"متلازمة طالب الطب" مصطلح يطلقه اليوم
علماء النفس على الوسواس المرضي الذي يظهر حين يبدأ أحدهم بدراسة الطب أو
البحث في مرض معين.. فحين يبدأ الطالب في الدراسة أو التخصص قد يتوهم
إصابته بأحد الأمراض التي يدرسها، ويقنع نفسه بظهور الأعراض عليه.. ورغم إمكانية إصابة أي انسان بهذا الوسواس إلا أنه أكثر شيوعا بين طلبة الطب - بحكم التخصص - وأكثر انتشارا في الهند بين طلبة السنة الأولى من أي دولة في العالم!!
وقال ارنيه ماي، رئيس مجموعة الباحثين الذين أجروا الدراسة في هامبورغ وماينز "إنه من المعروف أن التفاؤل والمشاعر الإيجابية تساعد في دفع عملية الشفاء.. والعكس أيضا صحيح فالأفكار السلبية تؤثر على الشعور بالألم".
وأضاف ماي: "من يتخيل الألم، يشعر به إن عاجلاً أم آجلاً". مشيراً إلى أن هذا التأثير يأتي على العكس مما يعرف بتأثير "بلاسيبو" أو "العلاج بالوهم" والذي يعتمد على زرع أفكار إيجابية في ذهن المريض تساعد في تحسين حالته كإعطائه أدوية غير فعالة وإقناعه بأنها تساعد في شفائه من مرضه.
وأجرى الباحثون دراسة شملت تعريض مجموعة من الأشخاص لألم خفيف باستخدام الحرارة بشكل يومي، وكان هذا الألم يقل بشكل طبيعي نتيجة التعود عليه.
وأخبر الباحثون بعض الخاضعين للدراسة أن الألم سيزيد بعد ذلك وكانت النتيجة أن شعورهم بالألم لم يزد ولكنه ظل ثابتاً وهو ما يسميه العلماء بتأثير "نوسيبو" كأن يتم مثلا اعطاء المريض الدواء الفعال في حالته ولكن الطبيب يقنعه أن الدواء ليس أكثر من مادة ملونة وتكون النتيجة في الغالب أن المريض لا يتفاعل مع الدواء.
وأشار ماي إلى أن هذه الدراسة تؤكد أن المعلومات التي تصل للمريض تؤثر على شعوره بالألم مما يعني أن على الطبيب توخي الحرص الشديد في المعلومات التي يقولها أمام مريضه لأنها تؤثر على فرص نجاح العلاج.
وطالب الخبير في هذا السياق بتحسين التدريب الطبي وقال: "من المهم جداً أن يعرف الطبيب كيفية نقل الخبر السيء للمريض وتحديد المعلومات التي يجب أن يقولها له وتلك التي لا يصح قولها".
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
إصابته بأحد الأمراض التي يدرسها، ويقنع نفسه بظهور الأعراض عليه.. ورغم إمكانية إصابة أي انسان بهذا الوسواس إلا أنه أكثر شيوعا بين طلبة الطب - بحكم التخصص - وأكثر انتشارا في الهند بين طلبة السنة الأولى من أي دولة في العالم!!
وهذه الظاهرة العجيبة تذكرني بتقرير قرأته قبل سنوات (ملخصه) أن من
يستعملون الانترنت للبحث عن أمراض معينة يصابون بها في النهاية.. وتقول
رئيسة البحث الدكتورة اليزابيث (من جامعة لندن) إن كثيرا من الناس يبحثون
في الانترنت عن أمراض يتخوفون منها (وغالبا بعد وفاة أحد الأقرباء بها).
وفي النهاية يتوصلون إلى استنتاجات خاطئة تجعلهم يعتقدون أنهم مصابون
بالمرض فيمرضون بالفعل.. ليس هذا فحسب بل كثيرا ما يعتقدون أنهم يعرفون
أفضل من أطبائهم (من فرط البحث والمتابعة) فيهملون العلاج أو لايأخذون كلام
الطبيب على محمل الجد !!
وغالبا ما تكون الضحية من فئة (المتمارضين) الذين يتشكون بكثرة وبشكل دائم، ويضخمون كل ألم وعلة.. وشخص كهذا نصادفه في كل مكان وقد تعود دوافعه إلى أيام الطفولة حين ارتبط لديه "التمارض" بحنان الوالدين واهتمام الناس . وحين يكبر يظل بحاجة الى ذلك التعاطف فيعود بين الحين والآخر للعب هذا الدور حتى بين أبنائه وأقربائه الأصغر سناً!
