لا
يمكن لِموَظَّف عاقِلْ ــ مهما كانت وظيفته ــ أنْ يُغامِر بالدخول في
معركة إدارية مع “وَلَدٍ مُدَلَّلْ” لرئيس شركة عامَّة، هذا إذا إستبعدنا
عمل الإبن مع أبيه في جهاز حكومي. لأنَّ نتيجة هذه المعركة محسومة قبل
بدءها لصالح الوَلَد المُدَلَّلْ، مهما كانت الوقائع أو المستندات. لذلك،
يَندُر أنْ تَسمَعْ بمثل هذه المعارك الإدارية. ولكن يشهد التاريخ الإداري
حدوث العديد من المعارك الإدارية مع وَلَد مُدَلَّلْ لا تربطه أي صِلَة
قرابة مع ولي أمر جهاز حكومي أو شركة عامة، ودائماً تكون نتيجة المعركة
لِصالِح الوَلَد المُدَلَّلْ إدارياً !؟
الخطورة
التي تَكتَنِف هذا النوع من المعارك الإدارية تتمثل في أنَّ الطرف الآخر،
أي الموظف الحريص على الجهاز الحكومي أو الخاص، عندما “يشتبك” مع هذا
الوَلَد المُدَلَّلْ، لم
يَدر بخلده أنَّ معالي أو سعادة الرئيس سَيَقِف في صَف “وَلَده” الإداري
مهما كانت مخالفات الوَلَد المُدَلَّلْ، وبالتالي سيقوم هذا الموظف الحريص
بتقديم جميع الوثائق والحقائق لمعاليه أو سعادته دون مجاملة أو دبلوماسية
في العَرضْ، ظَنَّاً مِنه أنَّ معاليه أو سعادته حريص كل الحرص على مصلحة
هذا الجهاز الحكومي أو الشركة العامة، ولا يُميِّز بين الموظفين !!؟
كلامي
هذا ليس مَحضْ خيال وفانتازيا، بل من واقع تجربة مَريرَة ومؤلمة مَرَرتُ
بها قبل حوالي ثلاثين سنة، حينما
تَوَليت إدارة شركة شبه حكومية لها مجلس إدارة عضويته من كبار
البيروقراطيين ويرأس مجلس الإدارة وكيل وزارة المالية، والعضو المنتدب
للشركة كان وَلَداً مُدَلَّلاً لوزير المالية !؟
كانت
جريمتي الوحيدة ــ حَسَبْ ظَني ــ عدم دبلوماسيتي في التعامل مع الوَلَد
المُدَلَّلْ، وحتى لا يُسيء القارئ الظَّن، فالمقصود بعدم الدبلوماسية هي
الافتقار لموهبة “النِفاق” الإداري لأعضاء مجلس الإدارة، ولسعادة العضو
المنتدب على وجه الخصوص. أما النتائج المالية للشركة التي كُنت
أعتقد بأنَّها المعيار الأوَّل والأخير الذي يستخدمه مجلس الإدارة لتقييم
عمل المدير، فقد كانت القشَّة التي كَسَرَتْ ظهر بَعيرْ صَبرْ الوَلَد
المُدَلَّلْ على عدم دبلوماسيتي. حيث استطعت مع بقية أفراد الشركة من
تحويلها من الخسارة المستمرة منذ أربع سنوات إلى الربح خلال عام واحد فقط.
