الجمعة 31-01-2014 11:18 صباحا
قبل
عشرين عاما وفي مثل هذه الأيام وقع المتصارعون اليمنيون اتفاقا ينهي أزمة
السياسة والمصالح سموه وثيقة العهد والاتفاق. سقطت الوثيقة بعد شهرين من توقيعها وصارت جزءا من الماضي بانتصار طرف على آخر بالقوة العسكرية. اليوم: وقع المتصارعون الجدد وثيقة الحوار الوطني ولكنها قد تصبح حبرا على ورق إذا أعلن البيض والحوثي أنهما على حق. ولهذا وأكثر نحن قلقون.
كان
د. محمد عبدالملك المتوكل، مهندس وثيقة العهد والاتفاق، أحد الذين فروا من
جحيم تلك الحرب إلى المنفى الإجباري. هذا الرجل هو أخطر ما في هذه القصة.
بجانبه رفع الشاب الطامح حسين بدر الدين الحوثي من صعدة صوته عاليا لمناصرة
قوات “البيض” فأودعه الرئيس السابق السجن ثم أفرج عنه بعد انتهاء الحرب.
يمكن تسمية هذا تحالفا هشا لإسقاط دولة الوحدة التي قامت على أنقاض الحلم
البائس بإعادة الحكم الدستوري الملكي لليمن…
كان
الدكتور المتوكل شابا في ذلك الوقت. عمد إلى ممارسة الثورية والتوعية
الممنهجة لإسقاط حكم الإمام الجديد. كان ممتلئا بكل شيء جيد وأصبح في
سبعينات القرن الماضي وزيرا في حكومة إبراهيم الحمدي.
تقدمت
السنون وجاءت الوحدة ووجد الدكتور العبقري أنه حامل مشروع الحكم الدستوري
ربما لأنه ليبرالي محترف لا يعنيه أمر الملكية الإمامية، بل جمهورية كإيران
مع بعض التحسينات التي يرعاها المذهب الزيدي هنا. شكــّــل الرجل مع آل
الوزير، وهم مفكرون مجتهدون، حزب اتحاد القوى الشعبية إلى جانب القوى
الإسلامية والقبيلة التي تُعرف الآن باسم “التجمع اليمني للإصلاح”.
ساهمت
هذه القوى في تأجيج الخلاف بين طرفي الوحدة الرئيسيين. انضوى اتحاد القوى
الشعبية “الهاشمي” في مسار القوة الاشتراكية التي كانت تمثل دولة الجنوب،
ودخل الإخوان المسلمون كحليف قوي مع دولة الشمال، فقد كان لها تاريخ
مليشاوي مسلح وناجح مع نظام الرئيس “الشمالي” صالح في مواجهة الجبهة
الوطنية المدعومة من نظام الاشتراكيين الجنوبي أيام التشطير. وصلت ذروة
الخلاف إلى منتهاها وبادر الدكتور المتوكل بصياغة وثيقة الحوار الوطني
المعروفة بوثيقة العهد والاتفاق لكنها سرعان ما تداعت بهزيمة الطرف
الاشتراكي الذي كان يسانده حزب “المتوكل” وهو يدرك جيدا أن تنظيمه السياسي
النخبوي غير قادر على التأثير في ظل سيطرة قوة واحدة على البلد. عاد
الدكتور المتوكل بعد أعوام قليلة بتدخل الشيخ الراحل وزعيم حزب الإخوان
المسلمين باليمن، عبدالله الأحمر. ليبدأ من جديد!
في
إحدى ليالي العام 1997 التقى اللواء يحيى المتوكل بالرئيس صالح يرافقه
الشاب البرلماني عن محافظة صعدة حسين الحوثي وبعض الشباب المتحمسين لفكرة
إنشاء تنظيم الشباب المؤمن كأحد التنظيمات الدينية القائمة على المذهب
الزيدي (مذهب الحكم الإمامي الرسمي) وأقنعوه بدعمهم لمواجهة الفكر الإخواني
المنتشر في اليمن والذي سيشكل لاحقا تهديدا لحكم الرئيس السابق إذا لم
يواجهه فكر مضاد قادر على تحديد تأثيره. تحمّس صالح للفكرة وتحرك التنظيم
الجديد في أغلب المناطق الزيدية الشمالية برعاية الدولة. كان ذلك بعد خسارة
حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان) في انتخابات برلمان 1997 وانفراد
المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح بحكومة ليس فيها ائتلاف سياسي كباقي
حكومات ما بعد الوحدة. حينها شعر الإخوان بمرارة ما حدث وأنهم كانوا ورقة
استخدمها الرئيس السابق للقضاء على الشريك الوحدوي الجنوبي...