والتقريران السابقان يؤكدان أبحاثاً سابقة بخصوص خطورة (التمارض) واحتمال انتهائه بمرض حقيقي أو وفاة غامضة .. فقبل فترة بسيطة مثلا نشرت مجلة جاما (وهي المجلة الرسمية للجمعية الطبية الامريكية) نصائح للاطباء حول التعامل مع "المتمارضين" والنتائج المتوقعة من توهمهم للمرض. فكثيرا ما يحتار الاطباء انفسهم في موت أو انتكاس مريض (يفترض) به التحسن ؛ فهناك مثلا من يموت خلال عملية جراحية بسيطة ثم يتضح انه كان على قناعة مسبقة بوفاته خلالها . كما اتضح - حسب المصدر السابق - أن النساء اللاتي يؤمنّ بأنهن سيمتن بسبب مرض القلب يمتن بنسبة أربعة أضعاف من يعتقدن أنهن سيتغلبن على المرض . ورغم التسليم بأن زيادة الوزن وضغط الدم وارتفاع الكوليسترول تقصر من العمر لوحظ ان "المتفائلين" - من أصحاب الوزن الثقيل - يعمرون اكثر من "المتشائمين" بست مرات !!
ويطلق الباحثون على المريض بالوهم اسم نوسيبو (وهي تركيبة لاتينية تعني: سوف أمرض) .. وهي مصطلح معاكس ل"بلاسيبو" الأقدم استعمالا (ويعني: سوف أشفى)..
والبلاسيبو خدعة حميدة قد يلجأ اليها الطبيب حين لايجد سببا واضحا للأعراض المرضية الدائمة (كالصداع أو ألم الصدر) فيصف للمريض دواء "خاصا جدا" و "فعالا جدا" و "غير موجود حتى في الأسواق الأوربية" ... وحين يتناول المريض هذا الدواء المعجزة يشعر فعلا بتحسن مفاجئ - رغم أنه ليس أكثر من حقنة ماء مالح أو حبوب طحين ملونه!!
أما المريض بالوهم (النوسيبو) فسليم معافى لا يشتكي من أي شيء أصلًا ولكنه - لسبب ما - يؤمن بأنه مريض وبأنه على وشك الموت . وحين يقتنع بهذا ينحدر جسمه لمستوى المرض الفعلي ويتصرف دماغه كما لو كان مريضا بالفعل، ويضعف لديه جهاز المناعة فيصبح عرضة لأضعف الجراثيم المسببة للأمراض!!
... ومايبدو لي أن الرسول الكريم حذرنا من (النوسيبو) حين قال: "لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا " .. في حين حثنا في حديث آخر على تبني (البلاسيبو) حين قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه"...
وغالبا ما تكون الضحية من فئة (المتمارضين) الذين يتشكون بكثرة وبشكل دائم، ويضخمون كل ألم وعلة.. وشخص كهذا نصادفه في كل مكان وقد تعود دوافعه إلى أيام الطفولة حين ارتبط لديه "التمارض" بحنان الوالدين واهتمام الناس . وحين يكبر يظل بحاجة الى ذلك التعاطف فيعود بين الحين والآخر للعب هذا الدور حتى بين أبنائه وأقربائه الأصغر سناً!
والتقريران السابقان يؤكدان أبحاثاً سابقة بخصوص خطورة (التمارض) واحتمال انتهائه بمرض حقيقي أو وفاة غامضة .. فقبل فترة بسيطة مثلا نشرت مجلة جاما (وهي المجلة الرسمية للجمعية الطبية الامريكية) نصائح للاطباء حول التعامل مع "المتمارضين" والنتائج المتوقعة من توهمهم للمرض. فكثيرا ما يحتار الاطباء انفسهم في موت أو انتكاس مريض (يفترض) به التحسن ؛ فهناك مثلا من يموت خلال عملية جراحية بسيطة ثم يتضح انه كان على قناعة مسبقة بوفاته خلالها . كما اتضح - حسب المصدر السابق - أن النساء اللاتي يؤمنّ بأنهن سيمتن بسبب مرض القلب يمتن بنسبة أربعة أضعاف من يعتقدن أنهن سيتغلبن على المرض . ورغم التسليم بأن زيادة الوزن وضغط الدم وارتفاع الكوليسترول تقصر من العمر لوحظ ان "المتفائلين" - من أصحاب الوزن الثقيل - يعمرون اكثر من "المتشائمين" بست مرات !!