وكانت المفاجأة بمكافأة هذا الإنجاز المالي عبر “تلكس” فَصلْ للمدير العام،
هذا إذا لازال القارئ يعرف معنى “تلكس” !؟ وكان من ضمن الفشل الدبلوماسي
الذي وَقَعتْ فيه بشأن التعامل مع “إنجازات” الوَلَد المُدَلَّلْ، أنني
ألغيت عقد لتمديد الكهرباء في موقع
المشروع سَبَقَ وأنْ وقَّعه سعادته مع شركة بمبلغ 2.5 مليون ريال ومدة
تنفيذ 30 شهراً, وأسنْدتُه على شركة أخرى بمبلغ 1.5 مليون ريال ومدة تنفيذ
ثلاثة أشهر !؟ طبعاً، جميع المستندات موجودة إذا أرادت الهيئة الوطنية
لمكافحة الفساد أنْ تضعها في متحف “نزاهة” للفساد البيروقراطي والخاص، خاصة
وأنها بدأت مُؤخَّراً بآخر صرعاتها التثقيفية، أَلا وهي حَملَة تثقيف
القطاع الخاص بمخاطر الفساد على البلاد والعباد !؟
وإزاء
جَزاء سـِنِمَّـارْ الذي كُوفِئتُ به، ظَنَنت أنَّ لجوئي
لمعالي وزير المالية آنذاك وتزويده بهذه الوثائق سيُجبِرْ الشركة على
الأقل بتعويضي عن قرار الفصل التعسفي، ولكن غَابَ عني حقيقة أنَّ العضو
المنتدب كان وَلَداً مُدَلَّلاً لمعالي الوزير والوزارة آنذاك وحتى الآن،
بدلالة أنَّ هذا الوَلَد المُدَلَّلْ لا يزال مُنذُ 39 سنة يَعَمَلْ مديراً
لشركة شبه حكومية عملاقة تملك هذه الشركة التي عَمَلتُ بها إضافة إلى
حوالي عشر شركات أخرى في دول عربية. بالطَّبعْ، لم يَكُنْ هذا الوَلَد
المُدَلَّلْ ليستمر يوماً واحداً لولا دعم وزير المالية السابق والحالي !؟
وبالتالي، لا محالة عَرَفَ القارئ الكريم
خطأ ظَني، وكذلك نتيجة شكواي الوَلَد المُدلَّلْ على “والده” وزير
المالية، والتي أستمرت في الدوران أكثر من خمس سنوات !؟
الغريب
أو المُضحِك المُبكي في تجربتي المَريرَة مع ذلك الوَلَد المُدَلَّلْ
“مَعاليِّاً”، أنَّ وزير المالية الحالي حينما شكاني قبل حوالي 15 سنة على
فقيد الوطن سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه، بسبب
مقالاتي عن وزارة المالية، أشـار “بِحُسنْ نيِّة” في خطاب شكواه للأمير
إلى: (وجود قَضيِّة بيني وبين الشركة، ولكنه لم
يَستقصِ ذلك) !؟ ولكن الأمر المُحيِّر فعلاً يتمثل في حقيقة أنَّ شكواي
لوزير المالية السابق كانت قبل حوالي تسع سنوات من تعيين وزير المالية
الحالي !؟ تُرى، كيف عَرَفَ “أبو عبدالعزيز” عن السيرة الذاتية لأبي حمد في
تلك الشركة !؟
عُموماً،
يَتَعلَّم الإنسان من أخطائه، ولكن أحياناً يكون ثَمَنْ هذا التَّعلُّم
باهضاً جداً، ليس في جانبه المالي فَحَسب، بل في جانبه النفسي والمعنوي.
ولكن،
لمـاذا يا تُرى
هذه المُقدِّمة المُمِلَّة عن الوَلَد المُدَلَّلْ لوزيري المالية !؟
السبب أنها تُكرِّر نفسها الآن في شركة عملاقة تملك الحكومة حوالي 77% من
رأسمالها !؟
يسـتقيل ثُمَّ يُعيَّنْ !؟
قبل
حوالي سنتين تمَّ تعيين رئيساً جديداً لمجلس إدارة شركة الاتصالات
السعودية، بعد
إستقالة الرئيس السابق الدكتور محمد الجاسر، بسبب تعيينه وزيراً للاقتصاد
والتخطيط، بسبب مَنْع عضو مجلس الوزراء من رئاسة مجالس إدارات الشركات.
