بهذه الجملة المتوارثة في منطقة "نجد" والتي همس لي بها صديقي الأنيق،
هدأت السؤالات الحيرى التي كانت تلوب في رأسي، حال سماعي خبر تعيين صاحب
السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، وعن الأسباب
الحقيقية التي كمنت خلف القرار، والمصالح الراجحة التي ستترتب منه.
يقول هذا الصديق -الخبير بشؤون الحياة- بأن تلك الجملة كان يسمعها من
والده -يرحمه الله- وكان كبار السنّ يرددونها في قريتهم عندما يستعجم عليهم
فهم بعض الأمور السياسية المحلية. والمثل له مغزى كبير، ليس فقط بما
يتبادر للذهن، بألا علاقة لنا بما يحدث، وندع السياسة للساسة، وننصرف لشؤون
معيشتنا؛ بقدر أن ثمة معطيات ومعلومات ودوافع كبيرة، لا نتوافر على
تفاصيلها ودقائقها، هي التي جعلت من ولي الأمر يتخذ القرارات الحاسمة التي
قد نفاجأ بها أحيانا، ولكن غالبا ما كانت صائبة في نهاياتها، وتتبدى حكمتها
بعد حين.
بالتأكيد أن الوطن بأغلب طوائفه وتياراته وشرائحه الاجتماعية والاثنية يثق بالكامل في بُعد نظر خادم الحرمين، هذا الملك الذي أحبه شعبه لبساطته وتلقائيته وصدقه معهم، فهو -ومن حوله حكماء الأسرة الحاكمة- من مواقعهم التي تتيح لهم ما لا نراه، يروا الأصلح والأنسب من الأسرة في تسنم المسؤولية، ولديهم القواعد والأدبيات المتوارثة التي تنتظم العلاقة بينهم، ووالله لندعو لهم بجمع الكلمة واتحاد الصف، فتماسكهم ينعكس علينا كوطن ومجتمع، سيما أن الخطوب شتى من حولنا، والأعداء كثر، وهناك من لا يريد الخير أبدا لوطننا.
سجّل التاريخ أقوال ملوكنا الراحلين -رحمهم الله تعالى- الخالدة، حول وصايا والدهم الملك المؤسس لهذا الكيان، وكيف أنه يحرّص عليهم بالتماسك والاتحاد والسمع والطاعة للأكبر، ولا يني يضرب مثالا للنتائج الوخيمة إن اختلفت كلمتهم، وتخلخل صفهم، ولم يسمعوا للحكماء منهم؛ بما حصل من خلاف في الدولة السعودية الثانية بين الأخوين سعود وعبدالله بن فيصل بن تركي، وكيف أدى ذلك الخلاف بين الأخوين إلى تفكك الدولة بكاملها، وضياع الملك عليهم، وانعكس ذلك سلبا وتمزقا على الدولة، وتضرر الشعب وقتها وانقسم بدوره بين الأخوين، وعادت الجزيرة إلى إمارات تتناحر فيما بينها، فالدرس حاضر أبدا أمام أعين حكماء الأسرة، ما جعلنا نتجاوز بكل سلاسة وتماسك أحداثا عظاما مرت على بلادنا.
الأسرة الحاكمة بتلاحمها الداخلي أولا، ثم بتكاتفهم مع شعبها المؤمن بقيادتهم، وتقديرهم وإجلالهم العلماء وأهل الحل والعقد؛ جعلتنا نتجاوز كل تلك الظروف والمواقف الصعبة التي مرت بعضها على دول أخرى، فانهار نظام حكمها، ولكن بذلك الانسجام الرائع لأبناء الأسرة الحاكمة، ووعي الشعب وتقبله لما يقرره ولاتنا، في تناغم دقيق ومعرفة كل من الطرفين بحدوده؛ تجاوزنا كثيرا من تلك الخطوب. وهآ أنا أتذكر ما سرده تأريخنا الوطني بانتقال الحكم من الملك سعود لأخيه الشهيد فيصل بن عبدالعزيز -يرحمهما الله- وكيف تم الأمر بسلاسة ويسر، رغم حساسية ودقة الموقف، وبايع العلماء ثم الشعب بعدهم الفيصل العظيم، وانطلقت الدولة قوية وصلبة، بفعل هذا الوعي من الأسرة والشعب.