ويطلق الباحثون على المريض بالوهم اسم نوسيبو (وهي تركيبة لاتينية تعني: سوف أمرض) .. وهي مصطلح معاكس ل"بلاسيبو" الأقدم استعمالا (ويعني: سوف أشفى)..
والبلاسيبو خدعة حميدة قد يلجأ اليها الطبيب حين لايجد سببا واضحا للأعراض المرضية الدائمة (كالصداع أو ألم الصدر) فيصف للمريض دواء "خاصا جدا" و "فعالا جدا" و "غير موجود حتى في الأسواق الأوربية" ... وحين يتناول المريض هذا الدواء المعجزة يشعر فعلا بتحسن مفاجئ - رغم أنه ليس أكثر من حقنة ماء مالح أو حبوب طحين ملونه!!
أما المريض بالوهم (النوسيبو) فسليم معافى لا يشتكي من أي شيء أصلًا ولكنه - لسبب ما - يؤمن بأنه مريض وبأنه على وشك الموت . وحين يقتنع بهذا ينحدر جسمه لمستوى المرض الفعلي ويتصرف دماغه كما لو كان مريضا بالفعل، ويضعف لديه جهاز المناعة فيصبح عرضة لأضعف الجراثيم المسببة للأمراض!!
... ومايبدو لي أن الرسول الكريم حذرنا من (النوسيبو) حين قال: "لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا " .. في حين حثنا في حديث آخر على تبني (البلاسيبو) حين قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه"...
تأثير "بلاسيبو" أو "العلاج بالوهم"
أظهرت دراسة ألمانية أن الشعور بالألم لا ينبع بالضرورة من مشكلة جسدية فحسب بل إن الأفكار السلبية قد تؤدي إليه أيضاً.وقال ارنيه ماي، رئيس مجموعة الباحثين الذين أجروا الدراسة في هامبورغ وماينز "إنه من المعروف أن التفاؤل والمشاعر الإيجابية تساعد في دفع عملية الشفاء.. والعكس أيضا صحيح فالأفكار السلبية تؤثر على الشعور بالألم".
وأضاف ماي: "من يتخيل الألم، يشعر به إن عاجلاً أم آجلاً". مشيراً إلى أن هذا التأثير يأتي على العكس مما يعرف بتأثير "بلاسيبو" أو "العلاج بالوهم" والذي يعتمد على زرع أفكار إيجابية في ذهن المريض تساعد في تحسين حالته كإعطائه أدوية غير فعالة وإقناعه بأنها تساعد في شفائه من مرضه.
وأجرى الباحثون دراسة شملت تعريض مجموعة من الأشخاص لألم خفيف باستخدام الحرارة بشكل يومي، وكان هذا الألم يقل بشكل طبيعي نتيجة التعود عليه.
وأخبر الباحثون بعض الخاضعين للدراسة أن الألم سيزيد بعد ذلك وكانت النتيجة أن شعورهم بالألم لم يزد ولكنه ظل ثابتاً وهو ما يسميه العلماء بتأثير "نوسيبو" كأن يتم مثلا اعطاء المريض الدواء الفعال في حالته ولكن الطبيب يقنعه أن الدواء ليس أكثر من مادة ملونة وتكون النتيجة في الغالب أن المريض لا يتفاعل مع الدواء.
وأشار ماي إلى أن هذه الدراسة تؤكد أن المعلومات التي تصل للمريض تؤثر على شعوره بالألم مما يعني أن على الطبيب توخي الحرص الشديد في المعلومات التي يقولها أمام مريضه لأنها تؤثر على فرص نجاح العلاج.
