الثلاثاء، 4 مارس 2014

الرئيس الإداري والموظف "الرويبضة"!

  نحن اليوم نعيش تحت وطأة ما يسمى بالتنوير والحداثة وما يتبعها من تقليد أعمى لثقافة الغرب وتقديس للحرية الشخصية على حساب احترام الآخرين. إننا في الماضي كنا نعيش أجواء التبعية والتلقين، واليوم بدأنا نتجه نحو التفكير المستقل
في الماضي إذا دخل الموظف على رئيسه أو مديره، دخل مطأطأ الرأس ترتعد فرائصه ويتعثر بأذياله خشية أن يأمر المدير أو الرئيس بفصله أو الحسم من راتبه أو ربما سجنه!، فهو السيد المطاع، وهو الحاكم والجلاد!.
أما اليوم، فقد ظهرت فئة جديدة من الموظفين الشباب تدخل على المدير أو الرئيس وهي مرفوعة الرأس، وذلك بعد أن درست مبادئ الإدارة والقانون وعرفت حق إبداء الرأي والنقد، فبدأت تضع الكثير من علامات التعجب والاستفهام على أي قرار يصدره المدير، تناقشه وتنقده وربما ترفض تنفيذه، وتنظر إلى المدير على أنه موظف مثله مثلهم، له حقوق وعليه واجبات.
والعديد من المديرين والرؤساء اليوم، لم يستوعبوا هذا التغير في سلوك الموظفين وخاصة الشباب منهم، فعدوا ذلك سلوكا منحرفا وقلة أدب وعدم احترام، فأخذوا يتأسفون على الأيام الخوالي وكيف كان الموظف يحترم رؤساءه.
فإذا رفض الموظف تنفيذ أي قرار إداري لأنه غير مشروع أو غير قانوني، أو أصر على حق من حقوقه، أو انتقد صيغة قرار معين وأبدى رأيه الصريح عليه، عدّ البعض هذا السلوك مخالفة صريحة للمادة (11) من اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية، التي تقتضي بأنه يجب على الموظف "مراعاة آداب اللياقة في تصرفاته مع الجمهور ورؤسائه وزملائه ومرؤوسيه".
وبالتالي فإن عدم الامتثال لتوجيهات وتعليمات الرؤساء، لما لهم من صلاحيات بحكم مسؤولياتهم الوظيفية، يعدّ إخلالا بالواجبات الوظيفية التي تقع على عاتق الموظفين، وعليه يجب إنذار الموظف وأخذ تعهد عليه بعدم تكرار هذا السلوك المشين، مع أخذ ذلك في الاعتبار عند تقويم الأداء الوظيفي وخصم درجات التعامل مع الرؤساء ومدى تنفيذ التوجيهات.
فإذا لم يعتبر الموظف وينتهي وكرر سلوكه المنحرف في الاعتراض أو النقد، في هذه الحالة يجب إحالة موضوعه إلى الإدارة المختصة للتحقيق معه، ومن ثم توقيع الجزاءات والعقوبات النظامية عليه، وإذا اعترض الموظف على إجراءات التحقيق، التي تكون في الغالب تعسفية لإرضاء الرئيس أو المدير، فيجب إحالة موضوعه إلى هيئة الرقابة والتحقيق بحكم الاختصاص.
ومن المفارقات العجيبة، أن نجد بعض المديرين يرون بأن لهم الحق في النقد والقيام بما يريدون تجاه موظفيهم، فيتدخلون بشكل سافر في أعمالهم، وينتقدون كل صغيرة وكبيرة وبأسلوب ساخر وتهكمي، بالإضافة إلى عدم التقدير لجهودهم وعدم الشعور أو الإحساس أو الاستجابة لاحتياجاتهم وأفكارهم ومشاعرهم.
هذا باختصار شديد واقع بعض الجهات الحكومية في التعامل مع الموظفين الشباب الذين ينتقدون أعمال هذه الجهات، أو عندما يطرحون وجهات نظرهم حول قرارات رؤسائهم، فالعلاقة للأسف أصبحت كعلاقة السيد بعبده، وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر تظلمات وقضايا عديدة في ديوان المظالم ووزارة الخدمة المدنية من هذا القبيل.
وهذه الظاهرة ليست قاصرة فقط على بيئة العمل الحكومي، بل نجدها في الجامعات ومراحل التعليم الأخرى، فنجد الطالب اليوم يتخذ موقفاً مخالفاً لأستاذه، وظهور التفكير المستقل والنقدي لدى الشباب اليوم، ورفضه من قبل بعض المديرين والرؤساء التقليديين جعل من بيئة العمل الحكومي بيئة عمل طاردة ومحبطة، وللأسف فإن هذه الظاهرة لم تأخذ حقها من البحث والدراسة، وإنما تم تسليط الضوء على الجانب السلبي لتفكير الشباب.
فالبعض على سبيل المثال يرى أن العلاقة بين الآباء والأبناء في كثير من الأحيان تفتقر إلى الحدود والاحترام، وبالتالي فإن أي اعتراض أو نقد للوالدين من قبل الأبناء هو نوع من العقوق، والعلاقة بين المعلم والطالب أصبحت علاقة عنف وشدة وعدم مبالاة، وبالتالي فإن علاقة الموظف برئيسه أصبحت على هذا النحو، وما يراه البعض أن أسباب ذلك تعود إلى أحوال مجتمعنا السيئة، فنحن اليوم نعيش تحت وطأة ما يسمى بالتنوير والحداثة وما يتبعها من تقليد أعمى لثقافة الغرب وتقديس للحرية الشخصية على حساب احترام الآخرين.
وحقيقة الأمر في رأيي، أننا في الماضي كنا نعيش أجواء التبعية والتقليد والتلقين، واليوم بدأنا نتجه نحو التفكير المستقل والنقد وإبداء الرأي، في الماضي كان هناك احتقار ونظرة دونية إلى الأطفال وإلى الشباب وإلى الموظفين، وكان الاحترام من طرف واحد فقط.
البعض يقول إننا اليوم نعيش في زمن "الرويبضة"، فالموظف الرويبضة ينتقد رئيسه، والطالب الرويبضة ينتقد أستاذه، وكل من ينتقد أو يبدي رأيه قد يصبح في رأي البعض رويبضة!
وهذا الرأي للأسف مأخوذ من التفسير الخاطئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".
فالبعض نسي سياق الحديث، وركز على عبارة "الرجل التافه"، وهذا بسبب احتقار الناس وآرائهم، وإلا فإن الحديث يتعلق بالشخص الذي توكل إليه مسؤولية أو أمر ما، فيخون الأمانة ولا يصدق مع الناس ويعمل في الظلام وبلا شفافية فهذا هو الرويبضة، وليس من يبدي رأياً أو ينتقد أمراً ما، فهذا حق من حقوق الإنسان الطبيعية التي أقرها الإسلام، مهما كانت مكانة الإنسان الاجتماعية أو الوظيفية، فسيرة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، تعلمنا حق النقد وإبداء الآراء، مهما كانت صحيحة أو خاطئة، والقصص في هذا المجال كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا.
وبناء على ما سبق، فإن كلمة "رويبضة" في الحقيقة تنطبق على ذلك المسؤول الإداري الفاسد والخائن للأمانة، وغير الملم بمتطلبات وواجبات ومسؤوليات منصبه، والمتسلط على موظفيه، الذي يسعى دائماً إلى تحقيق مصالحه الشخصية على حساب الموظفين وعلى حساب المصلحة العامة.
سطام المقرن        2014-03-04 12:06 AM

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..