رئيس
مجلس الإدارة الجديد هذا يملك تاريخ إداري جيد حينما عَمِلَ قبل حوالي
رُبع قَرنْ رئيساً تنفيذياً لشركة الإلكترونيات المتقدمة، خاصةً استعانته
بالعديد من الأكاديميين السعوديين للعمل أو الاستشارة بالشركة. وبعد سنوات
طويلة تَرَجَّلَ عن إدارة هذه الشركة، ولكن ليعود بعد أقل من ثلاث سنوات
رئيساً تنفيذياً للشركة
السعودية للكهرباء؛ إلاَّ أنَّه استقال من هذه الوظيفه بعد عدة أشهر بسبب
عدم دعم مجلس الإدارة للخطة التي طَرَحَها عليهم. وعلى الرغم من تعليمه
وخبرته الهندسية الكهربائية والإلكترونية، إلاَّ أنَّه بعد حوالي ثلاث
سنوات أخرى عُيِّن رئيساً لشركة تطوير التعليم القابضة (الحكومية)، ولكن
ليستقيل مرة أخرى من هذه الوظيفة بعد أشهر قليلة لأسباب غير معروفة !؟
ثُمَّ بعد أقل من ثلاث سنوات، وعلى “طائرة” وزارة المالية، يَدخُل عضواً في
مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية، ليُفاجَأ “المؤرخين البيروقراطيين”
باختياره رئيساً لمجلس إدارة الشركة
على الرغم من وجود إثنان من أصحاب المعالي أعضاء بالمجلس، أحدهما نائب
وزير !؟
بعد
أقل من شهرين من توليه رئاسة مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية،
يُعيِّنْ المجلس الدكتور خالد الغنيم رئيساً تنفيذياً للشركة (18/6/2012م)،
ولكن ليستقيل بعد تسعة أشهر فقط؛ حيث دارت إشاعات بأنَّ سـَبَبْ الاستقالة
هو تَدَخُّل رئيس مجلس الإدارة في مهام الرئيس التنفيذي. وما يؤكِّد صحة
هذه الإشاعات حقيقتان:
الأولى:
القرار
السريع لمجلس الإدارة في قبول إستقالة الرئيس التنفيذي الدكتور خالد
الغنيم، حيث قُبِلَت إستقالته في اليوم التالي من تقديمها؛ بل وأعتُبِرَت
نافذة بعد عشرة أيام من موافقة المجلس على قبولها. تزداد الغَرابة في هذه
النقطة حين نَعلَمْ أنَّ رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية الحالي
بقي ثلاثة أشهر رئيساً تنفيذياً للشركة السعودية للكهرباء بعد قبول مجلس
إدارتها إستقالته !؟
الثانية:
القرار السريع لمجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية في تعيين رئيس مجلس
الإدارة
عضواً منتدباً للشركة إضافةً إلى منصب رئيس المجلس، على الرغم من مخالفة
ذلك للائحة حوكمة الشركات التي تَمنَعْ الجمع بين هذين المنصبين. باختصار،
وبدون دبلوماسية: رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية “طَفَّشَ”
الرئيس التنفيذي ليستقيل، حتى يُعَيَّنَ نَفسَهُ رئيساً تنفيذياً، إضافة
إلى وظيفته “بالانتخاب” رئيساً لمجلس الإدارة. وهنا يبدأ الفَصلْ المؤلِم
من قِصَّتنا !؟
السـعوَدَة المقلوبة !؟
لم
يَكَدْ يَستَقِر رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية على كرسي الرئيس
التنفيذي تحت مُسمَّى “العضو المنتدب”، حتى بدأت القرارات الغريبة تَصدُر
تِباعاً، في ظاهرة غير مسبوقة مُطلَقاً في تاريخ الشركات السعودية، سواءً
الحكومية أو شبه الحكومية، أو حتى الخاصة. هذه الظاهرة هي إعفاء