وطالب الخبير في هذا السياق بتحسين التدريب الطبي وقال: "من المهم جداً أن يعرف الطبيب كيفية نقل الخبر السيء للمريض وتحديد المعلومات التي يجب أن يقولها له وتلك التي لا يصح قولها".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هو دواء البلاسيبو Placebo؟ - تكتيك البلاسيبو Placebo في الوسائل العلاجية
لا يروق لكثيرٍ من الناس الذين يُعانون من وجعٍ ما أن يذهبوا الى الطبيب دون أن يصف لهم هذا الأخير أي دواء. وغالباً ما يعاودون زيارة الطبيب ويكرّرون له سيناريو ما يشكون منه، فيُضطّر الطبيب إلى وصف عقار البلاسيبو لمريضه. فما هو البلاسيبو Placebo، وما هي فائدته؟
في عالم الطب هناك إصطلاح إسمه تأثير البلاسيبو Placebo، ناتج من إعطاء دواء وهمي، وهو في الواقع عبارة عن دواء مختلق مصنوع من مواد غير ضارة. وتشبه حبوب البلاسيبو كثيراً حبوب الدواء الفعلي شكلاً وحجماً، لكنها تختلف عنها في المحتوى، فهي لا تحتوي على أية عناصر فعّالة، ولا أحد يعرف بمضمونها الفعلي عدا الطبيب الذي وصفها. ويكمنُ سر هذا الدواء في تحقيقه الشفاء كونه نابع من داخل الجسم الذي يملك الكثير من المركبات الكيماوية التي يمكنها أن تعزز من عملية الشفاء الذاتي. ووفقاً لدراسةٍ قام بها باحثون أستراليون بتحليل شمل أوراقاً علمية منذ القرن التاسع عشر، تبيّن لهم أن تأثير البلاسيبو على الشخص كثيراً ما يكون مشابهاً لتأثير العلاجات الفعلية ويُساهم في إطلاق آليات الشفاء الطبيعية لديه!
هذا ويُستعمل البلاسيبو في الطب النفسي، ففي ببعض الأمراض، خصوصاً الكآبة، إستطاع الأطباء إيصال المصابين به إلى عالم الشفاء بعد تعثّر الأدوية في تحقيق الهدف المطلوب. وهذا ما كشفته دراسة أمريكية من أن الأدوية الوهمية تؤدي بالفعل إلى إحداث تغيرات في أنشطة المخ لدى مرضى الكآبة. كما وجد باحثون أميركيون خلال تجربتهم لأدوية وهمية وأخرى مضادة للكآبة مثل دواء بروزاك وغيره، أن فائدة هذه الأخيرة مبالغ فيها جداً، وأن التحسن المرحلي الملاحظ لدى المرضى الذين يأخذون تلك الأدوية إنّما يرجع إلى التأثيرات النفسية الوهمية وليس إلى التأثيرات الكيماوية للمكونات الداخلة في تركيبها.
ما هو دواء البلاسيبو Placebo؟ - تكتيك البلاسيبو Placebo في الوسائل العلاجية
لا يروق لكثيرٍ من الناس الذين يُعانون من وجعٍ ما أن يذهبوا الى الطبيب دون أن يصف لهم هذا الأخير أي دواء. وغالباً ما يعاودون زيارة الطبيب ويكرّرون له سيناريو ما يشكون منه، فيُضطّر الطبيب إلى وصف عقار البلاسيبو لمريضه. فما هو البلاسيبو Placebo، وما هي فائدته؟
في عالم الطب هناك إصطلاح إسمه تأثير البلاسيبو Placebo، ناتج من إعطاء دواء وهمي، وهو في الواقع عبارة عن دواء مختلق مصنوع من مواد غير ضارة. وتشبه حبوب البلاسيبو كثيراً حبوب الدواء الفعلي شكلاً وحجماً، لكنها تختلف عنها في المحتوى، فهي لا تحتوي على أية عناصر فعّالة، ولا أحد يعرف بمضمونها الفعلي عدا الطبيب الذي وصفها. ويكمنُ سر هذا الدواء في تحقيقه الشفاء كونه نابع من داخل الجسم الذي يملك الكثير من المركبات الكيماوية التي يمكنها أن تعزز من عملية الشفاء الذاتي. ووفقاً لدراسةٍ قام بها باحثون أستراليون بتحليل شمل أوراقاً علمية منذ القرن التاسع عشر، تبيّن لهم أن تأثير البلاسيبو على الشخص كثيراً ما يكون مشابهاً لتأثير العلاجات الفعلية ويُساهم في إطلاق آليات الشفاء الطبيعية لديه!
