السبت، 26 أبريل 2014

حياة سندي كرة الثلج التي صنعها السعوديون

السعوديون تسيطر على تفكيرهم أغنية واحدة، خلال عقد التسعينيات الميلادية وحتى وقت قريب
كان التلفزيون السعودي يبث بشكل يومي تقريباً أغنية “يا يمين الخير يا يمنى فهد”، في مقطع من هذه الأغنية يشدو محمد عبده بالكلمات “في سكة التعليم حاربتي الجهل / السعودي عانق الغيمة ووصل / للكواكب للفضاء بأقصر سنين” وخلفية هذا المقطع بالذات هي صورة للأمير سلطان بن سلمان “أول رائد فضاء عربي ومسلم”، وهو يتحدث من الفضاء عام 1985، الشعور العام الذي ساد ولا زال بسبب هذه الأغنية وغيرها، هو الانطباع إن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم بعد أمريكا وبريطانيا فقط، إننا دولة متقدمة وأن العالم يهتم بنا ويتابع أدق تفاصينا، أن جامعاتنا هي الأفضل، مستشفياتنا هي الأرقى، طرقنا هي الأروع، وأننا فعلاً وصلنا القمة وآن لنا أن نصفط على جنب ونرتاح ونتقهوى ونعين من الله خير، إننا نعيش في دولة مزدهرة عظيمة يحسدنا عليها سكان كوكب الأرض والكواكب المجاورة، شعور مبالغ به في الفردانية لا يزال يعشعش في عقول الكثير حتى الآن.
منذ تعيين الدكتورة حياة سندي في مجلس الشورى أثيرت حولها الشكوك حين يصفها العامة بالعالمة صاحبة الانجازات العظيمة، شبان متعلمون يجيدون اللغة الانجليزية ويملكون مهارات البحث الاكاديمي هم من يثيرون هذه الشكوك ( هاشتاق: #هل_حياة_سندي_عالمة )، في السعودية هناك صراع بين تيارين، الأول يبرر استخدام لغة مخادعة (أول سعودية ـ أكبر جائزة في أمريكا ـ أبهر العالم .. إلخ ) لأسباب وطنية واجتماعية، التيار الآخر يتحيز للدقة واللغة الواضحة وإعطاء أي إنجاز حجمه الطبيعي، ظاهرة حياة سندي ليست متعلقة بها وحدها بل هي رتم عام بدأ ينتشر في السعودية وخلال هذا المقال سأحاول بحثه.
قبل شهرين نشرت جامعة الإمام ثم الصحف الخبر التالي “الدكتور زين العابدين يحصل على أكبر جائزة أمريكية في مجال أمن الشبكات”، قارئ الصحيفة في حريملاء مثلاً سيعتقد من تفاصيل الخبر وعنوانه أن حركة الكون توقفت فقط ليصفق العالم لهذا الدكتور المبدع في جامعة الإمام، نعم هو إنجاز لكنه في حجمه الطبيعي هو عادي وجزء طبيعي من عمل أي دكتور في أي جامعة محترمة، مثال عشوائي آخر هو قصة الأستاذ علي آل زبارة، كل عام تقوم شركات التقنية في وادي السيلكون في كاليفورنيا بقبول طلاب الدراسات العليا في تخصصات مختلفة لإجراء أبحاثهم حول منتجات كل شركة، يصدف أن تكون إحدى هذه الشركات هي شركة تويتر التي تستقطب كل عام ما يقارب الخمسين طالبا للعمل والبحث لفترة قصيرة ومؤقتة، من هؤلاء كان طالب الدكتوراه السعودي علي آل زبارة، آل زبارة تقدم لثلاث جامعات سعودية ( الملك فهد ـ الملك سعود ـ طيبة ) ولكن ولأسباب مختلفة ومتخلفة لم يتم قبول طلبه للعمل كمعيد، لذلك لجأ للإعلام، ليعرض حالته ولكن مع قليل من عبارات التفخيم من الصحفي، إن شركة تويتر بكبرها هي التي كانت تلاحق الطالب لدرجة أن أحد كتاب الرأي ضرب المثل بآل زبارة كنموذج للشاب الذي انطلق للفرص العالمية، بعيداً عن البحث عن الوظيفة الحكومية، وهي قراءة خاطئة لخبر آل زبارة الذي فعلاً يبحث عن وظيفة حكومية، هناك العشرات من الأمثلة التي تتكرر بشكل شبه اسبوعي في الاعلام السعودي، مشبعة باللغة المخادعة وغير الدقيقة.
حياة سندي هي كرة ثلج صنعها السعوديون خلال العقد الماضي، نعم هي امرأة منجزة ـ مثل الأمثلة السابقة ـ تخرجت من جامعة مرموقة واكملت ابحاثها في تخصص نادر، لكن من يرسم وبدقة الخط الرفيع بين ماهو انجاز حقيقي وبين ماهو مبالغة؟، بسبب افتقار الصحافة للصحفي الأكاديمي المتخصص ابتلينا بصحفيين جهلاء ينشرون هذه الأخبار بلغة مبالغة غير دقيقة، لا يوجد شيء اسمه “أكبر جائزة في العالم” “أقوى ..” “إسرائيل حاولت اغراءها بالمال .. إلخ، هذه الأخبار تتسرب إلى عقول الناس وتثير اهتمامهم لأسباب،  الفتاة في السعودية تجعل حياة سندي انموذجا لها وتبالغ في مجالس الحريم بانجازاتها، لتقول إنها مرشحة لجائزة نوبل، المسؤول في السعودية يتحدث عن حياة سندي كي لا يشعر بالذنب لملايين الفتيات اللاتي لم ولن يحصلن على وظيفة بعد البكالوريوس، من يدعم برنامج الابتعاث يحتاج المبالغة في قصص المبتعثين وانجازاتهم، المجتمع بأكلمه بقصد ومن غير قصد شارك ويشارك في صنع كرات ثلج لأنه يحتاجها نفسياً، نعم حياة سندي لم تقل للناس أن تصفها بالعالمة ولو كنت مكانها لفعلت مثلها، فالهالة التي صنعت حولها كانت مبدأ “لم آمر بها ولم تسؤني”، في نفس الوقت أؤيد من ينتقد ويشكك في طبيعة انجازاتها لنضعها في مكانها الطبيعي، للتوازن ونشر الحقيقة نحن نحتاج المزيد من هذه الأصوات التي تشكك وتنبش مثل حاجتنا لحياة سندي ومئات الأمثلة الناجحة في بلادنا.
 لمقال المحذوف من عكاظ: حياة سندي كرة الثلج التي صنعها السعوديون
سعيد الوهابي @S_Alwahabi

26 نيسان (إبريل) 2014


رابط النسخة المخبأة في قوقل:

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..