مكيدة الإخوان
وصلنا
الآن إلى العام 2003. انفرد المؤتمر الشعبي العام مرة أخرى بحكومة خاصة به
عبر انتخابات نيابية جديدة وبقيت أحزاب اللقاء المشترك في موقعها المعارض
مُــحاولة بناء صفوفها ببرمجية احترافية ممنهجة، وقد وجدت في أسرة الشيخ
الأحمر ملاذها المأمول لتكوين حشد قبلي مؤازر لمخططها الاحترافي للسيطرة
على السلطة. إلا أن حكمة الشيخ الراحل كانت تؤجل مرحلة الاصطدام والتأجيج
للشارع الذي بات ضائقا من أحواله المعيشية. وفي صعدة أيضا مازال تنظيم
الشباب المؤمن يواصل تعبئته العامة لتكوين قوة طلابية وجيش مليشاوي (زيدي)
خاص به على غرار الجناح المسلح للإخوان المسلمين. ومع تزايد سلطة عائلة
الرئيس السابق التي كانت تتحكم بفصيل ضخم من قوة الجيش الرسمي والأمن
والمخابرات.
اتجه
اللقاء المشترك نحو الجنرال علي محسن، أهم حليف استراتيجي عسكري لـصالح
وتضخيم أسفه على تقوية الأخير لعائلته على حساب قوته العسكرية التي باتت
ضعيفة مقارنة بما يمنح للعميد أحمد علي عبدالله صالح قائد قوات الحرس
الجمهوري “سابقا”.
في
العام 2004 ذهب الرئيس السابق برا إلى السعودية لأداء مناسك العمرة برفقة
الشيخ الزنداني وعلى الحدود توقف صالح للصلاة في جامع الهادي بمدينة صعدة.
ومن هناك تفاجأ الرجل بسماعه للصرخة “الحوثية” التي دوت في كل مكان بالجامع
من أعضاء تنظيم الشباب المؤمن. وحينها شعر الرئيس بالخطر الحقيقي من عاصفة
هؤلاء الشباب الذين يتزعمهم حسين الحوثي. كانت مكيدة الإخوان عالية
الذكاء. تعمدوا إدخال الرئيس السابق إلى الجامع لإقناعه بخطورة ما يحدث
وضرورة مواجهته بكل السُبل. وكانت هناك على الحافة دول أخرى يهمها عدم توسع
المد “الحوثي” فحفزت صالح على ضربهم في مهدهم.
بعد
أشهر انفجرت الحرب في صعدة. وتولى الجنرال محسن قيادة المعركة بصورة تضمن
إضعاف المستهدفين وجعلهم بؤرة دائمة لإشغال الرئيس السابق وعدم استمراره في
مهمة إزاحة النفوذ الإخواني وإبقائه رهينة قوتهم الدعائية والمليشاوية…
تزاحم
السيئات وانشطار التعاون الخفي والظاهر داخليا وخارجيا مع مظلومية
الحوثيين شمالا والحراكيين جنوبا أوصل البلد وقيادة الدولة إلى مرحلة
الانسداد الفعلي وسط موجة هائلة من الدعاية الموجهة لتحفيز الرأي العام
اليمني بضرورة التغيير. وفي المنتصف كان الدكتور المتوكل يتحدث عن
الليبرالية والحقوق موجها أحزاب المشترك بتصورات أوصلتهم إلى الفراغ. بلغ
الصراع مع موجة الربيع العربي الذي عصف بكل شيء. وكان خروج التنظيم
الإخواني إلى الشارع للسيطرة على احتجاجات الكثير من الناس فعالا. إضافة
إلى التداعيات التي كانت تتوقع إنهاء حكم عائلة صالح جذريا والانقضاض على
تركته من رجاله السابقين الذين هربوا إلى الخيام مع عاصفة الموت في جمعة 18
مارس 2011.
بعد
أشهر قليلة تعرض “الرئيس" ونظامه لهجوم صاروخي مدمر خلال تأديتهم لصلاة
الجمعة في جامع النهدين بدار الرئاسة. قُتل كثير ونجا صالح بأعجوبة. فتغيرت
المعادلة السياسية برمتها. صار الرجل الجريح متمتعا بقوة أفضل من السابق
على الصعيد الشعبي وتماسك حزبه الحاكم وظل مسيطرا على المشهد العام المناوئ
لاحتجاجات الربيع الثائر الذي يتزعمه الإخوان.
تراجع
الجمهوريون الإماميون عن موقفهم من الفوضى الإخوانية التي بدأت ملامحها
تتضح في بلدان عربية أخرى مثل مصر وليبيا وتونس التي سيطر عليها الإسلاميون
الإخوان. وبعد تسليم الرئيس السابق للسلطة وانتخاب نائبه كرئيس توافقي
جديد. حقق الإخوان الهدف بإزاحة رأس العائلة عن السلطة لكنهم خلقوا، بضربهم
النظام اليمني وحليفهم الاستراتيجي، كيانات مسلحة أكثر قوة من وجودهم
السياسي أو تنظيمهم المسلح مثل الحوثي في صعدة والحراك في الجنوب، إضافة
إلى تدني رصيدهم الشعبي وإفاقة الرأي العام العربي على انتهازية إخوانية
وقحة عصفت ببلدانهم. ولم يكن اليمن خارج هذه المعادلة.