هذا ويُستعمل البلاسيبو في الطب النفسي، ففي ببعض الأمراض، خصوصاً الكآبة، إستطاع الأطباء إيصال المصابين به إلى عالم الشفاء بعد تعثّر الأدوية في تحقيق الهدف المطلوب. وهذا ما كشفته دراسة أمريكية من أن الأدوية الوهمية تؤدي بالفعل إلى إحداث تغيرات في أنشطة المخ لدى مرضى الكآبة. كما وجد باحثون أميركيون خلال تجربتهم لأدوية وهمية وأخرى مضادة للكآبة مثل دواء بروزاك وغيره، أن فائدة هذه الأخيرة مبالغ فيها جداً، وأن التحسن المرحلي الملاحظ لدى المرضى الذين يأخذون تلك الأدوية إنّما يرجع إلى التأثيرات النفسية الوهمية وليس إلى التأثيرات الكيماوية للمكونات الداخلة في تركيبها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأثير البلاسيبو
كان السيد رايت مريضاً بالسرطان، بل في مرحلة متقدمة من المرض، كانت
أورامه متناثرة في أجزاء متعددة من جسمه، وكان بعضها يبلغ في حجمه حجم
برتقالة صغيرة.
بمعنى آخر أقل مواربة كان الرجل يحتضر. سمع السيد رايت وهو في المستشفى عن دواء جديد مفيد في علاج السرطان، تحمَّس له كثيراً وأصر على تجربته، وبالفعل بعد ثلاثة أيام من تعاطيه كان السيد رايت يتمشى سعيداً في ردهات القسم، و بعد عشرة أيام كان قد خرج من المستشفى بعد أن تحسنت حالته تحسناً ملحوظاً.
ما لم يكن يعرفه السيد رايت أن عدداً من مرضى السرطان الآخرين في القسم نفسه قد تناولوا نفس الدواء دون فائدة، وأن الأبحاث أثبتت أن الدواء الذي تناوله فاشل وغير فعَّال في علاج السرطان.
كيف تحسَّن السيد رايت على الرغم من أن العلاج غير فعَّال؟ لقد تحسن لأنه (اعتقد) بشدة أن هذا العلاج مفيد و له قدرة على مقاومة المرض، و بالتالي فإن دماغه أعطى جسمه إحساساً داخلياً بالشفاء بغض النظر عن فعالية الدواء.
هذا ما يسميه الأطباء بتأثير البلاسيبو (Placebo Effect).
و يعرف العلماء البلاسيبو بأنه أي إجراء علاجي يتم إيهام المريض بأنه إجراء فعَّال وهو في الحقيقة وهمي وغير حقيقي، و من الممكن أن تشمل البلاسيبو حبوب الأدوية الوهمية والحقن المائية و حتى العمليات الجراحية الكاذبة.
وعلى مدى عقود خضع كثير من الناس لتجارب متعددة واستعملوا آلاف الوصفات والأدوية الوهمية في محاولة لفهم تأثير البلاسيبو ودائماً ما كانت النتائج مربكة ومحيرة وتدل على تعقيد عملية التفكير لدى الإنسان وتباينها من شخص لآخر.
ففي إحدى التجارب قام الأطباء بإعطاء حقن للمرضى وأخبروهم أنها تحتوي على مسكن قوي ضد الألم، و الواقع أن نصف المرضى فقط هم الذين أخذوا مسكناً حقيقياً، في حين أخذ نصفهم الآخر محلولاً ملحياً فقط، لكن العجيب أن كلا الفريقين أبدى استجابة مشابهة في درجة تحمل الألم.
وفي دراسة أخرى أجريت في جامعة دنفر الأمريكية عام 2004، تم إخضاع مرضى بحالات متقدمة من داء الباركنسون إلى جراحة تجريبية تهدف لزرع خلايا عصبية جنينية في أدمغتهم تساعد على تعويض مادة الدوبامين التي تفقدها خلاياهم العصبية، و قد تم إخضاع نصف المجموعة لجراحة حقيقية و نصفهم لجراحة كاذبة، والعجيب في الأمر أن كلا الفريقين أبدى شعوراً متقارباً بالتحسن في طبيعة الحياة اليومية بعد الجراحة!.
ولا يقتصر تأثير البلاسيبو على الإجراءات المباشرة كالأدوية و الجراحة بل إنَّ لاوعي المريض يلعب دوراً كذلك، فمجرد رؤية المريض للمعطف الأبيض للطبيب أو دخوله للمستشفى أو حتى تنشقه لرائحة المطهرات المميزة في المستشفيات كفيلة بإشعاره بنوع من التحسن.