(إستقالة/طَردْ !؟) العديد من كبار التنفيذيين السعوديين من نواب رئيس
ومدراء عموم، وإحلال مدراء أجانب
مَحلَّهم، وبمزايا مالية لا تَخطُر على بال !!؟
قد
يقول قائل أنَّ السَّبَبْ هو حالة الفساد المُتفشي في المناصب القيادية
التنفيذية بشركة الاتصالات السعودية قبل تولي سعادة رئيس مجلس الإدارة
والعضو المنتدب دفَّة الشركة بالكامل. هذا القول فيه من الصحَّة الشيء
الكثير، ولكن هل يعني ذلك أنَّ جميع العشرين ألف موظف بشركة الاتصالات
السعودية فاسدين !؟ وهل يعني تعيين مدراء أجانب القَطْع بفساد جميع
السعوديين المؤهلين خارج الشركة لشغل هذه الإدارات التي شَغَرَتْ بعد طرد
مدراءها السعوديين ؟ وقبل هذا وذاك، هل السادة أعضاء مجلس إدارة شركة
الاتصالات السعودية بالفعل مواطنين غيورين على حقوق أبناءنا وإخواننا، حتى
يَبصِموا على قرارات رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب بتعيين نواب رئيس
ومدراء عموم أجانب محل السعوديين المطرودين !؟ هل هم أيضاً بِبَصمِهِمْ هذا
يُؤكِّدون على فساد جميع السعوديين داخل وخارج الشركة حتى يستوردون موظفين
أجانب لشغل وظائف قيادية تنفيذية في شركة شبه حكومية تبيع منتجاتها في
المملكة ؟ وقبل هذا وذاك، كيف يُوافِق أعضاء مجلس الإدارة على تولي رئيس
المجلس لوظيفة العضو المنتدب في
مخالفة صريحة للائحة حوكمة الشركات ؟ هل يقرأ أعضاء مجلس الإدارة هذه
اللوائح ليعرفوا مسئولياتهم كأعضاء في مجلس إدارة شركة مساهمة !؟ وهنا
تزداد الحيرة بتشكيلة مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية: هل هم موظفين
يأتمرون بأمر رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب ؟ أم أنهم لا يدرون عَمَّا
يجري في الإدارة التنفيذية للشركة، وكل ما يهُمهم المكافأة السنوية ومكافأة
حضور جلسات مجلس الإدارة !؟
ومع ذلك، إليكم إبداعات رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب بعد إسـتيلاءه على الوظيفتين،
حيث إعتمد الهيكل التنظيمي الجديد للشركة الذي يَضُم:
(1)
ستة عشر نائباً للرئيس، ثمانية منهم أجانب؛ أحدهم نائباً أعلى للرئيس
لوحدة المستهلك، وكأنَّ شركة الاتصالات السعودية تُنتِج “حلاوة حلقوم”
لتبيعها في الأسواق التركية !؟
(2) ثمانية عشر مدير عام، إثنان منهم أجانب (أحدهم مدير عام الخزينة!؟).
لذلك،
وتقديراً لهذا الإبداع في
إختراع هيكل تنظيمي جديد لم يسبقه أحد في عمله، من الملائم جداً تغيير إسم
شركة الاتصالات السعودية إلى “شركة نُوَّاب الرئيس ومُدراء العموم” !؟
الجميع شُركاء في المسئولية !؟
إنَّ
وزارة العمل، ووزيرها الديناميكي المهندس عادل فقيه، مسئولين مسئولية
مباشرة عن جريمة
السعوَدَة المقلوبة التي تَمَّتْ خلال السنتين الماضيتين في شركة
الاتصالات السعودية، والسؤال: كيف يسمح وزير العمل بإحلال أجانب محل
سعوديين في وظائف قيادية، وذلك في مُخَالَفة صارخة لنظام أصدرته وزارة
العمل !؟
قد
يقول قائل: وما دخل وزارة العمل !؟ والإجابة في الماده (15) من اللائحة
التنفيذية لنظام العمل التي تقول: (لا يجوز أنْ يؤدي الاستقدام إلى منافسة