تنبه
الإخوان إلى المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه مع استمرار النجاحات السورية في
القضاء على تنظيماتهم المسلحة وسقوطهم المدوي في مصر وتحولهم من حزب كان
يدعو إلى المساواة والحرية والتنوع إلى مجموعات جهادية أشبه بالعصابات
التكفيرية القاتلة.
هنا..
صار محسن مستشارا. آل الشيخ الأحمر كشفوا غطاء الدولة والنفوذ عنهم.
والإخوان فشلوا في إدارة الحكومة. تفاقم الغضب الشعبي عليهم. وضربات
“الحوثيين” تقضي على وجودهم في كل موقع بشمال الشمال. الآن فقط.. عرفوا
جليا أنهم صنعوا ثورة لـ “أنصار الله” وستشكل المعادلة القادمة تحالفات
جديدة سيكونون فيها الحلقة الأضعف.
صراع الحوثيين مع الإخوان
بادر
الدكتور المتوكل بزيارة الزعيم صالح إلى منزله. واندهشت جميع القوى
الثورية لهذا التصرف. لكن الزائر كان يعي موقع “الزعيم” القوي، فقد كان
بحاجة إلى تحييده في صراع الحوثيين مع الإخوان. وتأكيد ألمه الجامح من
خيانة الإخوان له وانقلابهم على سلطته وعائلته ودولته. وبالتالي انفراد
“أنصار الله”، الذين لم يوقعوا على المبادرة الخليجية، بالحديث باسم
“الثورة” في ظل عودة كل رجال الرئيس السابق إلى الحكم وتذمر العامة من خدعة
“التغيير”.
وثيقة
العهد والاتفاق.. اتفاقية تمت في 18 يناير 1994 في الأردن وذلك لتسوية
الأزمة السياسية بين الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم
البيض
كل
الوجوه الحاكمة اليوم التي تدعي الثورية هي أركان الرجل السابق. وحدهم
“أنصار الله” الذين يتزعمهم الشاب عبدالملك الحوثي يعتبرون القوة الناشئة
التي ظهرت بفضل “الثورة”. في موازاة تكلس الأحزاب وانعدام التعددية
السياسية في كل المناطق اليمنية. الخارطة المتوفرة حاليا عصية على توقع
أعمق المحللين السياسيين خبرة بمستقبل اليمن. غير أن ملامح تقدم الحوثي
الجهادي غير المبرر في نهمه التوسعي على الأرض وإعادة تحالفه مع جناح علي
سالم البيض الذي آزره في حرب صيف 1994 تشكلان قوة مؤثرة اعتمدت على تحييد
صالح من الصراع وإضعاف آل الأحمر وإلغاء هوية “حاشد” كقبيلة نافذة في ظل
فشل شيخها الجديد في الإمساك بخيوط القبائل الحاشدية التي تناصب أبناء
الأحمر خصومة تمنعهم من دعمهم في مواجهة الحوثيين. ومع إفراغ الجنرال محسن
من قوته العسكرية بدواعي الهيكلة. تأمل “بكيل” القبيلة المواجهة لـ “حاشد”
أن يسهم صراع الحوثيين مع آل الأحمر في تقويتهم.
***
لماذا
نحن قلقون؟ الأقاليم تشكل هوية جديدة لتغيير الخارطة الجغرافية في البلد.
الحوثيون مصرون على تعميق هويتهم وسيطرتهم بكافة السبل ويؤسسون لجيشهم
الحقيقي في أكثر من أقليم. ومنها إقليم حضرموت الذي يسيطر عليه جناح علي
سالم البيض المدعوم إيرانيا مع الحوثي. والجديد في الأمر أن الحوثيين
مازالوا مسيطرين على خيام 2011 التي غادرها الجميع وبقوا بداخلها لمثل هذه
الأيام التي تمكنهم من استعادة السيطرة على الشارع. غير أن بشاعة حربهم على
السلفيين المسالمين شكلت وصمة عار في مسيرتهم. إلا أن ذلك لن يؤثر مستقبلا
على مطامحهم الخطيرة في الوصول إلى المشهد “الخميني” الإيراني الذي يتبناه
الحوثيون كمنهج وفكرة في مقابل فشل الأنموذج التركي الذي سوق له الإخوان
وأظهر تداعيه مثيرا كراهية لا حدود لها في العالم العربي.
القصة ليست مؤامرة، إنها تقنيات احترافية لإدارة صراع في ظل متاهات بلا مشاريع.
*العرب اون لاين
--------------------------التعليق :
مقال فيه الكثير من الصحة ، ولكنه أغفل بعض المؤثرات الأخرى
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..