ليس كذلك وحسب بل حتى سعر الدواء و اسمه وجرعته تلعب دوراً في تأثير البلاسيبو الذي يرافقه. فبين دواء يكلف عشرة سنتات و دواء يكلف دولارين ونصف الدولار أبدى المرضى الذين تعاطوا الدواء الأغلى شعوراً أفضل بالتحسن على الرغم من أن كليهما وهمي!.
لكن ما مدى أخلاقية وصف الأدوية الوهمية للمرضى؟ و هل هي حقاً فعَّالة على المدى الطويل؟ و هل استجابة المريض لدواء وهمي كفيلة بشفائة أم إنها تحجب التشخيص الدقيق لحالته و تؤخر شفاءه الفعلي؟
في الدانمارك خلصت دراسة أجريت على أطباء العموم أن 50 ٪ منهم يصفون أدوية وهمية للمرضى معظمها مضادات حيوية لحالات الرشح الفيروسي أو بعض الفيتامينات لحالات الإجهاد، و برر الأطباء تلك الوصفات رغم علمهم بعدم جدواها بأنها تمنح المريض نوعاً من الارتياح والثقة.
لنعد لقصة السيد رايت التي ذكرناها في بداية المقال، بعد خروج السيد رايت من المستشفى بأيام اضطلع على تقرير صحفي يشكك في جدوى العلاج الجديد الذي تلقاه و يصفه بأنه عديم الجدوى، و بمجرد معرفته بذلك أصيب بانتكاسة وعاد إلى المستشفى على الرغم من محاولات الأطباء إنقاذه إلا أنه توفى خلال شهرين.
ترى كم مرة تعرَّضت أنت لتأثير البلاسيبو دون أن تعلم؟ كم مرة وصف لك الطبيب دواء غالياً لا تحتاجه فقط ليقنعك بجدوى قيمة الكشف التي دفعتها أو ليتخلص من إزعاجك بالأسئلة المتكررة؟
كم مرة خضعت لجراحة أو إجراء علاجي مكلف قد لا يكون مفيداً أو ضرورياً لحالتك؟
ترى كم من مستشفياتنا العامة والخاصة التي تمارس علينا العلاج بطريقة البلاسيبو دون أن نعلم؟
وهل مازلنا نمارس الحياة باطمئنان رغم الكوارث التي نسمع عنها في القطاع الطبي بفضل تأثير البلاسيبو؟ إن كنا كذلك فأرجو ألاَّ يكون مصيرنا نفس مصير السيد رايت عندما نعرف الحقيقة ذات يوم!
بمعنى آخر أقل مواربة كان الرجل يحتضر. سمع السيد رايت وهو في المستشفى عن دواء جديد مفيد في علاج السرطان، تحمَّس له كثيراً وأصر على تجربته، وبالفعل بعد ثلاثة أيام من تعاطيه كان السيد رايت يتمشى سعيداً في ردهات القسم، و بعد عشرة أيام كان قد خرج من المستشفى بعد أن تحسنت حالته تحسناً ملحوظاً.
ما لم يكن يعرفه السيد رايت أن عدداً من مرضى السرطان الآخرين في القسم نفسه قد تناولوا نفس الدواء دون فائدة، وأن الأبحاث أثبتت أن الدواء الذي تناوله فاشل وغير فعَّال في علاج السرطان.
كيف تحسَّن السيد رايت على الرغم من أن العلاج غير فعَّال؟ لقد تحسن لأنه (اعتقد) بشدة أن هذا العلاج مفيد و له قدرة على مقاومة المرض، و بالتالي فإن دماغه أعطى جسمه إحساساً داخلياً بالشفاء بغض النظر عن فعالية الدواء.
هذا ما يسميه الأطباء بتأثير البلاسيبو (Placebo Effect).
و يعرف العلماء البلاسيبو بأنه أي إجراء علاجي يتم إيهام المريض بأنه إجراء فعَّال وهو في الحقيقة وهمي وغير حقيقي، و من الممكن أن تشمل البلاسيبو حبوب الأدوية الوهمية والحقن المائية و حتى العمليات الجراحية الكاذبة.