العمالة السعودية وإقصائها عن العمل في مهنة أو مجموعة من المهن أو الحرف
أو الأنشطة). والسؤال هنا: هل عَقُمنَ أخواتنا
وأمهاتنا عن إنجاب سعوديين “يملأون عين” سعادة رئيس مجلس الإدارة العضو
المنتدب وبقية زملاءه أعضاء المجلس !؟ وأي وطنية هذه التي يقوم بها رئيس
مجلس الإدارة العضو المنتدب، ويؤيده مجلس إدارة الشركة سواء بالبصم أو
الصمت على طرد السعوديين وإستقدام الأجانب !؟ ولماذا أصدَرَتْ وزارة العمل
تأشيرات ورُخَص عَمَلْ لهؤلاء الأجانب الذين أخذوا وظائف المواطنين
السعوديين !؟
كذلك
فإنَّ هيئة السوق المالية هي الأخرى مسئولة مسئولية مباشرة عن تمكين رئيس
مجلس الإدارة لتولي منصب
الرئيس التنفيذي، وبالتالي إطلاق يديه للبَطش بالتنفيذيين السعوديين سواء
بطَردِهم أو التضييق عليهم ليستقيلوا لإحلال الأجانب مكانهم، لمـاذا !؟
لأنَّ المادة الثانية عشرة (فقرة د) من لائحة حوكمة الشركات تقول: (يُحظَر
الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة وأي مَنصِبْ تنفيذي بالشركة، مثل منصب
العضو المنتدب أو الرئيس التنفيذي أو المدير العام). فلماذا صَمَتَتْ هيئة
السوق المالية هي الأخرى، ولم تُعاقِب شركة الاتصالات السعودية على هذه
المخالفة الصارخة للائحة أصدرتها الهيئة وتُطبِّقها على جميع الشركات !؟
كما
يُقال، كُنَّا ننتظر ظهور الشمس من الشرق، فإذا بها تُشرِق سوداء حارقة من
الغرب !! حيث كُنَّا نتوقع تشديد وزارة العمل على البنوك بالسعوَدَة
الكاملة للقطاع المصرفي، فإذا بنا نُفاجَأ برئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات
السعودية “السعودي الأصل والولادة والمنشأ” يَقلِبْ الطاولة على أي شيء
سعودي، وأي ثقة في الشباب السعودي داخل الشركة وخارجها، بل وكأنَّه يؤصِّل
للشَّك والرِّيبة بكل سعودي يتولى منصب إداري رفيع، ومن ثَمَّ أصدَرَ حُكمه
الظالِم بأنَّ غير السعودي أكثر ثِقَة وأمانة وولاءً للسعودية
من أبناءها، ففتح للأجنبي الأبواب والنوافذ وأجزَلَ له الأجر والتقدير في
أعلى المناصب القيادية بالشركة؛ كل ذلك يحدث ووزارة العمل وهيئة السوق
المالية وديوان المراقبة وغيرهم من الأجهزة الحكومية يَتفرَّجون من
مُدَرَّجات السعوَدَة، بل يُبارِكون بِصَمتِهم لقرارات رئيس المجلس والعضو
المنتدب، وكأنَّ شركة الاتصالات السعودية شركة غير سعودية تعمل خارج
المملكة ولا تملك الحكومة 77% من أسهمها !؟ أليس هذا الجنون الإداري في
إبعاد السعوديين وإستيراد الأجانب هو ما أشار إليه الرئيس التنفيذي
المستقيل الدكتور خالد الغنيم حين كتب في تويتر: (أنا
ضد الفساد، ولكني أيضاً ضد “فوبيا الفساد”) !؟
تَعدُّد الأخطاء لا يَصنَعْ صَواباً واحداً !؟
الآن،
السؤال الذي قد يَطرَحه القارئ بعد قراءته عنوان هذا المقال الطويل: ما
أدراك أنَّ رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب “وَلَداً مُدَلَّلاً” لوزارة
المالية، بحيث لم يجروء
بقية أعضاء مجلس الإدارة على الحد من بَطشِه في قضية السعوَدَة للإدارة