يتذكر الوطن ما فعله الملك فهد -يرحمه الله- إبان أزمة حرب الخليج، وكيف تكاتف العلماء وشعبه معه، رغم أصوات المعارضة، وأعقب ذلك بعثه مجلس الشورى، وكتابة نظام الحكم، وكذلك التحديات التي واجهتنا جميعا بعد أحداث 11 سبتمبر، ودعوات الاعلام الغربي وبعض صناع السياسة في الولايات المتحدة، باعادة تقسيم المنطقة، وطرح وقتها مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وأرادوا جبر المنطقة العربية على الديموقراطية برؤيتهم، وتعميم "الاسلام الغربي" علينا، وبدأوها في العراق هناك، وكانوا في الطريق للخليج، ولكن الله سلم منطقتنا منهم، ونسأله أن يحفظ تماسكنا الداخلي، ويوفق ولاة أمرنا إلى السير ببلادنا نحو الأمن والأمان.
وكالعادة عقب صدور القرارات الكبرى في بلادنا، تكثر القراءات والتأويلات والشائعات، وهالتني كمية الرسائل التي تلقيناها في الجوال عبر تقنية "الواتس آب" و"تويتر"، ومعظم ما نقرأه رمي بالظن، وتخمينات خاطئة، بل بعضها أقرب لمراهقة تحليلية وقراءات مغرضة، يتولى كبر توزيعها مغرضون لا يريدون الخير لمجتمعنا، ولديهم حمولات نفسية سوداء على هذا الوطن، وللأسف يتورط بعض الفضلاء من كبار المثقفين أو أكاديميي الجامعات، بنشر تلكم الشائعات، دون التبصر والتأكد من المعلومات الواردة فيه، تنعكس ارجافا في المجتمع، وخلخلة في النسيج الوطني الداخلي.
لا بد من بثّ ثقافة التأكد من الأخبار قبل ارسالها، فالشائعة تنتشر كالمتوالية الهندسية، وبزمن قياسي جدا، وتكوّن رأيا عاما يسربل كل المجتمع، بفعل هذا التناقل والسلوك غير العلمي، ولربما كانت معلومة مغلوطة، لم ينتبه لها من يقوم بارسالها، ولو كلف نفسه التأكد من المصدر، لربما انتبه للفخ، والوقيعة التي يرومها من أطلق تلك الشائعات.
بعيدا عن "الينبغيات" التي لا أود أن أكون واعظا فيها، بيد أنني أود تنبيه المجتمع بضرورة استشعار المسؤولية في هذه المرحلة، والايمان المطلق والأكيد بأن أي تماسك واتحاد في رأس الهرم، سينعكس علينا في المجتمع، وأي توتر –لا سمح الله- هناك، سنكون نحن أول من يدفع أكلافه، والله حافظنا بفضله ورحمته، ومن المهم الوعي من لدن أفراد الأسرة الحاكمة، بأن اتحادهم ووقوفهم بما عهدنا منهم عبر كل الحقب الزمانية، هو لصالح الوطن، واتحاد الكلمة واجبة، ولا مكان لأي صوت نشاز يخرج عن الاجماع أو الاغلبية وما قرره مليكنا يحفظه الله.
"الشيوخ أبخص" رغم ظرفها الزماني البعيد، إلا أننا نحتاجها بحق في هذه الظروف
بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
---------------------------
قمت بتطوير المقالة بعد نشر مقتطفات منها
_______
بالتأكيد أن الوطن بأغلب طوائفه وتياراته وشرائحه الاجتماعية والاثنية يثق بالكامل في بُعد نظر خادم الحرمين، هذا الملك الذي أحبه شعبه لبساطته وتلقائيته وصدقه معهم، فهو -ومن حوله حكماء الأسرة الحاكمة- من مواقعهم التي تتيح لهم ما لا نراه، يروا الأصلح والأنسب من الأسرة في تسنم المسؤولية، ولديهم القواعد والأدبيات المتوارثة التي تنتظم العلاقة بينهم، ووالله لندعو لهم بجمع الكلمة واتحاد الصف، فتماسكهم ينعكس علينا كوطن ومجتمع، سيما أن الخطوب شتى من حولنا، والأعداء كثر، وهناك من لا يريد الخير أبدا لوطننا.
سجّل التاريخ أقوال ملوكنا الراحلين -رحمهم الله تعالى- الخالدة، حول وصايا والدهم الملك المؤسس لهذا الكيان، وكيف أنه يحرّص عليهم بالتماسك والاتحاد والسمع والطاعة للأكبر، ولا يني يضرب مثالا للنتائج الوخيمة إن اختلفت كلمتهم، وتخلخل صفهم، ولم يسمعوا للحكماء منهم؛ بما حصل من خلاف في الدولة السعودية الثانية بين الأخوين سعود وعبدالله بن فيصل بن تركي، وكيف أدى ذلك الخلاف بين الأخوين إلى تفكك الدولة بكاملها، وضياع الملك عليهم، وانعكس ذلك سلبا وتمزقا على الدولة، وتضرر الشعب وقتها وانقسم بدوره بين الأخوين، وعادت الجزيرة إلى إمارات تتناحر فيما بينها، فالدرس حاضر أبدا أمام أعين حكماء الأسرة، ما جعلنا نتجاوز بكل سلاسة وتماسك أحداثا عظاما مرت على بلادنا.