وعلى مدى عقود خضع كثير من الناس لتجارب متعددة واستعملوا آلاف الوصفات والأدوية الوهمية في محاولة لفهم تأثير البلاسيبو ودائماً ما كانت النتائج مربكة ومحيرة وتدل على تعقيد عملية التفكير لدى الإنسان وتباينها من شخص لآخر.
ففي إحدى التجارب قام الأطباء بإعطاء حقن للمرضى وأخبروهم أنها تحتوي على مسكن قوي ضد الألم، و الواقع أن نصف المرضى فقط هم الذين أخذوا مسكناً حقيقياً، في حين أخذ نصفهم الآخر محلولاً ملحياً فقط، لكن العجيب أن كلا الفريقين أبدى استجابة مشابهة في درجة تحمل الألم.
وفي دراسة أخرى أجريت في جامعة دنفر الأمريكية عام 2004، تم إخضاع مرضى بحالات متقدمة من داء الباركنسون إلى جراحة تجريبية تهدف لزرع خلايا عصبية جنينية في أدمغتهم تساعد على تعويض مادة الدوبامين التي تفقدها خلاياهم العصبية، و قد تم إخضاع نصف المجموعة لجراحة حقيقية و نصفهم لجراحة كاذبة، والعجيب في الأمر أن كلا الفريقين أبدى شعوراً متقارباً بالتحسن في طبيعة الحياة اليومية بعد الجراحة!.
ولا يقتصر تأثير البلاسيبو على الإجراءات المباشرة كالأدوية و الجراحة بل إنَّ لاوعي المريض يلعب دوراً كذلك، فمجرد رؤية المريض للمعطف الأبيض للطبيب أو دخوله للمستشفى أو حتى تنشقه لرائحة المطهرات المميزة في المستشفيات كفيلة بإشعاره بنوع من التحسن.
ليس كذلك وحسب بل حتى سعر الدواء و اسمه وجرعته تلعب دوراً في تأثير البلاسيبو الذي يرافقه. فبين دواء يكلف عشرة سنتات و دواء يكلف دولارين ونصف الدولار أبدى المرضى الذين تعاطوا الدواء الأغلى شعوراً أفضل بالتحسن على الرغم من أن كليهما وهمي!.
لكن ما مدى أخلاقية وصف الأدوية الوهمية للمرضى؟ و هل هي حقاً فعَّالة على المدى الطويل؟ و هل استجابة المريض لدواء وهمي كفيلة بشفائة أم إنها تحجب التشخيص الدقيق لحالته و تؤخر شفاءه الفعلي؟
في الدانمارك خلصت دراسة أجريت على أطباء العموم أن 50 ٪ منهم يصفون أدوية وهمية للمرضى معظمها مضادات حيوية لحالات الرشح الفيروسي أو بعض الفيتامينات لحالات الإجهاد، و برر الأطباء تلك الوصفات رغم علمهم بعدم جدواها بأنها تمنح المريض نوعاً من الارتياح والثقة.
لنعد لقصة السيد رايت التي ذكرناها في بداية المقال، بعد خروج السيد رايت من المستشفى بأيام اضطلع على تقرير صحفي يشكك في جدوى العلاج الجديد الذي تلقاه و يصفه بأنه عديم الجدوى، و بمجرد معرفته بذلك أصيب بانتكاسة وعاد إلى المستشفى على الرغم من محاولات الأطباء إنقاذه إلا أنه توفى خلال شهرين.
ترى كم مرة تعرَّضت أنت لتأثير البلاسيبو دون أن تعلم؟ كم مرة وصف لك الطبيب دواء غالياً لا تحتاجه فقط ليقنعك بجدوى قيمة الكشف التي دفعتها أو ليتخلص من إزعاجك بالأسئلة المتكررة؟
كم مرة خضعت لجراحة أو إجراء علاجي مكلف قد لا يكون مفيداً أو ضرورياً لحالتك؟
ترى كم من مستشفياتنا العامة والخاصة التي تمارس علينا العلاج بطريقة البلاسيبو دون أن نعلم؟
وهل مازلنا نمارس الحياة باطمئنان رغم الكوارث التي نسمع عنها في القطاع الطبي بفضل تأثير البلاسيبو؟ إن كنا كذلك فأرجو ألاَّ يكون مصيرنا نفس مصير السيد رايت عندما نعرف الحقيقة ذات يوم!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣١٤) صفحة (١٣) بتاريخ (١٣-١٠-٢٠١٢)
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..