التنفيذية بالشركة !؟ السَّبب يتمثل في أربع حقائق:
الأولى:
الدولة (وليس وزارة المالية) هي التي شكَّلَت أوَّل مجلس إدارة لشركة
الاتصالات السعودية عام 1998م، وذلك باختيار شخصيات وطنية شُجاعة لا تخاف
في الحق لومَة لائم. والدليل على ذلك أنَّ غالبية أعضاء أوَّل مجلس إدارة
لشركة الاتصالات السعودية لم يترددوا في مُقابلة القائد أبي متعب ــ يحفظه
الله ــ لينقلوا له آنذاك مُخالفات رئيس المجلس لصلاحياته،
مما أدى إلى إعفاءه الفوري ليس من مَنصِبه رئيساً لمجلس إدارة شركة
الاتصالات السعودية فَحَسبْ، بل من مَنصِبه وزيراً للاتصالات !؟ بمعنى آخر،
وبدون دبلوماسية، شَـتَّان بين أعضاء مجلس الإدارة الأوَّل والحالي، حيث
لم يَخَفْ أعضاء المجلس الأول من وزير، في حين جَبُنَ أعضاء المجلس الحالي
من مواجهة شخص يَدعَمُه وزير !؟
الثانية:
معروف أنَّ الدولة ــ مُمَثَّلة بوزارة المالية ــ تملك حوالي 77% من أسهم
شركة الاتصالات السعودية (صندوق الاستثمارات العامة 70%، والمؤسسة العامة
للتقاعد 6.6%)، وبالتالي لا يَخفى على أي حَصيف أنَّ وزارة المالية هي
التي تُسمي غالبية أعضاء مجلس الإدارة، بل كأني بها هي التي عَيَّنَت كامل
أعضاء المجلس الحالي؛ وهذا ما تؤكِّده حالة الصمت القاتل لأعضاء مجلس
الإدارة الحالي إزاء مُغامَرات رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب !؟
الثالثة:
مِنْ المؤكَّد أنَّ السادة أعضاء مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية
يملكون من الدبلوماسية الشيء الكثير، الذي لم يتوفر لي حتى الآن، وبالتالي
من غير المنطق أنْ يَقوم أيٍ منهم بمُعارَضة
السياسات الإدارية لرئيس مجلس إدارة بشخص “الوَلَدْ المُدَلَّلْ” لوزارة
المالية، ناهيك عن تفكيرهم بشكايته على “والده بالتبني” معالي قائمقام
الوزارة العملاقة جداً !!
الرابعة،
والأهم: في أول لقاء لرئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية مع كبار
التنفيذيين بالشركة من نواب رئيس ومدراء عموم، قال لهم: (أنا جئت بطلب من
وزير المالية) !؟
وهنا،
يجب أن أتَوَقَّف، ولكن ليس قبل التذكير بالعبارة الشهيرة
لإبن مدينة بريده البار الأستاذ فهد أبو صَدَّام، حين هَزَّه الشوق
لِمَسقَطْ رأسِّه وهو في بيروت، فقال باللهجة القصيمية: (يا حّولْ يالَّلي
ما لُه بريده)، وأستأذنه بالقول: (يا حّولْ يالَّلي ما لُه وزير ماليه) !؟
خُلاصَة هذا المقال الطويل جداً، أمرانْ:
الأوَّل:
قد يَتَغيِّر الزمان، وقد يَتَغيِّر المكان، وقد يَتَغيِّر شَخصْ وشخصية
الوَلَد المُدَلَّل؛ إلاَّ أنَّه لن تتَغيَّر هَيبَة وبَطشْ الوَلَد
المُدَلَّلْ لوزارة المالية، متى ما عَنَّ له ذلك !؟
الثاني:
الفساد خطأ، بل جريمة؛ والتقليل من كفاءة المواطن السعودي خطأ كبير وخطير
جداً؛ وكذلك النظرة للجميع بِعَينْ الشَّك والرِّيبة خطأ أفدَح؛ والحقيقة
المُرَّة أنَّ الثلاثة أخطاء هذه لا تَعمَل صَوَاباً واحداً !؟
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..