وغيرها، تريد أن تجعل من مذيع البرنامج الموقوف بطلا وشهيدا لحرية الرأي، وكنت أقول لهم إن ما فعلته وزارة الإعلام صائب، وكان هناك تجاوز منا، استحققنا هذا التوقيف. إن أردتم هذه الإجابة فأنا مستعد للظهور معكم، فينصرفون عني، لأن هدفهم بالأساس تشويه صورة وطننا الغالي، وليس البحث عن الحقيقة.
من الانصاف التنويه هنا إلى الشيخ عدنان العرعور – لم يشارك في تلك الحلقة بقناة "دليل"- كان دائما وأبدا يردد، بعدم حاجة الجهاد السوري لأبناء المملكة، ويحث على عدم ذهابهم، وأنا الذي استضفته سبع مرات على مدى عامين، وأتعمد طرح السؤال عليه، فكان يجيب بتلك الإجابة الصريحة، التي كلفته الكثير، حيث تناوشته الألسن بأنه عميل أمني خليجي، وأنه أجير يتلقى أموالا لموقفه هذا، وجملة من تلك التهم المعلبة الجاهزة، والرجل قام بدور كبير يشكر عليه، وتساوقت مواقفه مع مواقف دول الخليج تجاه سورية.
كإعلامي، أنظر لما حصل في نصف كاسه الممتلئ، حيث أتاحت الحلقة لنا مساحة من الحرية الفضائية، وبغض النظر عن كون الشريان أخطأ أم لم يخطئ، فهناك مسارات قانونية يمكن للمتضررين سلوكها، وإن كان لهم حق، فالقانون ينصفهم.
وما أود الإشارة إليه هنا؛ ضرورة تساوي الكل تحت القانون، إذ لا يصح إطلاقا، محاباة قناة على قناة، أو مذيع على مذيع، أو إعلامي على إعلامي، فالكل سواء تحت نظر القانون، ولا بد من رؤية موحدة تسربل الجميع، فأكثر ما يؤلم أن يؤاخذ البعض، فيما آخرون يتجاوزون بكثير، وتكون عين الرضا كليلة عن تجاوزاتهم، فيما هي تتحول لعين سخط، تضخّم مجهريات الأخطاء.
الشريان فجر قنبلة في وقت مهم، ولكن شظاياها اتجهت إلى الرجال الخطأ، ولم تصب المحرضين الحقيقيين.
عبد العزيز قاسم
صحيفة الوطن
-----------------------------------------
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=19883
الحلقة الشهيرة عن ذهاب شبابنا إلى سورية للجهاد، واستدركت عليه؛ أن أسماء الدعاة التي طرحها، كنماذج للمؤلبين والمحرضين، ربما جانبه الصواب فيها.
بالتأكيد، هناك طلبة علم ودعاة، تعرفهم الدولة جيدا، ويعرفهم المتخصصون والمنتمون للتيارات الإسلامية؛ هم من يفتي شبابنا اليوم بالذهاب إلى سورية، بل يحضونهم على تفخيخ أنفسهم بالمتفجرات، لتزهق أرواحهم ـ للأسف ـ عبثا، في ظل عدم وجود راية واضحة، ونحن نتابع بكل أسى احتراب الفصائل المعارضة هناك فيما بينهم.
لو كانت "سبابة" الشريان اتجهت إلى أولئك المفتين الحقيقيين، لحققت الحلقة هدفها الوطني الكبير، وفتحت لنا ملفا حسّاسا ما زلنا نلوب حوله، دون أن نجرؤ على طرحه في شفافية تحتاجها، ومن حاول القيام بذلك تعرّض للتخوين والعمالة والطعن في ديانته.
للأسف بات شبابنا وقودا لتلك الفتنة التي تحدث في أرض الشام، وهم الذين ذهبوا – بكل نقاء المؤمن- لأداء فريضة هي في صميم ديننا، ولكن نقصت هؤلاء الشباب، الدراية والخبرة والوعي السياسي، واستغلت عواطفهم بشكل بشع، من قبل طلبة علم سذّج، لم ينتبهوا إلى أن شبابنا سيكونون بيادق فقط تحركهم بعض القوى المنتفعة، وحتى الاستخبارات العالمية والإقليمية.
إسقاط رأي الدعاة الذين ذكرهم الزميل الشريان – وغيرهم كذلك - على ما كانوا يفتون به في أفغانستان أو العراق، على الوضع في سورية الآن، هو منهج غير علمي أبدا، فلكل مرحلة - زمانية كانت أو مكانية - ظروفها، بل الفتوى تتغير عبرهما،
وليس من الموضوعية بمكان حشد أحاديث أو تصريحات أو حتى توقيعات في مؤتمرات عامة، للتدليل على رأي خطير وحسّاس، طالما ثمة رأي صريح خاص ومفصل للداعية أو طالب العلم حيال الموضوع الذي تراد إدانته به.