الأسرة الحاكمة بتلاحمها الداخلي أولا، ثم بتكاتفهم مع شعبها المؤمن بقيادتهم، وتقديرهم وإجلالهم العلماء وأهل الحل والعقد؛ جعلتنا نتجاوز كل تلك الظروف والمواقف الصعبة التي مرت بعضها على دول أخرى، فانهار نظام حكمها، ولكن بذلك الانسجام الرائع لأبناء الأسرة الحاكمة، ووعي الشعب وتقبله لما يقرره ولاتنا، في تناغم دقيق ومعرفة كل من الطرفين بحدوده؛ تجاوزنا كثيرا من تلك الخطوب. وهآ أنا أتذكر ما سرده تأريخنا الوطني بانتقال الحكم من الملك سعود لأخيه الشهيد فيصل بن عبدالعزيز -يرحمهما الله- وكيف تم الأمر بسلاسة ويسر، رغم حساسية ودقة الموقف، وبايع العلماء ثم الشعب بعدهم الفيصل العظيم، وانطلقت الدولة قوية وصلبة، بفعل هذا الوعي من الأسرة والشعب.
يتذكر الوطن ما فعله الملك فهد -يرحمه الله- إبان أزمة حرب الخليج، وكيف تكاتف العلماء وشعبه معه، رغم أصوات المعارضة، وأعقب ذلك بعثه مجلس الشورى، وكتابة نظام الحكم، وكذلك التحديات التي واجهتنا جميعا بعد أحداث 11 سبتمبر، ودعوات الاعلام الغربي وبعض صناع السياسة في الولايات المتحدة، باعادة تقسيم المنطقة، وطرح وقتها مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وأرادوا جبر المنطقة العربية على الديموقراطية برؤيتهم، وتعميم "الاسلام الغربي" علينا، وبدأوها في العراق هناك، وكانوا في الطريق للخليج، ولكن الله سلم منطقتنا منهم، ونسأله أن يحفظ تماسكنا الداخلي، ويوفق ولاة أمرنا إلى السير ببلادنا نحو الأمن والأمان.
وكالعادة عقب صدور القرارات الكبرى في بلادنا، تكثر القراءات والتأويلات والشائعات، وهالتني كمية الرسائل التي تلقيناها في الجوال عبر تقنية "الواتس آب" و"تويتر"، ومعظم ما نقرأه رمي بالظن، وتخمينات خاطئة، بل بعضها أقرب لمراهقة تحليلية وقراءات مغرضة، يتولى كبر توزيعها مغرضون لا يريدون الخير لمجتمعنا، ولديهم حمولات نفسية سوداء على هذا الوطن، وللأسف يتورط بعض الفضلاء من كبار المثقفين أو أكاديميي الجامعات، بنشر تلكم الشائعات، دون التبصر والتأكد من المعلومات الواردة فيه، تنعكس ارجافا في المجتمع، وخلخلة في النسيج الوطني الداخلي.
لا بد من بثّ ثقافة التأكد من الأخبار قبل ارسالها، فالشائعة تنتشر كالمتوالية الهندسية، وبزمن قياسي جدا، وتكوّن رأيا عاما يسربل كل المجتمع، بفعل هذا التناقل والسلوك غير العلمي، ولربما كانت معلومة مغلوطة، لم ينتبه لها من يقوم بارسالها، ولو كلف نفسه التأكد من المصدر، لربما انتبه للفخ، والوقيعة التي يرومها من أطلق تلك الشائعات.
بعيدا عن "الينبغيات" التي لا أود أن أكون واعظا فيها، بيد أنني أود تنبيه المجتمع بضرورة استشعار المسؤولية في هذه المرحلة، والايمان المطلق والأكيد بأن أي تماسك واتحاد في رأس الهرم، سينعكس علينا في المجتمع، وأي توتر –لا سمح الله- هناك، سنكون نحن أول من يدفع أكلافه، والله حافظنا بفضله ورحمته، ومن المهم الوعي من لدن أفراد الأسرة الحاكمة، بأن اتحادهم ووقوفهم بما عهدنا منهم عبر كل الحقب الزمانية، هو لصالح الوطن، واتحاد الكلمة واجبة، ولا مكان لأي صوت نشاز يخرج عن الاجماع أو الاغلبية وما قرره مليكنا يحفظه الله.
"الشيوخ أبخص" رغم ظرفها الزماني البعيد، إلا أننا نحتاجها بحق في هذه الظروف
بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
---------------------------
قمت بتطوير المقالة بعد نشر مقتطفات منها
_______
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..