كانت ردة الفعل هائلة على ذلك الاستفزاز من لدن شرائح عديدة في المجتمع، لجماهيرية أولئكم الدعاة من جهة، وللموضوع الذي تمّ الانتقاد على أساسه، وكم آلمتني تلك الردود التي نالت بطريقة مستفزة من الشريان، وكنت أناقش جمعا من الأكاديميين في "الواتس آب" بأن ردة الفعل التي شخصنت الموضوع في الزميل الشريان، وتناولت تاريخه بكثير من السخرية والتهكم، وتبودلت صور قديمة له؛ إن توقعناها من مراهقي "تويتر" وحديثي الأسنان، فلا يليق أن يلغ فيها أكاديميون ودعاة وكبار، حتى وإن كان ما أورده الشريان مستفزا، فما الفرق إذن في خطأ يرد عليه بخطأ.
الدعاة الذين وردت أسماؤهم قاموا بالدفاع عن أنفسهم في قناة "دليل"، وأبانوا عن منهجهم بشكل واضح، والحقيقة أنني حمدت للدكتور محسن العواجي عدم انجراره إلى رد الصاع بصاعين، وهو الذي لا تنقصه الشجاعة في ذلك، وكان من الحكمة أن أبان عن مكانة الجهاد ومشروعيته.
وكنت وجلا من الدخول في مناطق تماس حساسة، سيهتبلها المناوؤن لنا، والكارهون لوطننا، بما فعلوا مع حديث الشريان، مما يجعلني أكرر النداء كإعلامي لكافة التيارات أن أوقفوا هذه الترادحات التي لا تخدم أحدا، سوى أعداء الوطن.
هناك متربصون بنا، لا يصدقون أية ثغرات في نسيجنا الوطني، فيقتحمونها بغية زيادة شق الرقعة، وأتذكر في حادثة توقيف برنامج "البيان التالي" كيف أن قنوات فضائية دولية وإقليمية اتصلت بي في اليوم نفسه، إضافة إلى صحف ومواقع إخبارية من لبنان وغيرها، تريد أن تجعل من مذيع البرنامج الموقوف بطلا وشهيدا لحرية الرأي، وكنت أقول لهم إن ما فعلته وزارة الإعلام صائب، وكان هناك تجاوز منا، استحققنا هذا التوقيف. إن أردتم هذه الإجابة فأنا مستعد للظهور معكم، فينصرفون عني، لأن هدفهم بالأساس تشويه صورة وطننا الغالي، وليس البحث عن الحقيقة.
من الانصاف التنويه هنا إلى الشيخ عدنان العرعور – لم يشارك في تلك الحلقة بقناة "دليل"- كان دائما وأبدا يردد، بعدم حاجة الجهاد السوري لأبناء المملكة، ويحث على عدم ذهابهم، وأنا الذي استضفته سبع مرات على مدى عامين، وأتعمد طرح السؤال عليه، فكان يجيب بتلك الإجابة الصريحة، التي كلفته الكثير، حيث تناوشته الألسن بأنه عميل أمني خليجي، وأنه أجير يتلقى أموالا لموقفه هذا، وجملة من تلك التهم المعلبة الجاهزة، والرجل قام بدور كبير يشكر عليه، وتساوقت مواقفه مع مواقف دول الخليج تجاه سورية.
كإعلامي، أنظر لما حصل في نصف كاسه الممتلئ، حيث أتاحت الحلقة لنا مساحة من الحرية الفضائية، وبغض النظر عن كون الشريان أخطأ أم لم يخطئ، فهناك مسارات قانونية يمكن للمتضررين سلوكها، وإن كان لهم حق، فالقانون ينصفهم.
وما أود الإشارة إليه هنا؛ ضرورة تساوي الكل تحت القانون، إذ لا يصح إطلاقا، محاباة قناة على قناة، أو مذيع على مذيع، أو إعلامي على إعلامي، فالكل سواء تحت نظر القانون، ولا بد من رؤية موحدة تسربل الجميع، فأكثر ما يؤلم أن يؤاخذ البعض، فيما آخرون يتجاوزون بكثير، وتكون عين الرضا كليلة عن تجاوزاتهم، فيما هي تتحول لعين سخط، تضخّم مجهريات الأخطاء.
الشريان فجر قنبلة في وقت مهم، ولكن شظاياها اتجهت إلى الرجال الخطأ، ولم تصب المحرضين الحقيقيين.
عبد العزيز قاسم
صحيفة الوطن
-----------------------------------------
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=19883
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..